الأربعاء، 27 يوليو 2016

*✿▒ شيزوفرينيا ∵ Schizophrenia 『 الفصل الثاني』▒✿*








Written By : Ňoồr



فتح عينيه المشدوهة وأنفاسه الهادرة تحرق المكان .. تنفسه كان مزعجًا حتى أنه آلمه شخصيًا .. لم تتوقف دموعه للحظة ولا خفقات قلبه مَن كانت على وشك تحطيم قفصه الصدري .. ابتل وجهه كاملاً بحبيبات العرق التي رطبت بشرته وأثقلت جفنيه .. صحراء قاحلة في حنجرته ومهما حاول ازدراد لعابه لا يجد قطرة ماء واحدة ساكنة به .. تأوه بصوتٍ مرتفع وهو يضرب رأسه من الخلف بالحائط حتى انسدل خط من الدماء عند شعره على عينه اليسرى .. استجمع مزيدًا من القوة لينهض بألم ينهشه وذكريات حطمت ماضيه .. بخوفٍ سكن لسنوات في داخله يؤرقه دون رحمة .. انتصب أمام المرآة أنفاسه تتلاحق في دخول وخروجٍ غير منظم يضغط قبضته التي ابيضت وخلّت من الدماء تمامًا .. منظرهُ مريع أخافه شخصيًا .. ازداد شلال دموعه على خديه وصرخ بعلو صوته أمسك التحفة الفخارية الموضوعة على المنضدة وضربها بالمرآة .. التفت بعيدًا عنها فوجد خيال هيري مباشرةً أمامه ولكن قدمها لا تلامس الأرض ترتفع عنها إنشات .. صكّ أسنانه لتُصدر صوت زمجرة متوعدة سرّع خطواته على أمل الامساك بهذا الشبح وخنقه ولكنه تعداها ليقف خلفها مواليها ظهره .. وضع يده على جبهته وسقط أرضًا يصرخ ويضرب يده الآخرى بالأرض .. سمع صرخاته هنري مَن كان يركض ليُفاجأ بباب المنزل مفتوحًا على مصرعيه .. توقف عنده للحطات يميل بجسده للأمام مستندًا إلى ركبتيه يحاول تنظيم أنفاسه اللاهثة .. سمع أصوات تحطيم رهيبة فجحظت عيناه واندفع للداخل فتح باب غرفة ليتوك .. فوجده في حالة مزرية وهو يحطم كل شبرٍ في الغرفة .. كان في حالة هياجٍ رهيبة .. شهق بفزع وتجمدت قدماه أمام هول المنظر .. أحس به ليتوك فرماه بنظرات مستكينة خائفة وضائعة عاد ليسقط أرضًا مجددًا ودماؤه تتساقط من يديه .. ركض هنري إليه وجثى على ركبتيه أمامه بعيون شاخصة وفرائص ترتعد صارخًا وهو يهز جسده : أنت بخير ما الذي حدث ؟ ماذا هناك ؟ ما بالك ؟

تتابعت دموعه بانهمار رهيب وصوته المحشرج تقافز من حنجرته للخارج ليبدو بعيدًا للغاية وكأنه آتٍ من أعماقه السحيقة .. تمسك بملابسه ونظراته تبهت : لـ لقد عادت .. الفتاة عادت .. عاد عذابي يا هنري ( حرّك رأسه بالنفي بسرعة كمن فقد عقله ) لا لايمكن لن أسمح لها بالعودة .. لن أتركها تدمرني مجددًا .. عليّ قتلها لقد أُرهقت منها .. دمرتني بما فيه الكفاية .. اللعنة غــــادري للجحيم



صرخ ملء حنجرته بكلمته الأخيرة ونهض كوحش يكمل تحطيمه في الغرفة .. وهنري أرضًا مجمد يحاول استيعاب الأمر .. حقًا عادوا لنقطة الصفر مجددًا ؟! .. هل سيحل العذاب واللعنة عليهم من جديد .. أغمض عينيه في مرارةٍ لثوان قبل أن يفتحهما ناظرًا بحزم لليتوك الثائر بجنون كرد فعلٍ طبيعي لشخص يرتعب من ذكرى الماضي وينتفض جسده فماذا سيحل به وقد عاد بكل عنفوانه القديم يقول له مرحبًا أنا مَن انتصرت وعدت لك من جديد ! .. رفع أنامله يضغط بهم جبهته بقوة ثم استجمع قوته كلها في قدميه لتحملانه .. توجه نحو المنضدة بخطواتٍ ميتة فتح آحد الأدراج واستخرج شريط المُهدأ بين أصابعه ثم توقف أمام ليتوك مَن توقف عن التدمير آخيرًا وهو خائر القوة على حافة الهاوية فاتحًا ذراعيه للسقوط المُحطم .. حتى الموت هنا يصبح أفضل بكثير مما سيلاقيه إن كانت عادت بالفعل .. التفكير بها مجددًا جعله يصرخ ويعود يهيج مرة آخرى فانقض عليه هنري من الخلف وقيدهُ عن الحركة .. حاول التملص بقوة غريبة من بين يديه ولكن قوة هنري كانت الأكبر .. سيطر على جسده لينزلقا أرضًا سوية ثم التف له بسرعة واضعًا حبة من العقار في فمه وأومأ له في حنان .. أغمض ليتوك عينيه وابتلعها بصعوبة دون مياه ودموعه تنسكب وكأن خزانات الدموع لديه لا تنتهي .. دقائق مرّت كان يهدأ في كل واحدة عن سابقتها حتى هدأ تمامًا وانتشر الخدر في جميع أنحاء جسده حتى أعصابه تخدرت وارتخت تمامًا فوقع نائمًا أو فاقدًا للوعي أيهما أصح .. تنفس هنري الصعداء وصدره يعلو ويهبط .. في محاولة بائسة لتنظيم تنفسه ألقى الشريط من يده ورفعها عند صدره مغمضًا عينيه لوهلات قبل أن يهدأ تنفسه ويعود طبيعيًا .. نهض حاملاً جسد ليتوك بصعوبة نقله لغرفته هو فغرفة ليتوك أصبح عاليها سافلها بسبب تحطيمه الجنوني فيها .. شدّ عليه الغطاء وأخذ يزيل حبات العرق عن وجهه وهو يتمتم : لقد كنت أنتظر هذه اللحظة وأنا أكاد أموت خوفًا منها .. بالله لمَ عاد كل شيء للصفر من جديد .. سيكون الأمر أسوء بمراحل من السابق .. الآن وبالإضافة لكل الألم هناك شبح الخوف الذي لن يتخلى عنه بسهولة

زفر أنفاسه بحرقة وتحرّك من جواره ليشغل جهاز الحاسب الآلي المحمول .. تقعد كرسيًا بجوار السرير ووضع الجهاز على فخذيه .. فتح مستعرض الانترنت وكتب في مربع البحث به " أرقام هواتف أشهر الأطباء النفسيين بكوريا " !!!


* * *

ابتسمت هيري من وجدت تلك السيجارة تحلق في الهواء أمام وجهها .. ضربت يد سيونغري الذي يحملها بابتسامة واسعة وخلصتها من بين يديه رمتها بين شفتيها فتحرّك سريعًا مخرجًا قداحة من جيبه وأشعلها لها .. زفرت منها عدة مرات قبل أن تعانقها بأصابعها مبعدة إياها لتتحدث : أين كنت أيها الوغد كل هذه الفترة ؟

أهداها ابتسامة عابثة ثم تقعد كرسيًا على طاولتها وما كاد يتحدث حتى قاطعته آمبر مَن عادت تحمل أطباق الطعام لها ولهيري من مطعم الجامعة .. ضربتهم على الطاولة بغيظ عندما رأته وقطبت حاجبيها تشير له باستعلاء مقصود : ما الذي أتى بهذا الوباء لمكان أنا فيه .. ألم أقل لك سابقًا لا تقترب ؟

ابتسم بسخرية ورفع قدمه للأخرى ونظر لعيني هيري مَن كانت تتابع بصمتٍ ثم عاد لينظر لآمبر بتحدٍ : جئت ولم تكن هنا يا فتى !



استعرت نيران الغضب في عينيها فتقدمت وضربت قدمه بخاصتها لتنزلق ويستعدل في جلسته غصبًا .. نظر لها بشر فأشارت بطول ذراعها بعيدًا : أغرب عن وجهي أيها الوغد

وضعت هيري وجهها بين كفيها بتعب من تلك المشاجرة التي تحدث كلما اجتمعا في مكانٍ واحد .. منذ تعرفت عليهما عرفت ما معنى أن الحياة لا تتسع لشخصين سويًا .. بينما عقد سيونغري يده فوق صدره باستخفاف مجيبًا : وهل كنت أشرقت عليه كي أغرب عنه ؟

قهقهت آمبر بسخرية ومثّلت الوقوع أرضًا بطريقة مسرحية مضحكة : يا إلهي لقد تقطعت أنفاسي من الضحك حتى أن قدماي لا تحملانني .. يا لشدة ظرافتك ( صرخت ) غادر قبل أن أجعلك تتذوق طعم قبضتي فيبدو أنك اشتقت إليها !!

رماها بنظرات تحدي مهيبة وهو يقول بغلٍ : سمحت لكِ مرة كونكِ فتاة مع أنني أشكك بهذا ولكن هذه المرة سأحطم عظامكِ

احمر وجهها مشتعلاً بالغضب واهتزت قبضتها التي تقبض عليها والدموع تلسع عينيها لتلك الإهانة ولكنها رفعت رأسها بشموخ وكادت أن تنفجر في وجهه لولا أن هيري نهضت سريعًا وأخذت تدفعه من كتفه لتبعده عنها وهي تقول : آمبر أنا سأغادر أراكِ لاحقًا حينما تهدأين .. ( وأكملت دفعه مَن سار معها بعدما رمى آمبر بنظرات سخرية وهو ينظر لجسدها الخالي من الأنوثة اشتعلت لا تعرف ماذا تفعل رغم أنها تعودت الآمر ولكنه لازال يؤلمها .. ابتعدا عنها مسافة كافية فتركته وهي تصك أسنانها ) تبًا لك ألن تكف عن هذه السخافات ؟

حرّك يديه في الهواء مستخفًا بالحديث فرمقته بغضب .. زفر بقوة ودس أصابعه بين خصلات شعره يرجعها للخلف .. ثم أنزل يديه عند خصره مثبتًا إياها هناك : مساءً ستأتين ؟

حرّكت رأسها بالنفي وتعلقت بذراعه : سأبقى معك حتى المساء ونذهب سويًا

ابتسم بمشاغبة ونظر لها يرفع إحدى حاجبيه : لمَ ممنوع عليّ لمسكِ بينما يمكنك أنتِ ذلك ؟

