على حافة جهنم
الفصل السادس
Written By : Ňoồr
~ قلوب تنبض وأخرى تحتضر ~
عندما تبدأ مسرحية
الآلم بأتعس فصولها .. فلا مجال للراحة .. ربما في الكثير من الأحيان نشعر ببشاعة
ما صنعنا .. التراجع .. نود التراجع عما قمنا به ولكن الخوف الذي يسكن بداخلنا من
تفاقم ما وضعنا حجر أساسه يقف حائل صدٍ قوي .. بقوة الدفع يرجعنا إلى نقطة الصفر
.. فنستمر بما خطونا فيه الخطوة الأولى .. و عدة أسئلةٍ هى ما تُحيرنا .. لماذا
نقوم بهذا ؟ وإلى متى سيستمر ؟ وهل سيعفون عنا إن طلبنا العفو راجين السماح ؟!
وضعت نور أطباق الطعام على
الطاولة .. بوجهٍ تكسوه ملامح الحزن .. ثم أعدت القهوة ووضعتها على يمين ليتوك
الجالس يتناول طعامه بهدوءٍ واتزان .. الصمت في هذا البيت بات شيئاً معتاداً ..
جلست هي الآخرى على بُعدٍ منه .. ترددت كثيراً ولكن في النهاية أعلنت بصوتٍ محشرج
من أثر البكاء المتواصل ليلاً كل يومٍ : عايز تاكل حاجة معينة على الغدا النهاردة
؟
تنهد ونظره مصوبٌ على
الطبق أمامه .. شعر بغصةٍ في قلبه بسبب صوتها هذا .. دائماً يسمع بكاءها المكتوم
ليلاً .. حتى إذا كانت مُستلقية بجواره على بعدٍ .. أو نائمة على الأريكة في
الخارج .. حسنا يعلم أنه لا ذنب لها كي يُفرغ بها جَام غضبه ولكنه ليس في مزاجٍ
يسمح له بمحايلتها أو التآسف لها .. نهض وعدل هندامه وقال دون النظر لها : اعملي
اللي انتي عيزاه , مش هاجي عالغدا النهاردة
ودون أن يضيف كلمةً آخرى
غادر من المنزل .. ظلت تحدق بالفراغ لدقائق ودموعها الساخنة تتدفق على خدها بلا
شعورٍ منها .. عقدت ذراعيها إلى بعضهما ووضعتهما على الطاولة ثم دفنت بهما رأسها
وشهقاتها آحذت تتعالى بقهرٍ وحسرةٍ .. ظلت تبكي حوالي ساعة كاملة حتى نفذت دموعها
.. نهضت ببطء من فوق مقعدها .. لملمت الأطباق وبعدها أمسكت بهاتفها الجوال وحادثت
مروة .
- اخيرا عبرتيني ده انا شكيت يا كلبة اننا كنا صحاب قبل كدا
- مروة انا عايزة اشوفك ( قالتها بصوتها المحشرج ونبرتها ترتعد )
- نـ نور انتي صوتك عامل كده ليه ؟ انتي بتعيطي , في
ايه ؟ حصل حاجة ؟ خليكي عندك انا جيالك حالا
أمطرتها مروة بتلك الأسئلة
وقد توترت كثيراً من نبرتها تلك .. خصوصاً أنه مُنذ كانت في بيت والدها آخر مرة ..
وهما لم تتحادثا أبداً .. كما أنها وليتوك غادرا المنزل دون التلفظ بحرفٍ واحد ..
أغلقت الخط وارتدت ثيابها على عجلٍ وأخبرت والدتها بأنها ستذهب لزيارة نور ..
لكنها لم تخبرها أي تفاصيل حتى لا تقلقها .. وصلت ودقت الجرس بترقب وقلبها يخفق
بقوةٍ .. بمجرد أن فتحت نور الباب ارتمت بين أحضانها وتمسكت بها وهي تبكي بشهقاتٍ
مرتفعة للغاية .. انزلقت دموع مروة هي الآخرى على حال صديقتها دون أن تعلم السبب
.. ربتت على ظهرها بإحدى يديها .. ثم مسدت شعرها بالآخرى .. ظلتا هكذا لدقائق ..
حتى ابتعدت نور ونظرت لها بعيون تقرحت من البكاء .. أطلقت مروة شهقة عالية عندما
رأت وجهها ذا اللون المخطوف .. وذلك السواد الذي يحيط بمقلتيها .. ألجمتها الصدمة
فباتت عاجزةً عن الحديث .. أزالت نور دموعها بعنفٍ بطرف أكمامها .. ثم أغلقت الباب
.. وأشارت لمروة بالجلوس
حركت رأسها بالنفي وأمسكت
يديها وهي تنظر لها بتفحصٍ وعيون تنسال منها الدموع لا شعورياً : ايه اللي عمل
فيكي كدا ؟
سحبتها نور نحو إحدى
الأرئك .. أجلستها وجلست بجوارها .. أطبقّ الصمت للحظات على الأجواء قبل أن تقطعه
نور بصوتها المحشرج : انا تعبت يا مروة , مش
قادرة استحمل ومش فاهمة في ايه ولا هو بيعمل فيا كدا ليه ؟ قلبي بيوجعني منه وعليه
,
نفسي احضنه وافضل ماسكة فيه جامد واعيط ,
مبقتش عارفة انام بعيد عن حضنه , وحشتني لمسته وضحكته ومش عارفة ايه اللي حصل
انخرطت بموجة بكاء قويةٍ
.. لم تفهم مروة الكثير من حديثها ولكنها استنتجت أن العلاقة بين نور وليتوك قد
تدهورت .. عضت على شفتها السفلية بحزنٍ .. ثم مدت يدها تزيل دموع صديقتها وهى تربت
على كتفها قائلة : اهدي يا حبيبتي , وقوليلي براحة ايه الي حصل ؟
***
فتحت مريم عينيها ببطء
شديد .. ابتلعت غصتها بصعوبة وهى تنظر لما حولها .. إنها مشفى ! شعرت بتلك
المحاليل الموصلة ليدها .. أغمضت عينيها بقوةٍ لتتذكر ما حدث وسبب وجودها هنا .. قاطع عُزلتها صوت هنري الذي دلف لغرفتها
للتو .. وهو يرتدي معطفه الأبيض والسماعات الطبية تحيط رقبته .. بمجرد أن رأها
مستيقظة ردت إليه أنفاسه التي انقطعت طوال إسبوع !!..
