الخميس، 28 يوليو 2016

( تلاشي ) - OneShot


җ تلاشي җ



في غرفة يلفها الظلام، عم هدوء قاتل ليست تكسره بين الحين و الآخر إلا أنات قلب كسير و أنفاس متسارعة متقطعة...
كان يمسك يدها بإحكام خوفا أن تتلاشى هي أيضا فهي وحدها من يشعر بعمق جرحه هي وحدها من تشعره أنها تستمع إلى كلماته الصامتة... استمر على حاله ما يقارب الساعة ليهدأ تماما... وصلها صوته المتحشرج الذي أرهقه البكاء



"جينا هل أنا مجنون؟"
ابتسمت بوهن وقلبها أثقله الألم لرؤيته هكذا، هذا الرجل الذي عشقته حد النخاع، اليوم يتألم فقط لأن حبه القديم اختار طريقا أخرى 
" كلا ييسونغ هذا أمر طبيعي، ليس سهلا شعور الفقد"
" أنا آسف لأنني جعلتك جزءا من هذا"
" لا تقلق أنت تعلم أنني لن أتركك في ظرف كهذا"
حررت يدها بهدوء من بين يديه اللتين أطبقهما عليها كفك مفترس و وقفت، فشعر بها، تملكه الخوف
" إلى أين تذهبين؟"
" لا تقلق سأفتح الستائر لا أكثر" 
" لما لا تنيرين الأضواء؟"
"أنوار الشارع ستفي بالغرض"
نعم ستفي بالغرض لئلا يرى عينيها اللتين صارتا كرتين حمراوين من فرط الدموع التي شاركته بها في صمت



حركت الستائر الثقيلة التي منعت دخول أضواء المدينة وأرفقت فتحها بتنهيدة تنم عن وجع دفين فتكللت دموعها على مقلتيها تنذر بالنزول ثانية، تنحنحت قليلا و رسمت ابتسامة على وجهها مرغمة ثم التفتت إليه
" سأغادر الآن فقد حل الظلام، لنلتقي غدا"
" حسنا، سآتي لأوصلك"
" لا تتعب نفسك، سأذهب مع ريووك و سونغمين في طريقهما إلى الراديو"
"حسنا إذن، اتصلي بي عندما تصلين حتى أطمئن عليك"
" سأفعل، و الآن خذ قسطا من الراحة ولا تفكر فيما يحزنك"
" وهل هناك ما يفرحني حتى أفكر به؟"
" فكر بعائلتك، أو فكر بالفرقة، أو فكر بي"
قالت هذا و قد توردت وجنتاها لخجلها، لدرجة أنها اعتقدت أنها أضاءت الغرفة التي تتخللها أضواء المدينة فقط ، و خرجت مسرعة..
" غبية، فكر بي؟ ماذا كنت أعني بهذا الكلام، مجنونة لن يفكر بك أبدا"
خارج الغرفة كان الجميع يجلسون في غرفة المعيشة، القلق يطغى على ملامحهم، حين خرجت جينا وقف الجميع و تعلقت أنظارهم بها كأنهم ينتظرون منها ما يريح قلوبهم
مسحت عينيها بسرعة حتى لا تظهر آثار دموعها، ثم اتجهت إلى حيث الجميع، بادرها ليتوك بالسؤال
" هل من تحسن؟"
أخذت نفسا عميقا ثم هزت رأسها نافية
" لازال على وضعه"
تحدث هيتشول
" لم أكن أعلم أنه ضعيف لهذه الدرجة، لقد مرت أشهر بالفعل، و هو لا يزال على حاله"
أجابته جينا
" لا أحد يستطيع تخطي مرحلة كهذه بسرعة، هو ليس ضعيفا و لكنه كسير"
" ومتى سيلم شتاته، حتى تمر سنين حياته أمامه دون أن يدرك؟"
قال هيتشول هذا و الغضب جلي في كلماته
" لا تقلق لن أسمح بحدوث هذا"
ابتسمت جينا وهي تتكلم ، بينما هيتشول فقد رمقها بنظرة عدم رضا 
" شكرا لك جينا شي"
" لا شكر على واجب ليتوك شي، ثم لا تقلقوا كثيرا عندما يخرج من هذا الصمت سيتحسن كثيرا"
" نحن ننتظر هذا"
"و أنا أنتظره، أيضا"
تحدث ريووك ليخفف من هذا الجو المحزن 
" دعونا نأكل فقد أعددت طبقك المفضل جينا شي"
" شكرا لك ريووك و لكن علي المغادرة الآن"
" لا لن تذهبي قبل أن تتناولي الطعام و من ثم يوصلك سونغمين و ريووك"
قال هيتشول ذلك بنبرة آمرة ، ابتسمت جينا بهدوء ثم قالت
" لقد أخبرتك مرارا أن تغير هذه الطريقة في التعامل، يبدو أنني لا أقوم بعملي على أكمل وجه"
" وهل علي أن أصغي لكلامك يا فتاة"
" بالطبع ألست مستشاركم النفسي، واجبي أن أستمع لما يقلقكم و أرشدكم إلى الحلول"
"ياه يبدو أنك نسيت أنني أكبر منك، و الكبار لا يستمعون للصغار"
" حسنا، حسنا إذن لا تأتني باكيا لأن الفتيات دائما ينفصلن عنك"
قطب هيتشول حاجبيه و عقد ساعديه و لوي شفتيه ممتعضا مما قالت ثم قال 
" ياه، ياه، ياه أليس من المفترض ألا تتحدثي عن أسرار مراجعيك"
" أنا صغيرة و لا ألتزم بالقوانين" 
و أخرجت لسانها تستفزه، ضحك الجميع على هذين الطفلين وفي تلك اللحظة خرج ييسونغ من غرفته، يرسم ابتسامة واهنة تنم عن الكثير من التعب 
"أوه ييسونغ، لقد كنت قادما إليك، أنظر لقد جهزت لك طعاما شهيا"
قال ييسونغ و هو يبتسم كالطفل الصغير
"شكرا لك ووكي"
رد ييسونغ و هو يمعن النظر في جينا ثم اقترب أكثر منها وأنزل نظره إلى مستوى وجهها وهي جالسة، و نظر لها كأنه يتحقق من شيء ما، ثم سألها 
"ما الأمر، لما عيناك حمراوان هكذا، هل كنت تبكين؟"
هزت رأسها يمينا نافية وارتبكت كلماتها 
" كـ، كـلا لاشيء من هذا، ولكنني كنت أضحك بشدة لدرجة نزول الدموع من عيني، أليس كذلك"
نظرت إلى الموجودين و أطلقت ضحكة بلهاء، في حين أخذ ييسونغ نفسا عميقا و تمتم
" غبية"
استغرب الجميع سبب قوله هذا لكن فضلوا الصمت على السؤال، ساد الهدوء بعد تعليق ييسونغ إلى أن كسره صوت ليتوك
" بما أنك خرجت من الغرفة، لتنضم إلينا"
"لا أشعر برغبة في الأكل"
" هيا يا رجل الطعام رائع، ثم إن تناوله مع الجميع يجعل طعمه أفضل" 
تحدث سونغمين في محاولة منه لإقناع ييسونغ
"بالفعل لا أشعر برغبة"
" حسنا يكفي أن تنضم إلى الطاولة دون أن تأكل شيئا، وهذا أمر من مستشارك النفسي"
سحب ييسونغ الكرسي بقلة حيلة بعد أن وجد نفسه محاصرا بنظرات الجميع وجلس بتململ و هو يزفر ألمه في كل حركة يقوم بها.
تعلقت نظرات جينا به و كانت تشاركه كل ذلك الإرهاق الذي بدا على ملامحه، صحيح أن ييسونغ يتسم دائما بالهدوء، لكنه رغم هدوئه كانت الحيوية تملأ وجهه، و الآن يبدو منطفئا، لم تقو جينا على حمل الملعقة أو تذوق الطعام وهي ترى ملامح ييسونغ، كانت في كل لحظة تراه فيها تشعر بحقد كبير يختلج صدرها و تمقت تلك الفتاة التي تدعى " سويون"،
أخذت لقمة و ببطئ حركتها نحو فمها، فخانتها دمعة نافرة  انتفضت جينا إثرها بعد أن ضاق صدرها بأفكارها وتحدثت بغضب ظاهر
" كل هذا بسببها، أنا أكرهها"
ثم أخذت حقيبتها واتجهت نحو الباب وسط دهشة الجميع، ثم أضافت
" سأنتظر في الموقف"
لكنها تسمرت مكانها بعد أن وصلها صوت ييسونغ
" كل هذا بسبب غبائي، هي ليست السبب"
التفتت و الدموع تنهمر من عينيها بعد أن استسلمت لها
" لا أريد أن أسمع مرة أخرى أنك غبي، أنت لست غبيا، لكنها هي التي من دون قلب، هي لم تكن أهلا لتمنحها كل ذلك الحب"
وقف ييسونغ منتفضا من على الطاولة، وقد أثار وقوفه ضجة 
"هذا يكفي، أنت تتخطين حدودك"
"بالطبع أنا أتخطاها، لقد قلت لي نفس الكلام حين أخبرتك أن تحترس منها ثم ماذا حدث؟"
"قلت لك اصمتي"
"لا، لن أفعل، ألا تنظر إلى نفسك في المرآة؟ لقد سئمت من رؤيتك على هذا الحال، إنك تموت كل يوم، وكل يوم تقتـ.."
توقفت جينا عن الحديث بعد أن أدركت أنها تمادت في حديثها، ليصلها رد ييسونغ طاعنا
" إذا سئمت من رؤيتي هكذا، فلا تأتي مجددا"
" ييسونغ أنا لم أقصد هذا، ولكن.."
"من دون لكن، فقط لا تأتي مجددا"
غادر ييسونغ عائدا إلى غرفته، في حين لحقت به جينا وقفت أمام باب الغرفة لحظة وهي تشعر بانكسار شديد، فها هي الآن تبتعد ألاف الخطوات عمن تحب في الوقت الذي يجب أن تكون بجانبه، لم تطرق الباب ودخلت مباشرة، لتجده جالسا على طرف سريره مطأطأ الرأس، يشبك أصابع يديه، وقد سقط عليه ضوء الشارع فأنار نصفه أما النصف الآخر فاكتنفه الظلام كما صار يكتنف قلبه، اقتربت منه في هدوء وجثت أمامه في محاولة منها أن ترى ملامح وجهه، ثم تحدثت بهدوء
" أنا آسفة"
لم تجد منه ردا وكأنها تحدث حجرا، أمسكت يديه بين يديها وقالت بحنو شديد و العبرات تخنق كلماتها 
" أنا أتألم لرؤيتك هكذا، لا يمكنني أن أطيق هذا الألم الذي أراه في عينيك، أريد أن يعود ييسونغ الذي أعرفه من جديد"
" لما تريدين هذا، لقد كنت غبيا و أحمقا، وأنا لا أريد أن أكون كما كنت سابقا"
" لكنني أريدك أن تعود كما كنت، ييسونغ الذي .."
" ييسونغ  الذي ماذا؟"
"الذي أحب"
"لا تفعلي، لا تحبيني"
"لكنني بالفعل أحببتك وانتهى"
"وأنا لا يمكنني أن أتقبل هذا الحب منك"
وقفت جينا بعد أن شعرت ببرود قاتل ينبعث من كلماته،  اتجهت نحو الباب ثم تحدثت وهي تمسح دموعها 
" يبدو أنه علي أن أبتعد، وداعا"




