الأربعاء، 2 أغسطس 2017

The Fate : حافة الحياة (الفصل السابع)

                                          . > حافة الحياة < .
                                                     .. الفصل السابع ..



                                                      BY : KIM NANA

     

أكبر حاجتنا ، ألا نحتاج ..

البحث عن حياة كريمة، هو أكثر ما يعرض الناس للمذلة

كانت هذه حقيقة قد ترسخت في أعمق نقطة من منطق حياة إيفا

لذلك أحنت رأسها في مذلة ترجو كيو هيون ألا يقبل إستقالتها، حتى تستطيع إنصاف تشين و سونيا

عسى ولعل أن يعيشا الآتي من حياتهما بكرامة

نبر كيو هيون :
- لقد قبلتها و إنتهى الأمر.

نفت إيفا برأسها دون أن ترفعه :
- لا يمكنني الذهاب و ترك سيدلي أوستن ...

ثم ترأى لها وجه سونيا بكدماته الزرقاء المائلة للبنفسجية، ووجه تشين الباكي و أنفه المتخضب بالحمرة الصارخة

عادت تتدفق إليها ذكريات قديمة، ذكريات خيل إليها أنها قد نسيتها
صورة أمها واقفة أمام موقد الطعام تصب العشاء
بينما هي تحمل زبديات الأرز الى الطاولة ذات الأرجل القصيرة بزهو و حبور
ناولتها والدتها زبدية العصيدة الكبيرة، عندما إنفتح باب منزلهم الأشبه بجراج مهمل بعنف

إرتدى وجه أمها قناع الخوف المختلج بألم رمادي
كان والد إيفا ، و بالرغم من صغر عمر الأخيرة وعدم تجاوزها لسنونها التسع
الا أنها كانت تعي ماذا يعني وصول أبيها عند المساء
لكنه وصل مبكراً هذه المرة
إقترب مترنحاً صوبهما ورائحة الكحول الكريه تتطاير من عليه و تغطي المكان
قلب كامل الطاولة بما عليها من أواني و طعام
و كان رغم سُكره قادراً على التماسك من الناحية الجسمانية و يصرع كل ما أو من يعترض طريقه

أخذ جسد إيفا الصغير الهزيل يرتجف وهي ترقب أمها تتلاقى الضربات بنظير غير منقطع
كانت تشهد هذا كأنه واجب منزلي تحتم على أبيها إتمامه يومياً
كان الإنتماء لأب مثله فضيحة، ففي الضاحية الصغيرة التي كانوا يسكنونها و قتذاك
قبيل إنتقالها هي و أمها الى سيئول، كان يعرف جميع ساكنيها أنها إبنة ذلك الرجل غريب الأطوار عديم المعشر

لكنها الآن ليست بطفلة الأمس مسلوبة الإرادة و القوة ، ولن تسمح لغريب أطوار آخر على شاكلة أبيها أن يمارس إضطرابه على أفراد أسرته

تقوس فمها و تجمع الدمع في مقلتيها :
- تشين و السيدة سونيا (همست غير أكيدة ما إن كيو هيون يسمعها) لا أستطيع خذلانهما

إنتصبت قامة كيو هيون و إقترب بخطواته منها وهو يطبق راحتيه خلف ظهره براحة:
- فلترفعي رأسك كمحامية حقيقية و لتخبريني لماذا تتخلين عن قضيتك؟

رفعت رأسها تناظره بعيونها الضبابية في بلاهة:
- قضيتي!! ، هل كنت تقصد بكلامك قضية السيدة سونيا؟

ضاقت عيناه لدموعها التي بللت رمشها وحدق قليلاً قبل أن يسألها :
- وهل هناك شيء آخر كان يجب عليّ قصده؟!

حطت على شفتيها إبتسامة رغيدة متجعدة  :
- كلا لا يوجد (أومأت) شكراً لك محامي كيون.

- إنها قضيتك الأولى بشكل كامل منفرد.

لاحظ الذهول الذي إعتلى وجهها فإستعجل في توضيح فكرته :
- نعم . ستكونين المسؤولة عن المرافعة في المحكمة لقضية السيدة سونيا.

- لا. لا يمكـ يمكنني أقصد . . . ليس هذه القضية . . ( تعثرت بجملها و ضاع صوتها)

إقترب كيو هيون خطوتين منها:
- أنتِ من جلب هذه القضية بإصرار و أنتِ من عليها تحمل كل شيء بنفسك.

إنه غليظ المشاعر و معدوم الرأفة ، تابع :
- إما أن ترافعي عنهما أو أن تستسلمي و تتركيهما.

نظرت نحوه بخوف:
- وماذا لو خسرتها؟

أجابها ببساطة :
- اذا لا تخسريها.

هزت رأسها :
- أنا لستُ واثقة من أنني سأنجح.

تحدث كيو هيون وبدا صوته متسامحاً لا أثر فيه لأي مسحة من البغض :
- عليكِ الثقة بنفسكِ ( ران إليها أكثر و دنى بطوله ليتقابل وجهيهما) فإن لم تثقي بنفسكِ من سيثق بكِ؟

هل بدا مهتماً بصدق أم أنها تخيلت ذلك؟ لكن الشيء المؤكد هو أن لهجته لينة خالية من العداء

ثم إستدار عقبيه و تناول ملفين من مكتبه:
- عدلتُ بعض الفقرات، و دونت الملاحظات على الجانب (أخذتهما منه) إقرئي قضايا التركة و سوء المعاملة المخزنة في أرشيف المؤسسة.

لم تسعفها أي جملة مناسبة فإعتكفت الصمت

إقترح كيو هيون وهو يمرر يده داخل شعره :
- و أقترح أن تستعيني بثنائي سو دام.

تركها واقفة في مكان ما بين الدهشة و الإمتنان، وعاد للجلوس خلف مكتبه بإهمال:
- يمكنكِ الإنصراف.