نظرت له بعيون واهنة ..
وهمست بضعفٍ : انا هنا ليه ؟
ابتسم ليطمئنها .. ثم توجه
نحوها وأجرى بعض الفحوصات السريعة وهي تنظر له بترقبٍ .. تنهد براحة قائلاً : انتي
بقالك اسبوع مغمى عليكي ,, ( جلس على طرف السرير بجوارها وبدأ يمسد شعرها برفقٍ وهو مبتسم ثم أردف )
اسمعي يا مريم الموت والحياة بايد ربنا منقدرش نعمل حاجة ,
الزعل والعياط مش هيرجع اللي راح , هما مش هيكونو فرحانين واحنا كدا صدقيني ,
لازم تكوني اقوى من كدا , ومش مع اول صدمة من الحياة توقعي وتنهاري ,
خليكي قوية
فهمت مقصده فلقد تذكرت موت
زوجة عمها .. أيضاً تذكرت تلك المكالمة التي كشفت لها عن الكثير .. كانت ستعاود
البكاء لولا أنها شدت على قبضة يدها وأغمضت عينيها بقوةٍ في محاولةٍ لمنع دموعها
.. وقد نجحت في هذا !!..
- عايزة اخرج من هنا
- ماشي , انتي الحمد لله بقيتي كويسة وانا ممكن اكتبلك على خروج
مفيش مشكلة , بس وعد متعيطيش تاني
أومأت بابتسامةٍ باهتة ..
بدوره ابتسم هنري هو الآخر .. نهض واقترب منها كثيراً يُزيل تلك المحاليل .. بدون
أن تقصد صلّبت نظرها على وجهه .. احمرت وجنتيها كثيراً وسرعان ما أشاحت نظرها
عندما خطر على بالها سؤالٌ واحد .. كيف لم ألحظ سابقاً أنه بتلك الوسامة ؟! ..
حالما انتهى وابتعد عنها لاحظ حمره وجهها .. انقبض قلبه ظناً منه أن حرارةً
أصابتها .. فإذا بها تشعر بيده تمسك وجهها وتوجهه ناحيته .. ثم رفعها إلى جبهتها
يجتس حرارتها .. كانت مناسبة فتعجب لإحمرارها .. مدّ شفتيه بتعجبٍ ثم ابتسم : يلا
هجبلك حاجة تاكليها بقالك إسبوع عايشة على المحاليل
بعثر شعرها وأهداها ابتسامة
ثم خرج مسرعاً .. وضعت يدها على قلبها والآخرى على جبهتها وقد شعرت بنيرانٍ تسري
بجسدها .. ما هذا الشعور الغريب الذي يتغنج وصولاً لقلبها ؟! قاطع خلوتها مجدداً
دخول أحدهم .. ابتسمت تلقائياً عندما ظنته هنري .. ولكن سرعان ما محّت ابتسامتها
عندما وجدته عمها .. يحمل بيده باقة الزهور التي تحب أنواعها !!..
وضع الزهور جانباً .. ودنى
منها يُقبل جبينها ثم ابتعد هامساً وهو يمسد شعرها : كدا يا مريم ؟ هتفضلي توقعي
قلبي عليكي كل شوية كدا ؟
تسارعت أنفاسها وهى تحاول
كظم غيظها .. وتدارك غضبها الذي تشتعل نيرانه بداخلها .. ياله من ممثلٍ بارع ..
يقوم بقتل القتيل والسير في جنازته .. ضغطت على شفتها ثم زفرت أنفاسها محاولةً
التماسك : معلش يا عمي الصدمة كانت شديدة شوية
جلس على طرف السرير وجذبها
إلى أحضانه وهو يربت على ظهرها بحنانٍ بالغ : معلش يا حبيبة قلب عمك , انا
عارف انك كنتي متعلقة بيها قوي , بس ده قدر ربنا ولازم نرضى بيه , انتي
بس قوميلي بالسلامة كدا وانا هاخدك وافسحك ونلف انا وانتي الدنيا , يلا
يا ستي هسيب شغلي وكل الي ورايا عشان خاطرك ( وضع يده أسفل ذقنها ورفع وجهها نحوه
طابعاً على جبينها قُبلة ) هو
انا عندي كام مريم ف الدنيا
كانت تشعر بنفورٍ قوي منه
.. ودت لو أن تدفعه عنها وتطبق بيديها على عنقه .. ولكن كلا يجب أن تتمهل وتتصرف
بعقلانية لاسترداد حق أخيها الذي سفك دماءه بدون وجه حق .. وأيضاً لتعلم السبب ..
تنهدت بعمق وابتعدت عنه قليلاً وهي تنظر له : عمي هو انت زعلان على هيتشول وطنط ؟
ابتلع لعابه بتوتر قائلاً
: ايه سر السؤال الغريب ده ؟ اكـ اكيد طبعا زعلان عليهم ,
وانتي عارفة اد ايه انا بحب هيتشول الله يرحمة
انزلقت دمعة واحدة يتيمة
من عينيها لم يلحظها .. أخفضت رأسها ويجول بخاطرها سؤالٌ يُلح عليها بشدةٍ للإجابة
عليه ولكن صدقاً لا تملك الجواب .. أعلم كنت تعشق أخي فكيف قتلته ولِمَ ؟ نظرت له
مجدداً وحاصرته بأسئلتها : مشفتكش ولا مرة عيطت على هيتشول ,
ولما طنط ماتت حضرتك برضو معيطتش خالص , وحساك متماسك قوي مع ان الحادثتين جم ورا بعض
أطرق يفكر بتوتر بحثاً عن
إجابات تشبع فضولها .. نظراتها النارية تخيفه .. لِمَ هذه الأسئلة في هذا الوقت
بالذات .. تحركت تُرّس عقله لتنتج إجاباتٍ مقنعة لأي آحدٍ سوى مريم التي علمت
الحقيقة كاملة : يا حبيبتي انا راجل مينفعش اعيط ,
كمان العياط مش هيعمل حاجة , انا قلبي مكسور اكتر منك بكتير جدا وحاسس اني بموت بس
انا متماسك عشان خاطرك , مكنتش اقدر ازود حزنك على هيتشول , كنت
بليل بحضن صورته ودموعي تخوني وتنزل , بس كنت بمسحها بسرعة واقنع
نفسي اني قوي ومتماسك , اما مراتي الله يرحمها فانا بحمد ربنا انها ماتت ,
كانت بتتعذب من الوجع الحمد لله ان ربنا رحمها ,
وانا راجل مؤمن وراضي بحكم ربنا
ألجمها كلامه .. حدقت به
بذهولٍ ياله من ممثل بارعٍ حقاً .. لولا أنها تعي الحقيقة لكانت صدقته بالفعل ..
