الاسـتـحـواذ
البارت الثاني
انتفض من على الكرسي واقفًا بصدمة "أيعقل أنه حقيقة؟؟؟"
بدأت بالتراجع نحو الوراء وهي تنظر من حولها بحذر، فجأة تسمرت مكانها،
تخشبت وكأنها جسد بلا روح، عندما شعرت بأنفاس تضرب عنقها بقوة، صوت الأنفاس يقترب
من اذنها تمامًا كما الصوت الذي سمعته خلف الباب، بنفس العبارات الغريبة تلك.
تمتمه بكلمات غير مفهومة، بالرغم من قربها، إلا أنه يتبعها صدى صوت عالٍ
جدًا وكأنها في غرفةٍ أخرى، شعرت وكأن الكلمات تمشي على عنقها، تمامًا كما تشعر
وكأن النمل يسير على جسدها .. ولكنه غير موجود.
وفجأة .. !
بدأت تشعر وكأن أحدهم يدحرج أصابعه على ذراعيها، يبدأ بكفيها، منتهيًا
بكتفيها .... !
وما هي الا لحظات حتى أطلقت صرخة قوية أستيقظت بها من نومها والعرق يغسل
وجهها، ويبلل خصلات شعرها القريب من أطراف وجهها المدور.
أنفاسها تتعالى، ونبضات قلبها تتخبط في أرجاء الغرفة.
بعد لحظات أقتربت من الدقيقة، نظرت من حولها لتجد نفسها في غرفتها، تعمقت
في النظر حتى اطمأنت وتنفست براحة بعد أن أدركت أنه مجرد كابوس مزعج ليس إلا.
وقفت من على سريرها، ثم توجت إلى الحمام، نحو المغسلة وفتحت الصنبور، غسلت
وجهها جيدًا بالماء، ثم رفعت رأسها باتجاه المرآة وهي لا تزال تغسله جيدًا.
أوقفت يديها عن الحركة عندما سقط نظرها على شيءٍ في المرآة، بدأت بالتوتر
والرجفة ذاتها، رفعت يدها جيدًا لترى ذات الجرح الذي أصيبت به في الحلم من حافة
النافذة على يدها وفي نفس المكان أيضًا.
لمسته باصبعها فشعرت بإنه حقيقي وليس وهم من الخوف، أستمرت بالنظر إلى
المرآة حتى فتحت فمها ببطئ وصرخت بأعلى صوتها.
وضعت يدها على فمها، وبدأت تتراجع إلى الوراء ببطئ شديد، تنظر بأطراف
عينيها، وتتنفس بسرعة، التفتت نحو الباب، فخرجت من الحمام مسرعة، وصلت حيث سريرها،
أقتربت تبحث عن هاتفها، بعثرت الغطاء وكذلك الوسادة حتى وجدته أخيرًا ملقى بجانب
السرير، ثنت قدميها على السرير، وأقتربت من حافته المقابلة لها، أنحنت قليلًا، ثم
ألتقطته بيديها المرتجفتين، أغمضت عينيها قبل أن تضغط على زر الاضاءة، أبتلعت
ريقها وضغطت على نفسها، حتى فتحت عينيها، ثم حركت أصبعها ليلامس زر الاضاءة، وما
هي إلا لحظات، حتى ظهرت لها الشاشة البيضاء ذاتها، فرمته بأقصى قوتها بعيدًا،
وتراجعت نحو الوراء، تقوقعت حول نفسها مرعوبة، تنظر من حولها بنظرات خائفة، تتجنب
النظر إلى هاتفها، وتحاول أن تبعد نفسها عمّا تراه الآن وتشعر به.
لمعت عيناها للحظة ورددت بنبرة مترددة "بي-بيكهيون !"
هرعت من مكانها مسرعة، فتحت الباب ببطئ حتى لا تستيقظ والدتها، وصلت إلى
باب المنزل، فتحته ببطئ هو الآخر، ثم خرجت وأغلقته، ركضت مسرعة نحو طابقه، خوفها ممّا
حصل معها أنساها ظلمة المكان، تقدمت مسرعة حتى وصلت أمام باب شقته، طرقته عدة مرات
قبل أن تحاول فتحه، لتجده مفتوح بالفعل، دخلت الشقة بحذر، تنظر من حولها في
المكان، تبحث عن بيكهيون، فتحت فمها تهمس بنبرة خافتة باسمه، تعالت بعد لحظات،
أستمرت بالسير حتى توقفت فجأة عندما لمحت باب غرفته مفتوح، تنفست بقوة قبل أن
تقترب منادية عليه "بيكهيون !! أتسمعني؟" دفعت باب غرفته بخفة وما هي
إلا لحظات حتى رأت جسده ملقى على الأرض، هرعت اليه مسرعة، جلست بجواره تهز به،
وتحاول أن توقظه، كان جسده يشبه الجثة الخامدة.