غادرت إيفا مكتب كيو هيون ملتفة بوشاح صمتها، لو انها تخيلت تصرف كيو هيون هذا قبيل ثلاثة أسابيع من الآن

لم تَكُ لتصدق ولكانت ضحكت على نفسها و إتهمت خيالها بالجنون
فالوقت القليل الذي قضته بجانب كيو هيون جعلها تدرك جيداً بأنه لا يملك خصوصية إتجاه الموكلين ، بيد أنه يعامل قضاياهم بنديّة
ولكنه لا يخصص لهم مقعداً بداخله

~.~.~.~.~

القدر يشبه أعياد الميلاد ، لا تعرف ماذا ستجد داخل الورق المزركش
ربما شيئاً تتمناه دوماً، و ربما شيئاً لم يكن في الحسبان
وربما ذكرى الحب ، أو الحب عينه
سو دام لم تكن ستصدق لو ان احدهم أخبرها أنها ستلتقي تايهيونغ يوماً
لكن رغم مرارة الأحزان إلتقيا

أخذت سو دام تناظر إنعكاس وجهها على مرآة حائط الردهة في منزلها الفخم الصغير،
الخطين الرماديين اللذان رُسِما بوضوح تحت عينيها المنتفختين
كانا هما السبب وراء عدم ذهابها للمؤسسة اليوم

فليلتها للأمس كانت سيئة ، ليلة قاد فيها الحنين ثورة ضد النسيان
تبعته كل المشاعر بالهتاف فضجت أوردتها بإسمه، و فارق النوم مضجعها
فلا أنجح من إنقلاب عاطفي تُطيح فيه الأشواق بالعقل
من كرسي السلطة و تُعيد تشكيل حكومة جديدة من الذكريات

نبّه جوالها عن وصول رسالة نصية ففتحتها
كانت من هايكيو التي تسأل عن سبب تغيبها بدافع القلق، فسو دام في الحقيقة كانت نادراً ما تغيب

حتى أنها تُعفي نفسها عن أخذ إجازتها السنوية ، و تدفن رأسها كما النعام تحت أكوام القاضايا
ضيقت الأخيرة جبينها الصغير ، و ترددت في تلبية طلب هايكيو الذي ختمت به رسالتها الواردة

ألا وهو ، رقم هاتف تايهيونغ
و بكآبة جنائية لاحت على وجه سو دام أرسلته لها
ثم وقعت بجسدها للخلف فوق أريكتها البرتقالية ، متنهدة بلا حول ولا قوة منها

~.~.~.~.~

كان هان جالساً في مكتبه بالشركة، لا يزال يردي بذلته للأمس ، معطفه مرمي فوق
الكرسي الآخر، آثار السهر قد خطت بوضوح أسفل عينيه، و أزرار قميصه مفتوحة بإهمال
أخيراً هو يقترب من إنهاء عمله، فُتح باب مكتبه بعد طرق خفيف

وطل من خلفه تايهيونغ :
- لم تغادر للأمس أيضاً. (كان حديثه عادياً أقرب الى صيغة التأكيد من السؤال)

همهم هان يقلب الصفحة أمامه ، إقترب منه تايهيونغ و نزل ببصره لمستوى هان

ثم همس  و نظراته تتقد بالحبور :
- شي شي (شكراً بالصينية) على إختيارك لمكان مواعيد الأمس.

ذلك جعل هان يرتبك قليلاً، فهو لم يَفَكر لقرب وجه تايهيونغ منه حتى اللحظة
ثم إفتعل الأخير قبلة هوائية ، فأخذت ملامح هان تتفاجأ و تندهش
و بدأ جسد الواقف يهتز كثيراً جراء نوبة الضحك التي إنخرط فيها

تجاهله هان قابضاً على طرف المستند بتركيز ، فهو على الرغم من إعتياده على مزحات تايهيونغ و ضحكاته المشاكسه
إلا أنه متعب للغاية، يدخر ما تبقى له من طاقة لينهي رفع تقرير الإسبوع الثاني للشركة الأم في الصين
و كان إختياره لمطعم طريقي الشعبي بسبب حب تايهيونغ الشديد للمكان و ذهابه المتواصل للشراب فيه كل ليلة و الثانية

تهالك تايهيونغ بجسده على الكرسي الوثير ، و أسند رأسه للخلف مغمضاً عينيه غارقاً في ملامح سو دام التي إستحضرها
فهو الذي عاش ثلاثة سنين من دونها، و ما زالت تترأى له في أحلامه
ثلاثة سنين وما إنفك طيفها يزوره بين فنية و آخرى
ليوقظ لهيب الأشواق، و يضمر نار الحنين داخله
ثلاث من الخيبات و الحسرات و الآلام
عندما جاءه طيفها في حلم هذا الصباح، لم تكن بخير فيه

- أتمنى أن تكوني بخير سو دام خاصتي ،و أن يظل ما رأيته مجرد حلم (رتل دعواته داخلياً من مجامع قلبه).

كيف لثلاث سنوات بتوقيت القهر و الوجع ، تعداً دهراً
يلوك فيه الأيام وهي تستعصي على المضغ
لماذا الحياة قاسية هاكذا أحياناً!!
و مؤلمة .

- آآآش، الطقس يزداد برودة بشكل سيء (شرع هان بالقول وهو يرفع درجة حرارة المدفئة المركزية بجهاز التحكم عن بعد).

حرر تايهيونغ نفساً مثقلاً:
- من الذي قال أن البرد طقس؟ (بات صوته أجشاً و نبرته مجرّحة) البرد أُناس مدّوا أيادي الخفاء، و سرقت دفء إحساسنا.

ألقى هان الأوراق من بين يديه مولياً تايهيونغ كامل تركيزه :
- ما بال هذا المزاج المتقلب؟ (مطا فمه) هل انت بخير؟

- بصراحة لا أعلم.

عدل هان من جلسته بعد أن استشعر أن ثمة حزناً دفيناً يختبئ بين طيات كلماته:
- لتمهلني قليلا، تبقت بعض الوريقات و نتحدث.

إستقام تايهيونغ :
- لا. لتنهي عملك، ثم نمّ (رسم إبتسامة مطمنة) لنتحدث عند المساء.

لطالما كانت أذن هان متعاطفة جداً لا ترفض الإستماع الى أحزان الآخرين وخصوصا تايهيونغ فألح:
- إنتظرني لخمس دقائق فقط.

تراقص عندها هاتف تايهيونغ يعلن عن مكالمة واردة، و أجاب هو دون أن يمعن في الرقم غير المسجل

إذ وجد فيه الطريقة المثلى للتملص من إلحاح هان:
- مرحبا (أجاب تايهيونغ مغادراً).