كلامه مُتقن وتعبيراته بالفعل تؤكد صحة كلامه .. ظهر شبح ابتسامةٍ ساخرة على وجهها
.. ثم أومأت له ونهضت عن السرير .. شعرت بدوارٍ خفيف ولكنها تمالكت نفسها !!..
- ايه الي قومك بس ؟ ( أسندها وهو يتحدث بلهفة )
- عايزة ارجع البيت , عمي ممكن تنده حد من الممرضات يساعدني اغير هدومي ؟
أومأ لها بابتسامةٍ ثم غادر .. ليجد هنري
أمامه مباشرةً .. ابتسم بلؤمٍ وربت على كتفه : جهز نفسك هتيجي تعيش معانا في القصر
بحجة انك بتاخد بالك منها , عايزك تحت عيني عشان هحتاجك كتير الفترة الجاية ,
خصوصا اني قربت الاقي ابني
اشتعل هنري غضباً ولكنه تمالك أعصابه وهدأ
من روعه .. وكالمغلوب على أمره أومأ له وهو يلعن ضعفه وعجزه .. وبعدها بالفعل
ساعدت إحدى الممرضات مريم على تبديل ثيابها وغادرت المشفى مع عمها .. أما هنري
توجه نحو مكتبه وهو يتأفأف .. ليُصدم بكيوهيون جالسٌ بالداخل .. واضعاً قدمه فوق
الآخرى بتعالي .. عبس في وجهه قائلاً : ايه اللي جابك هنا ؟
ابتسم بلؤم وحك ذقنه قائلاً
: في امانة عايزك هتوصلها لظابط حبيبنا ف الداخلية
توجه هنري ناحيته وركل
قدمه ليجعله يستقيم في جلسته .. ونظر له بحدة والنيران تشتعل بجسده : انا مليش
دعوة بشغلكم ده , مستحيل امد ايدي معاكم ,
كفايا اني جيت على نفسي باعجوبة وحضرت المهذلة اللي عملتوها ف المشرحة , لا
عارف اكل و لا اعيش ولا قادر انام , حرام عليكم سبوني ف حالي
رمقه كيوهيون ببرودٍ ..
ونهض ثم ربت على كتفه قائلاً وهو يغادر الغرفة : خمس دقايق وتبقا في مكتبي عشان
اقولك ع التفاصيل
غادر الغرفة .. فصرخ هنري
بقوةٍ ودموعه الساخنة أحرقت وجنتيه وفؤاده يتمزق .. ضميره يؤنبه سحقاً لكل شيء
أرغمه ويرغمه على المشاركة في ذلك الإثم !!..
***
سقطت مروة جالسةً على
السرير من هول الصدمة .. رفعت العلبة التي تمسكها أمام وجهها وهى تكذب نفسها ..
حركت رأسها بالنفي وهى ترمق نور الواقفة أمامها ودموعها في عينيها بذهولٍ .. ابتلعت
غصتها وهي تحاول لملمة شتات الحروف لتكوين جملة والتلفظ بها !!..
- انتي ازاي تعملي كده ؟ لو ليتوك عرف هتبقا كارثة ونار محدش يعرف
يطفيها , وبعدين انتي كدا بتكبري الموضوع ,
ممكن يكون مخنوق شوية ف شغله واما اموره تتصلح هيرجع لطبيعته انتي عارفة انه بيحبك
- محدش هيفهمني ولا هيحس بيا ( بخطواتٍ واهنة توجهت نحو الخزانة واستندت عليها وهي تحارب دموعها ) معاملة ليتوك كوم
,
وانو يرغمني بالطريقة دي على حاجة زي دي كوم تاني ,
وبعدين انا من فترة بشوف كوابيس رعبتني ,
وقلبي مش مطمن ومش مستعدة اخاطر بالموضوع ده دلوقت
- طب افرضي عرف ؟
- مش هيعرف , وحتى لو عرف هيعمل ايه اكتر من الي عمله ؟ هو اصلا
مخاصمني من غير سبب , انا بقا هخليها بسبب
- انا مش موفقاكي خالص , خلي
بالك الرجالة في المواضيع دي بالذات
متعرفيش ايه اخرهم
- مش مهم
- نور متعصبينيش ( صرخت بها بغضبٍ )
- انتي مش حاسه بيا فاسكتي احسن
ضغطت مروة على أسنانها
ورمقتها بغضبٍ ثم نهضت لتغادر : ماشي يا نور انا مش حاسه بيكي ,
اقولك حاجة احسن ؟ مش مهتمة بيكي اصلا ولا انتي فارقة معايا , انا
همشي عشان متحرقيش دمي اكتر من كدا ( غادرت الغرفة بعد أن ألقت بالعلبة التي في
يديها على نور الجالسة أرضاً واضعة يدها على وجهها كي تمنع دموعها .. ومن بعدها غادرت المنزل بأكمله )
كانت تسير والغضب يسيطر
عليها .. يا للحماقة ! كيف لتلك الغبية أن تقول هذه الكلمات ؟! أنا لا أشعر بها ؟
تباً بل إن فؤادي يتألم تماماً وكأن أنا من يحدث معيّ هذا .. يا إلهي ساعد هذه
الحمقاء على تخطي هذه الأزمة .. زفرت أنفاسها بقوةٍ وتمتمت : غبية عصبتني ,
هروحلها بكرة تاني واقنعها متاخدش البرشام الهباب ده
وأثناء سيرها وهى تتأفأف
.. وصل إلى أذنها صوت رنين هاتفها .. أمسكته بضجرٍ وهى تتذمز .. لتجد المتصل
دونغهي .. انفرجت أساريرها تلقائياً وكادت تحلق من السعادة .. آخذت نفساً عميقاً
وهى مغمضة العين ثم زفرته وفتحت عينيها وأجابت بصوت واهن : الو
ابتسم بدوره دونغهي الذي
كان مرتخي بجسده على المقعد وبيده رزمة النقود التي سلمها له هنري للتو مغصوباً من
قِبَل كيوهيون .. تنفس بعمقٍ وبصوتٍ رخيم قال : وحشتيني
جحظت عينيها حتى كادتا
تغادران مُقلتيها .. حركت أهدابها بصدمةٍ وقلبها يخفق بقوةٍ لم تعهدها يوما .. ما
الذي قاله .. ابتلعت غصتها بصعوبةٍ وتلعثمت : وانـ ... ااه قصدي ( صمتت قليلاً لتستجمع شجاعتها .. وتعيد ترتيب دقات قلبها التي بعثرها بكلمةٍ واحدة .. ثم
قالت بثقةٍ غريبة لا تعرف من أين آتت بها ) شكرا
قهقه دونغهي بسعادةٍ .. حك
ذقنه ومن ثم نهض ووقف بجوار شرفة مكتبه قائلاً : انا بقولك وحشتيني عشان تقوليلي
وانت كمان , مش تقوليلي شكرا ,
وبعدين تعالي هنا متصلتيش من اخر مرة كلمتك فيها ليه ؟ واياكي تقولي يا حضرة
الظابط
أكملت سيرها بابتسامة
واسعة علت ثغرها .. وضعت يدها على قلبها وأعلنت : لو زعلان ممكن أصالحك
لمعت عيناه ببريقٍ غريب ..