بحثت في جيوبه على هاتفه لكنها لم تجده، نظرت إلى طاولة متوسطة الحجم في
زاوية الغرفة بالقرب من النافذة، رأته عليها، فأقتربت منها مسرعة، ألتقطت الهاتف
وأوشكت على الاتصال بالاسعاف، لكنها توقفت عندما سمعت صوته وهو ينتفض في مكانه،
وضعت الهاتف من يدها وأتجهت نحوه بسرعة، جلست بجواره بعد أن فتح عينيه بالكامل،
نظرت إليه بابتسامة عميقة بعد أن ظنت أنه قد مات.
جثت على ركبتيها بجواره والدموع تملئ عينيها، والرجفة تسيطر على جسدها.
نظر إليها بتعجب بعد أن أدرك وضعه، أسند نفسه قليلًا ثم تنهد بقوة قبل أن
ينطق بحرفٍ واحد، وضع يده على رأسه ليخفف صداعًا قويًا يصاحبه.
أدار نظره بعد لحظات ليقابلها من جديد وهي ملتزمة للصمت بطريقة غير مألوفة،
قطب حاجبيه منتظرًا حركة منها، لف جسده بالكامل ليصبح أمامها مباشرةً، أبتلع ريقه
بتروتر ثم سأل بنببرة خافتة "ما بك؟"
"أ-أنت على قيد الحياة، صحيح؟"
أبتسم بسخرية ثم أجابها "وهل ترينني ميت مثلًا؟"
تجاهلت سخريته، وشبكت كفيها لتسكت رجفتهما، وبعد أن ابتلعت ريقها أقتربت
منه قليلًا، ليتفاجئ هو أكثر من تصرفاتها الغريبة، أوشك على أن يفتح فمه متحدثًا
ولكنها سبقته معلنة "ماذا حدث معك في الليلة الماضية، أتذكر كيف وصلت إلى
المنزل؟ ماذا حدث في القصر؟"
"قصر؟ لا أفهم عن ماذا تتحدثين !"
اتسعت عيناها غير مصدقة بروده واجابته الغير منطقية مقارنةً مع ما حدث معها
في الليلة الماضية ..!
أخفت وجهها بكفيها متنهدة بقوة، وهو ينظر إليها بهدوء فتصرفاتها غريبة
اليوم.
أزاحت يديها ثم سألته مباشرة "اذا اغمي عليك هنا؟ عندما وصلت رأيتك
كالجثة هنا ! ل-لم تجبني ولم أسمع لك نفسًا واحدًا"
رفع حاجبًا دون الآخر مستنكرًا "كنت نائم ! في الواقع لا أعلم عمّا
تتحدثين، أنا حتى لم أعرف بعد كيف دخلتي، وماذا تفعلين هنا حتى"
صرخت في وجهه "هل جننت؟" ليتراجع هو الى الوراء مصدومًا، أبتلع
ريقه متوترًا من غضبها، أستمر الوضع هكذا للحظات، لينهيه هو بابتسامه متردده
"ما بكِ بيبا؟ هل ضربت رأسكِ-" قاطعتها بنبرة عالية "بيكهيون لا
تجعلني أقتلك في هذه اللحظة !! "
وقفت من مكانها وبدأت بالسير بتوتر
وهو ينظر إليها بهدوء، تابعت هي بذات النبرة "القصر، الذي طلب من الاستاذ
سوهو الذهاب لاجراء بحث عنه، هل نسيت أمره أيضًا؟"
وقف بعد أن أدرك فعلًا أنها تتحدث بجديه، أقترب منها ليصبح أمامها مباشرة،
وضع يديه على كتفيها "بيبا ماذا يحدث معكِ؟ وعن أي قصرٍ تتحدثين؟"
حدقت به للحظات، أدركت انه جاد بما يتحدث به، لكن لا .. ! هي لا تزال على
يقين أنه يسخر كعادته، ولكن .. ! هل ما يحدث معها يحدث معه بالفعل ؟ هذا مستحيل !!
ما حدث معها شيء لا يمكن المزاح به، أو حتى نسيانه ولو للحظة.