جاءه صوتٌ أُنثوي:
- تاي-يآه (كان لصوتها نعومة محببة) آوه يا إلهي.

- المعذرة من المتحدث!!.

- تتشه (تذمرت بدلال) كيف لك أن تنسى صوت النونا خاصتك؟

كان الصوت مألوفاً بالفعل، أحس تايهيونغ بقشعريرة لدى تأكده أنها هي لا غيرها

سماع صوتها بعد مرور كل هذه الفترة، وعلى نفس شاكلة حِنِيَّتها القديمة

قد اعاد إليه سيلاً من ذكريات عزيزة على قلبه.

هتف عن من وجد ضالته:
- هايكيو نونا، ياا إالهي.

ومن بين كل الأسئلة المتضاربة في رأسه و مشاعره المختلجة، تفوه بالأغبى:
- كيف تحصلتِ على رقمي؟!

ضحكت ثم أجابته بجملة كان من شأنها إلجامه:
- أخذته من سو دام.

خيم صمت قصير، ثم مضت من بعده هايكيو بلهجة الأخت الكبيرة

التي لا تقبل ممانعة أو إعتراض:
- لا أريد أن نتبادل أحاديثنا عبر الهاتف لنلتقي.

إبتسم تايهيونغ إبتسامة عريضة ، فإنكمش وجهه من فرط سعادته:
- لا أتمنى أكثر من هذا الآن.

~.~.~.~.~
في صباح اليوم التالي و فيما سو دام مستغرقة في ذكرياتها لمحت صورتها في واجهة سيدلي أوستن الزجاجية، رأت عبوساً شديداً يعلو و جهها
عدلت تعابيرها بسرعة على خطوط أكثر قبولاً
اذ سبق لها ان وضعت قانوناً صارماً يقضي عدم إدخال أيّ من مشاكلها الشخصية الى المكتب
لذا لا علم لأحد بالفترة العصيبة المتخبطة المشاعر التي تعيشها حالياً
عدا هايكيو التي تفضي لها بكل شيء تقريباً، خوفاً على نفسها أن تنفجر ساعة ضيق

وصلت حيث طاولة هايكيو المتمركزة أمام مكتب هيون بين، فوجدتها فارغة،
فإستدارت ناحية مكتبه تنظر عبر حائط الزجاج، و عندها شهقت مذهولة
شهقة ذهولها التي كانت أكبر من إتساع فمها مما أدى الى شق صغير في طرف فمها

كان تايهيونغ الجالس أمام هيون بين و بجانب هايكيو ، كان قد قَدِم قبلها بنصف ساعة لسيدلي أوستن بعد طلب من الأخيرة
فهيون بين كان يحتاج فعلياً لرؤية تايهيونغ و تبريره لإختفاءه الفُجائي من الشركة قبيل ثلاثة سنين
عندما دلف تايهيونغ مكتب هيون بين وحيداً ، أحنى له رأسه بزاوية تسعين،
و إستنفرت ملامح هيون بين لرؤيته بالرغم من أن لديه عِلماً مسبق بحضوره،
  أرخى هيون بين كتفيه و إستسلم لموجة من الحنين إعتلت وجهه،
ثم إستقام و مشى نحو تايهيونغ وأجبره على رفع رأسه، و إحتضنه

تبسم تايهيونغ بعد أن فصل تشابكهما :
- سنباي، أما آن لتلك التقاسيم أن ترتاح قليلاً من العبوس و التجهم؟
فضحك هيون بين ، و شرعا يتحدثان في أمور كثيرة حتى إنضمت لهما هايكيو التي شهدت جمعهما من زاوية طاولتها بدموع وافرة

و كان لظهور تايهيونغ غير المتوقع لسو دام عواقب وخيمة، إذ إصفر وجهها و تسارعت نبضات قلبها و إرتجفت يداها
و شعرت كأنها ستفقد توازنها و تقع ثانيةً على مرأى من الجميع
حاولت أن تبدو طبيعية قدر الإمكان، لكن عندما وقع نظره عليها بإبتسامته الدافئة، شعرت ان سهماً مسموماً قد أصاب قلبها
أما هو لم يتفاجئ فأنفه الحساسة إلتقطت رائحتها من على البعد، و قرأ ذبذبات خطاها فعرف انها تقترب صوبه
دفعته سو دام الباب و إنضمت الى حديث الذكريات التي جمعتهم،
مكتفية بالإستماع دون المشاركة،
كانت ترى إبتسامة تايهيونغ التي تبدأ من عينيه و تنسكب على ملامحه،
لتصبح ضحكة يغرد بها ويعبّر فيها عن إمتنانه للقدر الذي جمعه بهم من جديد

قضوا سويعات إستنزفوا فيها زخيرة الضحك عن أخرها،
قبل أن يخرج تايهيونغ من مكتب هيون بين بعد أن ودعه و وعده بزيارة قريبة أخرى
ولم يكن امام سو دام إلا أن ترافقه مع هايكيو حيث المصعد
من باب الأدب من جهة و من باب إظهار لامبالاتها بحضوره حتى النهاية من جهة أخرى
ضغط تايهيونع على زر المصعد وهو يرد الحديث على هايكيو، كان وجهه مبتسماً و مرتاحاً، دون ان يبدي أي تأثرٍ لحضور سو دام

شعرت كما لو انها شبح، كما لو أنها شخص غريب وسطهما، كما لو انها تشاهد عن بُعد حلماً لشخص آخر
فُتح الباب أمامهم أخيراً، ليخرج منه كلٌ من إيفا و تشين و سونيا
حنت إيفا رأسها اولاً ملقيةً التحية كما تبادلها الجميع من بعدها

علقت هايكيو بعد ذهابهم مشدوهة من رؤيتها لتشين بملابسه المدرسية:
- ولد في المدرسة!! لماذا يُجر للقاضايا؟

لكنها لم تتلقى تجاوباً من تايهيونغ أو سو دام، لتعلق نظرهما بالشِعار المدرسي الذي طُرّز على قميص تشين الأبيض
مدرسة غانغنام الثانوية ، الثانوية التي درسا فيها جنباً الى جنب