صمت لثوانٍ ثم قال : انا برضو بقول كدا ,اشوفك بعد ساعة وهنخرج سوا
تلعثمت بتوتر وكانت ستعترض
لولا أنه أغلق الخط سريعاً عندما شعر بأنها سترفض .. ظلت مُحملقةً بالهاتف لدقائق
.. ثم هتفت بصوتٍ عال
yeeees : ( ركضت عائدة إلى منزلها بعد أن رمقها المارة بتعجبٍ )
***
جلس كيم ( عم مريم ) على
مكتبه .. والسيجار بيده كان يزفر دخانها بقوةٍ وهو يرمق بارك قائلاً : وبعدين يا
بارك انا تعبت خلاص وعايز اشوف ابني
نهض بارك من فوق مقعدة
وتوجه نحوه وهو يحك ذقنه بلؤم : ما قولتلك يا باشا , هما
بيحققو معاه لسه عشان قضية السرقة , وساعة المحكمة انا عندي خطة متخرش الميه عشان نرجعهولك
- طب ما انا اقدر اخرجه بعلاقاتي يا بني آدم انت
- يا باشا افهمني , الراجل اللي اخده من مراتك يربيه عنده عيلين ,
واحنا لسه هنعمله تحليل الـ DNA
عشان نتأكد انه ابنك , وبعدين انت عايز الناس تقول عليك ان ابنك حرامي ؟ انا
خطتي انه نهرب الواد كأن حد من العصابة بتاعته هي اللي هربته والعربية تتقلب ويموت
- يموت ايه ؟ انت اتجننت رسمي شكلك
- يا كيم اهدى عليا , انا قصدي انه يبان انه مات وبكدا الراجل اللي مربيه واللي ميعرفش ان
اهله اغنيا واللي كتبه باسمه يعرف انه مات ويسكت ومينطلناش كل شوية ويبتزنا لو عرف
الحكاية , واحنا بقا ناخد ابننا نغيرله اسمه ونخليه انسان تاني
خالص , ونقول انه كان مسافر بلاد بره يدرس
ابتسم كيم بعيونٍ تلمع ..
ثم صفق بيديه هاتفاً : عفارم عليك يا بارك , لسه
يجي منك برضو
ابتسم بارك بلؤم .. فهذه
الخطة كانت خطة ليتوك والتي حبكها جيداً حتى يؤخر أي شيء قدر المستطاع حتى يقنع
كيبوم والده بالسماح لهم بإتمام هذه المهمة .
***
في مكتب والد كيبوم بمدرية
القاهرة .. كان جالساً خلف مكتبه يزفر أنفاسه بقلة صبر .. وكيبوم واقف أمامه بعيون
ترجي وهو يتوسله بكل شيء وأي شيء أن يسمح لهم بأداء تلك المهمة
- يا باشا عشان خاطر الغلابة اللي بيموتو كل يوم , يا باشا ده انت راجل الاخلاق والمبادئ , انت
اللي دايما ورا الحق وميهمكش مين فيكي يا بلد, وبعدين حضرتك نقلت ليتوك لمكان هو ملوش فيه , تعب
واتخنق وحالته تصعب عالكافر , يا باشا ادينا فرصة نثبتلك اننا نستحق نكون ظباط
تنهد الوالد باختناق ..
وقد بدأ يلين أمام محايلات كيبوم المستمرة منذ إسبوعٍ كامل : يا بني انتو متعرفوش
حاجة خالص , انـ ( قالها بوهنٍ ) بحميكم
- يا باشا بتحمينا من مين بس هو احنا مصغرة
- انت عايز ايه يا كيبوم ؟
- ادينا الموافقة عشان نبدأ بشكل رسمي , لو
اتعطلنا اكتر من كدا مش هنعرف نعمل حاجة
نظر له الوالد بصمتٍ لمدة ثلاث دقائق .. وقلب
كيبوم يخفق بقوة من صمته المطبق ذلك .. أخفض رأسه وهو يهمس : اعملو اللي انتم
عايزينه بس مترجعوش تندمو
جحظت عينيه حتى كادتا
تخرجان من مكانهما .. ابتلع لعابه ليبلل حلقه .. وقلبه يكاد يحلق من السعادة : بـ
بابا حضرتك بتتكلم بجد ؟!
- بابا (بسخريةٍ نطقها ) ايوة بجد يا حضرة الظابط , بس
خليك عارف ان المهمة دي على مسؤليتكم انتم ,
وانا مليش اي علاقة غير اني هديكم الضوء الاخضر عشان تمشو قانوني
ضحك كيبوم بسعادةٍ وبعثر شعره وآخذ ينحني له
عدة مرات .. ثم ركض مغادراً ووجهته كانت مكتب ليتوك .. الذي تم نقله إلى قسم شرطة
الآداب !!..