"دعك من هذا كله، الجرح !!" مدت يدها ثم كشفت عن ذراعها لتشير له
"وهذا-" تجمدت شفتاها، وتوقفتا عن الحركة عندما رأت يدها خالية من أي
جروح.
استمر بالنظر دون أي كلمة، ازاح نظره عن ذراعها ليقابل عينيها المرتجفتين،
وضع يده على جبينها "بيبا، حرارتك مر-" لم يكمل حديثه حتى سقطت هي بين
ذراعيه مغشيًا عليها.
كان يقف بيكهيون بجانب مقعدٍ تجلس عليه والدة بيبا، كانا ينتظران خروج
الطبيب الذي يفحصها بالداخل، كان المكان امامها أشبه بممر للمشاة، الممرضين
والأطباء وكذلك المرضى، مر العشرات منهم خلال فترة الفحص، ليزداد الأمر توترًا.
خرج الطبيب بعد عدة دقائق، ليهرع إليه بيكهيون وكذلك والدة بيبا، قابلهم
بابتسامة مريحة وقبل ان يسأله أحد منهما أعلن هو "لا داع للقلق، المريضة
تعاني من بعض الارهاق نتيجة لارتفاع حرارتها، يبدو أنها كانت تعاني من الزكام،
والصداع .. الامور كلها اختلطت عليها، ستصبح أفضل عندما تستيقظ"
تنهد الاثنان براحة، ليذهب الطبيب ويدخلان إليها في الغرفة.
كانت تستلقي على السرير، يدها مرخية بجوارها موصولة بمغذي بوساطة ابرة على
ظهر كفها الأيمن.
جلس بيكهيون على الكرسي بجوارها بعد أن غادرت الوالدة مجبرة من قبل بيكهيون
خوفًا من ارهاقها هي الأخر، نظر إلى بيبا مندهشًا، غير مصدقًا ما حدث اليوم معها،
تنهد بقوة وهو ينظر لكن بلا نتيجة.
أمسك هاتفهوبدا بالعبث في صفحاته، حتى غلبه النعاس أخيرًا ونام هو الآخر
على الكرسي.
الليل قد حل بالفعل، أصبحت السماء داكنة، وقلت زوامير السيارات، وحركة
المشفى، عمّ الهدوء في المكان، ليبدأ الصراع معها ... الآن.
فتحت عينيها فجأة، رأت نفس المكان الذي كانت به .. القصر ! وفي ذات الغرفة
أيضًا.
هنا بدأ قلبها ينبض بشدة، وكأنها في مكان لا أحد يعلم به سواها، ومهما طلبت
النجدة لن يسمعها أحد، وإن سمعها أحدهم لن يستطع الوصول اليها.
نظرت من حولها، إلى الكرسي نفسه، النافذة وكذلك ... الباب ! أنه مفتوح.
هرعت إليه مسرعة واستطاعت الخروج من الغرفة أخيرًا، شعرت وكأنها ستخرج
بالفعل، شعرت بالراحة لبعض الوقت، نظرت إلى الأبواب الأخرى التي دخل إليها زملائها
من قبل، اتجت نحو أقربها، لتدخل إليه.
وضعت يدها على مقبض الباب، وما ان اوشكت على فتحه حتى سمعت صرخة مرعبة هزت
كيان القصر، وفصلت قلبها عن جسدها، ومباشرةً أبتعدت عن الباب بسرعة، وهي تخشى حتى
النظر حولها،وكأن النظرة تعبر عن ... القتل.
هل أصبحت رجفة جسدها، وانقباض قلبها، وكذلك احتجاز روحها .. أمر لا بد منه
؟
الخوف، بكائها، وشهقاتها العالية .. تسمع صداهم في الارجاء، صوتها يرتد
لتزداد هي خوفًا ورجفة، لتزداد دموعها وتعلو شهقاتها .. ليزداد الخوف من جديد.
حاولت كتمان شهقاتها، وتمالك نفسها قليلًا، واستجمعت البعض من قواها، نطقت
بأول حرفٍ من أسمه ثم توقفت، حاولت من جديد "بيكهيون، هل تسمعني؟" بدأت
بالاقتراب من الأبواب وهي تردد بصوتٍ هي من الصعب أن تسمعه "بيكهيون؟
لآي؟" توقفت قليلًا بخوف وكأنها محاصرة، وقدميها مثبتتان في الأرض، لا تقوى
على الحركة، فأكملت مكانها "تشانيول؟ لوهان .. آنا ؟؟؟"
ازدادت نبرة صوتها علوًا "هل هناك أحد؟ أتسمعونني؟"
بعد لحظات، صرخت بأعلى صوتها "هل هناك أحد؟" ليرتد بعد ذلك صوتها
بتمتمة غريبة كالتي سمعتها من قبل.