نظرت له بسخف وسحبته ليسير معها حتى سيارته هو سيقود ويتسكعان حتى موعدهما المشؤوم .. بينما آمبر من لاتزال تقف في مكانها رفعت رأسها لأعلى تنظر للسماء الزرقاء الصافية فوقها .. تحتضن بين زرقتها المهيبة سحابات بيضاء بأشكال مختلفة وفاتنة .. بدت وكأنها قد نثرت بفوضوية رائعة كروعة تلك الخصلات المنثورة على عينيها المبتلة بالدموع .. رفعت يدها ووضعتها عند قلبها مغمضةً عينيها في حرقة لتفرّ تلك القطرات اللعينة بسرعة واحدة تتلوها آخرى .. بين الألم والأمل هناك شعرة وقد تمزقت بالفعل .. ستسير فوق الألم حتى تلحق به .. جرّت قدميها بصعوبة حتى خرجت من الحرم الجامعي .. خطواتها تتعثر وهي تقطع طريق السيارات غير آبهة بصفيرها العالي الذي يحذرها من حادثة على وشك الوقوع .. لم تعر للأمر بالاً ففي النهاية هي ستموت .. ولم يعد من اهتماماتها وقت الرحيل وإن كان مهمًا آحيانًا .. ولكنها الآن تناست أهميته عن قصد .. هذه اللحظات ستكون لها .. اشتاقت لوقتٍ خاص بها تُخلي فيه مساحة من التفكير لنفسها .. بعيدًا عن هيري مَن استحوذت على كل تفكيرها بالفعل .. ضحكات عابثة يتردد صداها في أذنها لتسدل جفونها بحنين وشجنٍ رهيب .. تمسكت بالسور الحديدي للمقبرة التي توقفت عندها قدميها .. ناظرت القبور المتراصة لجوار بعضها وابتسمت بشغف .. يومًا ما ستكون هنا بات هذا اليوم قريبًا للغاية .. كم هي سعيدة أنها ستكون لجواره بعد كل تلك السنوات .. دفعت الباب الحديدي بكفيها وولجت للداخل .. اشتمت عبق الموت الذي يملأ المكان .. أغمضت عينيها وقادها قلبها لمرقده .. هبطت متقعدةً الأرض مستندةً لقبره بظهرها .. ثنت ركبتيها لصدرها وهي تحيطهما بذراعيها وذقنها تستند إليهما .. استنشقت نفسًا معبأً بالأتربة ودموعها تجمدت وما عادت تنزلق وقالت بصوتها المتهدج : يااا اشتقت إليك كثيرًا .. هل تعرف كم تؤلمني تلك الكلمة ؟ أيها الغبي المشاغب اشتقت لمناوشاتك الطفولية معي .. كيف حالك الآن ؟ هل تطمأن عليّ من السماء كل ليلة كما وعدت ؟ ( تجمعت الدموع عند مقلتيها ) إذًا هل ترى كيف يعاملني الجميع ؟ لمَ لا تأتي كالسابق وتضربهم منتصرًا ليّ ؟ لمَ جعلتني أعدك أنني سأكون قوية بدونك ؟ كيف ليّ أن أفعل بالله عليك ؟ ياااا هيوكجاي ! أتعرف كم هو مؤلم الاشتياق لك ؟ أتعرف كم مرة في الثانية يطالب قلبي برؤياك ؟ كيف لك أن تتركني هكذا في أول الطريق وترحل ؟ رحيل بلا عودة ! هل تُراك تشعر بالرغبة الهائلة التي تجتاحني يوميًا لاحتضانك ؟ للبكاء بداخل أضلاعك؟ لأعود طفلة باكية تحتاج دومًا لك ؟ ( سقت الدموع وجنتيها الذابلتان فأسدلت عليهن جفنيها في مرارة ) ما أسعدني بأن الموت يقترب .. وأخيرًا سأكون لجوارك لتمسح دموعي كما عودتني دائمًا .. شكرًا لك من أعماقي لأنك كنت دائمًا تحتضن روحي مَن باتت اليوم مهترئة بدونك .. مشتعلة ومستعطشة لضمة واحدة بعد منك يا سندي الوحيد في الحياة الذي فقدته بلوعة فاجعة مؤلمة تهتك عرض قلبي !!

انكمشت في نفسها أكثر وهي تحاول استرجاع الماضي الذي رحل بلا عودة .. وكم تتوق لو يعد لثانية واحدة فقط .. تبًا ! كم هي ظالمة تلك الحياة .. تحرم أشخاصًا يتوقون للماضي من جرعة واحدة منه بينما تدفع به دفعًا لأشخاص إن عاد لهم الماضي أرداهم صرعى .. فقط وعجبي !


وضعت لمساتها الأخيرة على هندامها المدرسي .. ابتسمت بسعادة فهذه هي المرة الأولى التي استطاعت وحدها بالكامل ارتداء ملابسها دون تدخل جدتها رغم كبر سنها .. وتثبيت ربطة عنقها دون مساعدة انهيوك .. قفزت درجات السلم بفرحة مراهقة في الرابعة عشر من عمرها .. إلا أنها أجفلت وركضت نحو الطاولة عندما لمحت انهيوك يقف عندها والجدة تربت على ظهره وهو يسعل .. الخوف ملأ قلبها لتركض له هكذا .. أمسكت كتفه ولفته لها لتتسع عينيها بصدمة من وجهه شديد الاحمرار .. تلعثمت تتساءل : مـ ماذا حدث ؟ أ أنت بخير ؟؟

ابتسم ببلاهة وهو يضرب على صدره كي ينزلق الطعام العالق هناك .. بينما الجدة العجوز مدّت يدها وجذبته من أذنه وهو يتأوه : هذا القرد الأحمق .. أيجووو ياله مش شره كاد يأكل الطعام كله دون أن يترك لكِ شيئًا فحدث له ما حدث

شهقت بخوف وهي تنظر له بشفقة .. رفعت أصابعها تتحسس أذنها وهي مغمضةً عينًا دون الأخرى .. وتتأوه وكأنها هي مَن يتم شد أذنها .. بينما انهيوك ضمّ يديه لبعضهما وآخذ يفركهما وهو يتوسل : هارموني يدكِ مؤلمة .. اتركيني أرجوكِ أنت مَن طلبتي مني تناول الطعام كله لم أفعل هذا من تلقاء نفسي ..  اععععااا مؤلم مؤلم !




تركت الجدة أذنه وشهقت تنظر له بشفقة : يا إلهي أنا من أمرتك بفعل هذا ؟ ( عادت تربت على كتفه بحزن ) آسفة بني !

ابتسم ببلاهة وهو يتحسس أذنه التي احمرت كثيرًا وكادت تنسلخ عن باقي جسده من شدها لها : لا عليكِ هارموني أنا بخير ( نظر لآمبر بعبوس ) تناولي طعامكِ بسرعة لقد تأخرنا على موعد المدرسة سيوبخنا الأستاذ كيم

أماءت له بطاعة ووقفت أمام المنضدة ودون حتى أن تجلس بدأت بحشو فمها بلقيمات الطعام .. حتى صنعت دائرتين منتفختين بشدة عند خديها .. اقتربت من جدتها بهكذا حال قبّلت يدها وأمسكت يد انهيوك مَن ينظر لها بصدمة وجرّته معها للخارج .. وهي تحاول مضغ وابتلاع هذا الكم الهائل من الطعام .. توقفت عند عتبة باب الحديقة الخارجية أنزلت الحقيبة عن ظهرها وأخرجت منها زجاجة مياه فتحتها وراحت تسكبها في فمها لتساعدها في الابتلاع .. انتهت آخيرًا فضربت عند صدرها عدة مرات بابتسامة متسعة كثيرًا ببلاهة : وااااه ما أجمل الطعام

رمشّ انهيوك عدة مرات قبل أن يبتسم بهدوءٍ ويضع كفيه في جيبي بنطاله : أوافقكِ الرأي

مدّت شفتها السفلية بطريقة لطيفة وعيناها تلمعان .. ثم انفرجت أساريرها بابتسامة عذبة وهمست : أكرهك عندما تتطبع ملامحك بالعقلانية تصبح وسيمًا للغاية بطريقة يصعب على دقات قلبي تحملها ( تنهدت بحب فاتسعت عيناه لوهلة قبل أن تحمر وجنتيه مخفضًا وجهه يصدر صوت حمحمة خفيفة .. تقدم عدة خطوات بنية الهرب من وقع كلماتها على دواخله فأسرعت خطواتها لتصبح خلفه مباشرةً .. أحاطت خصره من الخلف بذراعيها ودفنت وجهها في ظهره ) يااا هيوكجاي شكرًا لأنك بهذه الحياة .. لولاك لما استطعت أن أكون بخير وسعيدة .. شكرًا لأن قلبك يحتويني .. شكرًا لأنك أحببتني ولم تبخل عليّ بذكر الأمر دائمًا .. شكرًا لأنك بجانبي تساندني وتحميني وتشد على أذري !

عادت الابتسامة لتشق طريقها على ثغره .. تنهد بفرح ورفع رأسه يطالع السماء بينما يربت على يدها التي تحيطه .. ولدا في نفس اليوم في بيتين متجاورين .. تربيا سويًا .. لعبا سويًا كل شيء فعلاه كان سويًا .. حتى الطعام .. في بعض الأحيان النوم ! العائلتان كانتا قريبتين من بعضهما كثيرًا .. وجودهما معًا صار مسلمة في هذه الحياة لا يمكن تغييرها .. تشاركا في كل شيء حتى الحزن على وفاة عائلتهما اللتان توفيتا في نفس اليوم بسبب حادث مؤلم .. لينتقلا سويةً للعيش مع جدة آمبر .. دعما بعضهما حتى استطاعا تجاوز الأمر .. مدرسة واحدة صف واحد ومقعدين متجاورين .. ملتصقان كالغراء ببعضهما .. دائمًا يحميها من ثرثرة المتعجرفات في حقها .. كل شيء كان يشير لأن بذور الحب بداخلهما تسقيها الأيام لتنمو .. ولما اينعت ووصلا لسن المراهقة لم يبخل انهيوك بالاعتراف لها .. لترد عليه بأن دفنت جسدها بداخله ووجهها شديد الاحمرار وهي تتلعثم في قولها وأنا أيضًا أحبك هيوكي ! تشابكا الأيدي يومها مقسمين على أن يتوج الحب حياتهما حتى الممات .. أخفض انهيوك نظره للأرض بابتسامة بعدما استرجع هذه الذكريات اللطيفة .. ثم تنحنح قائلاً بمشاكسة : ياااا ما كل هذا الـ شكرًا ؟؟

اعتصرته بعناقها وهي مغمضة العين تكاد تحلق من السعادة .. ثم تحركت لتقف أمامه رفعت جسدها على أطراف أصابعها ووضعت قبّلتها على خده راكضةً وهي تتلمس وجنتيها التي اشتعلت وقلبها استعرت فيه النيران .. كما قلب انهيوك الذي فقد إيقاعه المعتاد .. هزّ رأسه بسعادة مستغربًا عاطفتها الفياضة اليوم وركض خلفها حتى صار في محاذاتها فالتقط أصابع يدها اليمنى وشابكها بخاصته دون النظر لها وأكمل سيره 

* * *

شغل سيونغري موسيقى مرتفعة للغاية كعادته بينما يتجول بسيارته في شتى أنحاء سيؤل برفقة هيري حتى قدوم الليل وذهابهم للنادي الليلي حيث اعتادا تقضية الليل بكاملة هناك .. يقود بيدٍ واحدة بينما الآخرى راح يهزها وهو يفرقع أصابعه مع لحن الأغنية الصاخب .. أما عن هيري فكانت مرتخية على الكرسي تعقد ذراعيها عند صدرها ورأسها مستند للجزء الزجاجي من الباب .. زفرت أنفاسًا عميقة حركت وجهها لتصبح في مقابلته : ألا يُمكنك تهدأة هذا الشيء قليلاً؟

تبسم ينظر لها يحرّك هذه المرة ذراعيه الاثنتان .. ضرب كفيه ببعضهما مصدرًا صوت ضجة عالية وهتف عاليًا : استمتعي باليوم دون هذه الملامح المتعكرة

سريعًا بعدها عادت يده لعجلة القيادة حتى لا يصابان بحادث .. دست أصابعها في شعرها تفركه تبعثر قليلاً وأصبح مشعثًا .. ضيق عينيه بريبة فهدأ من الصوت لذا ، وفورًا زفرت مجددًا وتكلمت : اليوم بينما كنت جالسة بصحبة آمبر ( أجفل من الاسم متأفأفًا فلم تعره اهتمامًا وأكملت ) فجأة تملك صداع رهيب من دماغي .. نهضت لا أعرف لأين أذهب ولمَ تبعثرت عواطفي فجأة بهكذا شكل .. بعدها حدثت بعض الأمور المريبة ونسيت الصداع وما شعرت به .. ماذا يعني هذا ؟

راح يحرّك حدقتيه يمينًا ويسارًا كأنما يحلل حديثها ثم زفر كمية كبيرة من الهواء دفعة واحدة وتكلم : الأمر .. يبدو أنه عليكِ زيادة الجرعة !!