أمسى تايهيونغ و سو دام كما الجسد الواحد و كأن كل شيء عاشاه في الماضي يختبرانه بإجتراره ذكريات من روحيتهما المعتقة

قبل 11 سنة - سيئول - كوريا الجنوبية - فصل الربيع
، كانت سودام تخط حافية على عتبة مراهقتها مستلذة بدخول نفس المدرسة التي يرتادها من سكن قلبها كضيف عزيز،
و إلتحقت في تلكم السنة بمدرسة كانغنام الثانوية متأخرة عن الفصل الدراسي بشهر،
 كانت تتحرك بتلصص و تتفادى نظرات الطلاب و خصوصاً زملاء صفها
كانت متوجسة منهم لسبب غير موجود، لا زالت في يومها الرابع فلقد إلتحقت كطالبة منقولة حديثاً
دخلت فصلها ولم يكن به غير طالب واحد وضع حقيبته ثم هّم بالخروج

فسألته  بإضطراب:
- أين الجميع ألا توجد حصة؟!

أجابها الطالب في أدب:
- لقد توفيت طالبة من المدرسة في حادث مروري ليلة أمس، و الجميع جُمع في الباحة من اجل الصلاة لروحها (صمت ثم همهم)
أممم، ألم تري الصفوف و أنتِ تدخلين؟

نفت سو دام رأسها للجانبين، ثم تبعته للخارج حيث إحتشد الجميع بصفوف دون ترتيب للشُعب ، بينما رُفعت صورة الطالبة المتوفية عالياً ،
 كيف و أنّي لم أنتبه لهذا المنظر أثناء دخولي؟ (تسألت في نفسها)

وقفت عند أخر الصف، و أطالت النظر على وجه الطالبة المبتسم، شعرت أنها ستبكي وهي تتأمل صورتها،
لا تدري لماذا تخيلتها أُختها الشقيقة!
دمعها تجمع كسحب خريف طارئة، فإبتلت رموشها الكثيفة و تلاصقت
رفعت يديها لتمسح دموعها المنهمرة و ترصدها

فجأة الظل بجانبها مدّ لها منديلاً ورقياً و همس خلف أذنها:
- ها نحن نلتقي أخيراً.

قفزعت بفزع،إلا أنها تعرفت على ذلك الصوت الذي حُفر عميقاً، في طيّات قلبها
إلتفتت ناحية عينيه التي تعشقهما، و إبتسامته التي تدمنها
هي لم ترأه منذ إجازة الصيف الماضية، أي منذ سنة

و كان تايهيونغ قد إزداد طولاً و وسامة ، بينما هي قد تفتح جمالها خلال هذه السنة كما تنتعش شجرة الصنوبر حين يأتيها الماء بعد الظمأ
أطال نظره في عينيها المثبتتين على شفتيه، هو يعلم تماماً كيف أنها تنتظر أن يفرج عن إبتسامته
وهو الذي لم ولن يبخل عليها بأي شيء ما كان في جسده الروح فإبتسم لها بوفرة:
- لماذا إخترتِ هذا اليوم المؤلم ؟!

بادلته الإبتسامة رغم رقراق دموعها:
- تاي!!
- نعم. بشحمه و لحمه، هل هذا ما يطلق عليه منطق الصدفة؟!
- ماهو؟
- أن ألتقيكِ و أنتِ أبعد ما يكون عن ذاكرتي اليوم.
ضحكت هذه المرة، اذ لطالما كانت سو دام تضحك على جمله العميقةالتي تسبق سنه.

كانت الدراسة في الإسبوع الأول من إلتحاق سو دام غير منتظمة نوعا ما، لكنها في الإسبوع الثاني بدأت تنتظم
ورغم أنها ليست ممن يهتمونّ بالتفوق، إلا أنها بدأت تهتم بالدراسة كثيراً و المشاركة أثناء الحصص
ولم ترى تايهيونغ كثيراً نسبةً لأنه قد أنهى سنته الثالثة إلا من بعض المواد التي إختار أن يؤجلها لسنة آخرى

لكن ما كان يطيب من خاطر سو دام و يشد من أزر وحدتها
هو وجود بو غوم معها في نفس الفصل، الأخير الذي كان في منصب مشرف الدفعة
و الذي ما إن وقع نظره على سو دام حتى بات شاكراً لمرضه المزمن الذي ألم به الصيف الماضي
و حرمه من إكمال السنة الثانية مع زملاء صفه، ليعيدها الآن مع سو دام

كان كلما نظر إليها رقص قلبه ، فقد نضجت الدراقة اليانعة و أصبحت جاهزة للإقتطاف
و بو غوم لن يسمح لأحد أن يقتطفها إلا هو
فهو منذ البدء كان قد وقع في شباكها، وهي كانت المنشودة منذ ان دعاها هي و رفيقاتها ذاك اليوم الى الشاطئ
أما الآن لن يوفر الوقت و لن يدخر الفرص
حتى أنه لم يكن ليحتاج التوصية التي وصاه بها تايهيونغ عليها،
فهو في مطلق الحوال كان سيرعاها و يعتني بها جيداً، و لربما في نهاية الإسبوع يدعوها
لأحد المقاهي
وقد يعترف لها بإعجابه و يطالبها بإفساح المجال حتى تتحور علاقتهما و يمسيان حبيبين
ربما..

و عند نهاية الإسبوع ، كانت سو دام تخطو خارج المكتبة المدرسية،
بعد أن أنهت واجبها، لم تنتبه الى ذاك الظل الطويل النحيل المستند على الحائط،
جانب الباب ينتظرها الى أن إستهل:
- كل هذا الوقت تدرسين؟ مازلنا في بداية العام.
 فزعت سو دام و قفزت عن من خطى على عود شوك:
- وآه تاي !! هل أصبحت من عاداتك الآن أن تفزعني؟
هزّ  رأسه في محاولة منه للتحرر من الضحك عليها :
- اسف صدقيني لم أقصد ( ضحك ثم صمت يتأملها حتى شبعت عيناه بعكس قلبه الذي لا يشبع ثم أعرب) لنتناول الغداء خارجاً اليوم (بعثر بأصابعه غرة شعرها بلطف) لا أستطيع أن أراكِ في المدرسة بسبب جداولنا المتضاربة، فالأفضل أن نخرج في موعد.
إتسعت عينيها و فتحت فمها ثم أشاحت بوجهها عنه حتى لا يرى إحمرار وجهها و تلكأت:
- مـ .. موعد؟!
تمتم متعثراً بكلماته التي هربت منه:
- أقصد موعد تناول الغداء.