انتفضت في مكانها وكأن ساعة الموت قد حانت، توترت أكثر من ذي قبل، بدأت
بالنظر من حولها مرتبكة، لا تعرف أين عليها الذهاب، نظرت إلى باب القصر، وهرعت
إليه مسرعة، بدأت تحاول فتحه بكل قوتها، وتضرب عليه ليصدر صوت طرق مزعج صاحبه فتات
يسقط من السطح وكأن المكان سينهار فوق رأسها، شعرت بالخوف أكثر وهي تنظر إلى أعلى،
ثم خلفها، حيث صوت التمتمة يزداد وضوجًا معلنًا أقترابه، ما الحل الآن ؟ عندما
أدركت أنه لا مفر، جثت على ركبتيها، وضعت كفيها على اذنيها متجاهلةً تلك الأصوات،
ولم يبقى في مسامعها سوى صوت نبضات قلبها المضطربة.
أستمرت على هذا الحال ما يقارب الخمس دقائق، شعرت بالريبة فازاحت يديها
ببطئ لتدرك أن الصوت قد أختفى بالفعل، نظرت على يمينها، وكذلك شمالها، لكنه لم يكن
موجود، فشعرت بالراحة قليلًا، وقفت واستدارت ببطئ لتجحظ عيناها بصدمة .. وقفت بلا
حراك تنظر غير مصدقةً ما تراه.
"ك-كيف وصلت غلى هنا؟"
انها الغرفة التي كانت بها في بداية الأمر، الكرسي، والنافذة ... ولكن كيف؟
انتفضت تنظر الى الوراء بصرع، عندما سمعت صوت الغراب من جديد، لم تجده عند
النافذة بالرغم من قرب صوته، أقتربت من النافذة، صعدت على الكرسي، لتقترب من طرفها
كما حدث في المرة الماضية، أمسكت بعمدان النافذة، أستطاعت أن تثبت نفسها على حافة
الكرسي العلوية، وتتشبث بأعمدة النافذة جيدًا فاستطاعت بالنهاية أن ترفع نفسها
لترى ما يوجد خارج اسوار هذا القصر الغريب.
كانت الليل يسود المكان، والسماء قاتمة، وفي منتصفها القمر يشع ضوءً كسر
ظلمة المكان وسواده.
كانت تجول بعينيها المكان، تبحث عن شيءٍ ينجدها، وعندما فشلت في العثور على
شيء، بدأت تصرخ بكامل عزمها؛ ليسمعها أحدهم .. صرخت، وصرخت حتى جرحت حنجرتها،
وبدأت صوتها يخفت من تلقاء نفسه، وفي كل مرة ينخفض بها نبرة صوتها كانت تعلو
شهقاتها وتتراكم دموعها، صمتت قليلًا عندما سمعت صوت أوراق الشجر المتراكمة وكأن
أحدهم يمشي عليها، قربت أذنها ليتضح الصوت أكثر، وفعلًا كان الصوت يزداد وضوحًا،
أبتسمت هي عندما أدركت أن أحدهم يقترب من جهتها، بدأت تصرخ من جديد، وبالرغم من
صوتها المنخفض إلا أنها كانت تحاول بذل جهدها حتى وإن كان الأمر يؤلمها بشدة.
"أنا محتجزة في القصر؟ أهناك أحد يسمعني؟ أرجكم ساعدوني لأخرج من
هنا"
أستمرت بترديد نفس الكلمات، ولكن وبالرغم من أن الصوت يعلو ويقترب إلا أنها
لا يتوقف، وحتى الآن لم يظهر مسبب هذا الصوت، في ذات اللحظة بدأ صوت التمتمة من
جديد خلف الباب يقترب كالمرة السابقة، نظرت خلفها بتوتر، ثم عادت لتنظر باتجاه
النافذة لتنتفض إلى الوراء مرتعبة بسبب الغراب الذي يقف على حافة النافذة، أختل
توازنها فسقطت على الأرض، وجرحت ساقها.
كان صوت أنينها قوي جدًا، خدها الذي سقطت عليه يؤلمها بشدة، لم تستطع
التحرك من مكانها، تشنج جسدها بالكامل، شعرت وكأن الأمر يعيد نفسه بطريقة غريبة ..