خلف مكتبه يجلس وهو يطرق
بأصابعه بملل على المنضدة أمامه .. سكت لثوانٍ ثم ضرب بيده بقوة على المكتب قائلاً
: خلصتي دلع ومياصة خلاص ؟ ( صرخ بها بغضب ) ما تتلمي يا بت ,
وقولي مين مشغلك بدل ما اوريكي الوش التاني
ضحكت الفتاة بطريقة ساقطة
.. ثم انحنت بجسدها على المكتب واستندت برأسها على راحة يدها .. وهى تمضغ العلكة :
يا باشا هدي نفسك , والنبي انت زي العسل ,
تعرف انا اول مرة اشوف ظابط وشه سمح كدا ,
يختي حلوة هيهيهي , الا قولي يا باشا انت جديد هنا مش كدا ؟ اصلي اول مرة
اشوفك مع انى باجى هنا كتير , ااه والنبي جديد اصل الظابط التاني كان بعيد عنك وشه
شبه قصر عابدين , الا قولي يا بيه انت مرتشبط ؟
أغمض ليتوك عينيه وهو يضغط
على شفتيه محاولاً أن يكتم غضبه : اللهم
طولك يا روح , انتي بتلعبي ف عداد عمرك صح ؟ ( أعلن من بين أسنانه (
قهقهت بطريقة مبالغ فيها :
طب شوفلي الفاتورة هيهيهيهيهي
احمرت عينيه وعروق رقبته
باتت بارزة .. نهض فجأة كمن لدغه عقرب ثم جذبها من شعرها وهو يصرخ بها : جبتي اخرك
معايا يا روح امك
عضت على شفتيها : بموت ف
الرجاله العنيفة
اتسعت عيناه بصدمة .. ما
هؤلاء النسوة أهن بشر ؟! اللعنة على ذلك اليوم الذي أجبر فيه على التعامل معهن حقاً
هن قذرات بأبدانٍ متبلدة .. فوق مضايقته بسبب تعطيل تلك القضية كان نقله لهذا
المكان وعمله به مع تلك النسوة إضافة جديدة على أعصابه .. لهذا كان عصبياً باستمرار
.. وفي النهاية تدفع نور الثمن ولكن يبدو أنه يتوجب عليها أن تعذره إذا علمت ما
يلاقيه من ويلات هذا العمل مع هؤلاء النساء .. لم يتمالك أعصابه هتف بإسم آحد
العساكر الذي جاء ركضاً .. أشار عليها باحتقار وأمره بآخذها إلى السجن .. جلس على
مكتبه يلتقط أنفاسه بصعوبة .. إلى أن قاطعه صوت كيبوم اللاهث : وااافق ,
وافق يا ليتوك ,واااافق
- كيبوم , انت
بتقول ايه ؟
- اخيرا اقنعته , وخلاص هنقدر نبدأ الشغل رسمي وهترجع المباحث تاني
نهض من فوق مكتبه وأمسك بكتفيه
: انت بتتكلم بجد ؟
- يا ابني وهي دي حاجة حد
يهزر فيها
احتضنه ليتوك بقوةٍ .. ثم أبعده وطبع قبلة
على خده اتسعت عينا كيبوم لها بصدمة .. آخذ يضربه على كتفه : راجل ياض , قبل
اى حاجة بقا انا لازم ارجع البيت , اشطة اشوفك بعدين
وجه ضربة قوية إلى معدته
.. وغادر بسرعة .. ظل كيبوم يحدق في الفراغ لدقائق .. ثم ابتسم هو الآخر واستعد
للمغادرة .
***
وقفت مروة أمام المرآة ..
تختم شفتيها بأحمر الشفاه الداكن .. أمسكت زجاجة العطر ووضعت الكثير منه .. رتبت
شعرها بيدها للمرة الألف .. استدارت أمام المرآة وهى تنظر لملابسها الأنيقة برضا
.. أمسكت بتلك العلبة المخملية وقامت بفتحها ليظهر ذلك الدبوس الفضي .. ابتسمت
بهدوءٍ وزينت به شعرها .. وضعت
يدها على صدرها لتضبط دقات قلبها .. ثم خرجت من الغرفة
- رايحة فين بالشياكة دى كلها ؟ ( أعلنت والدتها الجالسة أمام التلفاز بتعجبٍ)
- عيد ميلاد واحدة صاحبتى من ايام الجامعة يا ماما ( أجابت بثقةٍ .. فقد أعدت تلك الكذبة
مسبقاً )
- ماشي يا حبيبتي سلميلي عليها
- متعرفكيش اصلا يا حجة , يلا
انا همشي عشان متأخرش
ركضت مغادرةً .. بعدما أغلقت باب الشقة
وقفت مستندة إليه وقلبها يخفق بقوة .. كانت مرتعبة من أن تلاحظ والدتها أنها تكذب
.. أو تطلب تفاصيل أكثر عن الأمر فهي لم تحضر كذبات أكثر من ذلك .. التقطت أنفاسها
وبدأت بالنزول على الدرج .. ولكنها توقفت فجأة وهمست لنفسها بتعجبٍ : ايه ده! وهو
انا هنزل اروح فين دلوقت اذا كان هو قال اشوفك بعد ساعة ومقالش هنتقابل فين
رفعت حاجبها الأيمن بتعجب
.. وما كادت تخرج من بوابة المبنى حتى سمعت صوته ينادي عليها .. نظرت ناحية الصوت
.. لتجده جالسا بداخل سيارة فاخرة مرابطة أمام المبنى .. ركضت نحوها بابتسامة !!..
- دونغهي , انت عرفت العمارة ازاى ؟
- انت بتكلمى سمكري ؟ ده انا ظابط يا بنتي يعني اعرف عنك اللي متعرفيهوش
عن نفسك , يلا يلا اركبي
ابتسمت بهدوء ممتزج بالخجل
.. وصعدت السيارة بجواره نظر لها بإعجابٍ شديد : بس ايه الشياكة دى ؟ ( دنى منها
كثيراً حتى بات وكأنه يحتضنها .. اتسعت حدقة عينيها .. وحرارتها ارتفعت من حركته
الجريئة الفجائية تلك .. جف حلقها تماماً .. وانقطعت أنفاسها .. وضع دونغهي لها
حزام الأمان واعتدل .. نظر لها بطرف عينيه وهى لم تتدارك صدمتها بعد .. ظهر شبح ابتسامة
على شفتيه ثم انطلق بسيارته )
من خلفهم كانت سيارة كيبوم
تتبعهم .. بمجرد خروج مروة من باب المبنى بحلتها تلك .. كانت سيارة كيبوم قد وصلت
.. رمقها بنظرات إعجاب وغضب في آنٍ واحد .. كيف لها أن تغادر المنزل بتلك الثياب
التي تُبرز مفاتنها .. وازداد غضبه عندما صعدت إلى تلك السيارة .. لم يتمالك
أعصابه وراوده الشك بأن تلك السيارة تخص ذلك الضابط .. سحقاً له لِمَ ظهر في
حياتها واقتحمها بتلك السرعة والسهولة .. سنينٌ مرت على هذا الحب الخفي دون خطوة
واحدة للأمام يخطوها كيبوم .. أما دونغهي فما هى إلا أيام واقتحم حياتها بالوثب
الطويل !!..
***
فتح باب المنزل بهدوءٍ
وعلى محياه ابتسامة واسعة .. ردد حروف اسمها بوهنٍ ولكن لا إجابة .. عقد ما بين
حاجبيه بتعجبٍ ثم آخذ يجول بنظره بحثاً عنها في أرجاء المنزل .. سمع صوت ضجيج آتٍ
من المطبخ .. ابتسم بهدوء .. خلع حذاءه وأزال ربطة عنقه .. ألقى بسترته على
الأريكة وحرر أزرار قميصه حتى الزر الثالث .. قام بتشمير أكمام قميصه .. وأرجع
خصلات شعره للوراء .. ورسم على شفتيه ابتسامة جذابة بل وواثقة مما تريد .. توجه
نحو المبطخ بهدوءٍ تام .. كان ظهرها مواجهاً له حيث كانت تنظف الأطباق بسكونٍ مُريب
أغمض عينيه وهو يستنشق نفساً عميقاً ثم تحرك نحوها بسرعة .. وطوق خصرها بذراعيه
وقرب جسدها منه كثيراً حتى كاد يحطم عظامها .. دفن رأسه في عُنقها وهو يزفر عليه
أنفاسه الساخنة .. ارتعدت فرائصها وكادت حدقة عينيها أن تغادر مقلتيها .. بل
وغادرها قلبها في رحلة سفر بلا عودة .. تبعثرت أنفاسها وآخذ صدرها يعلو ويهبط
بسرعةٍ بأنفاسٍ كادت تمزق رئتيها .. تدفق الدماء إلى دماغها كان قوياً للغاية ..
أنفاسه الساخنة التي استقرت على عُنقها .. كانت وكأنها تخترق جسدها وتندمج بدمائها
.. لينفصل منها الأكسجين ويعبر بواسطة دمائها التي تُضخ بقوةٍ .. لينعش خلاياها ..
أطلقت تنهيدة حارقة ممتزجة باللهفة والراحة .. وتحررت دموعها لتغسل الآلم الذي
يسكن بأعمق نقطة بداخلها!!
طبع قبلته على وجنتها وهو
مغمض العين .. ويشد على خصرها وكأنه يودها أن تدخل إلى جسده .. وهمس لها بوهنٍ :
آسف , بحبك
كلمتان فقط كانتا قادرتين
على إحياء نبضها من جديد .. حركت يدها المرتعشة ووضعتها على يده .. ربتت عليها
برفقٍ وهى تهمس بضعفٍ وكأنها طفلة تتحدث للمرة الأولى فتواجه صعوبة : وحـ وحشتني
لدرجة اني عايزة افضل في حضنك طول عمرى
ابتسم بخفةٍ على حديثها ..
أبعدت يده التي تُحيط بخصرها والتفت تنظر له .. رفعت أصابعها الهزيلة وآخذت تتحسس
ملامحه كالتي فقدت بصرها وتود التعرف على آحدهم .. أهداها ابتسامة باهتة وهو ينظر
إلى ملامحها الضعيفة والمرهقة بسببه .. عضّ على شفته بندمٍ وقهر .. أمسك بيدها
وقبلها بحب .. جذبها إلى أحضانه وهو يربت على ظهرها بيده ويمسد شعرها بالآخرى :
انا آسف , سامحيني على كل حاجة عملتها ,
سامحيني على كل دمعة كانت بسببي , وسامحيني اني وجعتلك قلبك طول الفترة دي , بس
عايزك تعرفي انه والله يا حبيبتي كان غصب عني انـ ..
أسكتته تماماً حينما وضعت
إصبعها على شفتيه وهمست : انا مسمحاك كفاية انك رجعتلي سليم .. كيبوم شرحلي اللي
حصل!
ابتسم بهدوء ومسد شعرها بأصابعه : توقعت اني
هاخد وقت كتير عشان اقنعك تسامحيني!
عضت على شفتها السفلية
بخجل : بص .. عشان اول مرة تزعلني بس, كمان فاكر زمان لما سامحتني
بسهولة على حاجات كتير عملتها فيك؟ انا بردهالك دلوقت .. لكن بعد كدا هتتعب وانت
بتصالحني خلي بالك
تحولت
ابتسامته لضحكات بصوت عال : لا خلاص مش هزعلك تاني
ـ
وعد؟
ـ
وعد!
ـ
طيب انا جعانة روح غير على ما احط الاكل
استجاب لها .. بدل ثيابه
والسعادة تخالج فؤاده .. أما هي فكانت تحضر الطعام بجناحين تكاد تحلق بهما .. حتى انتهت
فتناولاه معاً .. وبعدها جلس مستنداً إلى السرير .. وتمددت هي في أحضانه والابتسامة
تعلو ثغريهما
همس بصوته الرخيم وهو يلهو
بخصلات شعرها : حبيبتي عايز اقولك على حاجة
هتفت بغنج وهى مغمضة العين
: امممم
ابتلع غصته ثم قال : بصي
يا قلبي , انا عندي شغل مهم وصعب اوى , انتي
طبعا عارفة انى بحبك ونفسي تفضلي ف حضني دايما صح ؟
طرق قلبها بخوفٍ واعتدلت تنظر له بتوتر :
قصدك ايه يا ليتوك ؟ بلاش المقدمات دي انت بتخوفني
أعادها لأحضانه مجدداً وهو
يُمسد شعرها لتهدأ : حبيبتي اهدى , دى مهمة زى ف الافلام كدا لازم اعمل اني شخص تاني لمدة
صدقيني معرفش هي اد ايه بس مش هتكون طويلة ان شاء الله , وف
الفترة دى يمكن مقدرش اجي البيت هنا كتير , كل
اللي طالبه منك تبقي هادية وتصبري وبعد المهمة دي وعد مني هاخد اجازة شهر كامل ومش
هتبعدي عن حضني فيه ولا ثانية
ابتعدت عن أحضانه باكية :
لا يا ليتوك متسبنيش , انا قلبي مش مرتاح خلي حد تاني يعمل المهمة دي
أزال دموعها برفقٍ : يا حبيبة قلبي ملوش
لازمة العياط , والله مش هيحصل حاجة ولا هتحسي بغيابي كمان انا اكيد
هجيلك من وقت للتاني يا مجنونة , خلاص بقا عشان خاطري من غير عياط ,
عايز النهاردة نقضي اجمل ليلة سوا عشان هبدأ بكرة ان شاء الله ماشي ؟
حدقت به وهو يرمقها بنظرات
الترجي .. فلم تجد مفر من أن تومئ بالموافقة .. وقلبها يدغدغها شعورٌ رهيب بالخوف لا تعرف سببه
.. منقبض بشدة وكأن هناك ما يترصد لها .. يوم .. يومان .. شهر وبعدها سيحدث شيء سيء
.. شعورها ذلك جعلها تتمسك بقرارها الذي اتخذته رغم أنها بعد رجوع ليتوك إلى
طبيعته كانت قد قررت أن تتراجع عن هذا القرار .. تمسكت بأحضانه بقوةٍ بالغة وهي
تستشف من هذا العناق القوة!!
***
عودة إلى سيارة دونغهي
التي وصلت أمام السينما .. ترجل منها ليرمقه كيبوم من بعيدٍ بحقد بالغ وكره يشتعل
بداخله .. ترجلت مروة هى الآخرى والابتسامة تزين وجهها .. مدّ يده وعانق راحه يدها .
نظرت له بخجلٍ هامسة :
اشمعنا السينما ؟
بثقة نطق وهو يحدق بعينيها
مباشرةً : في فيلم رومانسي حلو كنت عايز اشوفه معاكي
ابتلعت غصتها وهى تبتسم له
بتوتر .. دلفا للداخل وجلسا على مقعدين متجاورين .. بدوره دخل كيبوم بعدهما وجلس
على بعدٍ منهما وهو ينظر لتعانق يديهما بغضبٍ يشتعل بداخله حتى كاد أن يحرقه ويحرق
ما حوله .. بدأ العرض وقد كان فيلما أجنبياً جريئةٌ هي مشاهده حد المبالغة بل الابتزال
.. كادت وجنتي مروة أن تحترقا من شدة الحرارة إثر خجلها من تلك المشاهد التي لم
ترها يوماً .. ودونغهي بجوارها يراقبها سعيد بخجلها .. وشكلها الذي يزداد فتنة بازدياد
حمرة الخجل .. بداخله بركانٌ تغلي حممه .. ورغبات غريبة تتسلل إليه ولكنه على غير
العادة يقاومها .
شرد لثوانٍ في تأملها حتى
أعاده للواقع صوتها المتردد : دونغهي انا مبحبش الحاجات ديه ممكن نمشي ؟
ابتسم بهدوءٍ ثم نهض وأمسك
بيدها مجدداً وغادرا .. وتبعهم كيبوم في الخفاء .. بمجرد خروجهما من دار السينما
وجدا بائع مثلجات متجول .. فابتاع منه دونغهي ومد يده بآحد المثلجات لها قائلاً :
اتفضلي , تحبي نقعد ف كافيه؟
ابتسمت بهدوء وتناولت
المثلجات منه وتذوقتها .. كانت لذيذة للغاية فانفرجت أساريرها بسعادةٍ بالغة : الي تحبه ( صمتٌ دام ثوانٍ حتى قطعته بوجهٍ
مستاء وكأنها تذكرت شيئا ما ) بس استنى كدا , انت
متعود تشوف القرف ده ؟ ( أشارت على السينما بإشمئزاز (
ضحك دونغهي بقوةٍ على شكلها .. تبدو وكأنها
ستتقيأ .. شعر وكأن الفرصة قد سنحت للخوض في الحديث بتعمق .. فعانق ذراعها وقرر أن
يتمشيا بطول النهر عوضاً عن اقتراحه السابق .. ثم قال : ومالك قرفانه كدا ؟ دى
رومانسية , انا بتفرج على افلام رومانسية زى اى حد ف العالم عادي
يعنى
نظرت له بعبوس وهى تلعق
مثلجاتها ثم قالت : رومانسية ؟ ( ضحكت بسخرية ) ده قرف حضرتك
اقترب ولعق من مثلجاتها
بالرغم من وجود واحدة بيده .. ولكن قصد هذا ليبعثر كيانها ويتسرب كالعطر إلى
داخلها .. وبالفعل هذا ما حدث .. حركت أهدابها بسرعةٍ فقال : يعنى انتي عايزة
تفهميني انك مش بتشوفي الحاجات دي ولا حتى نفسك فيها ؟ ( غمزها بعينه اليمنى )
أجابت بثقةٍ غريبة : بجد
يععع !! انا اشوف القرف ده او افكر فيه ؟ مستحيل يا ابني انت
بتتكلم ف ايه
داهمها بملامسةٍ سريعة لشفتها السفلية ثم ابتعد
.. رمشت بعينيها غير مصدقة لما حدث .. آخذت تُعيد ما حدث مليار مرةٍ علها تصدق أنه
لامس شفتيها .. اتسعت حدقة عينيها حالمااإستوعبت ما حدث فؤادها سينفجر من سرعة
نبضه .. نظرت له وكأنها تسأله ماذا فعلت ؟! فابتسم وهز كتفيه : كان في كريمة على
شفتك ف شلتها
ازدردت لعابها وهى تستقطب
قواها .. آخذت تأكل المثلجات بسرعةٍ لتبلل حلقها الجاف .. وأيضاً كي تتحاشى النظر
له كي لا تتوتر أكثر من هذا ويفتضح أمر قلبها
كانت نزهة رائعة .. أمضيا
وقتاً ممتعاً تحدث فيه دونغهي عن نفسه لها .. أخبرها أنه وحيد تماماً فقد مات
والديه مُذ كان صبياً .. وليس له إخوة ورغم عدم صحة هذا إلا أنه نفى .. يعيش
بمفرده في منزل واسع بحديقةٍ كبيرة تحتوي على أروع أنواع الزهور والنباتات
والأشجار .. يطل على النيل فيضيف له جمالاً على جماله .. تحدث عن عمله وعن بعض
مغامراته وهي تستمتع بحديثه ولم تُمحى ابتسامتها
تنهد بعمقٍ قائلاً بمرح :
يعنى بصريح العبارة انا واد متريش ومرتاح ماديا ,
عريس لقطة انا لو منك امسك فيا بإيدي وسناني , غني
وابن ناس لا وكمان مقطوع من شجرة يعنى مفيش حمه تطلع عينك ,
وفوق كدا قمور ومفيش مني اتنين ف البلد , شفتي
بزمتك واد حلو ومخلص كدا
أخذ يحرك ملابسه بزهو ..
ضحكت على شكله وعقدت ذراعيها إلى صدرها ثم هتفت : توء توء انت مش زوقي ( مدت
لسانها في وجهه وركضت وهي تضحك بصوتٍ عالٍ )
ركض وراءها وهو يضحك بدوره
.. وأخيراً أمسك بها وهو يلهث .. نظرا لبعضهما وانفجرا ضاحكين .. كان يوماً مميزاً
حقاً ولا يمكن أن يُمحى من ذاكرة مروة .. أوصلها دونغهي إلى المنزل ثم ودعها وغادر
بقلبٍ تجتاحه السعادة فهو يصل إلى مآربة بأسرع مما تخيل .. أما مروة فصعدت الدرج
إلى شقتها وهى تغنى وتتراقص : اللي انا فيه ده مش حاجة عادية عينه فيها حاجة مش
طبيعية , دقيقة كدا وهيغمى عليا ده اللي دوخت عليه ولقيته ,
اتاري كدا كدا كان متشالي الاقي روحي نصي التاني كلي ده ايه ده بقا ده في وهم حصلي
ولكن قاطع غناؤها صوته
الآجش الذي يحمل غضب الدنيا وسخطها : مروة!!!
عقدت ما بين حاجبيها بتعجبٍ والتفتت تنظر له : بومي ؟
ابتسم بحسرةٍ على تلك
الكلمة .. ثم قال بهدوء حاول تصنعه : شايفك فرحانة اوى خير ؟
ابتسمت بسعادةٍ بالغة وكأن
عينيها تخرجان قلوباً والفراشات تتطاير من حولها .. ثم أومأت بنعم : ده اسعد يوم
في حياتى , وانا النهاردة اسعد واحدة ف الدنيا
خنجر حاد كانت تغرزه في
قلبه ببطء بكلماتها تلك .. تحامل على نفسه وتجلد قدر المستطاع وهو يقول : الشاب اللي
كنتى معاه , احم اقصد دونغهي انتي فرحانة بسببه ؟
بتعجبٍ قالت : عرفت ازاي اني كنت
معاه ؟
ابتسم بوهنٍ : شفتك وانتي
نازلة من عربيته وكنتي بتغنى على السلالم ( ابتلع غصته بصعوبة وهو هو يقول بصوتٍ
مرتعش ) حبتيه بسرعة كدا ؟
اتسعت حدقة عينيها وشهقت
وهي في غاية التوتر .. كادت أن تعترض لولا أنه أهداها ابتسامةً باهتة أراحتها
قليلاً .. أغمضت عينيها وهي تستنشق كمية هواء كبيرة .. ثم فتحت عينيها وابتسمت
بخجل : مش عارفة امتى ولا ازاي بس هو سرق قلبي فعلا من الكام مرة اللي اتقابلنا
فيهم وحبه الكلام اللي قولناهم , بس مش عارفة هو فنان ولا ساحر ولا مشعوذ ولا ايه , لا
عارفة حبيته ازاي ولا امتى ولا ليه , اهو حبيته وخلاص بقا
كلماتها حطمت قلبه بقسوةٍ .. وكأنه نجم تعرض لحرارةٍ
وضغطٍ هائلين فانفجر لتتناثر أشلاؤه هنا و هناك .. شعر وكأن الأكسجين لا يصل إلى
رئتيه .. دوارٌ قوى عصف به حتى كاد يتهاوى أرضاً .. امتلأت عينيه بالدموع التي
حاول جاهداً وأدها .. نظر لها بوهنٍ شديد هامساً : وانا ؟
ابتسمت برقةٍ ومازالت في
وهنها : انت اجمل اخ ف الدنيا
أغمض عينيه بضعفٍ لتنزلق
دموع ضعفه أمامها .. ها قد ألقت سهماً جديداً وجهته هى قلبه .. أخ ! مجرد أخ ..
هذه هي كُنيته في حياتها سحقاً لها كُنية .. نظر لها والغضب يتطاير من عينيه ..
وجهه مُحتقن وعروق رقبته بارزة .. حبات العرق تتساقط من جبينه لتختلط بدموعه .. مدّ
يده وأزال ذلك الدبوس الفضي من شعرها بعنفٍ .. وألقاه أرضاً ثم داس عليه بقوةٍ حتى
جعله مجرد حطام .. وهي تراقب الموقف بدهشةٍ .. انبعثت منها شهقة كتمتها بوضع يدها
على فمها ..
أما هو فصعد الدرج بسرعةٍ
نحو شقته كالطير الجريح .. حدقت بالفراغ لدقائق ويبدو أنها وأخيراً أدركت حقيقة
هذا الأخ الذي لم ينظر لها يوماً على أنها أخته ولن تكون هكذا يوماً ولو حدثت
معجزات السماء بأكملها .. ابتلعت غصتها بصعوبةٍ وركضت نحو شقتها وهى ترتجف من هول
ما حدث .. دخلت غرفتها مباشرةً .. بدلت ثيابها وارتمت على سريرها وهى تهمس :
بيحبني ؟ مش ممكن , ليه بس يا كيبوم انت اللي عقدت الدنيا وعملت ف نفسك
كدا ( تقلبت على جمبها الأيسر ) انا آسفة بس انت اخويا , لـ
لكن هو فعلا حبيبي والحقيقة دي عمرها ما هتتغير , مش
قصدي اكون أنانية بس انت الى عملت ف نفسك كدا
ـ
*.* ـ *.* ـ *.* ـ*.* ـ
- عايز النار تاكل حديد
العرابية عشان يبان ان الجثة اتفحمت , فهمت هتعمل ايه ؟
- طول ما انت شاطر وبتسمع
الكلام , لازم اخاف على مريم واقلق عليها طبعاً
ـ يا
عم الحج ما انت خاطفني ومش عايز تفهمني حاجة
ـ الحقني يا ابني , اختك مرمية على الارض جاتلها الازمة والبخاخة خلصت , البت بتطلع ف الروح الحقني بسرعة
اووووووووموووووووو البارت بي مشااااعر جممممممممميلة !!
ردحذفنور و ليتوك !! عصافير الحب !! ياربي جعلكم تتهنووووون سوااااااا !!
مروة ياريتها لو بس تعوووف دونغهي لأن صراحة نيته هالولد مو صافية ابد .
انقهرت على بومي كلش !! و الله قلبي وجعني عليه !!
ابدعتي حياتي .
متابعتكِ .. نورهي