خرجت جينا من الغرفة والدموع تنهمر مدرارا على خديها، لم تستطع أن تمد خطوة أخرى و انهارت في مكانها، ملأت شهقاتها المكان و أنفاسها كانت تخرج متقطعة،راحت تضرب على قلبها علها تزيل القليل من الألم الذي يجتاحها.
هرع سونغمين و ليتوك إليها متسائلين عما حدث
"ماذا حدث جينا شي؟"
لم يلقيا ردا منها فألمها أكبر من أن يوصف بالكلمات،وقفت على مهل و هي تمسح دموعها بسرعة وكأنها تتجرد من هذا الألم، حاولت تمالك نفسها و الظهور بصورة قوية أمام الجميع كيف لا و هي مستشارهم النفسي و عليها أن تكون قوية ليثقوا بها، ابتسمت بوهن ثم تحدثت
" يبدو أنني أصبحت أتأثر بكم كثيرا"
" هذا طبيعي فأنت أقرب شخص لهذه المجموعة، وقد صرت جزءا منا"
"شكرا لك ليتوك شي لكن يبدو أنه علي أن أرسم خطوطا حتى لا أتعدى على خصوصياتكم، أنا آسفة"
"ما الذي تقولينه"
" أنا آسفة، سأغادر"
خرجت جينا من المنزل تاركة الجميع في حيرة من أنفسهم لا يدرون ما حدث، هم لا يدرون أن ألمها و حزنها يفوق أحزان ييسونغ بأضعاف، لحق بها سونغمين محاولا أن يثنيها عن الذهاب لوحدها لكنها قررت و انتهى، فهي لا تريد أن يراها أي أحد و هي على هذا الحال.
استقلت الحافلة و انكمشت على نفسها في المقعد الخلفي و انخرطت في نحيب عميق عادت خلاله عبر ماضيها القريب، الآن تشعر و كأنها بالأمس فقط قابلت الفرقة لأول مرة 
دخلت غرفة الاجتماعات و هي متوترة جدا، فهي اليوم تم اختيارها بعد مجموعة اختبارات كثيرة و من بين آلاف المترشحين لهذا المنصب "مستشار نفسي" لفرقة السوبر جونيور، كان الجميع في انتظارها، وما إن دخلت حتى تعلقت أنظارهم بها 
انحنت تحييهم ثم استقامت و عدلت شعرها القصير نوعا ما لتحاول إخفاء توترها، وراحت تعتصر يديها معا لتخففه لكن توترها زاد عندما تحدث مدير الفرقة 
" أعرفكم بمستشاركم النفسي يونغ جينا"
تعالت الأصوات من كل مكان " مرحبا بك آنسة يونغ"



وكانت هي تبتسم وتحني رأسها و بدأ توترها يهدأ ثم خاطبها المدير
" أقدم لك أعضاء فرقة السوبر جونيور"
" تشرفنا، و أتمنى أن أكون على قدر المسؤولية التي أوكلتموني إياها" 
هذا ما قالته وهي ترسل نظراتها للجميع، فهابتها الحركة التي ثارت فجأة إذ وقف الجميع ثم انحنوا لها، اعتدلوا مرة أخرى، وقاموا بتحيتهم المعتادة، إذ مدوا أيديهم بطريقة بدت لها غريبة، كانت غريبة و مرحة أيضا، ثم صار الجميع يتحدث معها و يحاول أن يشعرها بالراحة حتى تصغر المسافة بينهم، ما عداه كان جالسا بهدوء يبتسم فقط، و هذا ما لفت نظرها إليه، كان هدوءه مثيرا، وكانت نظراته تحمل الكثير، كان يكتفي بالابتسامة، وكانت تلك الابتسامة كافية لجعلها تفقد مفتاح قلبها، هي لم تفقده بل وهبته له، وحده ييسونغ كان قادرا على تغيير لحن دقات قلبها، و وحده هو اليوم جعل تلك الدقات تتبعثر غير مدركة إلى أين تتجه
ذكرياتها هذه لم تزد إلا من حسرتها، أغرقتها دموعها في عالم من الألم و الوهن، تلك الذكريات أخذتها من هذا العالم، و ألغت وجود الآخرين كل شيء تلاشى إلا حزنها، وهي على هذا الحال، انتشلها صوت سائق الحافلة
" سيدتي، هذه المحطة الأخيرة"
مسحت دموعها على عجل و أخذت أنفاسا عميقة ثم نزلت، لتجد نفسها تبعد بكثير عن مكان إقامتها، خلت الشوارع من الحركة و عمها الهدوء، كانت الضوضاء الوحيدة التي تسمعها الآن هي تلك التي تسكن قلبها.
في مسكن الفرقة، ومباشرة بعد خروج جينا وقف الجميع مشدوهين، القلق استبد بهم و وجوههم تنطق بتساؤلات وحدهما ييسونغ و جينا يعرفان أجوبتها، لكن لا أحد تجرأ على طرح السؤال عليهما.
و في هذا الصمت المطبق على المكان، وقف هيتشول من مكانه بعد أن ألقى هاتفه على الأريكة بغضب 
" لابد أن نجد حلا لهذا الوضع الذي صار لا يطاق"
واتجه  نحو غرفة ييسونغ لكن ليتوك أمسك بكتفيه ليوقفه في منتصف الطريق
"أنا سأتصرف"
"هاي توكي، أنت تقول هذا دائما لكنك لم تفعل شيئا بالفعل"
"أنا أحاول"
"محاولات فاشلة، يجب أن يحل هذا الأمر من جذوره"
عقد ليتوك ساعديه أمامه وتحدث بقلة صبر
" إذن أيها المحنك، أخبرنا عن الطريقة المثلى لهذا"
صمت هيتشول قليلا ثم أخذ نفسا عميقا قبل أن يرد
"لنوبخه، لنضربه، أو دعنا نمتنع عن الحديث معه، أو.."
قلب هيتشول نظره في حيرة ثم نكش شعره بقلة حيلة و زفر بقوة، ثم واصل
" لا أدري، لنفعل أي شيء، أي شيء"
هنا ضحك ليتوك ضحكة خفيفة
" لو كنت أعلم ما هذا – الأي شيء- لكنت فعلته"
ثم ترك هيتشول واقفا في مكانه و دخل إلى غرفة ييسونغ بهدوء.
كان الظلام يخيم على المكان، و صوت زفير منتحب يعلو و ينخفض، أضاء ليتوك الأنوار ليصله صوت ييسونغ المتحشرج
" هيونغ أطفئها" 
فرد ليتوك بحزم 
" لن أفعل، إلى متى ستظل غارقا في ظلامك هذا؟"
" هيونغ أنا متعب، و أريد أن أرتاح"
" لست الوحيد، كلنا نريدك أن ترتاح، و تريح الجميع معك، أنت لم تكن يوما ضعيفا هكذا، لا طالما كنت عاقلا و حكيما، ما الذي حدث؟ بسبب فتاة تافهة، ستفقد روحك المرحة و سعادتك؟ بسبب تلك الساقطة ستضيع أجمل سنوات حياتك و لن تدرك هذا إلا بعد فوات الأوان، ستضيع شخصا أحبك بصدق ولن تجده عندما تعود لرشدك، هل هذا ما تريده؟ استفق يا ييسونغ، استفق"
و اقترب ليتوك من ييسونغ بعد أن علا نحيبه، في كل زفرة يزفرها يخرج قطعة من تلك الأشلاء التي خلفها دمار سويون في قلبه و في لحظة غير منتظره أحاط ييسونغ خصر ليتوك الواقف أمامه و علت شهقاته كالطفل الصغير و خرج ألمه كلمات متقطعة
" لم أعتقد يوما أننا سننفصل، بل أن تتركني بهذه الطريقة، أحببتها بكل جوارحي، لقد كانت الأولى و الوحيدة، لكنها لم تخلص لحبي يوما، هي لم تحبني يوما..
أذكر يوم انتقلت للعيش في حينا، كنت حينها في الفصل الثامن، شاء القدر أن تعيش في البيت المجاور لنا، و أن تصبح الطالبة الجديدة في صفنا، يوم التحقت بالصف كان يوما ربيعيا جميلا، دخلت تبتسم بحيوية، تعلو عينيها المرحتين غرة مرتبة و زينت شعرها بشريطة بيضاء، و لأن القدر لعين، فقد جلست أمامي، مكان زميل كان غائبا، لازلت اذكر رائحة شعرها الزكية، و صوتها الشجي لازالت كلماتها الأولى تتردد صدى بداخلي – أتمنى أن نقضي وقتا ممتعا معا – يومها دق قلبي كما لم يفعل من قبل، يومها أدركت معنى مقولة  أن حياتك تبدأ فقط عند لقاء أحدهم، تقربت منها و صرنا صديقين، نغدو ونجيء معا، نلهو معا، ندرس معا، لم نفترق يوما، كان مجرد جلوسي معها في مكان واحد و القيام بشيء تافه معها يعني لي الكثير ، لأنها تعني كل شيء بالنسبة لي.. حينها فقط أدركت أنني واقع في حبها...
قبل أن أنتقل إلى سيؤول، أخبرتها بحقيقة مشاعري و تعاهدنا أن نخلص لبعضنا بعضا... حينها لم أكن أدري أن وعدها لي سيتلاشى بمجرد غيابي، اتصل بي صديق و أخبرني أنها تواعد شخصا آخر لكنني لم أصدق، هيونغ لقد كنت أعمى، و تشاجرت مع صديقي لقد خسرته، كنت أعمل بجد، و أحاول أن أكون دائما إلى جانبها و عملت ما استطعت حتى تأتي لتدرس في جامعة سيؤول و تكون قريبة مني، و يمكننا قضاء وقت أطول معا.. و لكن ..." 