أهي دوامة ستبقى محتجزة بها إلى الأبد؟ أم أنها مجرد كوابيس تراها؟
لم تدرك أن صوت التمتمة توقف مجددًا إلا بعد أن هدأت جسدها قيلًا، حاولت
جاهدة أن تسند نفسها ولو قليلًا، لكنها لم تستطع أبدًا، يبدو أنها كسرت !!
أستمرت بالنظر نحو الباب بهدوء، تبكي بصمت، بلا شهقات .. وكأنها تنتظر
حتفها.
أطلقت صرخة قوية عندما أمسك أحدهم بقدمها، لم تستطع أن تنظر باتجاهها من
الخوف، كان الوضع يؤكد أنه .. أنه موجود في الغرفة معها ويمسك بقدمها بالفعل.
دون أن تنظر إليه سألت بنبرة مرتجفة "م-من أنت؟ م-ماذا تريد
مني؟"
أجابها بأنفاس مخيفة لا معنى لها .. !
ازداد خوفها أكثر عندما أدركت أنه هنا بالفعل .. !
"م-ماذا تريد مني؟"
أجابها مجددًا بأنفاس لا معنى لها، مما أجبرها إلى النظر إليه.
كان يجثو على ركبتيه أمامها، يمسك بقدمها باحكام، وجهه صغير ولكنه مملوء
بالرسومان الغير مفهومة، ملامحه ضائعة، لذا لم تتمكن من النظر إليه جيدًا.
شكله لم يكن مرعبًا إلى ذلك الحد، كصوته أو الأجواء التي يفعلها ليحضر،
فكانت قادرة على النظر إليه بشكلٍ أطول، وهو كذلك.
"م-من أنت؟؟" سألته وهي ترتجف، ليجيبها هو بنظرة عميقة بلا أي حرفٍ
ينطقه، شعرت بالتوتر أكثر .. لما يبدو هادئ هكذا؟ أهو الهدوء ما قبل العاصفة؟؟
"أرجوك دعني أخرج من هنا .. أرجوك"
أقترب منها أكثر، لكنها لم تتمكن من التحرك، فاكتفت باغلاق عينيها، لم
يقترب أكثر من انشين أو ثلاثة تقريبًا.
فتحت عينيها بعد لحظات، عندما أدركت أنه لم يقترب أكثر، رأته وهو لا يزال
يحدق بها بصمت، بدأت نبضات قلبها بالسكون شيئًا فشيئًا، ورجفتها بدأت بالانخماد ..
لا يبدو مرعبًا.
فكرت هكذا، فقررت أن تتحدث معه، لربما فهم لغتها وأستطاعت الخروج من هنا،
أو حتى معرفة ماذا يريد منها وأين البقية.
قبل أن تنطق بحرفٍ واحد، عاد صوت التمتمة من جديد، هذه المرة كانت أمامه
مباشرة، لكن شفتيه لم تتحركا !
أيعقل أنه ليس هو صاحب ذلك الصوت؟
أبتسم عندما سمع الصوت، أغمض عينيه وأرجع رأسه للوراء لتبرز تفاحة آدم
خاصته، وكأنه يستنشق رائحة شيء ما، كانت تنظر إليه متعجبة، ما الذي يفعله الآن؟
وما سر ذلك الصوت الغريب؟!
وفجأة أنزل رأسه وفتح عينيه أمامها تشعان بريقًا ملتهبًا أرعبها، وكأنه حان
وقت .. هل تحول؟!
تفكر كثيرًا في اللحظة الواحدة، اسئلة كثيرة لا تعرف اجابة احدها، لكن كل
ما تعرفه هي الآن أن هذا الكائن أمامها بدأ يزداد رعبًا .. بطريقة غير مفهومة !!
أبتسم ابتسامة جانبية بنوايا خبيثة، جعلتها تبتلع ريقها للحظة!
قرب رأسه فجأة منها وبطريقة سريعة، جعلت أنفاسها العالية الحد بينهما في
تلك اللحظة، عندما أغمضت عينيها تحاول ألّا تراه بهذه الهيئة.
همس بصوت خانق للأنفاس "أنت .. ملكي"
ما ان انهى كلماته حتى بدأ شيء أسود يخرج منه ويقيدها، وهي تصرخ، وذلك
الشيء المقزز الذي أصبح على جسدها جعلها تفقد السيطرة على نفسها، فذابت بين يديه
مغشى عليها.
--
قبل آلاف السنين ظهرت أسطورة في مكان مهجور أطلق الناس عليه اسم (قصر
الهلاك)
من المتعارف في تلك المنطقة وحسب المعتقدات والكتب التاريخية القديمة، أن
هناك أسرة مكونة من سبعة أشخاص، يسكنون ذلك القصر، هم ليسوا ببشر، بل هم مخلوقات
غريبة تتغذى علر ارواح البشر، وحتى الآن لم يستطع أحد معرفة ماهية هذه المخلوقات.
الدخول إلى هذا القصر يعني الموت، والهلاك، ونهاية الحياة.
أحد المؤرخين أخبر أن هذه المخلوقات السبعة كانت تعيش كيدٍ واحدة، وكل منهم
يمتلك قوة وخاصية تميزه عن الآن، كان أشدهم قوة مخلوق يدعى شيومين، كان يتصف
بالأنانية الحادة، والشراسة، بالرغم من أنه الأقوى إلا أنه ليس بالزعيم، ولشدة
أنانيته ومكره قرر أن ييقتل الزعيم ليحل هو محله ويتناول أكبر قدر ممكن من
الأرواح، وبالفعل أستطاع فعل ذلك، ومن وقتها نشبت عداوة قوية بين الست مخلوقات
المتبقية، تشين، وسيهون، وكاي، وديو، وأصغرهم كان تاو.
شيومين هو الوحيد الذي يمكن تمييزه عن البقية، كون وجهه مملوء بالرسومات
الغريبة.
يتم الاستواذذ على الروح البشرية قبل أكلها، وكل مخلوق لديه استراتيجية
معينة يأكل بها روح فريسته.
أحد الكتب التاريخية تظهر أن هناك باحث أستطاع الدخول إلى القصر والخروج
منه بوساطة تعوذية، كلفته نصف روحه، ليمت بعد أن خرج من القصر بثلاثة أشهر، أستطاع
جمع هذه المعلومات في كتاب نقله الأجيال من بعدها، حتى وصلت الى وقتنا الحالي.
الجميع يتناولها على أنها أسطورة، أي ليست سوى تخاريف من رجل عجوز كان يملك
الكثير من الوقت فألف كتبًا أدعى أنها حقيقية، ولكن حتى الآن لم يحدث شيء من الذي
في الكتاب، والجميع يدخلون إلى القصر ولم يحدث أن فقدهم أحد.
--
أنهى تشانيول قرآته، ثم نظر إلى الطلاب "هذا هو البحث الذي اجريناه بعنوان
الاستحواذ على الروح البشرية، بعد أن ذهبنا الى القصر وبحثنا بداخله وكذلك في
القرى المحيطة به، وكتب تاريخية مؤكدة تحدثت عنه، وفي النهاية عدنا ولم يحدث لنا
شيء"
أختتم حديث تشانيول بتصفيق من قبل سوهو الذي يقف في نهاية الصف مرتكزًا على
الحائط، أبتاسم تشانيول والبقية بردة فعل أستاذهم، فجهدهم لم يذهب هباءً منثورًا.
تقدم لوهان، ومد يديه المملوئتين بالأشرطة والصور "وهذا ما التقطناه
هناك، صور ثابتة وأخرى متحركة"
"ولكن أين بيبا؟ وأين لآي؟ ألم
يذهبا معكم إلى القصر؟" سأل سوهو بعد أن ارخى جسده وابعده عن الحائط؛ ليتقدم
بيكهيون مجيبًا "كلاهما ذهبا معنا، بيبا، مريضة الآن وفي الفراش، لذا لم
تستطع القدوم" صمت قليلًا ليسأله سوهو "ولآي؟" أكمل بيكهيون
"في الواقع أخبرنا خدم منزله أنه سافر فجأة مع والديه، إلى اليابان"
اومأ سوهو بابتسامة رضى، وبادله الآخرين ذات الابتسامة كذلك.
--
فتح عينيه، فانتفض من مكانه بسرعة، رآها لا تزال نائمة على سريرها، تنفس
براحة، ثم عاد ليجلس لى كرسيه، أبتلع ريقه قبل أن يتحدث بنبرة خافتة "قبل
يومين ذهبنا إلى القصر وعدنا، في اليوم الماضي، كانت بيبا مريضة ولم تستطع القدوم
معنا، ولآي لم نسطتع العثور عليه لأنه قد سافر .. !" صمت لدقيقة ثم أكمل بعد
أن فتح عينيه على وسعهما "أيعقل أنه القصر كما تحدثت بيبا من قبل؟"
-يتبع....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق