الاسـتـحـواذ
البارت الأول
مكانٌ مظلم على قمة جبلٍ قديم، تزينه الأضواء القاتمة، وعباءات سوداء تخفي
ملامح مرتديها.
أنفاسٌ مريبة تتردد في الجوار، وصوت غرابٍ زاد الأجواء رعبًا وظلمة.
بماذا ستشعر عندما تجد نفسك محتجزًا في مكان لا تسكنه سوى الوحوش ؟
مهما حاولت الفرار، وتخليص نفسك، والنجاة .. سيزداد الأمر سوءً، ستصل في
النهاية إلى مرحلة تطلب فيها الموت رحمةً على حالك.
لا تظن أن الأمر بتلك السخافة، ولا تسخر كثيرًا .. فمن ذهب ضحية من قبلك،
كان يجلس هكذا مثلك الآن تمامًا، يستمع إلى الكلام غير مصدق، ومستهزء به، ضحك
تمامًا كضحتك الآن، لعب بشعره، وبيديه، وكذلك الأمر بوجهه، كان الأمرُ بالنبسة
إليه مجرد أسطورة سمعها لدقائق وأنتهت عندما رأى نقطة في نهاية الكلام.
ولكن صدقني الأمر مختلف، فمهما قرأت من اساطير وسمعت، سيبقى الأمر هنا
مختلف، عليك أن تنتبه .. فليس كل ما تقرأه مجرد أسطورة.
أغلق سوهو الكتاب، وضعه على الطاولة ثم وضع يده في جيبه ونظر إلى الطلاب
مبتسمًا "ما رأيكم بما قرأته لكم منذ لحظات؟"
لم يجبه أحد وأكتفى الجميع بالصمت، بعضهم أبتسم بسخرية والبعض الآخر كان
ينظر إلى الأستاذ منتظرًا رأيه هو.
أقترب سوهو قليلًا إلى الأمام، وقف أمام مقعدها وضرب بيده على الطاولة
أمامها بخفة، رفعت رأسها لتقابله فسألها مباشرة "وأنتِ بيبا، ما رأيك؟"
أبتسمت بسخرية قبل أن تجيب بنبرة غير مبالية "أساطير؟ ما هذه الكلمة؟
أهي شيء يجب أن نأخذه بعين الاعتبار؟ هي ليست سوى كلمة .. لن تغير الأمر كثيرًا
على أية حال"
ضم سوهو يديه إلى صدره "أتعرفين حتى ما المقصود بهذه الكلمة؟"
لم تجب وأكتفت بالايماءة، نظر من حوله وكرر السؤال بصيغة أخرى "من
منكم يعرف المعنى الصحيح للأسطورة؟"
لم يجبه أحد مجددًا، أنتظر قليلًا وأعاد السؤال مرة أخرى ولكن لم يجبه أحد،
يبدو الأمر غريبًا بعض الشيء، ولكنه أبتسم بخفة قبل أن يعلن بنبرة حزينة "كنت
أتمنى أن يجبني ولو واحد منكم على سؤال من اسئلتي طوال الأشهر التي جمعتنا
معًا" عاد أدراجه وأركى يده على حافة الطاولة العالية التي وضع عليها الكتاب
من قبل، تجول بنظره بين الطلاب لبرهة ثم بدأ بنبرة جادة "دعوني اسألكم في
البادية، من هو دراكولا؟"
أجاب بعضهم بأصوات متداخلة "مصاص دماء"
أرخى سوهو يديه، ثم ثنى ذراعي قميصه وهو يردد "أتصدقون إن قلت لكم أنه
شخصية حقيقية؟"
ضحك الجميع، وتعالت الأصوات الساخرة، في حين أسكتهم سوهو ليكمل
"دراكولا، أو ما يعرف باسم فلاد تيبيس، أمير رومانيا" بدأ سوهو بالمشي
بخطوات بطيئة مكملًا "كان من أكثر الأمراء طغيًا وشراسة، يراه المواطنون على
أنه رمز للرعب والإخافة، كان يعاقب من يقترف أتفه الأخطاء وأصغرها بأشد العقوبات
وأقهرها، كان يقتل بلا رحمة، يحرق البشر ويسلخ جلودهم، يدفنهم أحياء، ويتلذذ