تنهد ييسونغ و علت شهقاته مرة أخرى لينهار ثانية فاحتواه ليتوك بين ذراعيه وخاطبه قائلا
" ما فات قد مات الآن، إياك أن تظل حبيس هذه الأيام التي ولت،ستندم إن أنت لم تتحرك و بقيت واقفا في مفترق الطرق هذا، لا تنظر إلى من تركك وغادر، بل أنظر لمن ستتركه يضيع من بين يديك و أنت تستطيع العيش معه بسعادة"
نظر ييسونغ بخيبة أمل إلى ليتوك لأنه فهم معنى كلامه
" تقصد جينا، أليس كذلك هيونغ؟"
"نعم، جينا، لقد أحبتك دائما، و أخلصت في حبها لك، فلماذا لا تعطيها و تعطي نفسك فرصة، هي فتاة لطيفة، كما أنها مقربة منك و تفهمك"
"أعلم هذا يا هيونغ و لكن.."
أطلق تنهيدة واهنة 
" لقد جرحتها قبل قليل، شخص مثلي لا يستحق أن يحبه من مثلها"
" لما هذه الشخصية الانهزامية؟"
"هيونغ..."
قال ييسونغ هذا و هو ينظر إلى ليتوك الذي واصل قائلا
"اسمع يا ييسونغ، لم يفت الأوان بعد لتصلح أمورك مع جينا، لذا تخلص من هذه الأفكار السلبية و حاول أن تعيش بسعادة معها"
عم الهدوء بعد كلمات ليتوك و كأن ييسونغ كان يريد استيعاب كل كلمة منها، لطالما أحس بمشاعر جينا نحوه و اهتمامها به لكنه أحب سويون بجنون، لدرجة أنه جعل بينه و بينها ألف حاجز حتى يصعب عليها دخول قلبه...
خرج ليتوك من غرفة ييسونغ و تركه يرتاح، لكنه لم يرتح لحظة واحدة، أعاد شريط اللحظات التي مرت، تلك الكلمات الباردة التي ألقاها على مسامع جينا قبل قليل 
" لا تفعلي، لا تحبيني"
"لكنني بالفعل أحببتك وانتهى"
"وأنا لا يمكنني أن أتقبل هذا الحب منك"
دموعها المحترقة التي نزلت كالحمم و بللت يديه و استقرت في حضنها، كيف استطاع تجاهلها، ألهذه الدرجة جعله حزنه غير مبال لمشاعر الآخرين، و في عمق تفكيره انتفض من مكانه عندما تذكر آخر ما قالته له
" يبدو أنه علي أن أبتعد، وداعا"
ترددت هذه الجملة مرارا و تكرارا بداخله و تذكر ما كانت دائما تقوله 
" لا تقل وداعا أبدا إلا إن كنت تنوي الرحيل إلى الأبد"
"ما هذه الفلسفة جينا شي"
"نعم ييسونغ شي، فكلمة وداعا تعني أننا لن نلتقي مجددا و إن التقينا فنحن سنصبح أغرابا"
" إذن أنت تقصدين أنني لو خرجت من هنا و لوحت قائلا وداعا فأنا أنهي صداقتنا إلى الأبد؟"
"نعم هذا المفروض"
" و ماذا علي أن أقول عند المغادرة؟"
"بسيطة، قل إلى اللقاء، أو أراك قريبا"
قلب شفتيه كطفل ثم تمتم
" غبية"
" لقد سمعتك و ستعاقب"
"تعاقبين من هم أكبر منك سنا؟"
"أكبر مني سنا؟ أنت بمثل سني لا تكبرني سوى يومين اثنين"
"مع ذلك أنا أكبر منك"
" حسنا حسنا، لقد انتهى وقت جلستك الآن يمكنك المغادرة"
" سأذهب، متى يمكنني العودة"
" وقتما شئت، فأنا هنا من أجلك دائما"
" إلى اللقاء إذن" 
وقبل أن يخرج وصله صوتها
" ييسونغ، فكر فيما قلته لك، لا شيء أفضل من الصراحة"
" حسنا حسنا"
و غادر دون أن يلتفت إليها ...
" لقد قالت وداعا، أيعني هذا أننا لن نلتقي مجددا و إن التقينا فنحن غريبان، ما هذا الذي فعلته يا ييسونغ، أنا أحمق فعلا"
أخذ سترته و خرج مسرعا من الغرفة
" إلى أين؟ لقد تأخر الوقت؟"
خاطبه شيوون الذي كان جالسا أمام التلفاز
" سأعود حالا، لا تقلقوا"
في مكان قريب من منزلها، كانت جينا ثملة تترنح يمينا و شمالا و تردد بصوت عال
" سحقا لك سويون سحقا، سحقا لهذا الحب سحقا" 
وحين اقتربت من المبنى الذي تقطن فيه وجدت ييسونغ واقفا أمامه، ضحكت بهستيرية ثم اقتربت منه
" واه، يبدو أنني ثملت حقا، ييسونغ هنا، لقد جننت تماما"
ثم خاطبته و هي تنظر إليه بعينين حزينتين
"اسمع أنت فعلا غبي، غبي جدا، أحببت تلك الساقطة، و ألغيت وجودي، هل تعلم كم كنت أتألم كلما أخبرتني أنها جرحتك؟ ألم تشعر بهذا؟ هل أنت حجر؟" 
و راحت تهز ذراعه و تضرب على صدره، أسندها ييسونغ و حدثها قائلا
" أنت ثملة جدا، دعينا ندخل أولا"
" هل ستدخل معي، سيسبب لك هذا فضيحة"
و علت منها ضحكة مقهقهة ثم واصلت
" فكرت هذا المساء كثيرا في إيذائك لكن فكرة أن أسبب لك فضيحة لم تخطر ببالي أبدا"
"حسنا حسنا لندخل"
وصلا إلى مدخل المنزل، أخذ منها الحقيبة ليبحث عن مفتاح الباب الاحتياطي فهو لا يعرف الرقم السري، ليصله صوتها المترنح
" غبي، أولا ليس من التهذيب أن تفتش في حقيبة فتاة، ثم إن الرقم السري سهل جدا، 2408، بسيط صح؟"
اندهش ييسونغ حين أدرك أن هذا الرقم ما هو إلا يوم ميلاده، فتح الباب و أدخلها، خلع حذاءها و حملها إلى الأريكة في غرفة الاستقبال، وضعها ثم نزع عنها سترتها، ذهب إلى أحد الغرف و أخرج غطاء ليغطيها به، فوجدها قد انكمشت على نفسها و غطت في النوم، وقد استقرت دمعة على طرف جفنها، كانت ملامحها هادئة حزينة، وكان يلوم نفسه على حالها هذا، وضع عليها الغطاء، و اقترب من وجهها ليمسح دمعتها تلك، ثم جلس أمامها يراقبها، أمسك يديها بين يديه و غاص في ذكرياته، لا طالما احتوت هاتان اليدان يديه في لحظات ضعفه، كانت مستقرهما الدافئ الذي يخفف ألمه و يبعث إليه الأمل، لما صدها بهذه الطريقة؟ كان دائما على يقين أنها تحبه، لكن... 
اقترب الربيع ييسونغ يعتزم أن يطلب يد سويون، لقد رتب لكل شيء، مع تبرعم أول زهرة سيخرجان معا في موعد إلى البحيرة و يخبرها أنه يريدها إلى جانبه ما بقي من حياته...
اتصل بجينا، فهو يشعر بتوتر كبير و حماس شديد لهذه الخطوة الهامة، اتفق أن يقابلها في المنزل، و قبيل غروب الشمس كانت قد وصلت إلى هناك
دخلت جينا لتجد ييسونغ في انتظارها، كانت تبدو على وجهه علامات السعادة و في نفس الوقت كان متوترا، كان يفرك يديه بشدة و ما إن رآها حتى وقف مسرعا
" أخيرا أنت هنا، تعالي"
 و اقترب منها ليجلسها في الأريكة أمامه
" ما الأمر ييسونغ شي؟"
" لقد قررت أن أقوم بشيء مهم"
"مهم؟ حسنا، ما هو؟"
" أنا  سأطلب يد سويون للزواج"
علت الدهشة وجه جينا التي التزمت الصمت، و نظرت إلى ييسونغ بحيرة
" ما بك؟ لما أنت صامتة؟ لا توتريني أكثر"
" في الواقع، أنا أرى أنك متحمس أكثر من اللازم"
"لماذا؟"
" ألم تقل أن سويون تتجنبك مؤخرا؟"
"و إن يكن؟"
"أليس غريبا أن تتجنبك و هي غير مشغولة في شيء؟"
"ماذا تقصدين؟"
" مما أخبرتني عنها، إنها تبدو لي غير صادقة معك، لذا أعتقد أنك تتسرع"
"هل تقولين هذا بدافع الغيرة أم هناك أمر آخر"
"الغيرة؟ و لما قد أغار من سويون؟ أنا فقط أنصحك كمستشارك النفسي و كصديقة لك، لا أكثر"
"أنت لا تعرفين شيئا، أنا و سويون نحب بعضنا بعضا"
"بل أنت من تحبها، لدرجة تعميك عن تصرفاتها الغريبة و التي تنذر بوجود شخص آخر في حياتها"
"جينا شي !"
" ماذا؟ ألم تخبرني أنك رأيتها في مرات كثيرة مع رجال غرباء"
" نعم ولكن هذا من أجل العمل"
" من أجل العمل تقابلهم لتسهر معهم؟ أي منطق هذا يا ييسونغ؟ استفق"
" ماذا تقصدين، أن سويون تخونني؟"
" وما غير هذا؟ قد حاولت كثيرا أن أنبهك لهذا لكنك لم تستجب "
"أنت تتخطين حدودك جينا شي، أنا مخطئ أني لجأت إليك لأخفف توتري، لقد أثرتِ غضبي ليس إلا"
" ييسونغ، أنت تعيش في قصة الحب هذه وحدك، أتمنى أن تستيقظ قبل فوات الأوان"
وقف ييسونغ معربا عن غضبه و اتجه إلى غرفته بعد أن طرق بابه بقوة، تنهدت جينا بقلة حيلة، ثم أخذت حقيبتها و خرجت على عجل...
نظر ييسونغ إلى جينا النائمة أمامه على الأريكة وقال بصوت يائس
" فقط لو أنني استمعت إلى كلامك حينها، لما كنا في هذا الموقف الآن"
مرت ساعات و هو على حاله يراقب جينا النائمة و يشعر بالذنب لأنه السبب في حزنها الذي يرتسم واضحا على ملامحها، و حين قاربت ساعات الفجر الأولى، استفاقت جينا لتجد ييسونغ يحتوي يديها و ينظر إليها نظرة شفقة و حسرة، و هو ما إن رآها تفتح عينيها حتى بادر بالحديث
" لقد استيقظتِ، كيف تشعرين؟" 
سحبت يديها من بين يديه و اعتدلت في جلستها، و أمسكت رأسها بين يديها
" أوه، رأسي يؤلمني"
ثم نظرت إليه
"ماذا تفعل هنا؟ لماذا جئت؟"
" جئت لأحدثك"
" ليس هناك ما نتحدث بشأنه، لقد تخطيت حدودي و أنا أعتذر، أنا فعلا آسفة"
" لا لم أكن أعني هذا جينا شي، أنا من عليه أن يعتذر، لأنني أنا من..."
وقبل أن ينهي حديثه، استلقت جينا على الأريكة موجهة له ظهره و تحدثت بصوت مختنق
" أرجوك غادر، أنا متعبة أريد أن أرتاح"




أطلق ييسونغ زفرة تعبر عن خيبته و بقي جالسا في مكانه حتى وصله صوتها المختنق
" أخبرتك أن تغادر، و لا تعد مجددا، فليس هناك ما نتحدث فيه أنا و أنت"
حمل ييسونغ حسرته و غادر منزلها عائدا إلى مسكن الفرقة و إصلاح ما أفسد هو همه الوحيد، حين وصل وجد هيتشول في انتظاره
" ماذا حدث؟"
" لقد وجدتها ثملة، أخذتها المنزل، و حين استفاقت رفضت محادثتي"
" معها حق، لو كنت مكانها لهشمت عظامك"
" هيونغ.."
"لقد كانت أول من حذرك من تلك الأفعى، و لكن يبدو أن الأفعى كانت قد بثت سمها في داخلك بالكامل، و ها أنت الآن في مراحل حياتك الأخيرة و روحك تحتضر"
كان ييسونغ سيرد و لكن هيتشول أوقفه بإشارة من يده
" قبل أن تقول أي شيء و ترد، فكر جيدا لماذا أنت على هذه الحال؟ هل أنت حزين لأن سويون تركتك؟ أم لأنك خدعت؟ أم لأنك اخترت الشخص الخطأ؟ عندما تستطيع إيجاد الإجابة لنتحدث مرة أخرى، و الآن تصبح على خير"
عاد هيتشول إلى غرفته تاركا ييسونغ غارقا في تفكيره
نعم عليه أن يدرك سبب حاله، لا بل لابد أن يدرك نفسه و روحه قبل أن تنطفئ، دخل غرفته و هو يفكر في جينا، تلك التي كانت دائما كنفا يلقي إليه همومه فتحملها عنه دون تذمر، كانت نظراتها و تصرفاتها كلها تخبره بل تصرخ أنها متيمة به، لا تريد سوى سعادته، ولكنه لم يقدر ذلك يوما، كلا هو لم يكن يدري أن ذاك كان حبا إلا بعدما وقع تحت صدمة الخيانة...

بعد انتهاءه من جدوله ذهب إلى محل الزهور وطلب أجمل باقة ورود ، و اتجه مسرعا إلى الشقة التي أهداها لسويون، لقد قرر أن يتقدم لخطبتها،حتى بعد تحذير جينا له، رغم كل الدلائل التي تجعله يشك أن سويون تخونه إلا أنه يؤمن أنها تحبه و أن ما تقوم به ليس إلا عملا لا أكثر فمن الطبيعي أن تلتقي عارضة أزياء بالكثير من الرجال من أجل إبرام صفقات و عقود عمل، هكذا كان يبرر ييسونغ انشغالها عنه و مرافقتها للكثير من الرجال..
اتصل بها يوم العطلة و أراد أن يصطحبها إلى مكان هادئ و يتقدم لها بطريقة رومانسية، و لكنها اعتذرت لأنها تشعر بتوعك، زاد قلقه عليها إلا أن هذا القلق زاد إصراره على أن يسعد قلبها مثلما كان يعتقد، أراد أن يفاجئها...
انتظر أمام باب المصعد و ما إن فتح أمامه، أخذ نفسا عميقا و صعد يتطلع إلى أرقام الطوابق بلهفة...
وقف أمام الباب رتب هندامه، استنشق رائحة الورود التي بين يديه و نظر إلى علبة الخاتم التي تتوسطها، و طرق بخفة على الباب، فلم يأته الرد، فتح الباب يتوق لرؤية وجهها، فاستقبله صوت موسيقى صاخب يدوي في الأرجاء، اتجه مسرعا نحو مشغل الموسيقى و أطفأه، ثم لفت انتباهه زجاجة النبيذ المفتوحة على نضد المطبخ و كأسان بهما بقايا النبيذ، ارتاب للأمر فنادى على سويون و لم يجد ردا، فأسرع إلى الغرفة في آخر الرواق، ليتناهى إلى سمعه صوت أناتها، ولكن... أناتها لم تكن أنات ألم كما اعتقد حين فتح الباب بخوف، لقد كانت أنات لذة تملكتها و هي مع عشيقها...
في تلك اللحظة  اهتزت روح ييسونغ و شعر كأن أحدهم يستلها منه، لم يتحرك و لم يبد أي رد فعل، فقط وقف ينظر إلى مشهد الخيانة و كأنه واحد من المشاهد التي تمر في الأفلام، الفرق الوحيد هو أن له دورا في هذا الفلم، دور الغبي... نظر بازدراء إلى سويون التي لفت جسدها في ملاءة و وجهها تعلوه صدمة مع نظرات متوجسة خائفة..
عاد ييسونغ إلى غرفة الجلوس و ألقى نفسه على الأريكة و هو غير مصدق أن ما رآه كان حقيقة، الفتاة التي عشقها حد الجنون و التي فضلها عن الجميع ما هي إلا فتاة ساقطة..
نظر إلى باقة الورود في يده ثم بحركة غاضبة سريعة، رماها على الأرض و هو يلعن غباءه، في تلك اللحظة شاهد من كان مع حبيبته يغادر مسرعا و هو يتحاشاه لكنه لم يفعل شيئا، فقط ظل جالسا في مكانه ينتظر خروجها لكي.. لكي ماذا؟ هو الآن لا يدري ما الذي يجب فعله، هل يشتمها؟ هل يطردها من البيت؟ هل يقتلها؟ كل هذه الأفكار تصادمت في رأسه لكنه لا يدرك أي منها الأمثل لتنتشله من هذا الألم الذي يغرق قلبه...
انقضى الليل تقريبا و ييسونغ على نفس الحال، أما سويون فلم تخرج من الغرفة، لم يتوقف هاتفاهما عن الرنين، ولكن لا أحد منهما يرد، و عند بزوغ الفجر، دوت صرخة متألمة في المكان، كان هو مصدرها، انتفضت إثرها سويون التي لم يغمض لها جفن، ليس ندما و إنما خوفا أن يقدم ييسونغ على ما يؤذيها
انكمشت على نفسها و هي لا تدري ماذا ستفعل، لقد قبض عليها بالجرم المشهود، بل إنه الجرم المشؤوم.. عم الصمت بعد تلك الصرخة و ما هي إلا لحظات حتى سمعت طرقا خفيفا على باب الغرفة، تلته حركة المقبض، أدركت حينها ان ييسونغ يقف في الجانب الآخر و شعرت أن نهايتها قريبة، احتدت الطرقات و زادت إصرارا، فاقتربت هي من الباب و بصوت متوسل استنجدت العفو
" ييسونغ-آه أنا حقا آسفة حبيبي"
" لا تقولي حبيبي مجددا"
قالها بألم واضح جدا
" أنا حقا آسفة، لقد.. لقد كنت ثملة، لم أدرك ما كنت أفعله و.."  
" هذا يكفي الآن، لا أريد سماع أي شيء منك، ما بيننا انتهى الآن و ها هنا، لا أريد رؤيتك مجددا في حياتي ولو صدفة، أنت لست سوى حقيرة منحطة، و أنا الغبي الذي انطلت عليه ألاعيبك، سأكون أكثر غباءا لو استمع لمبرراتك الآن أو أصدقك"
صمت قليلا ليبتلع غصة استقرت في حنجرته و اخترقت قلبه، مسح دمعة فرت من عينه بعد أن ظلت حبيسة ليلة كاملة، أخذ نفسا عميقا و تابع كلامه
" لن آخذ منك شيئا، و لن أبحث عنك مجددا، ولن يجمع بيننا شيء ما بقي لنا من العمر، و تأكدي أننا لن نضطر للقاء بعضنا بعضا حتى بسبب العمل، سأحرص على هذا، و الآن وداعا" 
غادر ييسونغ بخطوات متثاقلة لا يدري إلى أين يتجه، أخذ هاتفه و اتصل بجينا، و بانكسار شديد خرجت كلماته
" جينا، أين أنت"
ردت جينا بلهفة
" في المنزل، ما الأمر؟"
"أنا.. أنا بحاجة لك"
شعرت جينا بأن ييسونغ ليس على ما يرام فردت بسرعة
" أين أنت الآن سآتي إليك"
" لا داعي لذلك أنا قريب من منزلك سأكون هناك بعد قليل"
مرت دقائق على انتهاء المكالمة و لكن جينا شعرت وكأنها ساعات كانت تنتظر عند الباب بقلق و حيرة، لتلمح هالة سوداء تحيط بجسده الذي كان يمد خطواته بتثاقل.. أسرعت إليه و التقفته كأم عاد ابنها جريحا من الحرب، أدخلته بسرعة  و راحت تتفحص ملامحه بلهفة أدركت عندها أن ما يحدث فعلا في غاية الأهمية، ما إن دلف ييسونغ إلى الداخل حتى انهار و انخرط في نحيب شديد، جثت جينا على ركبتيها و دون أن تعلم سبب هذا البكاء شاركت فيه بكل جوارحها، فهي الآن ترى قلبها يبكي أمام عينيها و لا تستطيع شيئا...
مدت يديها لتكتنف ييسونغ في حضنها و تهدئه
" أنا هنا بجانبك، أرجوك اهدأ"
تشبث بها ييسونغ و كأنها القشة التي ستخرجه من مستنقع هذا الوجع الذي ألم به و لم يجد منه منفذا...



بعدما أفرغ ما يجوب قلبه المتعكر، أفاض لها بما حدث و ما رأى، شعرت بالأسى لرؤية حبيبها في حال حذرته كثيرا من الوقوع فيها و لكن ...
مرت الأيام و حالة ييسونغ تتأزم من سيء إلى أسوأ، و لم تجدِ كل الطرق التي حاولتها جينا لانتشاله من الكآبة التي صاحبته و صارت رفيقه الأبدي، ولكن دون جدوى، لم يتغير شيء... كانت كل يوم تذهب إليه تجده في غرفته على نفس الوضعية، لا يحدث أحدا ولا يقابل أحدا غيرها، حتى أنه طلب إجازة طويلة المدى و أوقف نشاطاته، ببساطة كان يحتضر و هو على قيد الحياة، إلا أن جينا لم تفقد الأمل في أن يعود كما كان، لأنها تؤمن أنه مهما كان الألم كبيرا فلابد أن يختفي يوما ما، وهي لن تترك من تحب حبيسا لحزنه على خيانة امرأة بلا مبادئ...
تنهد ييسونغ بعدما استعاد ذكرى ذلك اليوم، ولكنه أدرك الآن أنه لابد له أن يتخطى ألمه هذا، و يبدأ من جديد مع من تحبه فعلا و سعادته بالنسبة لها أهم من أي شيء، و لكن ما العمل لقد جرحها بكلماته، كيف سيستعيدها؟ 
جلس إلى مكتبه و أخذ ورقة و قلما وراح يخط ما شعر به لحظتها
*****
هدوء.. وهل هناك شيء يقال؟
لقد مر وقت طويل مذ أن الزهور البيضاء الباسمة قد ذبلت
تلك البتلات سقطت مجددا و مجددا
 حتى تلوثت
كل ذلك الشغف احترق و صار رمادا
لماذا كل شيء ينتهي هكذا
لا أعلم لماذا .. أخبريني لماذا 
لماذا انتهى الحب
لماذا الأشياء الجميلة تتلاشى
هذا مجرد حلم يقظة
الحب واحد من أحلام اليقظة
...
الظلام.. لما يستحيل كل شيء إلى السواد
لا أستطيع رؤية أي شيء
هذا يجعلني أحلم بمستقبل خالد .. أكون فيه وحيدا
الشمس تغيب مجددا و مجددا
والليل يغزو المكان
 سيكسره الموج يوما 
و ستشرق الشمس مرة أخرى بعد انتهاء الليل
كم أتوق إلى هذه اللحظة 
اللحظة التي أريد الاحتفاظ بها إلى الأبد 
لا أعرف.. أريد أن أعرف 
هل سينتهي هذا الحلم هكذا؟
لماذا لا يمكنني الحصول عليهما معا
الحبيب و الحب معا
في النهاية كل شيء مجرد لحظة عابرة
الحب لحظة عابرة
تماما مثل حلم يمر
لا أريد أن أستيقظ منه
لكنه حلم يقظة قصير
فقط حلم قصير
*****
بعد أن خط هذه الكلمات راح يتقلب في فراشه ليبحث عن حل، لابد أن يعيد المياه إلى مجاريها مع جينا، أرهقه التفكير فغط في نوم عميق، ليستيقظ  على أصوات البقية يتجهزون للذهاب إلى جداولهم، غادر فراشه بنشاط اغتسل سريعا و التحق بطاولة الإفطار وسط دهشة الجميع، طفق يأكل بشهية و كأنه لم يأكل منذ سنوات، ثم تحدث إلى ليتوك
" هيونغ أريد أن أعود إلى العمل، كيف أملأ جدولي؟"
اندهش ليتوك من طلب ييسونغ و لكن الدهشة لم تكن بقدر السعادة التي اكتنفته فامتلأت عيناه بالدموع، و نهض مسرعا يعانقه دون أن يقول أي شيء 
نظر هيتشول إلى ييسونغ ليبعث له نظرة امتنان، فقال هيتشول معتدا بنفسه
" يبدو أنني اكتسبت خبرة في مساعدة الآخرين"
نظر إليه ييسونغ و ابتسامة على محياه
" مازلت بحاجة لبعض نصائحك هيونغ"
" حسنا سأفكر في الأمر، أنت تعرف أنني مشغول جدا، سأخصص لك بعض الوقت" 
أطلق الجميع قهقهات عالية بعد رد هيتشول، و ارتسم على ملامحهم الرضا و السعادة لعودة ييسونغ...
ذهب ييسونغ إلى عيادة جينا حتى يقابلها و يعتذر بشكل لائق عما  بدر منه، و لكنه وجدها مغلقة، اتصل بها فلم ترد، فاتصل بالممرضة فأخبرته أن جينا قد طلبت منها إلغاء جميع مواعيد المرضى و أن تذهب في إجازة..
" و كم ستدوم هذه الإجازة"
" لا أدري، هي لم تحدد ذلك، كل ما أخبرتني به هو أنها ستتصل بي عندما تعود إلى العمل"
" حسنا شكرا لك"
أنهى المكالمة وانطلق نحو منزل جينا بسرعة البرق..
وقف أمام الباب لبرهة لا يدري أيطرقه أم يفتحه؟ ثم إذا فتحه ماذا سيقول لها؟ هو لا يدري.. تنحنح بعد أن اخذ نفسا عميقا ثم طرق طرقتين سريعتين.. و وقف ينتظر أن يفتح الباب و لكنه لم يفتح، همّ بالطرق مرة أخرى حين خرجت الأجوما التي تعيش في الشقة المقابلة، و ما إن رأته واقفا أمام شقة جينا حتى بادرت بالحديث معه
" أوه، جينا شي غير موجودة"
" غير موجودة؟"
"نعم، لقد سافرت، تركت معي أصيص زهرتها و طلبت مني الاعتناء به لحين عودتها"
" أ و لم تخبرك إلى أين سافرت؟"
" كلا لم تفعل، لقد قالت أنه من أجل العمل"
"حسنا، شكرا لك أومونيم" 
غادر ييسونغ المبنى الذي تعيش فيها جينا والحيرة تنهش أفكاره، أي عمل هذا الذي سافرت من أجله، و إلى أين ذهبت؟
عاد إلى المنزل خائبا، فقد تصور بالأمس أنه سيلتقي بها و يتوسل منها المغفرة و أنه لن يغادرها إلا و ابتسامة الرضا تعلو محياها، لكن كل أماله هذه قد انهدّت لغيابها...
ألقى نفسه على السرير بجسد خاو من الروح، هو الآن يشعر بضياع أسود، لا يعرف كيف بدأ أو كيف سينتهي، هو فقط غارق في هذا المستنقع الذي يخنقه و يقتله رويدا رويدا كسفاح ماهر ينكل بكل شيء جميل فيه.. يشعر بإحباط شديد لقلة حيلته..



وهو على هذا الحال انتشله صوت ليتوك من أفكاره
" ما بك متجهم الوجه هكذا؟"
" لقد سافرت جينا، ولا أدري إلى أين، حاولت الاتصال بها مرات عديدة و لكنها لم ترد، ثم .. أعتقد أنها قد حظرت رقمي لأني حين حاولت آخر مرة انقطع الاتصال"
" أنا لا أدري ما الذي يمكننا فعله الآن، ولكن لا تدع هذا الأمر يشغل كل تفكيرك الآن، هي بالطبع ستكون منزعجة منك و من الطبيعي أن تتجنبك، دع لها مساحة هدوء ثم حاول مرة أخرى"
"سأحاول هذا هيونغ"
" ثم.. لا تنسى لقد تحدثت مع الشركة و قد نظموا جدولك، لذا عليك ان تلتزم به، لقد ارتحت بما فيه الكفاية و معجبوك بانتظارك"
" أعرف هذا هيونغ، أنا بالفعل قررت العودة من أجل نفسي، من أجلنا جميعا، و من أجلها"
" لا تقلق، سنجد جينا شي، و سنكون دائما إلى جانبك"
كان ليتوك يتحدث و هو جالس إلى المكتب فلفت نظره الورقة التي خط عليها ييسونغ تلك الكلمات، قرأها في صمت ثم نظر إليه متسائلا
" من كتب هذه؟"
" إنه أنا هيونغ" 
" هل يمكنني أن أكتب لها لحنا؟"
" أوه هيونغ إنها ليست بهذه الروعة حتى تضيع وقتك من أجلها"
" بلى إنها رائعة، و أنا سألحنها، و ستغنيها أنت"
"و لكن هيونغ.."
" لا مزيد من النقاش، لقد حسمت الأمر، و الآن اعلم أنه بعد يومين ستذهب و كيوهيون و ريووك للقاء المعجبين باليابان"
" حسنا هيونغ"
" ولا تفكر كثيرا في موضوع جينا، أنا من سيجدها، فقط اعتمد علي"
"أنا أثق بك هيونغ"
*********
كانت جينا تجلس في باحة المنزل، تحت شجرة وارفة الظلال، تقلب أوراق مجلة موضة بملل شديد، هي حتى لا تقرأ ما كتب فقط تقلبها حتى يمر الوقت... فمنذ مغادرتها سيؤول و الوقت يمر بالنسبة لها بسرعة الحلزون، ها قد مرت أيام و لكنها كانت كالدهر بالنسبة لها.. 
توقف ييسونغ عن الاتصال بها و لكنه كل مساء كان يرسل لها رسالة من كلمة واحدة
" آسف"
وكلما وصلت الرسالة انخرطت هي في بكاء لا نهاية له، لا تدري لما تشعر بكل هذه الحسرة، أتتحسر على نفسها أم على ييسونغ، 
هي تحبه كما لم تحب رجلا يوما.. بل إنها تعشقه و لكن تشعر أن لا مكان لها في حياته أو قلبه.. تعلم جيدا أنها عبثا تحاول نسيانه و لكنها ستغلق أمام قلبها كل أبواب الأمل، لن تنتظر منه شيئا...
أطلقت تنهيدة عميقة ثم وضعت المجلة جانبا و نظرت إلى السماء.. أشعة الشمس تتخلل أوراق الشجرة الغثة و تلامس وجهها بلطف و لسبب ما تبادر إلى مخيلتها وجه ييسونغ المبتسم، ابتسمت بوهن حين تناهى إلى سمعها صوت آخر أغنية أصدرتها الفرقة و صوت المذيعة تقول
" بعد أن أحدث ألبومهم الأخير ضجة في عالم الموسيقى، اليوم سوبر جونيور في مقابلة خاصة لفريق برنامجنا"
ما كادت تسمع هذه الكلمات حتى أسرعت إلى الداخل أين وجدت جدتها تجلس أمام التلفاز و تقول
" لا أدري ما الذي يجعل هؤلاء الفتية محبوبين، غناؤهم صاخب و وجوههم تشبه وجوه الأطفال"
و همت بإيقاف التلفاز فأثنتها جينا عن ذلك
" دعيه هالموني، أريد مشاهدة هذا"
ضربتها جدتها على كتفها و قالت باستهزاء
" جيل تافه" 
ثم غادرت الغرفة، في حين جلست جينا و هي تربت مكان ضربة جدتها و تنتظر انتهاء التقرير بسرعة لتشاهد المقابلة و ما هي إلا لحظات حتى بدأت، خفق قلبها بشدة و هي تراه يجلس بين الجميع، على محياه ابتسامة قرأت كل معانيها، حزن ممزوج بطعم الأمل، عيناه لازالتا باهتتين، و نظراته هائمة، إذن هو ليس في حال أفضل من حالها...
أنصتت لكل كلمة في المقابلة، كانت تنصت بقلبها قبل أذنيها، و كم هزتها كلماته، لقد شعرت أنها رسالته إليها
" ييسونغ شي، هذه أول أغنية، من كتابتك و أدائك، أخبرنا كيف كانت هذه التجربة"
" في الواقع، هذه الكلمات لم تكن كلمات أغنية، بل هي حالة مررت بها و عبرت عنها و توكي هيونغ هو من نظر إليها كأغنية"
" إذا الفضل في هذا يعود لليتوك شي، لأنه جعلنا نستمتع بهكذا أغنية"
" نعم"
" و لكن كلمات الأغنية حزينة بعض الشيء، مثل عنوانها *تلاشي*.. و بما أنها تجربة مررت بها هلا أخبرتنا عنها؟"
" جميعنا عندما نقول تلاشي فأول ما يتبادر إلى أذهاننا هو المعنى السلبي للكلمة، في حين أنها تحمل معنى أروع، قد تتلاشى أحزاننا و ألامنا، ضعفنا و خوفنا، يتلاشى الظلام الذي يحيط بقلوبنا و عقولنا، التلاشي شيء جميل.. هذا ما علمني إياه شخص عزيز علي، ولكنني حين أدركت ما كان يقصده قرر هو أن يتلاشى"
" أوه، لهذا تحمل الأغنية صبغة الحزن رغم أن الكلمات تدل على وجود الأمل"
" وهو كذلك، فأنا مازلت آمل أن ألتقي بمن علمني هذا المعنى الجميل، لأخبره أنني تعلمت الدرس"
أطلقت المذيعة قهقهة منخفضة و أثنتها بتعليق خفيف و بدأت بإلقاء خاتمة لقائها، تلك الخاتمة التي لم تسمع منها جينا شيئا فقد انخرطت في بكاء صامت عزلها عما حولها، كم تشتاق إليه، و تحن لحديثها معه، سماعها صوته في المقابلة كان كفيلا بتفجير كل أبواب قلبها التي حاولت جاهدة أن توصدها في وجهه.. هي فقط تحبه.. معادلة بسيطة، تحبه و ضعيفة أمام هذا الحب مهما حاولت...
************
كان الجميع في غرفة تغيير الملابس منشغلين بتحضير أنفسهم للصعود على المسرح و تقديم الأداء، هذا يقوم بتمديد أطرافه تجهيزا للرقص، و آخر يدندن بكلمات الأغنية.. و آخر يضع اللمسات الأخيرة على زيه إلى أن دخل هيتشول و بصوت عال أخرس الصخب الذي يكتنف الغرفة
" ييسونغ آه، لقد وجدت مكان جينا"
وقف ييسونغ بسرعة و كأنه سجين أُعلن عن إطلاق سراحه، و بلهفة قال متسائلا
" أين هيونغ؟"
" إنها في الريف، في بيت جدتها"
فأردف ليتوك متسائلا
" و كيف عرفت أنت بهذا"
" أنا نجم الفضاء كيم هيتشول، و عندي طرقي الخاصة، و الآن ما هو أهم من كل هذه الأسئلة"
مد يده بورقة صغيرة 
" هذا هو العنوان، يلزمك ساعتان للوصول إلى هناك، لقد تحدثت مع المدير، بمجرد انتهاء العرض ستجد السائق في انتظارك بالخارج، فقط افعل ما يجب عليك فعله"
اغرورقت عينا ييسونغ بالدموع و عانق هيتشول شاكرا فانقض الجميع في عناق جماعي ملأته البهجة..
بعد انتهاء الأداء و الذي كان حماسيا بالنسبة لييسونغ لأنه منذ بداية الترويج لم يكن بهذا القدر من السعادة، خرج مسرعا ليجد السائق في انتظاره، و انطلقا نحو وجهتهما..
مرت الساعتان كأنهما عامان كان يفكر فيهما ييسونغ ما الذي سيقوله غير أنا آسف، ماذا بعد الاعتذار؟ هل سيلح عليها للعودة، ماذا إن رفضت اعتذاره، كان غارقا في أفكاره و لم ينتبه إلا بعد أن اخبره السائق أنهما قد وصلا، كان الليل قد ألقى بستاره منذ قليل و ترصعت السماء بنجمات براقة، توقفا أمام بيت صغير تنبعث منه أنوار خافته و يلفه الهدوء.. أخذ ييسونغ نفسا عميقا و طرق طرقا خفيفا على الباب الخارجي للمنزل.. ليصله صوت عجوز كبيرة 
" أنا قادمة" 
ثم راحت تتذمر
" من هذا الذي يأتي في هذا الوقت المتأخر من الليل"  
و ما إن فتحت الباب حتى علا وجهها ملامح مخيفة لكثرة جديتها و بكل صرامة تحدثت
" من أنت؟ و ماذا تريد؟"
 انحنى ييسونغ و هو مذهول لهذا الاستقبال
" أنا آسف هالموني لحضوري في هذا الوقت، و لكن أريد رؤية جينا، إنه أمر عاجل"
" ألا ينتظر أمرك هذا للغد صباحا؟" 
ثم غادرت و قد تركت الباب مفتوحا و ييسونغ يقف في ذهول، وكلماتها المتذمرة تصل إليه فتثير رغبته للضحك لكنه تمالك نفسه
" جيل طائش، يأتي في منتصف الليل بكل وقاحة و يطلب مقابلة حفيدتي، وقح وقح" 
ثم تعالى صوتها
" جينا، يا جينا هناك من يريد مقابلتك" 
خرجت جينا إلى الباب الخارجي للمنزل لتجد ييسونغ واقفا هناك، التفت لتعود إلى الداخل و تتجنب لقاءه فاستوقفها مترجيا
" من فضلك جينا.. فقط اسمعي ما أريد قوله و سأرحل بعدها"
" ماذا تريد؟"
ردت جينا دون أن تلتفت إليه.. دلف إلى الداخل و اقترب منها ليواجهها، فوجد عينيها قد غرقتا بالدموع بالفعل، أطلق تنهيدة حسرة و مد يديه ليمسح دموعها، علا وجهها نظرات كلها انكسار و ألم وخوف و لوم، كانت تلك النظرات مزيجا لا متناهيا من المشاعر، كانت عيناها تصرخ بشوقها إليه، تود لو ترتمي في أحضانه، تصرخ في وجهه حتى يختفي ألمها، تضرب على صدرها انكسارها ولكنها فقط اكتفت ببكاء صامت
" جينا.. أنا آسف، أنا.. أنا فعلا لا أدري ما الذي يجب علي قوله ولكن.. أنا أدرك جيدا أنك تحبينني و أكثر من أي شخص آخر.. و لكن جينا أنا لست أهلا لهذا الحب.. أنت تعرفين كم أنا غبي.. كل هذه السنوات كنت إلى جانبي و لم تتركيني في أحلك أوقاتي.. و لكنني كالأبله الأحمق كنت أصدك في كل مرة تحاولين كسر الحاجز بيننا.. أتدرين ما الذي حدث بعد مغادرتك؟ لم أتذكر من كلامك غير قولك *وداعا* و تذكرت أنك كنت دائما تقولين لي * لا تقل وداعا  إلا إن كنت تنوي الرحيل أبدا* .. و أنا يا جينا لا أقوى رحيلك للأبد .. لا أريد ان نلتقي أغرابا مرة أخرى، لا أريد أن أفقدك جينا.. لا أريد أن أكون سببا في ألمك.. لذا سأفعل أي شيء لتعودي كما كنت.. بل أفضل.. لذا أنا أرجوك بل أتوسلك أن تمنحيني فرصة.. بل امنحينا فرصة لنبدأ من جديد.. لنجعل ما مضى يتلاشى و لنفتح صفحة جديدة في دفتر جديد، فقط عودي.." 
جلس ييسونغ على ركبتيه كطفل مذنب ينتظر عقابه، في حين انخرطت جينا في نحيب لا منته.. ها هو ذا الرجل الذي وهبته كل قلبها يجثو أمامها منتظرا منها القصاص، هي لا تدري كيف تتصرف، أو ماذا تقول، حاولت أن تهدأ قليلا، مسحت دموعها، أخذت نفسا عميقا، و أمسكت بكتفي ييسونغ ليقف مجددا 
" ييسونغ.. احم.. سأعود"
انشرحت أساريره لما يسمع ولكنه سرعان ما اختفى شبح الابتسامة التي زينت ثغره حين واصلت جينا كلامها
" سأعود .. و لكن ليس الآن.. و ليس معك.."
احتضنها ييسونغ بقوة شعرت جينا حينها أنها ستخترق ضلوعه إثر ذلك، كانت دقات قلب ييسونغ تعزف لحنا جميلا أطرب قلبها ليصلها صوته بكل دفء
" بل ستأتين.. لن أسمح ببقائك بعيدا عني.. فأنا لا أريد أن أفقد سبب بهجتي مجددا"




النهاية



دنيازاد






                                                                                                                                                                                                                                                                                         






                                                                                                                                                                                                                                                                                         






                                                                                                                                                 

هناك 4 تعليقات:

  1. دوووني اوووني ..
    دنيازاااد ..

    عن احساسي لما قرأت كلماتك عن التلاشئ

    عن احساس لما قرأت اليّ خطه ييسونغ خاطرته

    عن احساسي لما قرأت جملة حزن ممزوج بطعم الأمل

    من اول وهلة غطستي ام قلبي في حزن يسونغ و جينا ..

    حزن الحب الي ع قد ما بيفرحنا بيرجع يوجعنا اضعاف مضاعة

    بشكل عام حبيت كل شيء ..
    خصوصا شخصية هيتش الي يضحكني في مل مرة رغم هالة الآسة المحيطة بالون شوت

    احسسسنت .. حبيييت ..

    ابدعتي .. دنيازاد سلنت يداكي

    ردحذف
    الردود
    1. الله يسلمك نانوش...ان شاء الله اكون دايما عند حسن ظنك

      حذف
  2. رائعه جدا دونى
    فعلا جسدتى بقلمك معنى جميل للتلاشى واغنيه evance اللى بجد فى مكانها الرائع فى كتابتك
    ولا هيتشول وخفه دمه اللى بتخرج القارئ من الحزن العميق اللى بيمر بيه يسونغ
    ابدعتى صديقتى دمتى بصحه ودام قلمك لنا

    ردحذف
    الردود
    1. تسلميلي صديقتي الغالية اتمنى دايما ان قلمي يكون عند حسن ظنك بيا

      حذف