رّمشت .. أصابعها ارتعدت فقبضت عليهم بيدها الآخرى وزاغ بصرها عدة مرات وهي تتمتم : ولكنني قد زدتها بالفعل منذ عدة أيام ؟




قلب شفته السفلية هزّ كتفيه الاثنين وأوقف السيارة بشدة عند حافة الطريق .. لذا ، وبقوة اندفاع شديد اصطدم جسدها بما أمامها تأوهت وعادت كما كانت ترمقه بغضب فصرّح بسرعة : ألا يجب أن تتماثلي للشفاء قبل فوات الآوان ؟

رسمت ابتسامة جانبية ساخرة ورّدت في تهكم : شفاء ؟ أي شفاء ؟ وكأنك لست أنت من يحضره ليّ ( رمت نظرها خارج السيارة تريد الهرب من بعض الأفكار التي تلاطمت برأسها فجأة .. لذا ، فورًا أعلنت ) هيّا حان الموعد أسرع في القيادة لا أريد الذهاب متأخرة بسبب صحوة ضميرك المفاجأة تلك

ظلّ يحدق بها لفترة وهي تواليه ظهرها ترمق المارة من خارج زجاج الباب .. تنهد قبض على يديه في رأسه تجول العديد من الأفكار كأن يحملها الآن ويلقي بها في مصحة .. عنيدة وليس هذا الحل المناسب .. هناك أيضًا اتفاق وشيك قد يسجن بسببه أبعد الهواجس عن رأسه وأعاد تنويم ضميره مرةً آخرى قاد سريعًا حيث الجحيم الذي يجمع أمثالهم ليتجرعوا السم بأنفسهم .. ليقفزوا لوادي الهلاك بمحض إرادتهم .. نادي ليلي حيث الصخب والأغاني المرتفعة .. الرقص والشراب والعلاقات الغير شرعية والكثير الكثير في عالمٍ ليس من الجيد التعمق فيه

* * *

وكما غادرت شمس ليلة الأمس على وعدٍ باللقاء عادت تعلن ميلاد يومٍ جديد يحمل في كنفه العديد من الأمور لنّا .. الأشعة الذهبية نثرت الدفء واحتضنت الأرض بكاملها لتبث بها الخصب والنماء .. الحب وطاقة مهولة للابتسام في مقابلة هذا اليوم .. كانت نفسها الابتسامة التي زينت شفتي ليتوك ولكن الفارق أن ابتسامة الكون كانت تحمل في رحمها الأمل أما الأخير فكانت ابتسامة حزينة ويأس احتل قسمات وجهه كاملاً .. تمطى في نومته واعتدل بشيء من الصعوبة .. فرّك عينيه عدة مرات حتى يزيل ذلك الغشاء الضبابي الذي يلوث الرؤية .. مدّ يده باستسلام دون التلفظ بحروف متساءلة وتناول كوب المياه من هنري مَن يقف أمامه ويمده له .. ظلّ ليتوك يحدق في الكوب وزفر أنفاسًا متألمة آتية من سحيق أعماقه .. انتشله صوت هنري من هذا الضياع الفكري المهول بصوته : هلّا تشجعت قليلاً ؟ لمَ أنت يائس هكذا ؟ أقله نحن لم نذهب للطبيب بعد لنعرف ماذا حدث لربما كان أمرًا عابرًا

نظر له في حدة .. انتشل حبة العقار من بين أصابعه وألقى بها في فمه ابتلعها بمرارةٍ هكذا دون مياه وضرّب الكوب الذي في يده على المنضدة .. أزاح الغطاء وأسدل قدميه تحرّك حتى بات مواليًا ظهرهُ لهنري قبض على كفيه حتى أوشكت أظافره تخترق لحمه .. واهتزازة خفيفة سرّت بجسده .. أسدل جفنيه يضغط بهما على قرانيته يرفض سطوة تلك الدموع التي تجمعت وهتف : أي أمرٍ عابر هذا الذي تتحدث عنه ؟ أنا مللت هذه الحياة ( أطال في نطق تلك الجملة ) إذا تخلصت منها فهل سأعني شيئًا للعالم ؟

شهق هنري وخطى سريعًا ليصبح أمامه وضع يديه الاثنتين على كتفيه بضربة عنيفة واشتعلت نظراته : مجددًا عدنّا لهذا الحديث الفارغ .. لمَ عدت بهذا البؤس من جديد تمالك نفسك قليلاً أنت لم تتأكد بعد .. وحتى إن كان صحيحًا لقد شُفيت قبلاً ويمكنك الشفاء مجددًا

فتح عينيه فكأنما كانت الحرية لتلك الدموع لتجري على خديه بسرعة وصرخ هو : وكأنني شُفيت بلمح البصر ! إنه مؤلم .. أنا أتألم الآمر يفوق قدرة تحملي إنه بشع .. لا أريد أن أعود مثيرًا للشفقة مرة آخرى .. لا أريد أن أكون شخص مريض مثير للشفقة مجددًا لا أريد

ظلّ يصرخ وهو متمسك بذراعي هنري وراح جسده ينزلق لأسفل وكفيه على ذراعي الأخير أيضًا حتى جثى أرضًا يشهق وهو يضرب قدم هنري بضعف .. أغمض هنري عينيه وزفر أنفاسًا حارقة تمنى أن يدفع نصف حياته ثمنًا كي لا يسمع توسلات ليتوك مجددًا .. جثى هو الآخر على ركبتيه هامسًا بشيء من الحنان : كفاك ! تحمل قليلاً بعد أعدك لن يحدث شيء سيء

ارتجف وهو يحاول رفع رأسه والنظر له .. مدّ يديه يزيل دموعه وهو يتمتم : حقًا ؟

أماء له هنري هاتفًا بمرارة : كن أقوى بعض الشيء .. واجه الأمر برجولة لم تعد مراهقًا لتخاف وتهرب .. لتبكي وتصرخ هكذا .. سابقًا لم يكن ليلومك أحد  كنت صغيرًا الآن أنت رجل لا تنهزم بهكذا سرعة




ظلّ محملقًا فيه لعدة دقائق قبل أن يزيل دموعه تمامًا وينهض .. توجه لدورة المياه لغسول وجهه وهنري يتابعه بعيناه متأملاً في القادم .. خرج فتح الخزانة أخرج ملابسه .. نظر لهنري مَن لا يزال واقفًا بمكانه وقال بصوتٍ به بحة خفيفة : هل وجدت طبيبًا مناسبًا ؟

تبسم هنري بسعادة زافرًا براحة كونه تخطى مرحلة إقناعه بالذهاب للطبيب دون جهد هذه المرة .. أومأ فقابله ليتوك بأخرى منه وأشار له ليذهب للخارج كي ينهي ارتداء ملابسه .. فور خروج هنري وإغلاقه للباب أسند ليتوك جبهته للحائط يشعر بالاختناق .. يتزاحم الفراغ بعقله والصمت يصرخ بداخله كل ألمٍ يستنزف جزءًا من روحه .. جراح لم تندمل ونهر من الأوجاع لم ينضب .. وشم ناري لا يمكن التخلص منه وشم حياته للآبد عكر صفو أيامه .. لمَ هو بالذات مَن كتب عليه هذا العذاب .. عذاب يدق نعشه ببراعة يدفعه دفعًا للموت كي يرقد في نعش يليق بمدى آلمه .. كيف هو الوهم ؟ ما شكله ؟ كيف ملامحه ؟ أهو شيطان قبيح المنظر ؟ أم فتاة جميلة كتلك التي دمرت حياته وعادت لتظهر من جديد .. أهو شعور آبدي بالضعف والانهزام ؟ أم حلاوة يهرب لها المرء من شقاء أيامه ؟ كيف يصفه .. كم كان مستمتعًا بكل أيامه الفائتة أيفرح لأنه ربما يعود لتلك السعادة .. ولكن منذ تدخل هنري ووالدته في الآمر وقد انقلبت سعادته لشقاء فظيع .. أيكرههما ويحقد عليهما معتبرًا إياهما السبب ؟ دوامة تطحن العقل في تساؤلات بلا نهاية أو جواب .. دون سبب مقنع أو حتى مجرد حجة واهية .. ويعود يستنزف الروح من جديد حتى الرمق الأخير .. كيف للنوم والخيال اللذان هما أفضل ما قد يحصل عليه الانسان الجزء الجيد في حياته أن يصبح العذاب واللعنة في حياة ليتوك .. ولنّا في الخيال حياة أم هو فله في الخيال عذاب ! لهذا السبب هو حقًا بائس ومثير للشفقة .. إذا لم يهرب إلى النوم فلأين سيهرب ؟ إذا لم يحلق في الخيال فأين سيحلق ؟ كل المرضى يهربون من الواقع للنوم والخيال .. أما هو فيتناول العقاقير ليظل متيقظًا هاربًا من شبح النوم .. عقاقير ليحجم خياله .. عقاقير ليمكنه العيش .. حياته كلها عقاقير .. إذًا هل هو مريض ! كان هذا الجزء الأصعب في الماضي أن يعترف بأنه مريض والآن كم يود لو ينكر الأمر .. بلّ سحقًا للمرض ، للأدوية ، للأوهام ، للهواجس سحقًا لكل شيء !

ضرب الحائط بكفه حتى شعرّ وكأن عظامه انكسرت .. اندفع للخلف واحتضنها بكفه الآخرى .. طغى عليها احمرارٌ رهيب وتؤلمه .. قلب شفته بسخرية وهل هي فقط مَن تؤلمه .. تحرّك حيث المنضدة بجوار السرير فتح آحد أدراجها واستخرج رباط ضاغط لفه عليها علّ الآلم يهدأ قليلاً وبعدها ارتدى ثيابه كاملة وخرج من الغرفة .. قابله هنري بحلته كاملة هو الآخر .. لم يتحدثا في شيء فقط بلغة العيون تناولا بعض اللقيمات مما حضره هنري ونهضا متجهين حيث السيارة .. هذه المرة تولى هنري أمر القيادة بينما أرخى ليتوك جسده للكرسي .. دقائق من الصمت المريب قطعه هنري مستفسرًا بعدما نظف حنجرته عدة مرّات : الفتاة نفسها أمتأكد ؟

اعتدل ليتوك ونظره موجه لما أمامه .. شبك أصابع كفيه ببعضهما وتنهد محاولاً رسم ملامح طبيعية على وجهه : يستحيل أن أخطأ بها

أوقف السيارة على جانب الطريق .. ونظر له بجدية وبحزم قال : ألا يمكن أن تكون الحقيقية ؟؟

انتفض جسد ليتوك كاملاً ونظر له بعينين تكادان تُغادرين حدقتيهما .. ظلّ هكذا لفترة قبل أن يزدرد لعابه ملطفًا من الجفاف الرهيب الذي اجتاح حنجرته فجأة وتمتم : هل ... هذا معقول ؟

* * * 

" ياااا هينيم هل هذا فقط ما كتبته في ثلاث أسابيع ؟! لمَ أنت كسول هكذا ؟ " كان هذا صوت سوجين الصارخ بعدما ألقت كومة الأوراق على المكتب وظلّت تضرب الأرض بقدمها وتتأفأف

خرج هيتشول من المطبخ وهو يتثائب .. يبعثر شعرات رأسه ويقطم من تلك الجزرة بين أصابعه كان يأكلها مصدرًا صوتًا مضحك كالأرنب .. أمسك إحدى الوسادات وألقاها أرضًًا ثم جلس فوقها وشغلّ الشاشة أمامه على آحد أفلام أميرات ديزني .. وصله صراخ سوجين مرة آخرى مَن أصبحت تقف الآن بجواره .. قلب شفته السفلية باستياء ونظر لها : إذا كنتِ ستستمرين في الصراخ فهيّا اذهبِ للخارج واصرخِ كيفما تشاءين لا تصيبينني بالصداع




أمسكت بإحدى الوسادات وألقتها عليه ثم ركلته في قدمه تأوه ينظر لها بصدمة لتكمل صراخها : أيها الوقح الكسوووول ! انهض فورًا لتكمل الحكاية ودعك من برامج الأطفال تلك

تململ في جلسته وعقد ذراعيه عند صدره : لا أريد .. أشعر بالفتور لا أريد الكتابة الآن

صرخت مجددًا وهي تضرب الأرض بقدميها كالطفلة .. نظر لها مضيقًا عينيه مصدر الازعاج تلك .. ألقت بجسدها فوق قدميه التي مددها أمامه صرخ متألمًا .. فشدت شعره وهي تتذمر : هيّا انهض قبل أن أقتلك لقد توقفت عند نقطة مريعة .. إن لم تنهض سأقتلك وأنا مرتاحة البال صدقني

ظلّ يتأوه متصنعًا البكاء وهو يحاول دفعها عن قدمه وهي لا تتزحزح شبرًا واحدًا : لمَ تعتقدين أنكِ خفيفة لهذه الدرجة .. قدمي ااااه ! صدقيني ليس بيدي حقًا أشعر بالفتور الشديد لو كتبت حرفًا لبصقتِ في وجهي لشدة بشاعته

آخيرًا نزلت عن قدمه .. لمعت عيناه بالدموع وهو يربت على قدمه المسكين أما هي فزمت شفتيها تتنهد باختناق : ولكنني أود أن أكمل ! ماذا أفعل لك كي تتخلص من هذا الفتور ؟ ( حرّك كتفيه بينما يمد شفتيه مفصحًا عن جهله بالأمر .. فكرّت لثوان قبل أن تصرخ مجددًا مطرقعةً أصابعها ) وجدتها ! ما رأيك في 
نزهة صغيرة تشتم فيها هواء نقي ونمرح قليلاً عندها يمكن أن تسترجع شغفك


نظر لها بجانب عينه .. نظف حنجرته عدة مرات قبل أن يرفع يده بينما يضم إصبعي السبابة والوسط لبعضهما ويحك فيهما الإبهام كطريقة للتعبير عن النقود : هل ... هذا التنزة .. هل فيه تسوق ؟

أجفلت موجهة ضربة قوية لكتفه وصاحت بصوت عال : أيها البخيل ! كلا لن أتسوق لا تقلق لن تخسر نقودك هيّا انهض

تنفس براحة ونهض سريعًا ليبدل ملابسه .. بعدما انتهى حمل هاتفه النقال وحاملة المفاتيح .. وبيده الآخرى عانق كفها وخرجا من البيت للتنزه كما اتفقا .. كانت الحديقة المجاورة لمنزلهما رائعة غنية بالمناظر الخلابة والروائح العطرة وأصوات الطيور متعة من نوع آخر .. استمتعا كثيرًا وهما يتجولان في أرجاءها متشابكي الأيدي يتحدثان في أشياء عديدة .. توقف هيتشول بشكل مفاجيء وأهداها ابتسامة وهو يقف أمامها مداعبًا بشرتها بزهرة حمراء بديعة : سوجيناه شكرًا لكِ على كل شيء .. حقًا كنت أحتاج لنزهة كتلك لأكسر روتين يومي الممل

ابتسمت هي الآخرى بدورها وقبّلت وجنته : على الرحب والسعة سوجين خاصتك دائمًا في الخدمة !

ترّك العنان لضحكته لتجوب بقاع الأرض مقسمةً بسعادته .. الكاتب دومًا ما بمر بفترات فتور رهيبة يمكنها أن تدمر مستقبله الكتابي إن طالت .. تدخله في حالة اكتئاب مريعة خاصة إذا ما كانت الأفكار تهاجمه كالسيل ولا يستطيع تأنيق حروفه للتعبير عنها ولو ضغط على نفسه وحاول ينتج حروف ثقيلة يراها قبيحة بلا معنى لاذعة لا طعم لها وهنا يزيد اكتئابه ظانًا أنه فقد موهبته بلا رجعة .. وفي هذه الأوقات هو يحتاج لتغيير أجواء يومه والحصول على كمية كبيرة من السعادة .. وفوق كل هذا شخص دائمًا يدعمه يثني عليه ويدفعه دفعًا لتخطي تلك المرحلة .. يقف بجانبه صامدًا متحملاً بؤسه وتذمره الدائم .. جنونه وتمزيقه للأوراق وإلقاءها في وجهه .. لسانه السليط ومزاجه المكدر .. لأن تلك الأوقات العصيبة تحوّل الكاتب لطفل ملول كثير الاشتكاء والبكاء .. دائمًا يقول فشلت رغم أنه لم يحاول .. أهم ما يحفز نجاح الكاتب هو ذلك الشخص الذي يؤمن به يسانده ويدفعه للأمام يشاركه لحظات ضعفه محولاً إياها لقوة .. يدعمه وبأي طريقة يخرجه من هذه الحالة البائسة .. والتي ستصبح أكثر بؤسًا إذا ما فقد الكاتب هذا الشخص أو لم يوجد من الأساس في حياته

* * *

خارج الباب الخشبي الأبيض الذي يفصل غرفة الطبيب عن باقي العيادة التي وصل لها ليتوك وهنري توًا .. رمق الأخير ليتوك بقوة كأنما يقول له تشجع .. فزفر وهو يقبض على يده ويضغط أصابعه ببعضهم حتى ابيُضت أطرافها .. أسدل جفنيه لوهلة قبل أن يتمتم بكلماتٍ غريبة عندها ربت هنري على كتفه مهمهمًا : ينبغي أن تدخل هيّا .. أنا سأبقى هنا كل شيء سيكون بخير لا تقلق أنا لجوارك

أعاد فتح عينيه ورطبت ابتسامة خفيفة شفتيه وهو ينظر لهنري بامتنان .. أن تكون في أسوء حالاتك فاقدًا الأمل والرغبة في الحياة .. ضعيفًا ومنهزم نسمة هواء خفيفة يمكنها الإلقاء بك حيثما شاءت هذا هو الدمار الفعلي خاصة عندما تكون في مواجهة كل هذا بمفردك وأنت الضعيف المنهزم .. ولكن بوجود شخص دائمًا لجوارك تغلق عينيك وتفتحهما عليه وهو ينظر لك بحب .. وهو يهتم بدواءك بطعامك وشرابك ونومك .. يعرف متى يحتضنك ومتى يلكمك .. يهمس في أذنك بأسوء حالاتك كل شيء سيكون بخير أنا لجوارك .. وتشعر أنها تتغلغل لأعماقك تتراقص بداخلك تمنحك أوكسيد الحياة .. عندها بالفعل ستكون ميقنًا بأن كل شيء سيكون بخير .. لذا ، فشكرًا هنري لأنك حتى الآن كل شيء خير حدث ليّ .. هكذا تمتم بداخله قبل أن يربت على كتفه هو الآخر ومِن ثَم طرق الباب عدة مرات ثم دخل مغلقًا إياه خلفه .. ابتلع لعابه وهو يرمق المكان بشيء من التوتر .. كعادة الأطباء النفسيين في اختيار ألوان غرفهم يكون الأبيض هو المهيمن .. القليل من الأثاث ومكتبة زاخرة بالكتب .. على كرسي مكتب الطبيب كان ييسونغ ينظر له بترقب وصبر كونه تعود على تفحص أي مريض يفد له للمكان بعيون خائفة .. نظف حنجرته ليآتي صوته لطيفًا : مرحبًا 
سيد ( نظر في الملف أمامه ثم أعاد نظره له ) سيد ليتوك



أماء له ليتوك إيماءة خفيفة من رأسه .. فأشار له بالجلوس على الكرسي أمام 
المكتب .. تحرّك فورًا منفذًا الأمر بهدوء .. أول نطرةٍ لييسونغ كانت على يده حيث مد ذراعيه على فخذيه ويقبض على أصابعه كأنه تشنج على تلك الحركة .. أومأ بخفة فنظر له ليتوك مرتابًا من صمته وهمس : أنا أعاني ....

قاطعه بنهوضه المفاجيء .. تحرّك من مكانه وأبدله بالكرسي في مواجهة ليتوك .. جلس بنفس طريقته وقلده في قبضه على يده .. كان ليتوك يراقب أبسط حركاته لذا وفورًا أرخى ليتوك أصابع يده مبتلعًا غصة وقفت بمنتصف حلقه .. ففعل ييسونغ مثله وابتسم له : هذه مرتك الأولى ؟

رمش عدة مرات قبل أن يحرّك رأسه نافيًا حديث ييسونغ وأكمل : كلّا خضعت مرة لعلاج نفسي لمدة ليست بالهينة

نظر لملف حالته المرضية الموضوع على مكتب ييسونغ  .. كيف لم يعرف أنه خضع لعلاج نفسي من قبل بينما هذا الملف الذي كتبه الطبيب السابق لحالته منحه إياه هنري .. تبسم ييسونغ والتقطت الملف من فوق مكتبه ونهض .. ثم ألقاه في سلة القمامة .. اتسعت عينا ليتوك بينما لم يمهله ييسونغ وسأل سريعًا : كم عمرك ؟

زاغ بصره بتوتر وعاد يضغط على أصابعه مجددًا وهمس : أكملت السادسة والعشرون من بضعة أشهر

ذهب ييسونغ ناحية مكتبه وعيون ليتوك تلتهمه .. التقط شيئًا من فوقه ومده لليتوك الذي نظر فيه بفضول فإذا بها كرة صغيرة أجفل باستغراب فردّ ييسونغ على السؤال الذي يقفز من عينيه بابتسامة : إنها كرة مطاطة تساعدك على نشر الطاقة الإيجابية وتخفف التوتر كلما ضغطت عليها ( ضحك غامزًا له ) عوضًا عن الضغط على أصابعك المسكينة التي تكاد تخنقها تلك ( ابتسم ليتوك قليلاً على مداعبته وبالفعل راح يضغط على الكرة الصغيرة بيده وهو يسخر من نفسه أنه يعامل هكذا كطفل وهو أستاذ في جامعة ) أنا سعيد لأن عمرك في مثل عمري .. أتعلم أنا لا أملك أي أصدقاء أو حتى حبيبة بسبب ظروف عملي الذي أقضي به وقتي كله .. ولأنك من نفس العمر سأستغل هذا وأرغمك على مصادقتي

مدّ يده لليتوك بابتسامة واسعة فصافحه ليتوك بواحدة مثلها قائلاً ببعض الراحة بعدما تخلص من توتره أخيرًا : كنت أتمنى ولكن لديّ صديق ولا يمكنني خيانته مع آخر

ضحك كلاهما بصوت عالى وعاد ييسونغ ليجلس مكانه .. ثم هزّ كتفيه بطفولية : لا يعنيني في شيء لقد أصبحت صديقي وانتهى الأمر ( أشار له على ذلك المقعد الجلدي الذي يشبه السرير نوعًا ما * الشيزلونج * وهتف باهتمام ) أتعلم كم أتمنى أن أتمدد هنا ويسمعني آحدهم ؟! اااه هذا حلمي حقًا ولا أستطيع تحقيقه كم أنا بائس .. فلتجرب أنت وأنا سأجلس هنا وأحقد عليك

تبسم ليتوك ونهض سريعًا ممددًا جسده هناك .. نهض ييسونغ وجلس على المقعد الذي في مواجهته .. كان ليتوك ينظر لأعلى بعيون شاردة للحظات حتى فرت تلك الدمعة هاربة من مقلته فنظر لييسونغ بحرقة هامسًا : أنا أحبها ! ( لم يتفاجأ ييسونغ فقط ابتسم له براحة كي يكمل ) أدركت أني أحبها سريعًا ولم أقاوم هذا الشعور .. هي أيضًا بادلتني إياه بسرعة .. معها فعلت الكثير من الأشياء التي لم أفعلها في طفولتي .. عندما رحلت وقيل لي لقد شفيت يومها بكيت .. الجميع ظنوني أبكي فرحًا ولكني حقًا كنت أودع رحيلها وبعدما عادت الآن ورغم مخاوفي الرهيبة وألمي الذي أشعر به  ( أشار على قلبه ) هنا يرقص فرحًا رغم أنه يتألم !


صمت بعدما تنهد مرة واحدة بعمق كبير وأغمض عينيه .. ابتلع ييسونغ لعابه قائلاً : إذًا أنت لا تريد لها أن ترحل مجددًا ؟

همس : لا أعرف ولهذا أشعر بالضياع .. ( فتح عينيه مجددًا ونظر له ) أيجب أن ترحل للآبد هذه المرة أم تبقى ؟ أنا أبكي وأصرخ لكي ترحل بينما هناك صوت ضعيف بداخلي يهمس لا ترحلِ

هنري الجالس في الخارج على آخد المقاعد يراقب عقارب الساعة التي تعانق معصمه وهو يعدُ معها الثواني والدقائق كمحاولة لكسر الملل والوقت سمع باب الغرفة يُفتح .. لذا وفورًا حوّل نظره ناحيته .. رأي ليتوك وهو يصافح يد ييسونغ بقوة ويبتسمان كأنما هما صديقان منذ قرون .. ابتسم براحة حيث كان يخشى من عدم تأقلم ليتوك معه ولكن يبدو أنه طبيب بارع للغاية رغم صغر سنه كما قيل عنه .. نهض من جلسته وتوجه ناحيتهما ألقى التحية هو الآخر وغادر برفقة ليتوك .. بينما ييسونغ الذي تقعد مكتبه مجددًا أخرج ملفًا فارغًا وكتب في أولى صفحاته (( الوقوع في حب الوهم )) أمسك القلم الأحمر وكتب لجوار تلك الجملة بخط كبير (( خطير !!! ))  !!!!

بينما هنري الذي قاد السيارة وليتوك بجواره على شفتيه بقايا ابتسامة سأل بمرح : إلى أين أيها الأمير ؟؟

ضربه ليتوك في ذراعه فتأوه وهو يضحك .. ضحك ليتوك أيضًا وأشار له : للجامعة أيها السائق البائس

رمشّ هنري عدة مرات بعدما ابتلع غصته بشيء من الصعوبة : أمتأكد ؟

نظر له بحزم وانقلبت ملامحه للجدية : بالطبع

* * *

مطت آمبر جسدها المتشنج وهي ترفع قدمًا واحدة دون الآخرى .. ثم بدأت تميل لليمين وهي تمد ذراعيها في الهواء ثم تعتدل وتميل لليسار بنفس الطريقة حتى تخلصت من تشنجات جسدها كاملاً .. وهيري الواقفة بجانبها تتثائب .. نظرت لها بابتسامة قائلة : وآخيرًا تبقى محاضرة واحدة وينتهي هذا اليوم الشاق

هتفت هيري باستياء : ياااا لقد جعلتنا نحضر كل جدول اليوم هذا فظيع دعينا لا نحضر تلك حتى

عبست آمبر في وجهها وضمت أصابعها كلهم للأسفل عدا السبابة والوسط وجهتهم أمام عيناها : أشك أنكِ هنا للتعلم .. انتهى الأمر سنحضر اليوم كاملاً لا تهرّب هذه السنة

تذمرت هيري وآمبر تسحبها للداخل .. جلستا في مكانهما بينما مررت لها آمبر كراس المحاضرات وابتسمت بخبث لتصرخ بها : ياااا لا تحلمي أن أكتب ذلك الكلام السخيف الذي سيقال

ابتسمت آمبر بخبث : بلى ستفعلين وإياكِ أن تضيعي معلومة مما ستقال دون أن تكتبيها عندها سأقتلك

كادت تعترض لولا أن المكان بكامله الذي كان يعج بالضوضاء هدأ .. ابتلعت لعابها وفمها مفتوح تنظر لأعلى غير مصدقة أنها ورطت .. لو انتظر قليلاً هذا المحاضر الأحمق لهربت .. تمتمت آمبر لها بأن تغلق فمها وتكف عن كونها حمقاء نفذت الآمر وهي ترمقها بعبوس .. ثم اعتدلت تنظر له بملل وتسند وجهها لراحة يدها المستندة عمودية على المنضدة أمامها .. بينما ليتوك الذي دلف للمكان منذ قليل .. ابتلع لعابه واستجمع كل ذرة قوة بداخل جسده بعدما وضع حقيبته وأشياءه على المكتب المخصص له وأمسك القلم ليكتب على السبورة عنوان المحاضرة .. حتى بعدما انتهى منه ظل هكذا للحظات يتذكر ما حدث بينه وبين هنري ...

نظر هنري حيث يشير ليتوك .. رأها فتاة صغيرة الحجم بشعر قصير وبشرة صافية تقف مع ... لحظة ما هذا أهو صبي ؟ نعم يبدو صبيًا .. أعاد نظره لليتوك سائلاً : أمتأكد أنها هي ؟؟

رطبت الدموع جفنيه ولكنه تمالك نفسه وهتف بحزم : متأكد كتأكدي أني أكلمك الآن .. كل ما أعرفه أن اسمها هيري ولكن لا أعرف أهو حقيقي أو ابتدعته أنا

أومأ له هنري وصحبه لغرفة شؤون الطلبة .. طلب هنري مساعدة من القائم بها فآذن له .. ساعده في البحث حتى استخرج ملفها .. صعق واتسعت عيناه عندما قرأ اسمها لي هيري .. أيضًا صُدم ليتوك وأشار على الاسم وإصبعه يرتعش .. أغمض عينيه ودوار قوي عصف بدماغه .. التفت الأرض من حوله وكاد يسقط إلا أنه استند للحائط .. أسنده هنري وفورًا ساعده على الجلوس .. اعتصر جبهته بين أصابعه وملامحه تدبل والدماء خاصمت أطرافه لتحتلها الزرقة .. ربت هنري على كتفه ليهدأ قليلاً متمتمًا : إذًا استنتاج ييسونغ كان صحيحًا ( نظر لليتوك ) تمالك نفسك أرجوك
نظر ليتوك في الفراغ للحظات قبل أن تتيبس ملامحه ويسيطر عليها الانزعاج .. نهض وعيناه يتطاير منهما شرارة غضب رهيبة .. تمتم وهو يسير نحو الخارج : إذًا لي .. هيري .. وجدتكِ

ابتلع هنري لعابه بخوف وأمسك معصمة بقوة يعيق سيره : إلى أين ؟ ( نظر له بغضب يحاول تحرير يده فصرخ هنري ) ليتوك الفتاة لا ذنب لها أرجوك توقف

حرّر معصمه آخيرًا وألقى يد هنري بقوة حتى أنها اصطدمت بجسده .. نظر له بخوف مما يفكر فيه .. فتركه وغادر سريعًا حيث القاعة الموجود بها الآن .. توًا ، التف ينظر للجميع أمامه لا يراهم في الحقيقة بل يبحث بينهم عنها .. حالما وجدها نظر لها بغضب عيناه ونظراته كادتا تحرقانها .. حتى أن آمبر لاحظت نظرت لها بغرابة وعادت تنظر له .. فأبعد نظره عنها وتحدث : مرحبًا بكم جميعًا في سنتكم الجديدة أتمنى أن تجتهدوا ولا تتعبوني معكم .. أدعى ليتوك .. دعونا نتعامل معًا كأصدقاء .. بدايةً لا أحب الضوضاء ، الحديث عندما أتحدث ، محاضرتي ليست مكانًا للنوم ، التذمر ، والقدوم بعدي ولو بثانية .. نفذتم هذه التعليمات سأكون لطيفًا للغاية ولن تشعروا بفارق سنمزح ونتعلم ونفعل كل ما تريدون .. غير هذا يؤسفني القول أننا لن ننسجم سويًا وأنتم مَن ستدفعون الثمن .. والآن لنبدأ

نظر الطلاب لبعضهم منهم الخائف .. وآخر السعيد وآخريات يتهامسن عن وسامته وسحره ، جاذبيته المذهلة وصوته الرهيب حتى وهو يهددهم وكأنه يغني أو يهمس بحب .. وآخرون يتهامسون باستهزاء .. ومن بين كل هؤلاء نظرت له هيري بسخرية متمتمةً : وها هو أحمق آخر انضم لجماعة الحمقى الذين يدرسوننا في هذه الجامعة الغبية

استطاع ليتوك مَن كان يراقب أبسط حركة لها دون أن تلاحظ قراءة حركات شفتيها .. اكفهرت ملامحه ولربما وجد أنها فرصة جيدة لبدء .. ربما الانتقام منها !! .. لذا وفورًا عقد ذراعيه عند صدره وبصوته القوي قال وهو موجه نظره ناحيتها : أنتِ !!

تعالت الهمسات والكل ينظر لنفسه ثم نظروا لعينيه أين تنظر فتوجهت نظراتهم نحو هيري .. التي نظرت له بريبة ونهضت واقفة : أنا ؟

أشار بطول ذراعه على باب الخروج : يبدو أن حديثي لم يعجبكِ فبدأتِ بإظهار آدابكِ المنعدمة لهذا أنتِ خارج المحاضرة

اتسعت عينيها بدهشة كيف سمعها !! نظرت له آمبر بعيون متسعة بذهول لا تصدق إنها هي الجالسة بجوارها وصلها حديثها همسًا فكيف سمعه هو .. خيّم صمتّ مريع على المكان وأنظار الجميع تتناقل بينهما في دهشة .. وإذ يكسر الصمت هذا الصوت : لا أرى سببًا مقنعًا لطردها خارج المحاضرة وتوجيه هذه الإهانة لها .. ماذا فعلت هي ؟



توجهت أنظار الجميع لصاحب الصوت فإذا به جونغكوك يقف وينظر لليتوك بقوة .. ابتسمت آمبر وهي تنظر له بينما هيري نظرت له بعبوس وزفرت .. وقبل أن يتحدث ليتوك تحدثت هي بقوة : بلى فعلت لقد وجهت له السب

نظرت لجونغكوك بغضب وخرجت من مكانها لتغادر كما طُلب منها .. لذلك ابتسم ليتوك باستهزاء وأشار عليه : أنت أيضًا .. للخارج

شدّ جونغكوك على قبضة يده وأسنانه تصطك ببعضها وتلقائيًا حوّل نظره لآمبر التي كانت ترمقه بآسف .. تنهد بقوة وغادر المكان هو الآخر .. هدأ الجميع وكذلك ملامح ليتوك وشعرّ أنه حظى ببعض الراحة والثبات النفسي أنها لم تعد موجودة .. بينما في الخارج وبمجرد رؤية هيري للشمس تحتضن الحديقة كادت ترقص من السعادة كونها غادرت المحاضرة رغم بعض التضايق لهذا الموقف السخيف .. أوقفتها عن السير يد جونغكوك التي عانقت معصمها بقوة : يااا لي هيري لمَ كذبتِ ؟

شهقت برعب والتفت تنظر له .. حالما رأته هدأت ملامحها ثم تحولت من جديد لغضب وحررت معصمها بعنف : لم أكذب هذه الحقيقة أنا فعلت هذا فعلا ثم لا شأن لك بيّ أتفهم ؟

تركته وغادرت بخطى سريعة .. ظل ينظر لها وهي تبتعد حتى اختفت من أمام ناظريه تمامًا .. تنهد باختناق وملامحه عادت بائسة مجددًا .. رفع يديه يتلمس مكان قلبه بخيبة أمل ثم دس أصابعه في شعره يبعثره بغضب

* * *

أسدلت السماء ستارها الأسود ليهيمن على الأرض وكأنه وحش من بقعة الظلام الأكثر رعبًا في العالم يمدّ يده وبقبضته يخنق الضوء ملقيًا به للامكان .. تحت جنح هذا الظلام الرهيب كانت تتقعد الكرسي المجاور للسائق بالتحديد سيونغري الذي يقود للنادي الليلي ليكملا سهرتهما ككل يوم .. توقف وهبط كليهما من السيارة .. طويا الأرض في عدة خطوات حتى ذلك المدخل الضخم الذي يقف أمامه حارسان ببنية رهيبة يرتديان البذلات الرسمية ونظارات سوداء تغطي عيونهم .. ابتسم سيونغري أمامهما أخرج من جيبه علبة صغيرة تشبه تلك التي تحوي أعقاب السجائر قبّلها بطريقة مبتذلة ومنحها لآحدهم وهيري ترمق هذا المشهد الذي يتكرر يوميًا بملل .. لم تستطع هذه المرة البقاء واقفة أكثر لذا ولجت للداخل أولاً .. ركض ليجاري سيرها السريع وهو يبتسم يهز رأسه بسخرية على قلة صبرها هذه الأيام .. ألقت نظرة سريعة كما تفعل كل مرة .. واسع مليء بالأضواء المزعجة للعين وأصوات أغاني صاخبة تدمر الأذن والجهاز العصبي .. صوت كؤوس تتصادم .. وضحكات خليعة تتجول في الأرجاء .. شباب يرقصون تمتلأ بهم حلبة الرقص وفتيات بلا ملابس ربما هذا هو العالم الذي لا يعرفه سوى الأغنياء الفاسدون أو ربما مَن أُجبروا على أن ينغمثوا في هذا الفساد .. أسدلت جفنيها بقوة تضغط قرانيتها شعور مقزز ينتابها كلما قدمت لهنا .. ألف صوت وصوت يصرخ بأنها لا تنتمي لهذا المكان ولن يحدث يومًا وتنخرط فيه لتصبح جزءًا منه .. ليس كوطن يحتضنها كل يوم ليس مثل هذا المكان المريع وطن .. سريعًا أعادت فتح عينيها وحذف هذه الخواطر .. سرّعت خطواتها حيث طاولتها المعتادة .. جلست ونظرها مصوّب لحلبة الرقص .. أجساد تتلاحم بطريقة تدعو للتقيء .. سحبت كمية هواء رهيبة ملأت رئتيها حتى كادت تنفجر .. سعلت بشدة حتى كادت تختنق .. ليس هذا بالهواء الذي يمكن للمرء أن يستنشق كمية كبيرة منه .. مسمم بأدخنة السجائر حتى عبقه الخاص مقرف .. نظرت فورًا لسيونغري الذي تقعد كرسيًا لجانبها .. يحمل بيديه كأسين ضربهما ببعض مصدرًا صوتًا رهيبًا ظل يطن برأسها لمدة قبل أن يهدأ تمامًا عبست في وجهه سحبت الكأس من احتضان أصابعه له بعنف .. وبجنون تفرغه بهذه الطريقة ألقته دفعة واحدة لفمها .. ابتلعته وعيناها تدمعان لشدة مرارته وهو يحرق حلقها .. نهضت فورًا وتقعدت البار .. قدم لها النادل كأسًا آخر ففعلت به ما فعلته بالأول .. لذا وضع أمامها قنينة كاملة هذه المرة .. وقبل أن تدفع بما داخلها لمعدتها جذبها سيونغري من يدها ووضع القليل في كأسه والكأس الفارغ أمامها

عقدت ما بين حاجبيها وشبح ابتسامة ساخرة يغطي وجهها .. أمسكت بالكأس قربته لوجنتها تجتس حرارته .. أمسكت ببضع قطع الثلج من الموضوعة أمامها في هذا الإناء العميق وألقتهم في الكأس ودفعة واحدة شربته .. انتزعت القنينة من بين يديه وهو ينظر لها بذهول لهذا صرخ بتعجب والدهشة تكتسي ملامحه : ياااا توقفِ عن الشرب بهذه الطريقة المجنونة

لم تعره اهتمامًا وأكملت نهمها فقط ما أوقفها هو أخذه للقنينة مجددًا نظرت له بحدة تنفست بعمق وملامحها متقززة ثم قالت : اليوم أنا طردت من المحاضرة

ظلّ ينظر لها لفترة طويلة بدون أي ردات فعل أو ملامح محددة على وجهه .. نظف حنجرته آخيرًا بعد فترة ثم راح يضحك بحنون : يا إلهي هذا هو ما عكر مزاجكِ ؟ ياااا لقد كنت سأرقص فرحًا لو كنت بمكانكِ

عبست في وجهه بسخرية .. شبكت أصابعها ببعضهم تمط جسدها للخلف مكملة : لا .. المحاضر الذي طردني هو نفسه ذلك الشاب المجنون من ليلة أمس أيضًا آمبر تعرفت عليه .. أعتقد أنه يضمر شيئًا ليّ لا أعرفه ولكن على العكس معه يبدو وكأنه يعرفني

عقد حاجبيه مستفهمًا : أي شابٍ مجنون تتحدثين عنه لا أفهم

أجفلت تنظر له تذكرت أنها لم تحكي له ما حدث يومها لذا زفرت بتضايق ليست على استعداد لإفساد مزاجها أكثر بالحديث عن الأمر .. أشارت له بيدها بلا اهتمام وكأنها تقول له لا عليك .. تفهم حركتها لذا فضّل الصمت .. أخرج من جيبه ورقة بيضاء مطوية وضعها على البار ومررها بأصابعه حتى باتت موجهة لها تمامًا .. نظرت لها بعيون لامعة وقلب يخفق بضيق رهيب أما عقلها فكان يقفز بداخلها متلهفًا .. وكما مصارعة كل مرة تشتتت بين الرفض والقبول وفي النهاية قبضت عليها ونهضت .. اعتصر معصمها سائلاً : إلى أين ؟


حرّرت يدها وبملامح مريعة وعيون غائرة وكأنها محبوسة لسنوات في كهف مظلم منفي في بقعة من العالم الآخر نظرت لعينيه لفترة واكتفت بتلك النظرات تاركةً إياه خلفها يحاول إنزال الغصة عن منتصف حلقه وتحرّكت بين الجموع وجهتها دورة المياه .. توقفت أمام المرآة الكبيرة التي تغطي مساحة من الحائط لا بأس بها .. استندت على حوض المياه الضخم المثبت أسفلها .. نظرت لنفسها بعمق لانعكاسها المرعب لملامحها الضائعة لعينيها التي تبكيان رحيل طفولة مؤلم .. لكل لمحة حزن أضافت لعمرها آخر حتى أصبحت وكأنها عجوز شمطاء .. بؤس رهيب ومؤلم يعتصر قلبها من الداخل وهي تتلهف على النظر تلتهم ملامحها تتأمل أي جثة متحركة أصبحت .. خُيل لها أنها ترى شبح ترهلت بشرته وعيناه مقتلعتان تنزفان الدماء .. اتسعت عيناها وقلبها آخذ يرتج بقوة رهيبة بين جنباتها الداخلية .. وضعت يديها على فمها تكتم صراخًا رهيبًا كاد يتفلت منها .. تبتعد بخطوات للخلف ولازلت تحدق في المرآة .. يستحيل أن تكون هي صاحبة هذا الانعكاس .. دست أصابع يد واحدة بجيبها والآخرى لا تزال مثبتة على فمها أخرجت الورقة التي منحها لها سيونغري ودموعها تنسكب بسرعة رهيبة تنهال كالسيل متساقطة على الأرض مصدرةً ضجيج رهيب كاد يصم أذنيها .. لم تنتظر حتى لثانية واحدة أو لتفتش عن محقنة برفقته .. فتحت الورقة وتقعدت الأرض ولاتزال في حالتها تلك .. قرّبتها لأنفها قليلاً لا تصدق أي حالة بائسة وصلت لها .. أغمضت عينيها بقوة رهيبة وهي تنتحب وراحت تسحب تلك المادة البيضاء كالدقيق لداخل رئتيها برفقة الهواء .. تتأوه وتبكي كلما استنشقت كمية أكبر حتى انتهت كلها .. زادت من ضغط جفونها على قرانيتها وتَشنُج جسدها الرهيب جعلها تهتز وهي تشعر بالمادة تتغلغل بدماغها وشتى خلاياها تلفها وتخدرها .. تعيد على فصي دماغها كل أليم ثم تقوم بحذفه بسرعة مريبة .. حتى شعرت لوهلة أنها خالية بدماغ فارغ وأذنان لا تسمعان إلا طنين مزعج مهول بدأ ينخفض تدريجيًا حتى تلاشى تمامًا .. وكصعقة كهربائية وجهت لها أرجعتها للحياة ارتجف جسدها مهتزًا ومنتفضًا .. اندفعت للأمام وعيناها مشدوهتان .. زفرت نفسًا رهيبًا قبل أن تهدأ كل انفعالاتها السابقة وتظل مجمدة لفترة فقط هكذا .. رمشت مرة تتلوها آخرى مدت لسانها بللت شفتيها ورفعت ذراعها تمسح بقايا المادة عن أنفها بكمها .. وأخيرًا اعتدلت واقفة .. نظرت للمرآة مرة أخرى فرأت نفسها هذه المرة كما هي الفارق الذي جعلها لم تتعرف على نفسها كاملة هو ذلك السواد الرهيب أسفل عينيها والذبول المريع بهما .. ابتسامة جانبية ساخرة احتلت وجهها قبل أن تبتلع لعابها وتتحرّك قليلاً نحو الإدارك الذي فقدته طوال الفترة الفائتة .. وفد بعض الشبان والشابات للحمام .. فتنحنحت بخفة وتركت المرآة واختيارها وقع على باب دورة مياه صغيرة من المتراصين لجوار بعضهم .. فتحته قليلاً ليصدر صوت أنين غريب وخط الرؤية الضيق مكنها من رؤية هذا المشهد المرعب بالنسبة لها ومقرف للغاية بالنسبة لأي أحد آخر .. فتاة التصق جسدها بالحائط وفتى يحجزها بين جسده وما خلفها .. ملابسها كلها مفتوحة وهو يلتهم جسدها بنظراته الشرهة ويديه تتحركان على شتى بقاعه وهو يلتهم وجهها وعنقها بالقبلات بطريقة قذرة وهي فقط كل ما تفعله إصدار التأوهات وتتمسك بملابسه .. شغرّ فاه هيري للحظات وعيناها تكادان تقفزان من محجريهما .. عضت على شفتها وجسدها يرتجف وقبضتها تشد عليها بقوة ولم تشعر بأظافرها التي اخترقت لحمها .. كل ما شعرت به وقتها هو صفعة الذكريات المؤلمة لها في هذا الوقت .. بقوة رهيبة أعادت إغلاق الباب وهي تضغط على عينيها تحاول محي هذا المشهد المرعب الذي ارتعدت له فرائصها كاملةً .. تنفسها تعثر في دخول وخروج مريب .. كالتي تبحث عن أوكسجين ولا تجده وضعت يدها على عنقها وهي تسعل .. قدماها التفت ببعضهما وهي مستمرة في السعال حتى تعثرت وهي تركض وسقطت أرضًا لا تزال ترتجف .. زحف السواد على كل شيء يحيط بها حتى شعرت بأنه يزحف على جسدها أيضًا .. انتحبت بقوة مهيبة انفجرت باكية كطفلة مرتاعة .. وكل عضلة بها ترتجف لا تستطيع إيقاف ارتجافتها .. وضعت يديها على أذنيها الاثنتين وهي تحرك رأسها بقوة تود حذف هذه المشاهد التي 
بدأت تتراقص بداخلها مجددًا .. صرخت ولكنها فقط من تسمع صراخها ..




وقفت كشبح شفاف لا يُرى عند هذا الباب .. إنها تعرفه يبدو مألوفًا .. اه نعم 
إنه باب غرفة والديها .. رأت نفسها الطفلة ذات الأعوام السبعة ترتدي منامة رقيقة وتجر بيدها دمية قماشية شعرها مشعث ومبعثر ودموعها تتساقط من عينيها وترتعش كونها توًا خرجت من كابوس أخافها .. فتحت الباب بضعف فتحة صغيرة كذلك الشق الذي قامت به هي نفسها منذ قليل .. لترى هذا المشهد المريع .. تلك المرأة بالطبع تعرفها إنها والدتها .. ولكن ذلك الرجل من هو ؟ كل ما تعرفه أنه فقط ليس والدها .. مشهد غريب لم تره من قبل ولم تستطع تفسيره هي فقط شعرت كطفلة بريئة بالاشمئزاز .. والدتها تتجرد من ثيابها بيد ذلك الرجل الذي يقف هكذا بلا قميص على شفتيهما ابتسامة مقرفة .. وهي تنظر له باستمتاع غريب .. حملها علي ذراعيه انزلها على السرير واعتلاها وبدأت أشياء غريبة تحدث .. خافت سرت قشعريرة رهيبة بجسدها أخذت تبكي وتصرخ وهي تشعر بطعم القيء في حلقها ولا تفهم لمَ تود التقيء .. رأت انتفاضة جسد والدتها والرجل معها وبعدها فجأة وضعت يد على عينيها وسحبتها للخلف قليلاً .. توقف قلبها عن النبض لحظات قبل أن تسمع هذا الهمس الذي شعرت وكأنها سمعته سابقًا .. انتفضت من بين يديه التفت تنظر له بعينيها الطفولية الباكية .. أيضًا آخيرًا تحرّكت هيري الشبح التي ترى كل هذا أمامها لتتعرف لهذا الجسد الذي يمنحها ظهره لا تذكر أنه في هذا اليوم غطى آحدهم عينيها .. حالما أصبحت أمامه تمامًا شهقت فزعت ووضعت يديها على فمها بنفس اللحظة التي نظرت هيري الشبح البالغ له نظرت هيري الصغيرة من الماضي أيضًا ولكنها لم تتعرف عليه .. رفع نظره عنها ونهض واقفاً بابتسامة قاتلة ونظر في عيني هيري الشبح مَن تجمدت برعب أنه يراها بل وتكلم أيضًا بصوتٍ كالنغم " لا تخافِ سأعتني أنا بهذا الأمر " فجأة بدأ جسده يتلاشى يتمزق لمكعبات صغيرة تتناثر وتتلاشى كأنها لم توجد من قبل .. من الأسفل حتى الأعلى وقبل أن يتلاشى وجهه مدّت يدها بخوف صارخة " ليتوك لا تذهب " اختفى سريعًا وبدأت الرؤية تبهت حتى انعدمت تمامًا ووقعت هيري الشبح أرضًا مغشي عليها !!

انتفض جسدها بقوة رهيبة للأمام وقبل أن تصطدم بزجاج السيارة الأمامي وضع سيونغري يده على جبهتها وأوقف رجوع جسدها العنيف .. نظرت له بفزع وعينيها متسعة بجنون تنفسها صار مسموعًا لها شخصيًا .. همست بحشرجة رهيبة : ماذا حدث ؟

تنفس سيونغري الصعداء ودفع جسدها برفق لترتخي على الكرسي واعتدل في جلسته شغل المحرك عائدًا بها حيث قصرها .. لثوان صمت قبل أن يجيب : فقدتِ وعيك في دورة المياه وأنا حملتكِ للسيارة بعد أن أخبرني النادل بما حدث لكِ .. آخيرًا استعدتِ وعيك

أومأت له بعيون باهتة وقلب لازال يخفق بقوة .. شعرت به يؤلمها حتى الآن وصداع رهيب يأكل في كل خلاياها .. ظلّت صامتة هكذا فقط وهو طوال الطريق لم يتحدث حتى وصلت للقصر وبدون أي كلمة ترجلت عن السيارة وسارت تترنح حتى دلفت من الباب الحديدي الضخم قطعت الحديقة وهي لاتزال تترنح يمينًا ويسارًا كالثملة أو هي كذلك بالفعل .. كادت تسقط عدة مرات ولكنها في النهاية وصلت للباب الداخلي الضخم هو الآخر .. وضعت يدها في جيبها تفتش عن المفتاح حتى وجدته آخيرًا وبصعوبة استطاعت فتح الباب والولوج .. لتجد أنوار القصر بالكامل مضاءة .. قلّبت شفتها مستغربة ولكنها على أية حال ألقت بحمالة مفاتيحها على أقرب طاولة قابلتها ولاتزال تترنح تحاول تحديد مكان السلم المؤدي لغرفتها فالرؤية لاتزال مشوشة وضبابية بشكل رهيب .. عندما وجدته آخيرًا ابتسمت ببلاهة وهي تشير عليه بإصبعها متمتمةً بأنها آخيرًا وجدته .. وقبل أن تصعد درجًا واحدًا سمعت صوتًا قوي اخترق أذنها جعلها تستقيم فزعة وتلتف بكامل جسدها للخلف .. لتجدها المربية السيدة باي أوك تقف خلفها تعقد ذراعيها عند صدرها وكل ملامحها تشتعل بالغضب ويتقافز من عينيها صرخت بها مجددًا : هل تسمعين قلت لكِ كم الساعة الآن ؟

ابتسمت بسخرية قلّبت شفتها وأمالت رأسها وعادت تهتز كالسكارى من جديد : كل هذا الصراخ لتعرفِ الساعة ؟

رفعت السيدة أوك يدها لتظهر تلك الساعة التي تحيط معصمها وتكلمت بغيظ : إنها الخامسة فجرًا !! منذ الصباح حتى الخامسة فجرًا وأنتِ بالخارج لا أعرف عنكِ شيئًا لا تجيبين على اتصالاتي لستِ عند آمبر .. لستِ بأي مكان ذهبت له كالمجنونة أبحث عنكِ فيه .. لماذا تفعلين بي هذا هل تريدين قتلي ؟ وفي النهاية كنتِ في نادي ليلي تشربين السم وتغذين به أعماقكِ .. ثملة ! تترنحين لماذا بالله !!!




ضحكت بصوت مرتفع ولشدة ضحكها سقطت على آحد الدرجات تقعدتها وهي هكذا حتى هدأت : لا تقولِ أنكِ قلقتِ عليّ

اهتزت قبضة السيدة أوك ودموعها تتقافز من عينيها أنفاسها تلتقطها بصعوبة رهيبة : أقسم لكِ لن أدعكِ تقتلين نفسك ! ( ذهبت ناحيتها بخطى كاللهب تشتعل لتحرق ما خلفها .. قبضت على شعرها بين أصابعها كالمجنونة وسحبتها بقوة تأوهت صرخت بتألم وهي تمسك يدها تحاول تحرير نفسها ولكن لا فائدة فالسيدة أوك جذبتها بعنف حتى دورة المياه فتحت المياه الباردة ودست رأسها تحتها وهي تصرخ وتحاول التملص من يدها جسدها يرتعش وتفتح وتغلق عينيها بصعوبة لا تعرف كيف تتنفس وفقط أوك تبكي وتصرخ بها ) استفيقي عودي لرشدكِ .. هيّااااا أفيقي دعكِ من هذه الثمالة التي أغرقتِ نفسكِ بها .. عودي للواقع .. استردي حقوقك بطريقة مشروعة .. انتقمي بطريقة صحيحة من العالم بأثره وأولهم أنا أنتِ هكذا تنتقمين من نفسكِ فحسب .. أفيقــــي !

تملصت من بين يديها بصعوبة وهي تشهق تحاول استجماع كل ذرة أوكسجين في المكان وعادت تسعل والدموع تتدفق على وجهها تختلط بقطرات المياه .. صرخت وهي ترتعش : لماذا تريدين مني أن أستفيق ؟ على ماذا ؟ ما هو الواقع المذهل الذي ينبغي عليّ أن أكون بكامل قوتي العقلية لأتعايش معه ؟ ( أخذت تضرب عند قلبها بجنونية ) هنا فقط يتألم ! هذا يؤلمني بسبب هذا الواقع المريع .. أراه مرعبًا للغاية فقط أود الهرب .. أود النسيان .. لا يمكنني إيجاد السعادة أو الآمان في هذا الواقع لهذا .. ( تلاشت أنفاسها فوقفت تهتز وتحاول التنفس فيرتفع صدرها ويعود يهبط بقوة وحروفها تتمزق من بعضها عيناها ترتفعان لأعلى وكأنها ستفقد الوعي ) لهذا .. أنا .. أهرب للسعادة .. المزيفة .. للآمان .. الغير حقيقي .. فقط لبعض الوقت !

وضعت يدها على جبهتها تحاول استجماع رباطة جأشها أنزلتها للجزء الأيمن من وجهها أخفت تحتها عينيها وجزء من فمها .. تضغط عليهم بقوة علّ الصداع يهدأ قليلاً .. استجمعت كل ذرة قوة بداخلها تحاملت على نفسها وجرّت قدميها للخروج من دورة المياه والمربية تقف متجمدة من هول ما قيل وما رأت .. أمسكت بمعصمها وهي تغادر فحررته بقسوة وسرّعت ركضها .. صعدت السلم درجة بعدها الآخرى .. اصطدمت بجسد فنزلت درجة غصبًا رفعت رأسها لتجدها والدتها أو إن صح القول فقط السيدة لي يونغ التي أحضرتها للحياة .. رمشت عدة مرات وأنزلت يدها لتهتز بجوارها فترة حتى استقرت .. لم تتحرك متجمدة مشدوهة فقط تنظر أما لي يونغ مَن تعقد ذراعيها عند صدرها بملامحها المتجمدة القوية كما العادة عيناها تنضحان بالكره والشر تحدثت بهدوء مستفز : تعودين الساعة الخامسة فجرًا وفوق هذا تصنعين كل هذه الضوضاء .. لقد تماديتِ حقًا ! ( حرّرت يدها وراحت تغرز إصبعها في كتف هيري مرة بعد آخرى ) هذا المنزل ليس فندقًا تأتين وتغادرين متى تشاءين عليكِ احترام المواعيد وإلا جدي مكانًا حقير بقدركِ عيشي به!!

صكت أسنانها وهي ترمقها بغضب رهيب وكراهية تشتعل كالبركان .. الحمم انتقام يدجج أعماقها يحثها على خنق عنقها وإرسالها لحثالة  القبور .. رفعت ذراعها وقبضت على معصمها تعتصره في قبضتها وهي تخرج الحروف بثقل من تحت اصطكاك أسنانها المرعب : إن كنتِ أنتِ تتحدثين عن الحقارة فهذا بالفعل أكبر دليل على أن موازين الأرض قد اختلت .. فأنا بحياتي لم أرى من هي أكثر منكِ حقارة يا عديمة الشرف!!! أيتها الخائنة القذرة ( ألقت يدها بقوة رهيبة ) لا تلمسي جسدي بيديكِ القذرة تلك .. أشعر بالاشمئزاز من مجرد النظر لكِ .. أنتِ مقرفة ويومًا ما سأطهر كل ما كان يومًا لأبي وبات لكِ وألقي بكِ إلى أقذر مكان في هذا العالم ولكنكِ ستكونين أقذر منه حتى !!!!



اتسعت عين السيدة أوك مَن ركضت فور سماعها صوت لي يونغ لتقف مذهولة مما قالته هيري بحياتها لم تتجرأ على قول كلام كهذا .. لي يونغ التي شُلت بمكانها للحظات آخيرًا تحركت وصفعت هيري بقوة رهيبة جعلتها تفقد توازنها وتسقط عن السلم على ذراعها تأوهت بتألم .. فنزلت درجات السلم بسرعة وجذبتها من شعرها وهي تتمتم بالشتائم المريعة سحبتها بقسوة لغرفة المكتب الخاصة بوالدها الراحل لكي تقوم بحبسها هناك .. دفعتها بعنف على المكتب لتصطدم به بقوة جعلتها تصرخ مجددًا من الألم وقبل أن تلتف لتغادر .. تحركت هيري بسرعة رهيبة وهي تمسك بذراعها والدماء تشخب من منبت شعيراتها لتتساقط على عينها .. فتحت درج المكتب واستخرجت منه المسدس الخاص بوالدها .. وجهته نحو لي يونغ صارخة : الآن موعد حتفكِ إنها النهاية لي يونغ رغم أنني تمنيت أن أذيقكِ واحدة أبشع !

ظلت هكذا للحظات قبل أن تلتف تنظر لها برعب مشدوهة العين تكاد تقفز من مقلتيها صدرها يعلو ويهبط بجنون وكل شيء صمت عدا خفقات قلبها المضطربة بجنونية .. 



هيري الواقفة ترتعش حالتها مزرية يدها تهتز قامت بتعمير المسدس وإصبعها على الزناد .. النهاية على وشك الحدوث الدمار آتٍ يزحف كجيش جرار مشمر لمعركة مهولة نهايتها أم مقتولة بيد ابنتها المدمنة المجنونة التي ستلقى في السجن بلا رحمة وهذا كل ما ستكتبه عنها الصحف .. لأجل كل هذا صرخت باي أوك باكية .. ألقت بنفسها أرضًا تحت قدمي هيري تحتضنها وتبكي تشهق تصرخ وتستنجد .. لا تعرف كيف توقف ارتعاد عضلاتها بهكذا طريقة مهولة .. أخفضت جسدها كاملاً وراحت تقبل قدمها بذل وهي تصرخ حتى تجرحت حنجرتها بأن تتوقف فهي فقط من ستتدمر .. وبين جنون انتقام يلوح أمام هيري وحرقة قلبها وسنينها الضائعة ماضيها المؤلم وطفولتها المعذبة مقتل والدها المريع مصرعة بين أحضانها هي الطفلة .. محاولة التحرش بها .. أيامها في الإصلاحية .. إدمانها للهروين .. وبين جنون صرخات باي أوك وتوسلاتها وتجمد لي يونغ تختنق لا تصدق أي نهاية شنيعة ستكون نهايتها ..

 نقول لكم أعزائي









هناك 5 تعليقات:

  1. مش عارفة من وين ابدأ الصراحة .. فكرت كتير قبل لا أعلقلك ومش لاقية الكلام المناسب أو حتى مو عارفة اجمع مشاعري واحطهم بتعليق .. التعليق لانو رح يكون قصة أو بالأحرى قصتين مع بعض... لو كانت هاي القصة أول قراءة لقلمك كنت اقتصرت الكلام على حثك على المتابعة بالكتابة لحتى اكمل مشوار التعرف على كتاباتك بس هاي مو أول رواية بقرأها لالك وعنديي يقين إنك قبل على حافة جهنم كنتي شيء ومن حافة جهنم وبعدها أصبحتي شيء ثاني.. النقد إما للفكرة أو نقد أدبي والثاني أنا مش ضليعة في كتير وما بقدر إلا أقول انو مستواكي الأدبي جدا رائع بالنسبة لعمرك وبالنسبة لكثير من كاتبات الفانفيكشن .. مخزون لغوي جدا ممتاز وقدرة على التعبير والوصف كمان رائعين كتتير كتييير (Y) نيجي للفكرة والاحداث!!!

    كنت بدي اعلقلك على أول بارت بس قلت استنى شوي واشوف أو اتوضح ولو شيء بسيط من طريقة سير القصة وكيف نوور بتفكر !! طبعا مستحيل أعرف كيف بتفكري لانو بهرتيني ب على حافة جهنم وبهرتيني هون نفس الشيء احداث خاطفة للأنفاس و فريدة تقريبا من نوعها في عالم الفانفيكشين .. ما بقدر انقد الفكرةة لانو مع الزمن عرفت انو غلططط كببييير نحط للكاتب قيووود ونحجم فيه وبكتابتوو بما يناسب الشيء المعروف عنا .. وبقلك هاد الكلام لانو فعلا رؤيتك الحقيقية والواقعية للعالم غريبة جدا ومش مألوفة .. يمكن تحكي شو بتخبص هاي وشو دخل الرواية بالحقيقة أو منك إنتي.. وفعلا انا مو متأكدة من الكلام الي بحكيه لانو يمكن انتي بذكاءك وشطارتك اعطيتينا تصور بالرواية بعيد كلياً عن ذاتك .. يعني متل الي خرج من بيئتو، واقعه والحدود الي حاططها الو بالحقيقة ليحلق فعلا بعالم من الخيال الخالص. بحكيلك هيك لانو كل رواية على حافة جهنم كانت بكفة وأخر أكم كلمة كتبتيهم لختام الرواية كانت بكفة ثانية!! يعني بالنسبة الي بكلامك الأخير حسيتك متل الي اجيتي ومسحتي كل الرواية من عقلي وكأنها ما كانت.. صحيح انا متذكرة الأحداث ومستحيل انساها بس قصدي ع الرسالة الي كنتي بتوجهيها للقراء منها وكيف بالأخير اجيتي بكل بساطة أو بكل تعقيد كتبتي خاتمتك الي وقتها حسيتها وجهة نظرك الشخصية ما بعرف ليه ويمكن هو لأ. وهاد السبب الي خلاني اتردد بكتابة التعليق لاني خفت وما عرفت شو أعلق لحتى أكون على بينة ... البارت الأول كان خطير ومثير وسوداوي وغامض والبارت الثاني كان خليط من أشياء كثير بس...... يمكن تجربة خاتمة على حافة جهنم رجعت تنعاد هون يعني جزء من القصة بيخليني أحس إنها أجمل ما قرأت في عالم الفانفيكشن بلا منازع وجزء بيستفزني وبيخليني احكي مش رح اكمل قراءتها للأخر... هاد طبعا لا يعني انو القصة سيئةة ولا قصة على حافة جهنم كمان سيئة بس بقلك بصدق شو الي بحس فيه وانا بقرأ وبالأخير توصلت لفكرة انو ممكن انتي بتمري بمرحلة المراهقة الكتابية متل الي بيكتب وكل ساعة بيكون توجهو شكل ويمكن هاي المرحلة تكون بداية نضج لأجمل قلم عرفو عالم الفان فيكشين .. احتمال كبير انو كل ما تكتبي ينضج قلمك أكثر وأكثر وبالمقابل أفكارك ومبادءك الشخصية تبلش ترسى على بر ثابت.
    في جزئية بالقصة تاعت فتور الكاتب جدااا واقعية وانا عارفة انها عن تجربة شخصية الك وكمان حضرتي مريت بذات التجربة المقرفة فحبيت كتير انوه اني جدااااا أعجبت بالمقطع.

    يمكن فهمتيني ويمكن لأ بس الي بحب أقولو انو بتمنى جداااا تقدري تطلعي من مود الاكتئاب والتشاؤم على المستوى الشخصي وتقدري كمان تشوفي البطولة والتضحية في سبيل الحق شيء يفتخر فيه مش سبب لانو الانسان يفقد الأمل بعد ما خسر بسبيل التضحية والحق اشياء كثير كانت تخصه وغالية عليه.

    فايتنع وبانتظار البارت الي بعدووو .. بس لا تتأخري لانو هاد البارت ضليت ادخل يوم الثلاثاء وتكركبت لما ما نزل :) وبنفس الوقت خدي راحتك بالكتابة وانشري وقت ما بدك ... هاد الكلام متناقض لانو مجموع بين احساس كاتبة ومتابعة متشوقة. ♥ ♥ ♥ فايتنغ

    ردحذف
    الردود
    1. اوني بجد لو تعرفي وحشتيني اد ايه :") واني بجد ومن غير مبالغة مجرد اني اقرا اسمك بحس بالبهجة والسعادة .. وبجد والله مش ببالغ انتي مثلي الاعلى وعلمتيني حاجات ف حياتي الشخصية من قصصك بشكل خاص بارام وحديقة العميد !! لو اقولك ان مرت عليا مرحلة ف حياتي كانت هتبقا اسود ايامي لولا ان القصتين دول غيرو ف مبادئي الشخصية وخلوني اقدر اتأقلم مع الفترة دي وبجد بجد وانا بصلي دعتلك من كل قلبي لانك من غير ما تحسي كنتي سندي ف المرحلة دي ! انا فعلا بحبك وفخورة بكل حرف كتبتيه ومش عايزة حاجة من الدنيا تاني بعد كلامك اصلا الي خلاني في قمة سعادتي ان مثلي الاعلى بيقرالي وبيمدح فيا كمان وبجد انتي الي علمتيني اني لازم اسمح لخيالي يتعدى كل الحدود واني اكتب باحساسي وبقلبي وعلمتيني حاجات كتير يمكن انتي نفسك تستغربي بس بعد ربنا اني اتحسنت كدا دة بفضلك من غير ما تعرفي!!! وبقول وهفضل اقول انتي مثلي الاعلى واكتر شخصية بحترمها وبحبها وف يوم من الايام صدقيني هبعتلك بارام على هيئة كتاب تعبيرا مني عن اد ايه الرواية دي اثرت فيا وغيرت تفكيري وساعدتني ف حياتي دة بعيدا عن انها الرواية الي خلتني اعيط واشهق واكتئبت اما خلصت خلصت وقعدت فترة طويلة بحاول اقتنع انها خلصت عشان اتخطاها ولحد الان معرفتش اتخطاها :") ومش قادرة انساها وحفظتها عالويب بتاع الفون عندي عشان اقراها دايما وانا مسافرة ومفيش نت مش عارفة عايزة افضل اتكلم واقولك كل حرف عجبني فيها بس هصدعك :v لكن ف يوم من الايام اما نتقابل :3 هخليكي توقعيلي عليها وهقعد احكيلك كل مشاعري والي حسيته بسببها *-*
      وف النهاية من قلبي هبذل كل جهدي عشان اكون اد اعجابك بيا ^_^ :*

      حذف
  2. حبيبتي نووور وانا كمان اشتقتلك 😍😍 واشتقت اقرألك شي بعد حافة جهنم الي جد كانت روعةةةة وخليط مثير من كل شيء وكمان جدااا ممتنة لالك لانو معتبريتني قدوةة وهو فعليا بهاد العالم احنا بنتعلم من بعض كل حد عندو شيء مميز مش موجود عند التاني.
    وانتي من الاشخاص الي عندهم شيء مميز وكبير مش متخيلة قديش بنبهر لما اقرألك وبغبطك كتير .. مش بيقولو افضل حواب على سؤال .. ايش اجمل رواية قرأتها؟! ( هي التي لم اكتبها بعد ) هو انا كتير بيكون في اشياء كاتبيتها وبقول يا ريت لو كتبت انا ذات الشي .. اسلوبك بخلق الصور الفنيةةة والتشبيهات ابداع ♡ فخورة كتير وبحمد ربنا انو كانت بيوم حروفي بلسم الك وما بتعرفي قديه كنت حاسة فيكي وبقول هاي البنت بتشبهني .. بمرض الاكتئاب الحاد الي بيجي فجأة ㅠㅠ .. الله يشفينا ويعافينا ويبعد عنا كل سوء ودايما تبهرينا بأفكارك.

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. للأسف لسه شايفة حد سارق فكرة روايتك وشغال عليها في مدونة تانية

    ردحذف