~.~.~.~

مضت نصف السنة و اظهرت فيها سو دام تفوقاً لم تكن تخطط له حقيقةً،
فإقترح مشرف فصلها عليها ، بأن تأخذ بعض المواد من السنة الثالثة و تكثف مجهودها بمساعدة بو غوم
تفوقها و صداقتها المقربة من أكثر طالبين ذوي شعبية في المدرسة تاهيونغ و بو غوم
أثار حولها الحنق و دفن الغبينة إتجهاها من زملاء صفها، و لا سيم رئيسة مشجعات نادي السلة التي كانت مفتونة ببو غوم
و لاعب الدفاع في فريق السلة الذي ضمر لها الشر و توعد لنفسه بلإنتقام منها،
بعد أن رفضت أن تغِشه أثناء إمتحانات نصف السنة

~.~.~.~.~

كان صباح بداية الإسبوع ،و قد سطعت شمسه تزيح سحب ركامية و فرقتها هنا و هناك، الحصة بالجدول كانت اللياقة البدنية
و صلت سو دام غرفة تغير الملابس، ثم قصدت خزانتها التي آتى من صوبها شلة المشجعات الآئي رمقنّها بنظرات خسيسة، و إنفجرنّ بالضحك عندما تجاوزنّها
فتحت خِزانتها و أوشكت ان تُصاب بنوبة صرع عندما رفعت زيّها الرياضي
المكون من قميص و تُبّان (شورت) قطنيينّ أبيضا اللون

كان مُلطخاً بعشوائية عن أكمله بحبر أسود، بشكل كارثي،
كانت تعلم أن هذه مصيبة حقيقة فالسيدة هايدي، أستاذة التربية البدنية
تهتم لنظافة هذا الزي و تقدسه أكثر من التمارين نفسها

ترددت سو دام في الخروج، لكن عدم حضورها للصف لا يُعد الحل الأمثل، بل ستعاقبها الأستاذة هايدي، أشد العقاب و لربما ترسلها لغرفة الحجز بعد الدوام و تنقص من درجاتها

كان جميع طلاب الصف في الباحة ينظرون لسو دام بذهول كما لو أن رأس آخر قد نبت لها،
و ما كان من الأستاذة هايدي إلا أن تزجرها و تنهرها و تنعتها بأغلظ الألفاظ، و تعطيها درساً حول نظافة الزي و أهميته
 كان الجميع شامتاً ،ما عدا بو غوم الذي كاد أن ينفجر من تحت جلده،
و ظلت سو دام تقاوم دمعها على الأقل أمام زملائها ، ثم أطلقت له العنان
عندما همت بالركض حول حدود الميدان، كان هذا عقاب الاستاذة هايدي

أن تركض سو دام حول الميدان دون توقف طوال الحصة البدنية، أي ما يعادل ساعة و أربعين دقيقة
و ذلك مالم يكن لسودام به حُملا ، لم تدرك كم من الوقت مضى قبل أن تنهار على الأرض غير قادرة على جر قدم أو ساق
و عندما رفعت رأسها ترأى لها ظل ضخم، أخذ يرش عليها سائلاً ما ذو رائحة نتنة
ثم تناولها ذاك الظل من مقدمة قميصها بعنف و تحدث :
- هذا ما يحدث لمن يرفض مساعدتي (تعرفت سو دام على صاحب الصوت كان المدافع من فريق كرة السلة) كرريها مرة ثانية و ستندمين بحق.
لم تجرؤ سو دام على رفع صوتها طلباً للعون ، بجانب أنه لم يكن لأحد ان يأتي لنجدتها،
اذ كانت الأستاذة هايدي و جميع الطلاب قد توجهوا الى الصالة الرياضية في الداخل

وجدت سو دام نفسها لقمة سائغة ضعيفة، ولكم يربكها حدّ الذعر أكثر من خنق المدافع لها ، حقيقة عدم تواجد تايهيونغ معها الآن
هي تحتاجه بصدق ، كان قد وعدها مسبقاً بأنه سيتواجد ما إن إحتاجته

شعرت سو دام بالدوار  عندما رماها  المدافع على الأرض بكامل قوته حتى أدمى ساعديها و كوعها، و إعتمل الغثيان معدتها من الرائحة النتنة التي كانت تغطيها ولم تكن تعرف ماهيتها ، ثم أخذت تمشي خائفة و مرتعبة و هاربة من كل شيء

نحو الأسطوح، إستمرت بالسير الى أن جلست على الأرض مختبئة خلف إحدى المساطب،
و تكورت على نفسها باكية لدقائق،
و لم يقطع نشيجها ذاك، الا خوفها عند سماعها وقع أقدام سريع و عالٍ يصعد الدرج الحجري ، الى أن خطى على السطوح

كانت صوت الأقدام تتجه نحوها مباشرةً، كأن الباحث عنها يعلم في أي إتجاه تختبئ  بالضبط،
القادم لم يكن يبحث عنها، بل كانت رائحتها تجره من ناصيته إليها جراً
و كادت سو دام أن تنفجر صارخة اثر فزعها الشديد

لكن وجهها إزدان بمسحة من الآمان عندما رأت ملامحه التي تحتاجها الآن حدّ الجنون
كان يقف أمامها بشق الأنفاس، كان يبدو كما لو أنه بركان مونالو على وشك الإنفجار
تحشرجت الحروف في حلقه و تحدث في هدوء رغم إشتعاله:
- من الذي فعل بكِ هذا؟!
إزدحمت عينا سو دام بالدمع مجدداً، و شقت طريقها على خدها الزهري،
شعرت بحرارتها و أخذت تنتحب بصوت حزين متألم

كما لو أن وجود تايهيونغ أمامها يضمن لها القوة مهما إستبدلتها بالضعف،
بينما هو لم يزد على سؤاله و لبث صامتاً لشدة وطئت منظرها على قلبه،
و كأن الكلمات كلها قد هربت من رأسه دفعة واحدة، فما وجد نفسه إلا وهو  يتقعد جانبها على الأرض و يحتضنها بألم يضاعف ألمها

إمتلئت عيناه بالطبقة مالحة من الدموع كأنه هو السبب الأوحد في إيصالها لما تعانيه الآن،
كان يود لو يشق جسده نصفين و يدسها عميقاً بين جنبيه ، خشيةً عليها من كل أوجاع الدنيا،
لفت سو دام ذراعيها حوله و ثبتتهما بقوة على ظهره،
كانت وجلة تبحث عن الطمئنينة، هي لن تجدها غير  هاهنا،
بين جنبيه
و تحرك في قلبها حبه و إرتجف كعصفور صغير يخاف أن يُكسر جناح له،
خافت من أن يكون تايهيونغ لا يبادلها ذات الشعور.

أبقى تايهيونغ سو دام على حالها بين يديه لمدة لم يحسبها،
الى أن إستشعر هدوئها و توقفت شهقاتها
ثم أخيراً أبعدها عنه قليلاً، ماسحاً دموعها بأصابعه، ثم تناول وجهها المحمر بين أنامله الطويلة
فتوترت سو دام و تسارع نبض قلبها حتى خشيت أن يسمعه،
إقترب تايهيونغ بفمه يتعرف على تضاريس وجهها، باحثاً عن ثغرها الطري
الى أن وجده، داعبت شفتاه شفتيها بخبرة مبتدئ

ثم أطبق عليها برقة، ثم ألجمهما بإصرار لم يجتاز الثواني
كانت مرته الأولى كما كانت هي، كانت قبلتهما الاولى
ثم همس تايهيونغ أمام شفتيها :
- أنا أحبك سو دام-آه خاصتي.

~.~.~.~.~

إرتعش جسد سو دام وهي تناظر تايهيونغ الآن ،
تايهيونغ الذي ما زال لم يرفع عينيه عن تشين ، بينما أذنه بعيدة عن كل ما قصته هايكيو حول قضية سونيا و إبنها تشين،
و صراعهما المرير مع زوجها

تمنت سو دام لو أن تمد يدها تلمس تايهيونغ، و تتمسك به بشدة،
لتخبره أنها ما زالت تحبه كما الماضي و أكثر،
تمنت أن ينعش جسدها الميت في بعده بحضنة شوق،
لكنها لم تقوى على البوح أو فعل أي شيء، عبّر ذهنها حزن مرير

(لاتسمحي لعواطفكِ بالتغلب عليكِ) كررتها داخل نفسها مغمضت الجفنين
(تاي ليس الرجل المناسب لكِ أبداً، لم ولن يكون قبلاً، بجانب أنكِ في نظره الآن لستِ سوى خائنة للوعد و جبانة).
فتحت عينيها لتجد تايهيونغ ينظر  إليها و يثبت مقلتيه على ثغرها بالذات،
ولم تجد سو دام نفسها إلا وهي تلعق شفتيها و تمتصهما لداخل فمها،
ثم حبست شفتها السفلية بين أسنانها و عضتها في قوة،
كأنها تعاقب إشتياقها لفم تايهيونغ

أذهلتها نظراته التي كانت تتوق إليها إيضاً و محاكاته لها في العض على فمه، لكن ما أزعجها هي الضحكة التي إرتسمت على عينيه ولم تستطيع أن تفهم ما ترمي إليه بالضبط،
فإفتر ثغرها بالحديث :
- المصعد قد أُغلق (ضغطت بعصبية على زره ليعاد الفتح) لتأخذه قبل أن يُطلب لطابق آخر.

خطى تايهيونغ داخل المصعب بخطوتين واسعتين دون أن يحيد نظره عنها قيد أنملة،
و رفع كفه ملوحاً
فهتفت هايكيو له بينما يغلق على مصرعيه:
- لا تنسى الحضور لحفل المستجدين التقليدي.
رفع صوته بدوره حتى تتمكن هايكيو من سماعه بعد إنغلاق الباب:
- سأفعل بالطبع.

~.~.~.~.~
ميّزت إيفا ظهر تشانيول الطويل من خلف الباب الزجاجي لغرفة الإجتماع بالموكلين الذي دفعته و أفسحت المجال لسونيا و تشين بالدخول قبلها،
كان تشانيول جالساً قبالة إمرأة بشعر معكوص للخلف و رجلٍ نحيل مهذب المظهر،
عظام جبهته بارزة بشكل واضح، و ذقنه الحاد مدبب و حليق

لابّد و أنه والد تشين، إذ أنّ له عينان تقطران بالسوء و تشيان بالخسة
أخذ يرقب كل من تشين و سونيا بنظرات مخيفة عندما جلسوا مقاصدين له على الطاولة،
كانت نظرات والد تشين لهما مخيفة شأن قاتل مريض يوشك على ذبح ضحيته
فتحرك غضب غريزي في أحشاء تشين ، بينما سونيا بدأت ترتجف كما الورقة الجافة

فتلمست الطريق الى يد صغيرها حتى أطبقت عليها تستشف منه القوة و تهبه بعضاً من التعقل.

كان والد تشين ينظر صوب الأخريّن و عيناه تقدحان شرراً:
- هل تظنان أنكما ستفلتان مني حقاً؟ إن ما تفعلانه هي مسرحية هزلية.
نبرت محاميته بأدب مدروس:
- سيد جونغ داي ، أترك لي مهمة الحديث و التزم الصمت من فضلك.

فشدت إيفا على فكها بينما أخذت تتكلم من بين أنفاسها الساخنة:
- السيد والد تشين فلتظنها مسرحية هزلية كما إطفق لك، لكن صدقني في الواقع هي كابوسك الأخير.

ضرب والد تشن سطح الطاولة الخشبية بكامل قوته:
- لا تنعتيني بوالد تشين، فهذا الولد ليس من صلبي.
عاودت محاميته تطلبه بهدوء:
- فلتصمت من فضلك سيد جونغ داي.

و لتتفادى إيفا الإشتباك بالكلمات، أخرجت ملف المساومة الذي جهزته على ما يطيب خاطر سونيا و تشين
إلا أن جونغ داي رمى به في الهواء بعد أن قرأ جزء منه، لتطاير وريقاته في الهواء و تتبعثر:
- هذا كلام فارغ، لن أُطلق زوجتي و لن أُعوضها فِلساً، لقد أويتها و أطعمتها لسنين .....

و إستمر يتفوه بالترهات بمزاج عكر، إذ كان كما البرميل الأجوف،
يكثر ضجيجه و يقل فعله
تدخل عندها تشانيول ليحسم الفوضي:
- ليكن بيننا القضاء إذا.

و فور أن خرج جونغ داي تتبعته محاميته في عجلة ، و شعرت سونيا بالخجل و شيء من تأنيب الضمير بسبب ما نعته زوجها لإيفا من كلمات مجرحة للحياء

ودّت الإعتذار  في إنحناء من رأسها إلا أن إيفا لم تتركها لتفعل ذلك،
و لوحت بيديها في وجه سونيا و إعتذارها الذي كان على وشك أن ينزلق:
- لا عليكِ سيدتي والدة تشين، إن ما حدث هو أولى خطواتنا لكسب القضية.

~.~.~.~

إنه الإثنين ، نهار اليوم المنشود
ندف الثلج تتساقط بهدوء و تتحول الى قطرات ضبابية،
سارت إيفا تقطع الباحة المؤدية الى باب المحكمة، و الهواء البارد يهب حيناً و يتوقف حيناً آخر،
و البخار الكثيف يتكون أمام فمها المرتجف عندما تزفر و يتلاشئ،
لا تعلم ما إن كان إرتجافها من برودة الطقس أم من خوفها من الإمتثال أمام القضاء لمرتها الأولى

لمحت تشين من بعيد يشّد على يدي و الدته و يهدئها ببعض الكلمات،بينما يقف بجانبه صديقه و جاره تشومين
اذ تعرفت عليه إيفا في الأيام الأنفة كما تعرفت على معظم سكان الحي، أثناء  سؤالهم عن سوء معاملة جونغ داي لأسرته و طلبهم للقدوم و الشهادة في المحكمة

إعتلت إيفا الدرج صوبهم بوقع رتيب متباطئ تجر قدميها جراً،
شأن عجوز أكل الدهر عليها و شرب
صافحتهم وهي تحاول إصتناع ثقة لا تشعر بها و لكن عليها أن تتقنها

قاعة المحكمة مهيبة بطرازها من عصر النهضة ، تقعد كل من إيفا و سونيا الكرسيان المخصصان لهما أمام القاضي، و تشين و تشومين و سول و تشانيول خلفهم،
رغم أن الأخير يشاطر إيفا عداءً صريح بنظرات باهتة مزدرية إلا انه كان يفصل عنها في العمل من اجل تحقيق العدالة كما طمئن سول قبلاَ
بينما على الجهة الموازية كانت نظرات و الد تشين تخلف،
الإنطباع بإحتقار عميق لكل ما يحيط به و خصوصاً زوجته التي يكاد يحرقها بعينه

و عندما حانت اللحظة التي يجب أن تتحدث فيها إيفا، ذبلت ملامحها و أخذت تفرك ما بين حاجبيها،
:تريد التفوه بكلماتها التالية بحذر و تأنِ ، فالكلام الذي ستقوله قد تدربت على قوله مرات لا تحصى، لكأنه تبخر و بات عقلها خاوياً
و لسبب لا منطق له، إرتسم أمامها شكل كيو هيون وقد  ران إليها و دنى بطوله يقابل وجهها متحدثاً :
(إن لم تثقي بنفسكِ من سيثق بكِ؟)
و تسرب إليها شيئاً من ثقته المفرطة ، و وثبت على سايقانها
و راحت تنقل نظراتها على لجنة المُحَلَّفين واحداً تلو و الآخر

ثم تكسّر صوتها مثل كومة ثلج في مطلع الربيع:
- هناك قضايا تخاطب الأدلة، و هناك القضايا التي تتكلم مع إنسانيتنا، تتوسل قلوبنا من اجل إختيار القرار الصائب (أخدت تمشي بوقار ملوحة بيديها في الهواء) القرار الصائب الذي سنشعر به داخل عظامنا، إن هذا الرجل (أشارت حيث يجلس جونغ داي) لم يكتفي بهضم حق موكلتي و بيعيه من دون موافقتها فقط بل كان يضربها، يركلها و يصفعها ......

و إستمرت إيفا بحديث قوي ثابت و مجادلة إستمرت لوقت لم تشعر بطوله ، الى أن حكم القاضي برأي هيئة المُحَلَّفين، و بعد ادلاء الشهود بأقوالهم
 ألا وهو طلاق سونيا و توقيع وثيقة أمر تقيّد. (تلزم جونغ داي بعدم الاقتراب من سونيا أو تشين لمسافة عشرين متر)

إبتسمت إيفا بعد أن تفلتت من الحضن الجماعي لسونيا و تشين الباكيين لفرط سعادتهما  ،
ثم ودعتهما إيفا و شعور النصر يدغدغ حناياهم ، هي و تشانيول و سول
لكن شعورهم هذا لم يستمر طويلاً عندما وصل لمسمعهم صوت سونيا تصرخ في جزع

و كان أول من همّ بالركض في الإتجاه المعاكس هي إيفا ، التي إتضح لها صوت جونغ داي يهدد:
- أخبرتكِ قبل الآن أنني سأقتله و أرمي جثته لكلاب الشارع.

إرتجفت أوصال إيفا من منظر والد تشين الذي يلوح بنصل سكين أمام وجه سونيا التي تحتضن تشين باكية :
- أرجوك لا تفعل ، كلا كلا ..

بينما كان الأخير يحاول التملص من أحضان والدته ليدافع عن نفسه و عنها، و تشومين يقف على مسافة آمنة خلفهما يبكي بعجز
و بسرعة حالت إيفا بينهم ، ثم أدارت رأسها تسألهما :
- هل أنتما بخير؟ هل قام بأذيتكـــــــــــ ..

في تلك اللحظة بالذات تلقت إيفا ضربة عنيفة من كف جونغ داي فهوت على الأرض،
ثم نهضت بنفس السرعة بفم دامٍ و طنين مزعج في أذنها اليسرى كبوق الباص السياحي ،
تلمست و جهها الذي إحمر و تنبهت للشرح النازف على شفتيها

زمجر جونغ داي بوجه ممتقع:
- لا تتدخلي أيتها المحامية الغبية.

إلا أن إيفا حدجته بنظرة سوداوية متخذة وضعية القتال، فرقت بين قدميها،
لتتقدم يسراها يمناها، بينما كورت كفيها على شكل قبضتين،
إحداهما أمام وجهها و الآخرى أسفل ذقنها:
- لتتراجع سيد جونغ داي قبل أن تسبب لنفسك الأذى.

كشر جونغ داي عن أسنانه بضحكة محشرجة:
- تسببين لي الأذى!!
 ثم لوح بمديته القاتلة نحو إيفا، لتتفاداها بخفة هرّ، بتحريك جزعها العلوي للخلف بمهارة محاربة فذة،
ثم إتخذت نفس وضعيتها السابقة، غير أبهة لبكاء سونيا و تشين أو لصراخ سول الهيستري بإسمها، بينما تشانيول طلب الشرطة بيدين مرتعشتين

و في جزء من الثانية مدت إيفا ساقها عالياً في الهواء لتركل السكين بعيداً عن متناول جونغ داي،
ثم تسدد له لكمةمثل هراوة تنقض على بطنه، لينحني عليها،
حتى تستقبله إيفا بركبتها على أنفه و تهشمها

سقط والد تشين كما الدمية دون حول منه وهو يتأوه من الألم و الغضب معاً،
بوجه قد غرق في الدماء
وخلال دقيقة و نصف دقيقة، كان جونغ داي قد أُعتقل ، و أدخل لسيارة الشرطة بيدين مكبلتين،
بتهمة الشروع في محاولة قتل و تهديد السلام القومي للبلاد.

لم تظن إيفا أنه قد يأتي يوماً و تكون فيه ممنونة لذلك الثور البرازيلي إدواردو غادلوبي راعي الحشيش،
الذي كان يَفرض على كل من عمل في سلكه، أن يتعلم فنون القتال و الدفاع عن النفس، لما يحيط من خطر على طبيعة عملهم

غريبة هي الحياة بمنطقها المتناقض، كيف لها أن تجعلنا شاكرين في يوم لشخوص لم يكونوا لنا قبلاً سوى مصدرٍ  للتعاسة و المذلة
لكن  إيفا هاهي الآن ترفع رأسها للسماء الغائمة و تشكر إدواردو غادلوبي في سرها و تنسى للحظات ذلك العقد الذي إستعبدها به لسنين طويلة قبل أن يستعبد به من بعدها صديقتها –السابقة- هيونا

و كان لذلك البرازيلي منطق مختلف في نظرته للنساء و ذلك ما جعل معظم من عمل تحت إمرته من الجنس اللطيف، كان يرى رغم هشاشتهنّ و إحتياجهنّ الفطريّ للدعم،
قوةً في تحقيق كل ما يضعنه نصب أعينهنّ، فالنساء لم يخلقوا للهزيمة،
قد يتحطمنّ و لكنهنّ لا ينهزمنّ.

يييتتتبببع

هناك 3 تعليقات:

  1. ما شاء الله ما شاء الله ما شاء الله قتلتيني قتلتيني متتتتت مش طبيعي انتي بحس الكلام بيطلع معك بهدوء من دون مبالغة يعني بالكتابة وهيك بس كأنو مسدس بييجي طاااخ وبيدخل بالقلب جوا وبيرسخ مش طبيعية والله مو لاقية كلام مناسب او يكفي.. نبدأ بإيفا السخصية المفضلة الي لحد الان عشقتهااا مش طبيعية كيف رزينة وعاقلة وبنفس الوقت متحمسة والها لحظات شجاعة البنت هاي فيها كل شي الحنية، اخطاء البشر ، شجاعتهم، العقل ، الحكمة ، التعاطف والحب والحماس والاصرار وقلة الادب والحزن والصبر وال وال وال ما بعرف انا شايفة فيها كل شي.. كيو واطي بس وطاوة بتنحب دوووبت لما قرب منها وشجعها فعلا انو ذكي واخو شلن هههههههه حبيتو يخرب بيتو .. تاي تاي كل كلمة بيقولها بتنقط عسللل مش طبيعي غباءو واللعب تاعو والحوووب الكبيييير .. سودام المكسورة العصبية شخصيتها بتجنن وفريدة من نوعها بجد.. الاحداث وما ادراكي ما الاحداث الماضي تاع تاي وسودام بيسطللللل داموووووت ㅠㅠㅠㅠ خليهم سوا حرام :( اه صح وجب التنبيه عندك زيادة حروف ألف هههه شكلك بتحبي الالف بتقومي بتزيدها ع جزء من الكلمات.. بتخبلللل استمري استمري والله العالم مضيع كتيير اذا ما قرألك.. اخر مشهد الاكشن قتلني وسيرة تاجر الحشيش كانت بمكانها لدرجة قلبي انتفض وقال كيف بقدر احب الرواية اكتر من هيك؟!

    ردحذف
    الردود
    1. اول شيء انا بحبك شدييد ، و بنتظر تعليقك و ردك بفارغ الصبر و لما اقراه بجد بيغنين عن الكتير ..
      قلبي بينتفض و بيدق من الفرحة ، احساس كاني شبه نسيته بسبب حالة التحنيط اليّ فيها

      انا سعيدة لدرجة بعيدة انه انتي بتحبي شخصياتي و قادرة تشوفيها زي ما انا راسماها في مخي بالضبط ، و الله يقدرني ما اخيب ظنك او ظنهم

      بالنسبة لتاجر الحشيش البرازيلي اخر شي ، انا ضفته متأخر كتعديل
      و لما كتبته و الله العظيم مافي غيرك كان في بالي كتبته لك مخصوص و تمنيت من قلبي انه يمسك او تحسين فيه
      ( النساء لم يخلقوا للهزيمة، قد يتحطمن و لكنهن لا ينهزمن)
      فعشان كده فاايتيينغ

      و ظلي بالقرب دائما ، و امنحينا المزيد و المزيد من الحب و الرعاية
      كوومااوو للابد ، سارانغايوو للابد بجد ����������

      حذف
    2. يااااااااااي ♡.♡ شكرااااااااااا

      حذف