بتعذبيهم، أطلق عليه العديد من الألقاب تماشت وفقًا لتصرفاته وأفعاله الشيطانية،
تمامًا كأسمه .. دراكولا، وهو أبن الشيطان، توارثت قصصه الأجيال وتفنن الناس بسردها،
منهم من زاد عليها أقاويل، ومنهم من كان يرعب الناس بعودة دراكولا إلى الحياة حتى
بعد مماته، هكذا حتى وصلت إلينا في النهاية على أنه الأسطورة دراكولا مصاص دماء
البشر"
توقف سوهو عن الكلام، نظف حنجرته وهو ينظر إلى الطلاب المستمعين له، سألهم
مجددًا "والآن، من منكم عرف المقصود بالأسطورة؟"
تابع حديثه بعد لحظات من الصمت لم يجبه بها التلاميذ " الأسطورة ناشئة عن قصص خيالية وغير منطقية توارثها الشعوب واتفقوا على
حقيقة وجودها، تمثل معتقداتهم، وواقعهم الثقافي، ويتناقلها الأجيال لما فيها من
معاني فلسفية، يظنون أن منها تؤخذ العبر، وهي الأنسب للعديد من المواقف في حياتهم
اليومية"
أعلن بيكهيون بنبرة جادة "هذا يعني أن القصة التي رويتها في البداية
لم تكن حقيقية، بينما هي مجرد أسطورة، ربما بدأت بأسرة غريبة الأطوار، ووصلت في
النهاية إلينا على أنها أسرة وحوش"
"أعتقد هذا أيضًا، فالأمر يبقى أسطورة وهو مختلف تمامًا عن أسطورة
دراكولا، فنحن من صنعنا منه أسطورة ونحن نتوارث السير عنه ونزيد وحشيتها، بينما
ذلك المنزل غريب الأطوار، فهو موجود ولكن ولكونه مهجور منذ أكثر من ثلاثين سنة،
فالبعض يظن أن ما يتناقله الناس من قصص حوله صحيحة" ردد سوهو مضيفًا على كلام
بيكهيون.
"لا أدري لماذا ندرس قصص كاذبة ونحتاج لحفظها لكي ننجح" أردفت
بيبا بنبرة ساخبرة، ليكمل عنها تشانيول "يبدو الأمر مثير للسخرية ونحن ندرس
مثل هذه الأمور يا أستاذ"
"من منكم معترض على حفظ هذا الدرس؟" سأل سوهو، بينما رفع البعض
ايديهم، أشار إليهم باصبعه وعدهم "مم، اذًا بيكهيون، ولاي،وتشانيول، وآنا،
وبيبا، ولوهان .. بما أنكم أنتم من أعترضتم هنا، فسأعفيكم من حفظ الدرس" أنهى
الأستاذ كلامه ليتعالى أصوات الطلاب، منهم رافضين ومنهم مؤيدين للفكرة، أسكتهم
سوهو أكمل هو بنبرة قوية "ولكن .. يجب عليكم أن تذهبوا إلى ذلك المنزل"
ما أن سمع الطلاب هذا الكلام حتى بدأ الشجار بين بعضهم البعض، ليصرخ سوهو
بهم صوت أسكتهم من جديد، تابع كلامه بنبرة غاضبة "كونكم تصدقون أنها مجرد
أساطير وخرافات، اذًا جهزّوا أنفسكم لتذهبوا إلى ذلك البيت في عطلة نهاية الأسبوع،
وأنتظر منكم بحثًا كاملًا عنه مرفقًا ببعض الصور وإن أمكن، فيديو قصير عن
المكان"
أنهى كلامه وخرج مسرعًا من الصف، متجاهلًا كلام الطلاب واعتراضهم، لحقته
آنا ولوهان ولكنه تجاهل أمرهم بالكامل وأعلن بحزم "هذا هو القرار النهائي ولن
يتم التراجع عنه"
أجتمع الطلاب الستة في غرفة الطعام أثناء الاستراحة، كانت معالم وجووهم
باردة وغير راضية عن الأمر، تذمر بعضهم واكتفى البعض الآخر بالصمت.
أرجعت آنا شعرها إلى الوراء، تنهدت بعمق ثم نظرت إلى بيبا "أذهبِ
وتحدثِ مع الأستاذ، لا أريد أن أذهب إلى ذلك المكان"
"تبًا له ! أيعقل أن يطلب منا الذهاب إلى ذلك القصر؟" ضرب
تشانيول بيده على الطاولة غاضبًا.
"الغريب بالأمر أن الطلاب المتبقين لم يعترضوا على موضوع حفظ الدرس !
أهم يحبون الدراسة إلى هذا الحد؟" أعلنت آنا بنبرة ريبة، أجابها بعد لحظات
لوهان "ربما أتفق معهم من قبل"
"لا أريد أن أذهب" أعلنت آنا بضجر، صمت بعدها الجميع للحظات
تبعها صوت لآي بجدية "أنتم من كان يسخر، أنتم من كانت ثقته قد تخطت حدود
السماء، أنتم من لا تخافون من أسطورة .. تتذمرون وأنتم من جلب هذا لأنفسكم؟"
أبتسم بسخرية ثم وقف من على كرسيه، التفت ثم اتجه نحو خارج المكان، كان الجميع
يحدق به، وما ان أبتعد حتى بدأت آنا بشتمه، والسخرية منه.
أسكتها بيكهيون بصوته الحاد "لقد وقعنا بالأمر وأنتهى الأمر .. تجهزوا
نهاية هذا الأسبوع، أمامنا طريق طويل لقطعه" وقف هو الآخر ثم نظر إلى بيبا
التي تجلس بجواره "لنذهب" وقفت وذهبا بهدوء نحو الخارج، ليبقى على
الطاولة كل من لوهان، وتشانيول، وآنا المزعجة.
أوقفته في منتصف الطريق، التفت إليها رافعًا حاجبه الأيمن "ما
بكِ؟"
تنهدت بيبا بقلة حيلة قبل أن تجيبه بنبرة عميقة "هل ستذهب حقًا؟"
اومأ بيكهيون برأسه موافقًا، ثم أقترب منها مبتسمًا "هل أنتِ خائفة؟"
تحولت نظراتها من الهدوء، إلى الشراسة تمامًا كعينا البوم في منتصف الليل،
أبتلع بيكهيون ريقه بصعوبة، أقترب وربت على كتفها بتردد "لنذهب" ألتفت
وأكمل سيره، مبعثرًا شعره أعلى عنقه "لا أعرف من منا الخائف !! "
وصلت إلى المنزل، فتحت باب غرفتها وأرتمت على سريرها منهكة، التقطت هاتفها،
نظرت إلى شاشته ثم تنهدت بعد أن ألقته على السرير، فغدًا هو نهاية الأسبوع ويبدو
أن الأمور تزداد صعوبةً بالنسبة إليها.
جاءها صوت والدتها بعد لحظات لكي تأتي لتناول الطعام، خرجت دون أن تبدل
ثيابها، جلست على مائدة الطعام، أمسكت بأعواد الطعام وقبل أن تأكل أول لقمة، وضعت
والدتها على الطاولة أمامها وعاء محكم الإغلاق، ما أن رأته الفتاة حتى وضعت
الأعواد بتذمر "أرجوكِ أمي ! ليس بيكهيون مجددًا"
"أذهبِ وأعطيه الطعام ليتناوله وتعالي بسرعة" أعلنت الوالدة
بحزم، ثم عادت لغسل الأطباق، وقفت بيبا وأخذت الوعاء بقلة حيلة فما من مهرب
أمامها، فهذا هو الحال كالعادة، يجب على بيكهيون أن يأكل قبل أن تحصل هي على رشفة
ماء، فهو يسكن في الطابق الأعلى من المبنى وحيدًا، بعيدًا عن أسرته التي تعيش في
الأرياف، وتكفلت والدة بيبا باطعامه حتى ينهي دراسته.
وقفت بيبا عند باب المطبخ ودون أن تلتفت إلى الوراء أعلنت ببرود
"كلفنا الأستاذ بمهمة، وسنذهب غدًا إلى أحد المناطق النائية لعمل-"
قاطعتها والدتها بسؤالها "هل سيذهب معكم بيكهيون؟"
"أجل" أجابت بيبا بضجر، ثم أكملت الوالدة براحة "أذهبِ
اذًا"
خرجت بيبا غاضبة من المكان، تتمتم "يجب عليكِ أن تخافي وأنا برفقة
بيكهيون، لا تعرفين حقيقته حتى"
أغلقت باب المنزل وراءها بقوة، ثم توجهت إلى السلالم وبدأت بالصعود، يفصل
بين منزلها ومنزله، أربع طوابق، ولا يوجد مصعد في المبنى، فهو قديمٌ بعض الشيء.
كلما كانت تقترب من الأعلى، كان الضوء يخفت، هي معتادة على الأمر وهي تعلم
كذلك أن طابقه، مظلم، وفي نهايته يوجد ضوء خافت يريها باب شقته الصغيرة فقط.
وصلت إلى طابقه، أنتهت من صعود السلالم وبدأت بالسير نحو باب شقته .. توقفت
لحظة عندما سمعت صوت غريبٌ بعض الشيء.
بقت أكثر من دقيقة، ثم خطت خطوة إلى الأمام متجاهلة ما سمعته، توقفت مجددًا
عندما سمعت صوت أكثر عمق من ذي قبل .. عندها شعرت وكأن أحدهم يقف خلفها، أبتلعت
ريقها عندما بدأ صدرها يعلو ويهبط من التوتر، تريد أن تلتفت لتتأكد أنه ما من أحدٍ
يقف وراءها، ولكن لما الأمرٌ صعب إلى هذه الدرجة؟
أستجمعت قواها أخيرًا وبدأ جسدها يلتفت نحو الوراء ببطئ شديد، تنفست براحة
عندما أدركت أنه ما من أحد هناك، وانما هي مجرد أوهام من ظلمة المكان ليس إلا.
التفتت نحو الأمام، فانتفضت نحو الوراء برؤية وجهه مقتربًا منها، فأطلقت
صرخة قوية، أسكتتها عندما أيقنت أنه بيكهيون ويسخر منها ليس إلا.
أنفجر هو ضاحكًا على منظرها وهي تحاول أن تلتقط أنفاسًا تبعثرت منها، وضع
يده على بطنه من شدة الضحك وهي لا تزال تحدق بهِ مصدومة من خباثته.
"هذا لإنكِ أخفتني اليوم بعد المدرسة" أعلن بيكهيون وهو لا يزال
يضحك، لا تزال هي تحدق بصمت بعدما استعادت القليل من طاقتها، توقف هو عن الضحك
متعجبًا من برودها الغريب، نظف حنجرته قبل ان يسأل بصوتٍ خافت "م-ماذا؟"
توجهت هي بصمت نحو السلالم، ثم نظرت إليه بطرف عينها نظرة حادة، صاحبتها
ابتسامة جانبية "يبدو أنك ستبقى طوال اليوم بلا طعام" أنهت كلماتها ثم
نزلت السلالم في حين لحقها وهو ينادي عليها لترجع.
في هذه الأثناء كانت آنا تجلس في غرفتها أمام الحاسوب كعادتها، تتصفح
الأنترنت وتتابع أخبار المشاهير وصور فرقتها المفضلة، لا دخل لها في الدراسة ولا
الكتب، كل ما يهويها هو الأمور الطائشة، وعديمة النفع والفائدة، تواكب الموضة
وتهتم بجمالها، تملك ما لا يعد ولا يحصى من مستحضرات التجميل، وكذلك الثياب، فهي
من أسرة غنية وهذه الأمور بسيطة بالنسبة لها.
أما تشانيول الذي يعمل في دوامٍ جزئي في أحد المقاهي ليؤمن قوت يومه
ووالدته العاجزة، فبعد أن توفي والده تزوجت شقيقته الكبرى وسافرت إلى الصين، ومن
يومها وهو لا يعرف عنها أي خبر، يهتم بوالدته وبدراسته، فهو يعتبر من الطلاب
الأذكياء في صفه ولكنه يكره الدراسة، لذا عندما سأل سوهو من منهم يعترض عن حفظ
الدرس كان هو أول الرافضين، والسبب أن العمل والدراسة لا يتوافقان معه في جميع
الأوقات، ولكنه يبذل جهده.
لوهان من أسرة متوسطة الحال، كان ولا يزال حلمه صناعة الافلام واخراجها،
معظم وقته يذهب في السينما تمامًا كما هو حاله الآن، يجلس ويتابع أحد الأفلام
الهوليودية، الذي يطمح للوصل إليها يومًا ما، مبتعدًا عن وقت قد يجمعه مع الكتاب
للدراسة، ومع ذلك يبقى مستواه ليس بالسيء، ولكن لو اخطأ وأمسك كتاب ولو لمرة.
كان يجلس على أرضية المكتبة في أحد الزوايا، يمسك كتاب يغطي به وجهه، أقترب
منه أحدهم بخطوات بطيئة، جثى على ركبتيه أمامه وهز كتفه بخفة "لآي-شي،
لآي-شي"
أنزل الكتاب عن وجهه ليصل إلى صدره، فتح عينيه بضيق "ماذا؟"
"والدتك تنتظرك على مائدة الطعام، أرجوك أسرع"
وضع الكتاب جانبًا ثم نظر إلى الخادمة التي تجلس أمامه "ألا تعرف أنني
اقرأ؟"
"تريدك على عجلة"
وقف لآي بتثاقل، بطريقة أظهرت خصره المنحوت بطريقة أثارت نبضات قلب
الخادمة، أبتلعت ريقها وهي تنظر إليه بعد أن وضع السماعات في أذنيه، أعلن ببرود
دون النظرر إليها "لا تسترقِ النظر، فالأمر مثير للأشمئزاز" مشى متخطيًا
الخادمة، ثم خرج من المكتبة إلى مائدة الطعام حيث تنتظره والدته.
هذا الشاب البارد، شديد الريبة والغرابة، يعتبر من أغنى أغنياء كوريا، شديد
الفطنة والذكاء .. وكذلك الحذر.
يكره والدته، ووالده .. في الواقع لا يراه إلا مرتين في السنة، فهو كثير
السفر والانشغال، هو الوحيد لوالديه، لذا يعتبر شديد العزلة، دائمًا ما يبقى وحده،
أكثر ما يكرهه هو الاختلاط بأفراد المجتمعات المخملية، في الواقع والدته لا تسمح
له بذلك، فهو ولكونه سليط اللسان، لا يسكت إن رأى شيء ولم يعجبه، فهو يستمر
بالتحدث بحدة، وهذه الطريقة تزعج والدته، ففي الوقت الذي تجتمع به في المنزل مع
الطبقات الراقية، يبقى هو في المكتبة، لا يقرأ أي كتابٍ من كتبها ولكنه يستعين بها
لتغطية وجهه عندما ينام على أرضيتها.
هذه هي حياة أبطالنا الستة، كل واحدٍ منهم له قصة وحكاية، كيف ستنتهي؟
وماذا سيحل بها لاحقًا؟
اسئلة لا زلنا نجهل أجوبتها، وننتظر حلول الوقت المناسب .. للعثور عليها.
أننتهى اليوم، وانقضى معه الليل، كان الجميع في حالة أستعداد لتلك الرحلة
الغريبة التي جاءت على غفلة، تحضر الجميع في مطلع النهار، والتقوا في المكان الذي
اتفقوا عليه في الليلة الماضية، ركبوا القطار وتوجه بهم نحو القرية التي يوجد بها
ذلك القصر القديم.
وصل القطار إلى محطته الأخيرة، نزل الجميع وتوجهوا لأخذ الحافلة المتجهة
إلى مكان القصر، لوهان يحمل آلة التصوير الخاصة به، وآنا تعبث بهاتفها، ولآي يجلس
ويستمع إلى الموسيقى مغمضًا عينيه، بجواره تشانيول يتناول فطيرة، وخلفهم بيبا
ولوهان يتحدثان، وفي الزاوية يجلس بيكهيون ينظر من نافذة الحافلة إلى الطريق.
مضت ربع ساعة تقريبًا وهم في الحافلة، حتى وصلوا أخيرًا إلى مكان القصر،
توقفت الحافلة ونزلوا منها، ثم ذهبت ليبقوا هم في مكانهم ينظرون إلى القصر.
"يبدو مختلف عمّا قاله الأستاذ" أعلنت آن، ثم نظرت الى لوهان
"هل أنت متأكد بأنه المكان المطلوب؟"
اومأ لوهان معلنًا "أجل، أنه هو"
"يبدو وكأنه مكان أثري طبيعي، لا تسكنه وحوش، ولا حتى قطط !"
رددت بيبا بسخرية، ثم تقدمت خطوتين إلى الأمام "يبدو أن الأمر سينتهي بأسرع
مما توقعنا"
تبعها لآي وكذلك البقية، وكان لوهان آخرهم بسبب ثقل المعدات التي يحملها،
والتى أبى تشانيول مساعدته بحملها.
وقفوا جميعًا أمام باب القصر، تقدم بيكهيون أمام الجميع، ثم التفت لينظر
إليهم " لوهان، ابدأ بالتصوير"
شغل لوهان الكاميرا وبدأ بالتصوير، بينما تابع بيكهيون "هذا المكان هو
الذي ذكر بأسطور الوحوش آكلة الأرواح .. نحن نقف الآن أمام باب القصر"
التفت نحو الباب مجددًا، وضع يده على مقبض الباب العتيق المملوء بالغبار،
نظف حنجرته، ثم فتح الباب على وسعه، ليظهر لهم القصر من الداخل.
تقدم الجميع نحو الأمام ودخلوا إلى القصر، توقفوا في منتصفه، ينظرون من
حولهم، ولوهان لا يزال يصور المكان، والجميع مندهشين كونه يبدو صغير جدًا من
الداخل، يبدو وكأنه عدة طوابق، ولكن اتضح أنه طابق واحد يحتوي على ستة أبواب فقط.
"ليفتح كل منّا باب وينظر ما بداخله لنختصر الوقت ونرجع بسرعة"
أنهى بيكهيون كلماته ثم توجه نحو الباب القريب منه "سأدخل هنا"
دخل كل واحد منهم في غرفة، كانت بيبا آخر من دخل منهم، أنتظرت الجميع
ليطمأن قلبها ثم دخلت.
كانت الغرفة فارغة، لا يوجد بها سوى ذلك الكرسي العتيق في منتصفها، ونافذة
دائرية تعلوه، مسيجة بأعمدة حديدية لونها أسود.
أخرجت هاتفها، والتقطت بعض الصور، أقتربت من الحائط، أشعلت ضوء هاتفها لترى
رسومات غريبة، حاولت أن تلتقطها ولكنها لم
تكن واضحة بسبب عتمة الغرفة.
أقتربت من الكرسي، بدأت تستشعره بأصابعها، وقفت عليه مقتربة من النافذة،
بالرغم من أنها لا تزال عالية، إلا أنها تمكنت من الوصول إلى طرفها، حاولت رفع
نفسها أكثر ولكن هكذا كان أقصاها.
فقدت توازنها وحاولت أن تتمسك بالنافذة بيديها، وكذلك بالكرسي بقدميها،
ولكنها لم تقوى على فعل ذلك كثيرًا، فسقطت بعد أن جرحت يدها جرحًا ليس بقليل من
حافة النافذة، نظرت نحو هاتفها الذي أصبح ثلاثة قطع مبعثرة على الأرض، تنهدت بألم
وحاولت أن تقف، بالرغم من أن الأمر كان صعبًا إلا أنها أستاطعت أن تقف على قدميها،
نظرت إلى يدها حيث الجرح، منظره يبدو وكأنه شق عميق في يدها، حيث الدماء تنزف منه
بقوة، أخرجت منديل من جيبها وحاولت اخماد الدماء لبعض الوقت.
أقتربت من قطع هاتفها وبدأت بجمعها، اعادت تشغيله من جديد، ولكنه لم يعطي
سوى صورة بيضاء، اطفأته وعادت تشغيله من جديد، لكن الصفحة البيضاء لا تزال، تنهدت
بعد أن أدركت أنه قدر كسر أو شيء من هذا القبيل، وضعته في حقيبتها الصغيرة، ثم
اتجهت نحو الباب لتخرج.
تقدمت قليلًا باتجاهه، وما هي إلا لحظات حتى صدر ذلك الصوت الذي أوقفها
مكانها وجعل من قلبها يوشك على أن يخرج من صدرها، انتفضت في مكانها مرتعبة في
لحظتها، حتى أدركت أنه صوت غراب، أبتلعت ريقها، عضت على شفتها محاولةً اسكات
رجفتها "الغراب ! لا تهتمِ للأمر ! الغراب موجود في كل مكان"
أكملت سيرها بعد أن أقنعت نفسها أن الأمر ليس بذلك الأهمية، توقفت مجددًا
عندما سمعت صوت الغراب بدأ يزداد قوة ورعب، يصبح أقرب وكأنه بات معها في ذات
الغرفة، حاولت تجاهل الأمر قدر المستطاع والإسراع من خطواتها، وما أن أقتربت من
الباب حتى أغلق من تلقاء نفسه، أسرعت إليه بخوف، وضعت يدها على المقبض وحاولت فتحه
ولكن ما من جدوى، أنه محكم الإغلاق، بدأت تضرب بيديها على الباب وتنادي على
أصدقائها، وتحاول فتح الباب، ولكن ما من أحدٍ هنا.
توقفت عن الطرق عندما سمعت صوت خطوات تقترب من خلف الباب، أبتسمت بخفة
ونادت بصوت عالٍ "أخرجوني من هنا"
أقترب صاحب الخطوات حتى أصبح خلف الباب مباشرة، شعرت بوجوده ولكنها تعجبت
كونه لم يحاول فتح الباب، وضعت أذنها على الباب تستمع إلى أنفاسه، أبتلعت ريقها ثم
سألت بنبرة مرتجفة "بي-بيكهيون؟ أنه أنت صحيح؟" أبعتد رأسها ونظرت نحو
الباب مباشرة "أتظن أن ألاعيبك ستخيفني هذه المرة أيضًا؟"
طرقت على الباب بقوة "أفتحه وأخرجني وكفاك مزاح-" قاطعها صوت
نفسٍ عميق أنتهى بكلمات مبعثرة لم تقوى على فهم أي منها، أختفى الصوت ولم يبقى سوى
صوت نبضات قلبها في المكان، أوشكت على أن تطرق الباب مجددًا ولكنها هرعت عندما
سمعت الغراب مجددًا يقترب أكثر فأكثر، أبتعدت عن الباب واضعةً يدها على صدرها تهبط
من حدة خوفها.
بدأت بالتراجع نحو الوراء وهي تنظر من حولها بحذر، فجأة تسمرت مكانها،
تخشبت وكأنها جسد بلا روح، عندما شعرت بأنفاس تضرب عنقها بقوة، صوت الأنفاس يقترب
من اذنها تمامًا كما الصوت الذي سمعته خلف الباب، بنفس العبارات الغريبة تلك.
تمتمه بكلمات غير مفهومة، بالرغم من قربها، إلا أنه يتبعها صدى صوت عالٍ
جدًا وكأنها في غرفةٍ أخرى، شعرت وكأن الكلمات تمشي على عنقها، تمامًا كما تشعر
وكأن النمل يسير على جسدها .. ولكنه غير موجود.
وفجأة .. !
بدأت تشعر وكأن أحدهم يدحرج أصابعه على ذراعيها، يبدأ بكفيها، منتهيًا
بكتفيها .... !
وما هي الا لحظات حتى أطلقت صرخة قوية أستيقظت بها من نومها والعرق يغسل
وجهها، ويبلل خصلات شعرها القريب من أطراف وجهها المدور.
أنفاسها تتعالى، ونبضات قلبها تتخبط في أرجاء الغرفة.
بعد لحظات أقتربت من الدقيقة، نظرت من حولها لتجد نفسها في غرفتها، تعمقت
في النظر حتى اطمأنت وتنفست براحة بعد أن أدركت أنه مجرد كابوس مزعج ليس إلا.
وقفت من على سريرها، ثم توجت إلى الحمام، نحو المغسلة وفتحت الصنبور، غسلت
وجهها جيدًا بالماء، ثم رفعت رأسها باتجاه المرآة وهي لا تزال تغسله جيدًا.
أوقفت يديها عن الحركة عندما سقط نظرها على شيءٍ في المرآة، بدأت بالتوتر
والرجفة ذاتها، رفعت يدها جيدًا لترى ذات الجرح الذي أصيبت به في الحلم من حافة
النافذة على يدها وفي نفس المكان أيضًا.
لمسته باصبعها فشعرت بإنه حقيقي وليس وهم من الخوف، أستمرت بالنظر إلى المرآة
حتى فتحت فمها ببطئ وصرخت بأعلى صوتها.
-يتبع....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق