الجمعة، 12 مايو 2017

ابتسامتك تؤلمني - البارت الأول



ابتسامتك تؤلمني
(( البارت الأول ))


Written By: Miral MK

في أحد شوارع - سول - عاصمة كوريا الجنوبية, هناك في ذلك المنزل الفخم, حيث تسكن تلك العائلة الصينية الثرية منذ سنوات.
كانت حياة هذه العائلة طبيعية كغيرها من العائلات, حتى جاء ذلك اليوم الذي علموا بهِ أن ابنهم البالغ من العمر السادسة والعشرون قد تعرض لحادث سير مع صديقته, أنتهى الأمر لتموت تلك الفتاة ويفقد ذلك الشاب ذاكرته, ومنذ ذلك الوقت انقلبت حياة تلك العائلة رأسًا على عقب.
--
ما أصعبها من لحظات عندما تنظر لنفسك في المرآة ولا تعرف من تكون.
 عندما تحاول أن تتعرف على من حولك .. ولكن ينتهي بك الأمر كالغريب بين والديك, عندها تُصبح الإبتسامة شيئًا يصعب تذكره.
 تلازمك حالة من البؤس وانعدام الثقة بالنفس.
 للحظات ستشعر وكأنك محتجزٌ في غرفةٍ محكمة الإغلاق لونها غامق .. شديدة السواد.
 لا تقوى على إيجاد مخرج لتنهي تلك الحالة من اللاشيء.
 كأنك ولدت من جديد بلا ذكريات, بلا ماضي, وحاضرٌ يُصعب التعايش معه, ومستقبلٌ لا أمل من تحقيقه.
أنهى الشاب كتابته عندما طُرق باب غرفته, أمسك ما كان يكتب عليه وخبأه بالدرج.
"تفضل" وقف الشاب من على الكرسي ناظرًا باتجاه الباب.
دخلت امرأة عمرها قد تجاوز الخمسون بالفعل, ابتسامتها تبين دفئ قلبها.
"لوهان, لقد وصلت بطاقة الدعوه هذه من أجلك" مدت له يدها وأعطته تلك البطاقة.
"ما هذه؟"
"إنها دعوه لم الشمل, من الثانوية" ابتسمت براحة وأكملت "انه لمن الجيد حضور تلك الحفلة, لربما تذكرت شيئًا, ما رأيك؟"
ابتلع لوهان ريقه بتوتر ووضع البطاقة على الطاولة "لن أذهب"
"هناك سترى اصدقائك من الثانوية, أنتم لم تتقابلوا منذ سنوات, قال الطبيب من الممكن أن يتعرف على أشخاص لم يرهم منذ سنوات, أرجوك حاول ولو لمرة واحدة"
شد لوهان على قبضتيه "أ-أمي .. أرجوكِ"
"حسنًا لن أضغط عليك أبدًا, أفعل من ترى أنه يريحك" استدارت وخرجت من الغرفة بهدوء.
جلس لوهان على الكرسي بقلة حيله, أخرج الدفتر مجددًا, فتح على صفحة فارغة, وأمسك بالقلم.

تلك اللحظات التي أحاول أن أتذكركِ فيها.
 نظراتكِ، ابتسامتكِ، وحتى دموعكِ التي لن أرغب بإن أرها تُذرفُ من عينيك.
 فقدتكِ للأبد ؟
اسأل نفسي هذا السؤال كثيرًا.
لكن أتعلمين ؟!
أنا اتألم كثيرًا، بسبب المتاهة التي حُجزتُ بها .. اتألم.
لا أعلم إن كنت حزين بسبب موتكِ الذي فارقتني بهِ، ام بسبب فقداني للذاكرة التي منعتني حتى من أن أتذكر وجهكِ أو حتى أسمكِ.
يا ليتني أستطيع ان اتذكركِ من تلقاء نفسي.
ولكنني متأكدٌ من أن قلبي لا يزال ينبض باسم من أحب لأول مرة
مسح لوهان تلك الدموع المثقلة, وأغلق الدفتر ووضعه في الدرج مجددًا, ألقى نظرة على بطاقة الدعوه, أمسك بها ثم فتحها بهدوء.
نظر نحو السقف وتنهد " أنا حتى لا أذكر اسم الثانوية التي درست بها"
وضع البطاقة على الطاولة, ثم وقف على نافذته ببرود, ضم يديه إلى صدره, أغمض عينيه بهدوء محاولاً استرجاع بعض الذكريات, تنهد بهدوء, فتح عينيه .. "هل علي أن أذهب ؟"
تنهد الشاب مجددًا، ثم ذهب إلى سريره واستلقى عليه، مد يده تحت وسادته وأخرج صورة .. إنها الفتاة التي فقدها لوهان في الحادث، حبيبته السابقة، حدق بها مطولًا.
"هل كنتُ سأفقد وجهكِ إن لم أكن املك هذه الصورة؟"

--

التقطت السيدة هاتفها، أجرت مكالمة هاتفية مع الطبيب تستشيره بأمر حفلة لم الشمل.
في هذه الأثناء طُرق باب غرفتها .. إنها الخادمة، أخبرتها ان العشاء جاهزٌ وأن السيد قد وصل إلى المنزل وهو الآن ينتظر في غرفة الطعام.
أنهت السيدة مكالمتها ثم توجهت نحو غرفة الطعام بعد ان طلبت من الخادمة ان تخبر لوهان بإن العشاء جاهز، وأن الجميع بانتظاره.
--
كان الرجل يجلس على سريره ومعالم وجهه نفسها لم تتغير, حدق في الأرض لفترة ليست بقليلة, بعدها وجه نظره نحو الطاولة حيث بطاقة الدعوه تلك, ابتلع ريقه فأغمض كلتا عينيه "هل علي حقًا أن أذهب؟ "
استلقى على سريره كالطفل, ضم نفسه ليشعر بالدفئ, أو ربما ليخفف توتره وبدأ يردد بصوتٍ خافت "أتمنى أن أتذكر" وبدأ ينخفض الصوت أكثر حتى انتهى بهِ الأمر نائمًا.
--
نزلت السيدة حيث ينتظر زوجها وابنتها ذات السابعة عشرَ عامًا، ألقت التحية "مساء الخير"
"مساء الخير أمي" ردت الفتاة حيث اومأ الرجل برأسه فقط.
"هل سيأتي لوهان ؟" سأل الوالد بعد ان شرب الماء من كأسه.
"أظنه كذلك، لقد أخبرت الخادمة بإن تطلب منه المجيء"
"وهل هو بخيرٍ الآن؟" سأل الرجل.
"في الواقع لا أعلم" تنهدت السيدة ثم أكملت "في الواقع لقد جاءت دعوه لحفلة لم الشمل في ثانوية لوهان السابقة، أظنه لا يريد أن يذهب"
"هل أخبرتي الطبيب بأمر الحفلة؟"
"أجل، كنت اهاتفه منذ برهة، وأخبرني أنها ستكون نقطة لصالحه لو ذهب لتلك الحفلة"
--
طرقت الخادمة الباب أكثر من مرة بعد أن شعرت بإن لوهان لن يفتح، ربما نائم .. هذا ما تظنه الخادمة.
طرقت للمرة الاخيرة علّه يستيقظ قبل نزولها، فتح عينيه ببطئ بعد ان شعر بإن أحدهم على الباب،نظر حوله بتعجب، ثم هدأ قليلًا عندما تذكر كيف نام.
 فرك عينه بطفولية " من هناك ؟"
"سيدي العشاء جاهز والجميع بانتظراك في الأسفل" اجابت الخادمة.
"حسنًا قادم"
وقف من على سريره وتوجه نحو الباب بعد ان اخذ منشفته، توجه إلى الحمام الخاص بغرفتهِ، غسل وجهه ثم جففه جيدًا.
خرج من غرفته متوجهًا نحو غرفة الطعام.
التقطت مسامعه ما كان يتحدث به والديه.
"وهل هو بخيرٍ الآن؟" سأل الرجل.
"في الواقع لا أعلم" تنهدت السيدة ثم أكملت "في الواقع لقد جاءت دعوة لحفلة لم الشمل في ثانوية لوهان السابقة، أظنه لا يريد أن يذهب"
"هل أخبرتي الطبيب بأمر الحفلة؟"
"أجل، كنت اهاتفه منذ برهة، وأخبرني أنها ستكون نقطة لصالحه لو ذهب لتلك الحفلة"
قطع حديثهم بدخوله المفاجئ.
القى التحية ببرود ثم ذهب ليجلس بجوار شقيقتهِ.
بدأ لوهان برشفة من كأس الماء، ثم جاء ليتناول أول قضمة من الأرز الا أن كلمات شقيقته أوقفته "هل ستذهب إلى حفلة الغد؟"
وضع الطعام في فمهِ ببرود وشرب الماء ليساعده على ابتلاعه، بينما تلقت الفتاة نظرة تهديد حادة من والدتها ألا تتكلم مع لوهان بأمر قد يزعجه.
"سمعت أنك لن تذهب، هل أنت متأكد ؟" سأل الوالد بفضول.
"سأذهب" أعلن لوهان ثم وقف عن الطاولة "أنهيت طعامي" صعد نحو غرفته ببرود دون أن يتحدث بكلمة أخرى
"لماذا غير لوهان رأيه فجأة ؟"
لماذا قرر الذهاب لتلك الحفلة ؟""
"هل استطاع أن يتذكر شيء ما ؟"
هذه الاسئلة التي كانت تدور في رأس والدي لوهان.
بينما لوهان الذي هو نفسه لا يعرف لما قد غير رأيه، ربما كلام والدته عن كونها نقطة لصالحه قد اثر به، أو ربما رأى بنومه ما يشجعه على الذهاب لتلك الحفلة.
دخل إلى غرفته وجلس على سريره مجددًا، قرر أن يكمل نومه بعد أن مد نفسه على السرير.
لقد أصبح بالفعل باردًا !
كيف لشابٍ كـ لوهان، ذلك المفعم بالحيوية كما المعتاد .. أن يتغير فجأة ليصبح بتلك الحدة وبذلك البرود.

في الواقع لطالما أراد لوهان ان يتذكر كيف كان قبل الحادثة.
هل كان سعيدًا أم حزينًا ؟
--
في هذه الأثناء كان والدي لوهان مع الطبيب في غرفة الضيوف.
كانت جلسة معالجة .. ولكن بدون مريض.
"كما اخبرتكِ سيدتي .... سابقًا، انها نقطة لصالحه لو ذهب إلى تلك الحفلة ولكن بشرط"
"شرط ؟ أي شرط؟!" سأل الوالد بريبة.
"من الممكن أن تكون هذه النقطة سيئة بالنسبة له لو ذهب وحده، نحن لا نعلم ما علاقته بأصدقائه القدامى"
"لذا هل تظن طبيب تشوي، أنه يجب أن يذهب أحد برفقته ؟" سألت الوالدة.
"أجل، بالضبط"
"هل أذهب أنا معه ؟" سألت الوالدة مجددًا.
"أظن أن السيدة يونغ شي جيدة لتذهب"
"يونغ شي ؟ شقيقة لوهان ؟" ردد الوالد بدهشة.
"قد تضره لا تنفعه، لا تزال طائشة" أعلنت السيدة.
"ذهابك معه يا سيدتي قد يسبب له الاحراج أو قد يكون أمر مزعج بين اصدقاء الدراسة"
"ولما يونغ شي بالتحديد؟" سأل الوالد.
"عمرها قريب من عمر أخيها والمدعوين، ستكون شريكته في الحفلة أكثر من مراقبة تمامًا كما كنتِ ستفعلين يا سيدة، أقصد أن قلقكِ عليه قد يزعجه بين أصدقائه"
"حسنًا كما تشاء، سأخبرها أن تجهز نفسها للذهاب معه" ذهبت السيدة إلى غرفة أبنتها بعد أن القت تحيتها للطبيب وزوجها.
طرقت باب غرفة يونغ شي مرتين، ثم دخلت.
يونغ شي في الداخل، مستلقية على بطنها، تضع السماعات في اذنيها وتسمع الموسيقى الصاخبة، وأمامها علبة طلاء الأظافر وتزين أظافرها بالألوان الفاقعه.
تنهدت الوالدة بضجر بعد أن رأت حال أبنتها الطائشة.
أقتربت الوالدة من ابنتها وسحبت السماعات بغضب، ارتعشت الفتاة وأبعدت فرشاة الطلاء حتى لطخت يدها.
"ايــش، أمي .. انظري ماذا فعلتي بأظافري"
رفعت الام يدها تهدد ابنتها بالضرب "أترغبين بان الطخ وجهكِ بالدماء؟"
"آيـش، حسنًا حسنًا، ماذا تريدين الآن؟؟" جلست الفتاة بقلة حيلة على سريرها.
"ستذهبين إلى الحفلة مع لوهان" جلست الأم على الكرسي المقابل للسرير.
انتفضت الفتاة في مكانها "م-ماذا؟ انا؟!"
"الطبيب هو من طلب ذلك، يظن انكِ المناسبة لترافقيه إلى ذلك المكان"
"ولكن، أنا حتى لا اعرف احد هناك"
"جهزي نفسكِ غدًا لتذهبي معه" وقفت الوالدة بحزم ثم التفتت لتقابل ابنتها "لا تحاولي التهرب من الذهاب"
خرجت وأغلقت الباب ورائها، في حين بدأت الفتاة تقفز على سريرها بانزعاج تصرخ "لوهان انا اكرهك"
--
كان يستلقي على سريره، يخفي شهقاته المؤلمة، يحتضن صورتها بين ذراعيه.
قلبه يحترق .. مشاعره تتبعثر في الأرجاء، أين هي التي كانت تجمع تلك المشاعر ؟ ذهبت وبلا عودة، فتاته التي يحترق قلبه عندما لا يتذكرها.
"سامحيني فانا لا اتذكر الحال الذي كانت علاقتنا عليه"
"سامحي قلبي الذي فُرّغ تمامًا"
"سامحي من احبك يومًا"
نام الرجل وهو يردد كلمة سامحيني، غط في أحلامه التي يبكي فيها وحيدًا، يجلس كئيبًا .. بلا قلب وبلا روح.
مرت تلك الليلة عليه كغيرها من الليالي، منذ الحادثة طبعًا.
ولكن ما كان يختلف أنه سيستيقظ على صفحة جديدة من كتاب ذكرياته، التي لا يزال يجول باحثًا عن أحرفها لتجمعيها واسترجاع ما فقده من حياته.
تسللت أشعة الشمس من بين ستائر النافذه لتسقط على وجهه البريء، جعلته يفتح عينيه عنوة.

مد جسده ليحصل على طاقة تمكنه من الوقوف.
أمسك بمنشفته وتوجه إلى الحمام ليستحم، خلع ثيابه وأسقط نفسه تحت المياه الدافئه لينتعش.
أنهى حمامه، بعد لحظات خرج وارتدى ثيابه، ثم توجه لتناول الافطار.
جلس على المائدة حيث كانت يونغ شي تجلس فقط.
"أين والداي؟" سأل لوهان وعينيه تجول بحثًا عنهما.
"أبي ذهب إلى العمل وأمي ذهبت إلى  .. " صمتت الفتاة وهي تنظر إلى صحنها، إبتسمت بسخرية وتابعت " وكأنها تبقى في المنزل "
"ما الذي تقصدينه؟"
"لا عليك أنسى ! "
"لا أذكر على أي حال "
"اسمع دعنا نتفق من الآن" التفتت الفتاة لتقابل شقيقها.
"نتفق ؟ على ماذا ؟"
"بشان الحفل، الليلة"
"حفل ؟ أوه صحيح، ما به؟"
"دعنا نذهب ونرجع بسرعة، حسنًا؟ أنا حقًا لا احب الحفلات حيث لا اعلم أحد بها" رددت الفتاة بعد تنهد عميق.
"هل ستتذهبين معي؟" سأل لوهان بتعجب.
"اوامر والدتي، ألم تخبرك؟"
"لا، لم تخبرني" صمت قليلًا ثم أكمل "ولكن لما عليكِ مرافقتي؟"
"لا أعلم السبب بالضبط، ولكن ربما لإنك بحاجة إلى رفيقة، او شريكة في الرقص، في مثل هذه الحفلات تقريبًا"
"هل هذا ضروري؟"
"ما هو؟"
"ذهابنا" أجاب لوهان وهو ينظر إلى الطاولة ببرود.
"أظن ذلك، لكي تسترجع ذاكرتك قريبًا"
"لا تنزعجي مني"
"لما انزعج ؟" رفعت يونغ شي حاجبها الأيمن بغرابة.
"لإنك مرغمه على مرافقتي"
"لما تتحدث بلطافة معي؟"
"ماذا؟ ألم أفعلها مسبقًا؟"
"مطلقًا !!"
"كيف كنت أحدثكِ اذًا؟"
"لا داعي لتذكر مواقف محرجة كتلك" أخفت الفتاة نظراتها.
ابتسم لوهان وبعثر شعرها بلطافة "أظن اننا كنا الأفضل"
تراجعت الفتاة بسرعة إلى الوراء "يآآآه، أنتِ تصيبني بالقشعريرة"
ابتسم الفتى مجددًا ثم ردد "ياه يونغ-شيااه، أنا اعتمد عليكِ اليوم"
"آيــش كلامك اللطيف يشعرني بالغرابة فعلًا، ولكن حسنًا فلنقم بعمل جيد سويةً"
ذهب كلٌ منهما ليتجهز. الثياب، والاحذية، مساحيق التجميل، والعطور الفاخرة، شعر جميل ومصفف، ثقة الشقيقين ببعضهما.
هكذا خرج الثنائي لوهان ويونغ شي، قيدت يدها بيده، تقدما بخطوات واثقة في طريق الذكريات .. طريق العودة إلى الماضي.
وصلا إلى ذلك الفندق الفخم حيث تقام به الحفلة، تردد لوهان قليلًا قبل الدخول، ولكن نظرات يونغ شي كانت كافيه لتعطيه شجاعة مكنته من الدخول.
فتحا باب القاعة، ما هذا ؟؟ ما هذا الحشد العظيم؟
رجال ونساء، في كل مكان.
نظرا إلى بعضهما بقلق*، ابتلعت يونغ شي ريقها *أتمنى ان تكون ليلة لـ صالحنا* هذا ما فكرت به تلك الفتاة بعد ان رأت ملامح شقيقها وتوتره الملحوظ.
شدت على يده ودخلا، تقدما ببعض الخطوات، عندها بدأ البعض ينظر اليهما، وبدأ الهمس يتعالى، وكأنه الشاب المنتظر، أو محور الاهتمام .. تقريبًا.
نظر لوهان بارتباك، نظرات من حوله اربكته بالفعل.
تقدمت أحد الفتيات نحوه "لوهان؟"
نظر لها بتوتر، ثم نظر الى شقيقته، عاود النظر لتلك الفتاة واومأ بالإيجاب.
ابتسمت الفتاة "ألم أقل لكم ؟ انه لوهان" اشارت لبعض من اصدقائها.
التفوا حوله وبدأ الحديث ..
"كيف حالك؟"
"هل أنت لوهان حقًا ؟ لقد تغيرت"
"هل هذه صديقتك؟"
"وااه، لا يزال وسيمًا كالسابق"
هذه الاسئلة وغيرها الكثير، وهو كالتمثال يقف لا يقوى على الحركة أو الاجابة، كيف سيجيب على اشخاص لا يعرف عنهم شيء، وعن اسئلة لا يتذكر ولا يفهم منها شيء.
"نعم .. انه لوهان، وانا لست صديقته، انا شقيقته، ولا يزال وسيمًا، بل أكثر مما سبق .. هل أرتحتم الآن؟" نظرت لهم يونغ شي بثقة بعد أن صمت الجميع "حسنًا أظن أننا تعرفنا كفاية، عن اذنكم" اخذت شقيقها وأكملت الطريق وبدأت بالشتم بصوتٍ خافت.
"يآآه، لا تستعملي هذه الألفاظ، لا تنسي أنك فتاة" ردد لوهان بصوتٍ خافت.
"انظروا إلى هذا الشاب، آيــش .. يجب أن تشكرني بدلًا من القاء المحاضرات الآن، لقد خلصتك منهم"
"شـ-شكرًا"
ابتسمت يونغ شي بنصر.
بعد لحظات سألت يونغ شي لوهان بضجر "أشعر بالعطش، ساحضر شيئًا لأشربه هل ترغب بالمجيء؟"
"لا، أريد أن أتجول قليلًا" أجاب وهو ينظر في الأرجاء.
"هل ستكون بخير؟"
"أجل، أذهبِ ولا تقلقِ علي"
"حسنًا، ان احتجت لأمرٍ ما، فقط اتصل وسآتي بسرعة"
"حسنًا"
ذهبت يونغ شي وبقي لوهان يقف ويضع يده في جيبه يتجول بنظراته في المكان، على الرغم من أن المكان غريب بعض الشيء، الا أن الجو قد يصل لنسبة ثلاثون بالمئة من الراحة.
توقفت نظراته فجأة عن التجول، تجمدت نحو مكانِ واحد، تلك الفتاة التي تقف في نهاية القاعة ضمن تلك المجموعة، احتجزت نظراته ومنعتها من التحرك، *من تلك الفتاة ؟* سؤالٌ بدأ يتردد على ذهن لوهان.
لحظة، ما هذا ؟ هل تبتسم ؟ بدأ قلبه ينبض بشدة، ابتسامتها الساحرة، جعلته يفقد صوابه، كانت كافية لتجعله يصاب بالدوار وضع يده على رأسه الذي بدأ يتألم منه، حرك رأسه حركة دورانيه لا ارادية، ولا يزال الألم يزداد حتى سقط على ركبته، أغمض عينيه وبدأ يشد على نفسه من الألم.
نظر له من حوله بريبة، اقترب بعضهم لمساعدته "هل انت بخير؟" سألوه هذا السؤال وهو لا يزال يتألم، لا يقوى على الرد ولا حتى على استرداد قوته.
سقط على الأرض هذه المرة والألم لا يزال مرافقًا له.
التموا حوله محتارين بأمره، ما به هذا الرجل ؟ فـ منهم من استطاع التعرف عليه ومنهم من لم يستطع.
من بين هذا الحشد تقدمت تلك الفتاة، صاحبة الابتسامة الحُلوة، نظرت إليه بريبه، شهقت عندما تعرفت عليه، هرعت نحوه "لوهان ؟ لوهان هل أنت بخير؟"
استطاع لوهان أن يلمحها بجواره، حاول التماسك أكثر أمام الجميع.
في هذه الأثناء كانت يونغ شي تتجول حتى سقط نظرها على ذلك الحشد، اقتربت بريبة .. وبفضول.
أبعدت أحدهم من طريقها لتقوى على رؤية ما ينظر له الجميع، جحظت عيناها عندما رأته على الأرض يتألم هكذا.
اقتربت منه بسرعه "لوهان، لوهان، هل تسمعني ؟" ضربته بخفة على كتفه ليجيب، أمسك بيدها " أنا بخير، لا تقلقي "
أخرجت يونغ شي من حقيبتها علبة الدواء، فتحتها والتقطت حبة واعطتها إلى لوهان.
"أريد كأسًا م-من الماء، رجاءً"
أعطاها أحدهم كأسًا من الماء ليشرب لوهان، بينما تلك الفتاة لا تزال تنظر اليه بريبة، أو ربما ... شفقة.
استعاد لوهان رشده بعد لحظات، تعجب من الحشد الذي يحيط به، ويونغ شي القلقة، وتلك الفتاة التي تنظر اليه، تذكرها .. تذكر أنها كانت آخر من نظر اليه قبل تلك الحالة التي اصابته.
أسند نفسه بمساعدة شقيقته والبعض الآخرين.
"هل انت بخير الآن ؟" سألت يونغ شي بقلق.
اومأ لوهان بابتسامة خفيفة.
"حسنًا اذًا دعنا نعود ادراجنا"
تفرق الجميع كما كانوا سابقًا وبقي لوهان مع شقيقته.
"هناك من أرغب بالتحدث معه" كان لوهان ينظر لها.
"من؟" التفتت حيث ينظر لوهان.
"تلك الفتاة .. أظنني أعرفها"
"من الطبيعي أن تعرفها، بما انها كانت في مدرستك " صمتت قليلًا ثم أكملت بانفعال " هل تذكرتها ؟ "
"لم أتذكر، ولكن تلك الابتسامه ليست بغريبة، لكنني لا أعرف حقًا"
"الجميع ينظر الينا وكأننا سخرية الحفل، دعنا نذهب ارجوك" عضت يونغ شي على شفتيها باحراج.
"يمكنكِ انتظاري في الخارج، سأحدثها وأعود فورًا"
"آيــش، حسنًا حسنًا، تأكد من ان تبقى بخير، ان لم تعد بعد عشر دقائق سأدخل، اتفقنا ؟" رددت يونغ شي وهي تشير بسبابتها نحوه.
"حسنًا حسنًا، أذهبِ" انهى لوهان حديثه بسرعه وتوجه نحو تلك الفتاة.
كانت تنظر نحوه بقلق، تحاول ان تهرب منه بنظراتها نحو الرجل الذي يقف بجوارها.
قلقة بالفعل من أن يقترب، وكأن بينهما ماضٍ خاص بالفعل.
"مرحبًا" ردد لوهان.
ابتسمت الفتاة بتصنع "أهلًا، أهلًا لوهان"
"اذًا تذكرينني، صحيح؟"
اومأت الفتاة، بينما سأل الرجل بجانبها "هل أصبحت بخير ؟ س-سيد لوهان؟"
"أجل، شكرًا وآسف لأنني قد شغلتكم عن الحفلة"
نظرت الفتاة بريبة نحو لوهان ورددت في عقلها * ما به ؟ هل هذه طريقة جديدة للانتقام مثلًا ؟ تصنع اللطافة ليس من عادته ! *
"لا لا عليك، أنا أدعى سونغ جو-هيون" مد يده ليصافحه.

صافحه لوهان ثم نظر للفتاة "وأنتِ؟"
"انا ماذا؟"
"أقصد ما اسمك؟ "
"هاا؟ اتسأل عن اسمي الآن؟" ابتسمت الفتاة بسخرية "هل تظن انها طريقة جيدة لكي تظهر بصورة لطيفة أمامي؟ بصورة الرجل القوي"
"عذرًا، ولكنني لا أذكركِ حقًا"
"اولًا تتحدث بلطافة وكأنك كنت هكذا من قبل، ومن ثم ماذا ؟ لا تتذكرني؟"
"أجل، لا أتذكركِ"
"جيد، اذًا لماذا تريد أن تتذكر الآن؟"
"هاي هاي، ماذا يحدث ؟ هويا ! ما بكِ ؟"
"لا شيء أوبا، دعك من هذا المغفل، لنذهب" مشت الفتاة بغضب محاولةً تجاهل ذلك الرجل المزعج.
ابتسم لوهان بخفة "هويا، اسمكِ هويا"
خرج من القاعةِ بعد لحظات ليرى يونغ شي تجلس على حافة الرصيف تنتظر، اقترب منها "ألم تجدي مكانًا أفضل لانتظاري فيه؟"
نظرت له بغضب "هل ترغب بإن تركل؟ أنا أنتظرك وأنت تعطي المحاضرات؟" وقفت ثم نفضت ثيابها.
"حسنًا، دعينا نغادر" أمسكته يونغ شي قبل ان يخطو خطوة واحدة "انتظر، ماذا عن تلك الفتاة؟ حدثني عنها، ولماذا تعبت في القاعة هكذا؟"
"دعينا نركب السيارة قبل ان نتجمد من البرد ثم سأخبركِ"
ركبا السيارة، وبدأ يحدثها عن ابتسامتها التي سحرته، أخبرها أنها تعرفه جيدًا، هذا ما رآه في عينيها حين حدثها، نظراتها اللطيفة والخبيثة في آن معًا، تلك الهويا تعرفه جيدًا وهناك ماضٍ بين هذا الثنائي.
أما بالنسبة للألم المفاجئ الذي تعرض له في القاعة، هو لم يعرف السبب بعد، ربما ألم عادي كالذي يصيبه منذ وقع الحادث.
--
في الطريق كانت تسير ممسكةً بيده، تحاول ان تنظر هنا وهناك متهربةً من نظراته المتسائلة .. بالطبع حول ذلك الشاب.
لكنها للأسف لم تستطع التخلص منها حتى سألها "ما علاقتكِ بذلك الشاب؟"
"كان زميلي في المدرسة" أجابت بعد صمت دام للحظات، ثم أبتسمت.
" لا أظن أنه كان مجرد زميل عادي " توقف جو-هيون والتفت نحوها.


"ما الذي تقصده ؟ " حاولت أن تتهرب بنظراتها مبتعدةً عنه.
" هيا اخبريني هل كنتما تتواعدان ؟ " عقد الشاب يديه منتظرًا اجابه.
" يآآه، هل جننت ؟ أنا اواعد لوهان ؟! "
" اذًا حديثكما وكأنكما على على دراية بأحوال بعضكما، هل هي مجرد زمالة ؟ "
" لا، ليست زمالة حتى "
"ماذا اذًا ؟"
تنهدت الفتاة بضجر " لقد كان اضحوكة المدرسة، لذا فالجميع يعلم عنه "
"وهل يعامل الجميع بطريقة خاصة مثلكِ ؟ " اقترب جو-هيون من وجهها رافعًا حاجبيه.
" ما بك أوبا ؟ اسئلتك لا تستحق أن نقف ونتأخر بسببها " مشت هويا أمامه وتركته يعض على شفته بغضب.
لحق بها ووقف أمامها مباشرة " كيف لفتاة أن تترك رجلها يتحدث وتذهب هكذا؟ "
" لإنه لا داعي لأسئلتك ! " وضعت الفتاة يديها في جيبيها وأجابت بتذمر.


أمسك يديها ودفعها نحوه ليحيط خصره بذراعيها، ثم أقترب منها أكثر " لا أمانع إن كان حبكِ الأول، ما دمت سأبقى حبك الأخير ؟ "
ضحكت الفتاة بسخرية " ماذا ؟ حبي الأول ؟ لوهان ؟ يا لها من سخافة "
أقترب من شفتيها وهمس وهو يبتسم بخبث " أجل سخافة " طبع قبلة سريعة على شفتيها " فأنا حبيبك الآن "
--
في منزل لوهان حيث تجلس العائلة بانتظار عودته هو وتلك الصغيرة يونغ شي.
تحدثت يونغ شي أمام والديها عمّا حدث في الحفلة، وعن تلك الفتاة التي بدأ لوهان يتذكر عنها القليل.
وبالطبع اتصلا بالطبيب وجاء مسرعًا وقصّا عليه ما حدث تمامًا.
"هذه الفتاة هي الخيط الذي سيكر وراءه العقد المتشابكة" أعلن الطبيب بثقة.
"لكن لما هي بالتحديد ؟" سأل والد لوهان.
"ربما هناك ما كان يجمعها بـ لوهان في الماضي، علاقة قوية كانت قادرة على ان تحفر تلك الفتاة في قلبه وعقله لدرجة عدم نسيان بعض التفاصيل عنها"
"اذًا ما المطلوب منا الآن؟"
"المطلوب هو أن تتقرب تلك الفتاة من لوهان، يجب عليها ذلك حتى نتمكن من الحصول على نتائج أفضل"
"هل ندعهما يتواعدان مثلًا؟"
"التقرب منها لا يعني المواعدة، ستكون الصديقة المعالجة، قريبة منه في حدود العلاج، دون علمه فقط" ردد الطبيب.
"هل سينجح الأمر؟" سألت والدة لوهان بقلق.
"حاليًا في وضع لوهان، اظن ذلك"
"كيف سنحدثها ؟ هل ستوافق ؟ " نظرت السيدة إلى زوجها بتساؤل.
"سنفعل أي شيء قد يجعلها تساعد ابننا"
--
(( هويا .. هوياا، لا أظن أنني سمعت اسمكِ من قبل، لكن عندما نظرت إليكِ، شعرت وكأننا تقابلنا بالفعل* ذكرياتي المفقودة هل سأسترجعها ؟ * سألت نفسي هذا السؤال عندما رأيتك اليوم، نظراتك شدتني، وابتسامتك التي أفقدتني صوابي، أظن ان هناك ما يربطني بكِ، حتى كلامكِ معي جعلني أفهم أنني كنت مقربًا منكِ جدًا حتى تلاحظي التغير في تصرفاتي.
إنك تشبهينها ! الفتاة التي أراها في أحلامي، هذا غريب ! هل جمعتنا علاقة من نوعٍ خاص في الماضي ؟ هل عليّ أن أراكِ مجددًا ؟  ))
أغلق لوهان دفتر مذكراته ووضعه في الدرج، ابتسم لمجرد شعوره بالراحة، بالرغم من أن اللقاء بينهما لم يكن جيدًا، الألم الذي أصابه فجأة جعل ليلته تتعكر، ولكن ابتسامتها الحلوه جعلته يتجنب ما قد يزعجه من ذكريات.
منذ أن عاد لوهان وهو يجلس في غرفته، لم يعلم ابدًا بان الطبيب قد جاء، في الواقع هو لا يحبذ أبدًا الجلوس والتحدث معه، كونه يرى أن المشكله خاصته قد تُحل بدون تدخل وقلق الجميع.
لذا فهو لا يعلم ما قد ستحدث من أمور مخطط لها في أيامه المقبلة.
--
كانت تجلس على سريرها، كان يشغل بالها لوهان، وما حدث معه اليوم.
" هل هو مريض ؟ لقد سقط بطريقة مرعبة، أظنه مريض بالفعل، ولكن ما هو هدفه وراء تلك الطريقة التي تحدث بها معي ؟ تحدث وكأن اليوم هو اللقاء الأول، هل ينتقم مني بهذه الطريقة الغبية ؟ لا تذهبِ ! هل يمزح عندما قالها ؟ لا أظن، لقد قالها وهو مغمى عليه .. ربما ظن أنني أحد آخر، أتمنى ألا يكون أوبا قد انزعج من تصرفات لوهان الأحمق، سينساه بالتأكيد "
رن هاتفها بعد أن قررت أن تنام، التقطته لتجيب " ما هذا ؟ رقمٌ غريب ! "
" مرحبًا من معي ؟ "
" نحن معرض للرسم ورأينا بعض الأعمال لكِ، لذا نرغب بان نضمك للفريق، هل أنتِ متفرغه للقاء عمل في الغد ؟ "
وقفت هويا بصدمة، وضعت يدها على فمها من الفرحة " آنسة بارك، هل تسمعين ؟ "
" أوه اجل أجل، بالطبع أنا متفرغه، متى وأين سنتقابل ؟ "
" في المقهى المقابل لثانوية سونغ ري، في تمام الساعة الثانية والنصف "
"حسنًا، سأكون هناك في الموعد، شكرًا، شكرًا لكم "
أغلقت الهاتف وبدأت تقفز فرحًا وهي تردد " لا أصدق ! سأحقق حلمي "
جلست هويا على السرير والابتسامة لا تزال على شفتيها، نظرت إلى هاتفها " هل علي أن أتصل بـ أوبا ؟ هل أخبره عن العمل ؟ أم هل علي أن أتركها مفاجئة ؟ " فكرت قليلًا ثم أكملت " أظن أنه من الأفضل أن تبقى مفاجأة، سيفرح من أجلي، اوه يا الهي، إن أحلامي تبدأ بالتحقق، شكرًا لك يا الهي "
لم تستطع هويا النوم في ليلتها، رؤيتها لاحلامها التي بدأت تنسج بهم منذ الطفولة وهم يتحققوا، كانت الأكثر سعادة على الاطلاق، وهذا ما جعلها تغفل عن أنها لم تضع لوحات قد قامت برسمهم في أي معرض من قبل.
انتظرت حتى الصباح، خافت من أن النوم قد يسيطر على جسدها ويأخرها عن الموعد بالرغم من أنه في وقت الظهيرة تقريبًا، ولكن فرحتها أنستها النوم بالفعل.
أخرجت بعض اللوحات التي قامت برسمهم، المفضلين بالنسبة لها، وضبتهم بشكل جيد ويليق بها كفنانة في ذلك المعرض الي لم تسأل عن أسمه حتى.
وأخيرًا وبعد طول انتظار ها قد ظهرت شمس الصباح، استقبلتها هويا بسعادة وابتسامة عريضة، أخرجت بعض الملابس الأنيقة وبدأت تفكر ما الذي سترتديه، بعثرتهم في جميع ارجاء الغرفة، على السرير وعلى الأرض، بدا شكل الغرفة فوضوضي للغاية.
بعد ان اختارت ملابسها وبعد عناء طويل، ذهبت لتستحم، ومن ثم خرجت لتجفف شعرها، وضعت بعض المساحيق ثم ارتدت ثيابها، وكأنها ستذهب لمقابلة عمل في أحد الشركات غافلة عن مهنتها الحقيقة، ألا وهي الرسم، أجل، الرسم.
 
هذا ما كانت تُبدع بهِ هويا منذ طفولتها كونها تعلمت على يدي والدها قبل موته وتركها لها وحيدة في هذا المنزل الصغير، ومع عدة الرسم، الفرشاة والورق الأبيض، هكذا كانت تعيش هذه الفتاة، ثم التحقت بالجامعة في قسم الفنون، الرسم تحديدًا، وهناك تعرفت على جو-هيون، وهو شاب يطمح بإن يكون موسيقي معروف، عالمي، صوته الجميل، ورقصه المتقن، بالإضافة إلى وسامته وحسن مظهره الذي ساعده كثيرًا بإن يخطو أولى خطواته نحو الفن وعالم الموسقى والغناء.
وقع هذا الثنائي في الحب، وتطورت تلك العلاقة إلى المواعدة، حيث تبادلا القُبل بالفعل.
تجهزت هويا بالكامل، تناولت وجبة خفيفة، ثم تأكدت بانها أحضرت رسوماتها، قبلت صورة والدها كما اعتادت، ودعت المنزل، وبابتسامتها خرجت منه، كانت ترغب بإن تكتسب الثقة التي ستمكنها من الالتحاق بذلك المعرض.
تسير في طريقها، توقفت قليلًا بعد أن رن هاتفها، التقطته وارتسمت تلك الابتسامه على شفتيها، أجابت " أوباا، يجب أن نتقابل، هناك مفاجأة .. هل أنت متفرغ بعد ساعتين ؟ "
" وأنا أيضًا .. هناك ما أود أن أخبركِ به، بعد ساعتين، سأنتظرك في منزلكِ "
" حسنًا، فلتتناول بعض الطعام، أعددته من أجلك " أنهت مكالمتها ولا تزال ابتسامتها مشرقة على شفتيها، أرجعت هاتفها مكانه، وأكملت طريقها بثقة أكبر من ذي قبل.
وصلت إلى المكان المطلوب، لا يزال هناك نصف ساعة على الموعد، ولكنها فضلت المجيء مبكرًا، خوفًا من التأخر.
دخلت إلى المقهى، جلست على أحد الطاولات، طلبت القهوة المثلجة، وانتظرت بصمت.
أخرجت هاتفها وبدأت تلتقط بعض الصور لنفسها من الملل، ثم لعبت ببعض الالعاب على هاتفها علّ الوقت يمضي مسرعًا، وأخيرًا وبعد طول انتظار سألتها سيدة " هل أنت الآنسة بارك هوان هوي ؟ "
- في الواقع أجل، هذا هو اسمها الحقيقي، (( بارك هوان هوي )) ولكن الجميع يناديها بـ هويا، هذا ما اعتادت على سماعه من الآخرين، وما فضلته أيضًا -
وقفت هويا، وانحت بخفة " أجل، إنها أنا "
" اجلسي من فضلك " جلست السيدة والسيد الذي كان يرافقها، ثم جلست هويا بعد نصف ثانية.
" ماذا تودين أن تشربي ؟ " سألت السيدة.
" في الواقع لقد شربت، ولكن لن أمانع من الشرب مجددًا .. قهوة مثلجة "
بعد أن وصل المشروب، بدأوا بالتحدث، في الواقع بدأت السيدة أولًا.
" في الحقيقة نحن لا نعمل في معرض للرسم "
بزقت هويا ما بفهما بعد أن سمعت ما قالته السيدة، بعد أن تداركت الموقف، أمسكت بالمنديل الورقي ومسحت فمها، وضعت القهوة على الطاولة وسألت بريبة " م-ما الذي تعنينه بهذا الكلام ؟ هل تمزحين معي الآن ؟ "
" في الواقع هذه السيدة هي والدة لوهان، صديقك في الثانوية، اتذكرينه ؟ "
اتسعت عينا الفتاة " ماذا ؟ والدة ذلك المغفل ؟ هل هذه الكاميرا الخفية ؟ "
" في الواقع أجل، هي والدته وأنا الطبيب الخاص به "
هدأت الفتاة قليلًا بعد ان سمعت كلمة طبيبه الخاص، نظفت حنجرتها، وبارتباك سألت " ط-طبيبه الخاص ؟ هل هو مريض ؟ "
" ليس بالضبط " أجاب الطبيب.
" ماذا يعني هذا ؟ " سألت هويا.
" لقد تعرض لحادث منذ فترة ليست بطويلة، وعلى أثرها فقد ذاكرته "
 ~ تذكرت هويا في تلك الليلة ~
"مرحبًا" ردد لوهان.
ابتسمت الفتاة بتصنع "أهلًا، أهلًا لوهان"
"اذًا تذكرينني، صحيح؟"
اومأت الفتاة، بينما سأل الرجل بجانبها "هل أصبحت بخير ؟ س-سيد لوهان؟"
"أجل، شكرًا وآسف لأنني قد شغلتكم عن الحفلة"
نظرت الفتاة بريبة نحو لوهان ورددت في عقلها * ما به ؟ هل هذه طريقة جديدة للانتقام مثلًا ؟ تصنع اللطافة ليس من عادته ! *
"لا لا عليك، أنا أدعى سونغ جو-هيون" مد يده ليصافحه.
صافحه لوهان ثم نظر للفتاة "وأنتِ؟"
"انا ماذا؟"
"أقصد ما اسمك؟ "
"هاا؟ اتسأل عن اسمي الآن؟" ابتسمت الفتاة بسخرية "هل تظن انها طريقة جيدة لكي تظهر بصورة لطيفة أمامي؟ بصورة الرجل القوي"
"عذرًا، ولكنني لا أذكركِ حقًا"
"اولًا تتحدث بلطافة وكأنك كنت هكذا من قبل، ومن ثم ماذا ؟ لا تتذكرني؟"
"أجل، لا أتذكركِ"
"جيد، اذًا لماذا تريد أن تتذكر الآن؟"
******
" آنسة هويا، هل تسمعينني ؟ "
عادت هويا الى رشدها بعد مقطع بسيط من ذاكرتها القريبة التي جمعت بينها وبين لوهان.
" شردتُ قليلًا " هذا ما اجابت بهِ هويا بهدوء، قاطعت الطبيب بعد أن بدأ كلامه ليكمل " ولكن ما دخلي بـ لوهان ؟ "
" حدثتني ابنتي عما حدث في الحفلة، أقصد عندما رآك وشعر وكأنه يتذكركِ " رددت السيدة ثم أكمل الطبيب ما بدأته " كونه فاقدًا للذاكره، وعندما رآك شعر وكأنه يعرفكِ من قبل، هذا يدل على أن علاقة قوية كانت تربط بينكما في الماضي "
ارتبكت هويا بعد أن سمعت " علاقة قوية بينكما " حاولت أن تسيطر على ارتباكها " اذ-اذًا ماذا ؟ "
" أرى أنكِ قد تكونين المفتاح لعلاج لوهان، قد يسترجع ذكرياته على يدكِ أنتِ، آنسة بارك "
اتسعت عينا هويا لما سمعته من كلام، وما جعل صدمتها تكبُر هو ما قالته والدة لوهان " أرجوكِ تقربي منه وكوني العلاج الخاص بابني " تسمرت في مكانها من هول الصدمة، نظرت إلى الطبيب والسيدة ثم انفجرت ضاحكة بسخرية، أنهت ضحكتها بنظرة من الغضب " هل تمزحون معي الآن ؟ هل تطلبون مني أنا أن أكون مقربة من لوهان ؟ " ارتشفت القليل من القهوة ثم أكملت " اتصلتم بي في منتصف الليل، وأخبرتوني عن عمل قد يغير حياتي، لم أنم أبدًا وأنا أنتظر هذه الفرصة، ارتديت أجمل الثياب عندي، وماذا ؟ تريدون أن اكون العلاج الخاص بـ لوهان ؟ ذلك المغفل ؟ " وقفت الفتاة بغضب " هذا يكفي سأذهب، لا أريد أن أستمع للمزيد من الهراء "
" سنمنحكِ ما ترغبينه من مال، والمعرض الخاص بكِ، بالاضافة إلى منزلكِ الذي ينتظركِ في فرنسا " أعلنت والدة لوهان، فتوقفت هويا ونظرت إليها بتعجب " من أجلي انا ؟ "
" ستحصلين على ما تريدينه، فقط وافقي على مساعدته "
" لوهان بحاجة إلى أمل، وأنا أرى أنكِ الأمل الوحيد أمامنا " أعلن الطبيب.
--
كان يرتدي ثيابه، لقد أنهى استحمامه منذ لحظات.
خرج من غرفتهِ، بحث عن والدته ليخبرها أنه سيخرج، لكنه لم يجدها، خرج من المنزل ليتمشى ويتنفس الهواء النقي.
--
كانت تمشي في الطريق، تمسك بالحقيبة التي تحتوي على لوحاتها، شاردة الذهن .. بلا وعي تقريبًا.
بدأت تتذكر ما حديث بينها وبين والدة لوهان وطبيبه وكيف أنهت اللقاء معهم.
نظرت الفتاة الى الطبيب ثم الى والدة لوهان، ابتسمت قبل أن تجيب " أنا آسفة لا استطيع أن أكون علاج لوهان، هذه ليست انانية مني، ولكنني لا اريد هذا، وبالنسبة للمال والمعرض الذي تتحدثين عنه سيدتي " تنفست براحة ثم أكملت " بالرغم من انه حلمي، ولكن يمكنني التحمل لكي أحصل عليه في المستقبل " انحنت الفتاة بعد ان انهت كلماتها " اعذروني الآن يجب ان أذهب "
تنهدت الفتاة بعمق، ضربت بقبضتها على صدرها بخفة وهي تردد " ما فعلته كان صحيحًا، أليس كذلك ؟ "
أكملت الفتاة طريقها وهي تحدث نفسها " آسفة لوهان، كانت هذه فرصة لكي أكفر عن الذنب الذي اقترفته بحقك، لكن لدي جو-هيون أوبا .. لا يمكنني أن أنقض الوعد الذي كان بيننا من أجلك "
رن هاتفها لتتوقف قليلًا عن التفكير بالأمر، التقطته لترى أن جو-هيون هو المتصل.
أجابت بعد أن تنفست بقوة " أجل، أوبا "
" هويا، هناك أمر رائع حدث معي، متى ستأتي ؟ "
" حقًا ؟ أنا في طريقي، لقد اقتربت .. ما هو الأمر ؟ " ابتلعت ريقها قبل أن تجيب.
" مفاجأة، تعالي بسرعة ولا تتأخري "
" حسنًا، لن اتأخر " اومأت الفتاة.
أنهت مكالمتها، وضعت هاتفها في حقيبتها ثم أكملت سيرها نحو المنزل حيث ينتظرها جو-هيون.
--
 كان لوهان يمشي في طريقه، توقف منتظرًا أن تصبح الاشارة خضراء لكي يقطع الشارع .. في الجهة المقابلة توقفت هويا هي الأخرى، نظر اليها عندما قطعت الشارع فجأة قبل أن تصبح الاشارة خضراء، توقفت بصدمة بعد أن سمعت صوت زوامير السيارات، استيقظت من الحالة الغريبة التي اصابتها، ركضت مسرعة نحو الجهة الأخرى حيث لوهان وبلا أن تشعر اصطدمت بهِ عن طريق الخطأ،
ابتعدت عنه مسرعة ثم انحنت دون أن تلمح وجهه.
" هل أنتِ بخير ؟ " سأل لوهان بقلق.
تجمدت في مكانها عندما سمعته، هي تعرف هذا الصوت بالفعل، رفعت رأسها ببطئ لـ تلمحه.
أغمضت عينيها وصرت على اسنانها مصدرةً ذلك الصوت " آيــش "
" لم تجيبي ! " قرب لوهان رأسه منها.
" لا لا، أنا بخير، جيدة جدًا " ابتعدت عنه تلوح بيديها نافية.
" متأكدة ؟ ما رأيته قبل لحظات يخبرني العكس " ضم لوهان يديه الى صدره.
 " هل رأيته ؟ هذا محرج "
" كنتِ ستموتين، ما هو المحرج في الموضوع ؟ " سأل ببرود، بينما ضحكت هي ضحكات متقطعة اوضحت احراجها " صحيح ! أنهُ مخيفٌ بعض الشيء " وضعت يدها خلف رأسها بارتباك.
" هل أنتِ ذاهبة إلى المنزل الآن ؟ "
" أجل " اجابت ثم أكملت بتردد " ولكن لماذا ؟ "
" سأوصلكِ " اومأ لوهان.
" لا داعي لهذا .. " قاطعها لوهان عندما أمسك بيدها " من هنا ؟ " سأل لوهان وهو يشير إلى اتجاه الطريق.
" لا، هذه الجهة " اجابت بتوتر وهي تشير إلى الجهةِ المعكاسة.
نظرت إلى يده الممسكة بيدها، أفلت يدها وحاول أن يخفي احراجه فـ مشى متقدمًا عنها بخطوتين.
لحقت به بعد لحظات تحاول أن تمسك حقيبة اوراقها جيدًا بعد مسافة طويلة، لاحظ أنها تعاني من تلك الحقيبة فأمسك بها وابتسم بخفة " سأساعدكِ بها "
" شكرًا لك " أمالت برأسها بخجل.
مشي الثنائي بجوار بعضهما ومسافة ليست بكبيرة تفصل بينهما، بدأ هو بالحديث بعد دقائق قليلة من المشي.
" هل كنتُ فظًا معكِ في السابق ؟ "
توقفت فجأة عن السير وهي تنظر إلى الأرض أسفل قدميها، وتشد على حزام حقيبتها، نظرت إليه بعد لحظات " لما تسألني هذا فجأة ؟ "
بعد أن توقف أجابها " ما قلتيه سابقًا، طريقتك أظهرت أنني كنت فظًا في السابق، أليس كذلك ؟ "
" هل تظن حقًا أنك كنت فظًا معي ؟ "
" أنا حقًا لا أعلم، ولكنني أتمنى أنني لم أزعجكِ سابقًا " ابتسم بلطف بعد أن أنهى كلماته.
" لماذا تفعل هذا ؟ " سألت هويا بحزن.
" ماذا أفعل ؟ لم أفهم قصدكِ .. أعذريني "
" لطافتك هذه .. أنا لا أستحقها " تراكمت دموع في عينيها بعد أن علت نبرة صوتها.
" هل تبكين ؟ " فتح عينيه بتعجب.
ادارت رأسها إلى الجهة الأخرى تخفي وجهها " لا، لا أبكي "
أمسك بذقنها وأدار رأسها لتواجهه " لما علي أن أنتقم منكِ ؟ "
رفعت حاجبيها بصدمة " تنتقم ؟ "
" في الحفلة عندما أخبرتني إن كانت هذه طريقة جديدة لكي أنتقم منكِ، لما علي فعل هذا ؟ " أقترب من وجهها وهو ينظر إلى عينيها مباشرة.
ابتلعت ريقها بتوتر قبل أن تجيب " سأتأخر .. يجب أن أذهب "
أنهت كلماتها وذهبت مسرعة دون أن تأخذ حقيبة رسوماتها من يد لوهان، وصعدت المبنى حيث تعيش، في الواقع لقد وصلت بالفعل، كان المنزل يبعد حوالي دقيقة عن مكان وقوف لوهان، تمكن من معرفة بيتها.
--
فتحت باب شقتها، دخلت ثم أغلقتها بسرعة، أسندت نفسها على الباب تتنفس بسرعة وهي تضع يدها على صدرها الذي يعلو ويهبط.
" أنتِ هنا ؟ " خرج جو-هيون وهو يرتدي ملابس رياضية مريحة ويضع قبعة على رأسه.

" أوبا، آسفة لقد تأخرت عليك "
دخلت هويا إلى المطبخ وسكبت الماء لتشربه، بينما سألها هو " قلقتُ عليكِ، أين كنتِ ؟ "
" مقابلة عمل " أجابت بعد أن ارتشفت الماء.
" حقًا ؟ هل حصلتي على وظيفة ؟ "
هزت الفتاة برأسها نافية.
رفع الشاب حاجبه بقلة حيلة ثم أقترب منها وعانقها " لا تقلقي، سأعوضكِ "
" تعوضني ؟ " ابتعدت عنه قليلًا.
" في الواقع هناك مفاجأة " أعلن جو-هيون.
" أوه صحيح نسيت أمرها، ما هي ؟ "
" لقد وقعنا عقد مع شركة ترفيهية " ضم يديه أمام فمه بابتسامة تفاؤل أجاب.
" أوباا ! " رددت بصوتٍ عالٍ قبل ان تعانقه بقوة.
" لكنني سأشتاق اليكِ " أعلن جو-هيون.
أبتعدت عنه هويا بعد ان سمعت ما قاله، نظرت اليه بتعجب " ماذا تقصد بهذا ؟ "
" سنذهب إلى اليابان "
" متى ستعود ؟ " سألت هويا بحزن.
" للأسف .. سأغيب فترة طويلة " وضع يده على رأسه بارتباك.
" متى ستعود ؟ " أمالت رأسها بتعجب.
" أربع سنوات "
" ماذا ؟ " سألت الفتاة بصدمة.
" هذا هو شرط العقد، انا آسف " أخفض نظرته.
" ولكن اوبا، هذا كثير بدونك " تراكمت الدموع في عينيها.
عانقها وربت على رأسها " فتاتي، أرجوكِ لا تحزني .. سأعود بأقرب وقتٍ ممكن "
" لا أريدك ان تبتعد عني هكذا "
" أنه حلمي، هل نسيتي ما فعلناه لتتحقق أحلامنا ؟"
" أوبا أنا آسفة، ولكن .. " توقفت عن الكلام ثم أعلنت بعد لحظات " أوبا، سأنتظرك "
شدد عناقه لها ثم أعلن بصوته الأجش " أحبكِ " أبتعد عنها بعد دقيقة، نظر إلى وجهها " أعرف أنكِ مستاءة بسبب العمل، لا تقلقِ الأمور ستصبح أفضل "
أبتعدت عنه قليلًا بعد أن مسحت دموعها وأبتسمت " يآآه، ألا يمكنك أن تأكل وتنظف الأطباق بعد الأنتهاء منها ؟ "
أبتسم بسخرية وهو يراها تذهب لتنظيف الأطباق " سأشتاق لطعامكِ المقرف "
نظرت إليه بطرف عينها " إن كان طعامي مقرف لا تأكله إذًا "
أبتسم مجددًا " لو أن الأمر بيدي لكنت فعلت ذلك " نظرت إليه وبادلته ذات الإبتسامة، وأستمرت السخرية بينهما.
بعد أن تحدثا معًا لوقتٍ طويل ذهب جو-هيون إلى منزله، نظفت هويا المكان، أخذت حمامًا منعشًا ثم ارتدت ثياب النوم وذهبت لتنام.
تقلبت عدة مرات في هذه الليلة، ما حدث معها ليس بقليل، الوظيفة التي سهرت من أجلها اتضح أنها خدعة، ليست بخدعة مؤلمة إلى حدٍ ما ولكنها صادمة فـ من جهة حلمها لم يتحقق بعد، ومن جهة أخرى الحقائق التي اكتشفتها عن لوهان، ضميرها عذبها بشدة بعد ان تذكرت رفضها للعرض الذي قدمته والدة لوهان بالرغم من أنها اخبرتها بحقيقة وضعه وحاجتهم لمساعدتها، ومن جهة أخرى اسئلة لوهان اذ كان فظًا معها سابقًا أم لا.
" لوهان !! هل تظن أن الوقت مناسبًا لكي تجعل ضميري يصحو ؟ " سألت نفسها هذا السؤال وهي تضرب على رأسها بخفة ثم رددت بنبرة منزعجة " آيــش ! حسنًا حسنًا، سأفعلها .. ان كانت هذه الطريقة الوحيدة لتحقيق حلمي، حسنًا سأفعلها .. آسفة لوهان سأستغلك لأنجح "
أخفت وجهها داخل الوسادة بضجر محاولةً ألّا تظهر وجهها أبدًا .. ربما بسبب الإحراج أو تأنيب الضمير.
--
أستيقظ لوهان بعد أن طرق جرس المنزل مرتين، تقلب مرتين على سريره يشعر بالإنزعاج، نظر إلى الساعة وتفاجئ أنها العاشرة صباحًا، شعر وكأنه يجب عليه الاستيقاظ، فـ اليوم قد بدأ بالفعل، وحان الوقت لكي يستجمع قوته ويبدأ يومه الذي لا يعرف ما يختبئ بهِ من أحداث.

نزلت السيدة على الدرج متجهة نحو غرفة الضيوف، فتحت الباب ودخلت لترى هويا تجلس على أحد المقاعد .. وقفت هويا فور دخول السيدة، انحنت بعد أن القت تحية الصباح.
" تفضلي أرجوكِ " هذا ما اعلنته السيدة وهي تشير لـ هويا بالجلوس.
جلسن على المقاعد، ابتسمت السيدة لرؤيتها للفتاة، بينما هويا تحاول أن تخرج من حالة الصمت التي أعتلتها لعدة دقائق " سيدتي، بشأن ما قلتيه .. "
" تقصدين المعرض ؟ " سألت السيدة بثقة.
اومأت هويا ثم أعلنت " العرض .. لا يزال ساريًا، صحيح ؟ "
ازداد عُرض ابتسامة السيدة بعد سؤال هويا، أجابتها براحة " بالطبع .. ولكن هل وافقتي عليه ؟ "
تنفست هويا بقوة ثم أجابت بتوتر " سأفعلها "
أمسكت السيدة بكلتا يدي هويا " اذًا ستساعدي ابني الوحيد ؟ "
شعرت هويا بثقل كبير على صدرها، فـ نظرات والدة لوهان كانت كافية لتشعرها أنها تدخل نفسها في لعبة كبيرة، مصيرية، وأن أي خطأ يحدث بها قد يؤدي لكارثة.
استجمعت هويا شجاعتها وأعلنت بصوتٍ واثق " سأساعد لوهان "
في هذه اللحظات كان لوهان ينزل على الدرج باحثًا عن والدته، سأل احدى الخادمات فأجابته أنها مع ضيفة في غرفة الضيوف، فـ ذهب لمقابلتها هناك.
طرق الباب مرتين، ثم فتحه بعد أن سمع والدته وهي تقول " تفضل "
دخل ونظراته موجهة إلى مقبض الباب، تفاجئ حين رفع نظراته لتسقط على تلك الفتاة التي تجلس بجوار والدته " هويا ؟ " سأل بدهشة.
وقفت هويا بارتباك مسرعة " حـ حقيبتي جئت لكي آخذها "
نظرت السيدة لهويا وتفاجأت برد هويا، ولكنها سرعان ما اتخذت جانبها وأكملت عنها " أحببت ان اتعرف على صديقتك، تبدو لطيفة "
" كنتُ سأحضر الحقيبة لكِ اليوم " أعلن لوهان ثم أكمل رافعًا حاجبه " ولكن كيف عرفتي أين أعيش ؟ "
ابتلعت هويا ريقها وبدأ العرق يتراكم على كفيها، أجابت بعد ان اخذت فترة " أعرفه منذ أيام الثانوية "
" آآه " هز لوهان برأسهِ.
" بما أنكِ صديقة لوهان من أيام الثانوية اذًا ستتناويلن الغداء معنا اليوم " اعلنت السيدة بينما هويا التي تشعر بالإحراج حاولت أن ترفض ولكن اصرار السيدة كان كافيًا لتبقى، ولوهان يقف مكانه ويكتفي بالنظر.
" لوهان لدي بعض الأعمال في الخارج، ما رأيك ان تقضي مع هويا بعض الوقت حتى أعود لنأكل سويًا ؟ "
" حسنًا أمي، يمكنكِ الذهاب "
استمرا بالوقوف حتى بعد ذهاب السيدة، سأل لوهان بعد لحظات " أتودين أن نمشي في الحديقة قليلًا ؟ "
" حسنًا " اومأت الفتاة.
ذهبا للمشي في الحديقة، الارتباك يظهر على كل منهما، لم يتحدثا منذ أن خرجا وها هو الوقت يمضي بينهما.
توقفت هويا فجأة ثم نظرت إليه " ه-هل رأيت رسوماتي ؟ "
" لماذا تسألين ؟ " ضم يديه متعجبًا.
أجابته متصنعةً الابتسامة " بلا سبب، فقط سؤال "
" هل هناك شيءٌ لا ترغبين من أحد أن يراه مثلًا ؟"
" هآه ؟! " ابتلعت ريقها بعد أن قالتها، ثم سألت بارتباك " شيءٌ مثل ماذا ؟ "
" شيء تخجلين منهُ مثلًا " نظر لوهان بطرف عينه نحو السماء.
رفعت سبابتها امام وجهه وأعلنت بغضب " يآآه ! ألا تعلم شيء عن فن الرسم ؟ " ضمت يديها ونظرت إلى الجهة الأخرى بتكبر ثم أكملت " بالطبع لن تعلم ! " نظرت إليه بطرف عينيها ثم رددت " خجل ؟ " أنهت ما قالته بضحكة مستهزئة ثم مدت يديها نحو اليمين ونحو الشمال، نظرت إلى يمينها " الرسم " ثم إلى شمالها " والخجل " لوحت بيديها نافية وبضحكة جانبية ساخرة أعلنت " لا يجتمعان "
رفع لوهان حاجبه بدهشة " هل أنتِ منحرفة ؟ "
" ماذا؟ منحرفة !! " ارتعشت يداها من الغضب، حاولت أن تهدأ نفسها فشدت على قبضتيها، تنهدت بقوة ثم أعلنت " لقد كان واجب في المعهد ! " ابتلعت ثم اكملت بثقة " آيــش ! لست منحرفة، أتعرف؟ لقد حصلت على المرتبة الأولى وقتها "
ضم لوهان يديه وصفق وهو مذهول " وآآه ! يبدو انكِ تعمقتِ كثيرًا في الرسم وقتها "
انهارت ثقتها أمام كلماته، بدأت تحرك يديها أمام وجهها بضجر " آيش، دعنا نغير الموضوع " انهت ما قالته ثم تحركت بإحراج.
ابتسم لوهان على منظرها ثم تبعها " كنت امزح، هل انزعجتي ؟ "
نظرت إليه لترى تلك النظرات اللطيفة التي كانت في عيني لوهان، ابتسامته الصادقة.
تنهدت الفتاة ثم سألت بضيق " لوهان، هل حقًا لا تتذكر ماضيك ؟ "
اختفت ابتسامته للحظات، مشى مبتعدًا عنها " هل أخبرتكِ أمي بالأمر ؟ "
(( هل هذا جيد بالنسبة لي؟ هل يجب أن تعود له تلك الذكريات السيئة؟ لطافته هذه أنا لا أستحقها، بالرغم من أنني أعلم هذا ولكنني لا زلت أستغلك، لقد جعلت منك الوسيلة التي ستأخذني لعالم أحلامي الذي تعبت من الوصول إليه بمجهودي ))
هذا ما كان يخطر ببال هويا في هذه اللحظات، شعر لوهان أنها شاردة الذهن، لوح بيده أمام ناظريها، استيقظت لترى نظراته اللطيفة لا تزال في عينيه، نظرت نحو الجهة الأخرى لتتفادهما، تحركت بعد لحظات مجددًا.
" هل كنتُ أحبكِ في السابق ؟ "
توقفت بعد أن سمعت سؤال لوهان، نظرت إليه بصدمة " ل-لماذا تسألني هذا السؤال ؟ "
" لا أعلم، أظن أنني أعرفكِ جيدًا " اومأ لوهان.
" ل-لا، فـ نحن لم نكن مقربين إلى ذلك الحد " ابتلعت ريقها قبل ان تجيب.
" حقًا ؟ ربما تلك الفتاة هي حبيبتي السابقة "
" فتاة ؟ ما الذي تقصده ؟ "
" منذ وقوع الحادثة، أرى فتاة في أحلامي، تبتسم ثم تذهب .. ابتسامتك تشبه ابتسامتها، لذا ظننت بأنها أنتِ "
" لا أظن، فـ كما أخبرتك لم تكن علاقتنا قوية "
رن هاتف هويا فجأة، صوت استلام رسالة نصية، فتحتها لتقرأ محتواها، كانت من جو-هيون، فور انتهائها من القراءة نظرت إلى لوهان بانفعال " لوهان-شي، أرجوك أعتذر من والدتك نيابةً عني، يجب أن أذهب فالأمر عاجل "
" هل هناك مشكلة ما ؟ " سأل لوهان بقلق.
" لا، صديقي سيسافر غدًا، وسنقضي هذه الساعات الأخيرة سويًا، لذا لا أستطيع أن أبقى "
" صديقك، ذلك الشاب .. صحيح ؟ "
" أوه تقصد في الحفلة ؟ أجل انه هو "
" حسنًا، أذهبِ "
" دعنا نلتقي مجددًا، حسنًا ؟ "
" أجل "
ذهبت الفتاة مسرعة ولوهان يقف مكانه ينظر إليها " صديقها سيسافر " هذا ما قاله بعد أن اختفت، بعد لحظات ابتسم لوهان " لقد نسيت امر الرسومات مجددًا .. مغفلة " التفت ليعود إلى الداخل وهو يتمتم " تلك الفتاة، ترسم رجال عراة وتقول واجب في المعهد " ضحك بسخرية ثم أغلق الباب وراءه.
 هذا كان آخر لقاء جمع بين لوهان وهويا في هذا الأسبوع الذي تبقى على انتهاءه يومين، في اليوم الثالث وبعد أن سافر جو-هيون هويا لم تخرج من منزلها مطلقًا، بالرغم من اتفاقها الذي قد تم مع والدة لوهان، إلا أن شوقها الكبير لـ جو-هيون منعها من الذهاب لرؤية لوهان .. ولكن لوهان الذي أنتظر رغبة القدر في لقائهما، أيقن أنه لن يراها لو انتظر ما سيمليه القدر عليه، فقرر أن يكسر قاعدة الانتظار ويغير الأمور لصالحه، وذهب ليراها، في ذلك الحي الذي أوصلها إليه منذ أيام هو يقف الآن، ينظر إلى شقتها ويحمل بيده حقيبة رسوماتها.
كانت تجلس هويا في الغرفة على الأرض، تنظر إلى صورتها هي وجو-هيون الموضوعة امامها على الطاولة وتبكي.
طُرق الباب فجأة فهرعت إليه مسرعة ظانة أنه جو-هيون، خابت آمالها بعد أن فتحت الباب لترى لوهان يقف هناك.
" لوهان-شي ؟ "
" رسوماتكِ " رفع الحقيبة أمام ناظريها.
" أوه الرسومات، مجددًا " ضربت رأسها بخفة.
" ألن تطلبي مني الدخول ؟ "
" أوه آسفة، تفضل "
دخل لوهان، وهي أغلقت الباب وتبعته.
" لوهان-شي، كيف عرفت اين اسكن ؟ "
" أنسيتي أنني قد اوصلتكِ المرة الماضية ؟ " التفت إليها بابتسامة.
" نسيتُ هذا أيضًا " أجابت بخيبة امل.
" لا بأس "
" أجلس " أشارت نحو الأريكة.
جلس لوهان وذهبت هي إلى المطبخ لإعداد شيء ليشربه لوهان.
" لا يوجد في الثلاجة سوى المشروب الغازي، هل تشرب منه ؟ " سألته بعد ان القت نظرة في ثلاجتها.
" لا بأس به "
أحضرت هويا زجاتين، وضعت واحدة على الطاولة وفتحت الأخرى بينما كانت تجلس على الأرض.
" ألن تتعبي من الجلوس على الأرض ؟ "
نظرت إليه بدهشة " هل هي متعبة ؟ "
" ما هي؟ "
" الأرض " أجابت بعد أن ارتشفت من زجاجتها القليل.
" وماذا ترين انتِ ؟ "
" بالرغم من اننا نجلس على نفس الأرض، إلا اننا لسنا معًا .. أظن انها متعبة حقًا " أنهت كلامها ورفعت نفسها لتجلس بجوار لوهان.
ابتسم لوهان بسخرية " هل سهرتي طوال الليل وانتِ تحدقين بصورته باكية ؟ "
" لقد اعتدت عليه "
" أن تعتادي عليه أمر مختلف عن كونكِ تحبينه "
نظرت إليه بريبة " وما الفرق ؟ "
" لا أعلم ولكن من المؤكد ان هناك فرق " نظر إليها بعد ان أجاب.
أعلن بعد لحظات بخيبة أمل " على الأقل لديكِ شخص تشتاقين إليه "
" ماذا عنك ؟ ألا تشتاق لحبيبتك السابقة ؟ "
وضع الزجاجة على الطاولة ثم عدل جلسته قائلًا " لا أذكرها حتى، أرى ملامحها أحيانًا في أحلامي، ولكن الغريب في الأمر أنها مختلفة تمامًا عن التي أراها الآن في الصور " حدق بالطاولة لفترة ثم أكمل " أنسي هذا الآن، أخبريني الآن هل حدثتيه ؟ "
هزت الفتاة رأسها نافية ثم نظرت إلى هاتفها باستياء " لم يتصل بعد "
" إذًا أتصلِ أنتِ به "
" هاتفه مغلق "
" سيتصل قريبًا لا تقلقِ "
نظرت إلى وجه لوهان بنظرات حزينة، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة " شكرًا لك "
" على ماذا ؟ "
" كونك صديق لطيف يهتم بأمر صديقته "
" أظن أنني يجب أن أذهب الآن .. " وقف لوهان وهي تنظر إليه بصمت، تنهدت قليلًا ثم أعلنت مرتبكة " دعنا نلتقي مرة أخرى "
اومأ برأسه موافقًا، ثم أبتسم بخفة " أراكِ لاحقًا "
خرج لوهان وأغلقت هي الباب، ثم عادت لـ تجلس مكانها وهي محتارة بشأن لوهان .. لا تزال غير  واثقة بعد.
بينما هو الذي أصبح في الطريق، وضعه كان غريبًا ببعض الشيء .. لقد مرت منذ أن خرج هكذا، يبدو كمن بدأ يستعيد قوته من جديد، ذكرياته بدأت تختلط مع حاضره، ولكن هل من مستقبل مختلف ينتظره ؟
 مرت تلك الأيام بسرعة على البعض، وببطئ على الآخر، ثلاثة أيام لم يتقابلا بها، هي على حالها تنتظر اتصال من جو-هيون، ولوهان الذي يزداد ألمه في كل مرة يحاول أن يسترجع شريط ذكريات الماضي.
في اليوم الرابع، عندما تلقت هويا إتصالًا من والدة لوهان، اتفقا على اللقاء في المكان الذي حددته الوالدة، وبالفعل بعد المكالمة بساعة تقريبًا كانت هويا تنتظر على أحد المقاعد في حديقة عامة قريبة من المشفى المركزي، وبعد دقائق كانت السيدة قد وصلت بالفعل، جلست بجوار هويا وبدأ الحديث بينهما بنظراتٍ غريبة.
" لقد كنت أرى الطبيب قبل قليل، أخبرني أن وضع لوهان لم يتحسن، بل يصبح اسوأ مع مرور الوقت "
لم تبدي هويا أي تحرك، بقيت صامتة تسمع لـ كلمات السيدة المسنة.
" لم يكن هكذا الأتفاق بيننا، آنسة بارك " نظرت السيدة بغضب لـ تكمل بعد لحظات " أخبريني، أتريدين مساعدته أم لا ؟ "
تنهدت الفتاة وكأنها تحاول أن تنزل ذلك العبء الثقيل من على صدرها، نظرت بطرف عينها " في الفترة الأخيرة كنت أمر بمشكلة، آسفة لم أتفرغ ل آراه " أرجعت شعرها بيديها ثم لامست بهما عنقها للحظات، أنزلت يديها وبعد أن تنفست بقوة " سأراه اليوم "
أستقرت الأجواء في المنطقة، هكذا شعر عندما كان يراقب الطريق من نافذة غرفته، كم مرة وقف اليوم على النافذة ؟
هل ينتظر رؤية أحدهم ؟ أم يراقب الأجواء ل يكسر الملل في غرفته ؟
لفت نظره تلك الفتاة التي ظهرت فجأة، ضم حاجبيه مدققًا بها .. " ه-هويا ! "
تأكد عندما شاهدها تلوح له بذراعها، نزل مسرعًا، فتح الباب .. لحظات وأصبح أمامها الآن.
تنفس بسرعة ل يقف براحة بعد ذلك، أستدارت ومشت خطوتين، رفع حاجبيه متعجبًا، نظرت إليه بريبة " ماذا ؟ ألن تمشي معي ؟ "
أبتسم بعفوية ثم تبعها وأكملا المشي معًا.
" آسفة وعدتك أن نتقابل ولم نحظى بذلك " أعلنت هويا وهي ترجع شعرها خلف أذنها، أبتسم " وكأنني أنتظرت أن يتصل بي أحد ! الملل في حياتي شيءٌ يعجبني "
ضحكت بسخرية " عد أدراجك إذًا "
" كيف يمكنني فعل ذلك وترككِ ؟ "
صفقت بخفة " تصرف رجولي يُحتسب لك "
اومأ الرجل مبتسمًا، ثم تبدلت ملامحها للصمت بعد أن سألها بقلق " هل أتصل بكِ ؟"
أحمر وجهها وخصوصًا أنفها، تراكمت دموع في عينيها منعتها من أن تذرف، وأبتسمت بخفة " أجل "
نظر إليها بتمعن، شكلها هكذا .. تتكلم وكأنه في عالمٍ آخر، ينظر إليها وتلك الفتاة في أحلامه تعود مجددًا، شعر بسكين في صدره، ماذا الآن ؟ يحاول أن يتماسك أمامها .. تأوه من ذلك الصراع الذي برأسه، صراع أحدثته روحه المحتجزة.
توترت من ملامحه، وضعت يدها على كتفه بقلق " هل كلُ شيءٍ بخير ؟ "
اومأ هو دون أن يتحدث، زاد توترها " سأعيدك للمنزل "
أمسك بيدها يمنعها " لا أريد أن أرى أسرتي وأنا هكذا، أرجوكِ "
حدقت به، ضائعة وكأنها تكتشف كل مرةٍ هول المشكلة التي تقحم نفسها بها، أمسكت بيده " سآخذك إلى منزلي "
جلس على الأريكة بألمٍ أخف، تنظر إليه بحذر " هل أحضر لك شيئًا ؟ "
أبتسم على نظراتها " ما بكِ مرعوبة ؟ لا تقلقِ أنا بخير "
تنفست براحة وجلست على الطاولة أمامه " كدت أموت "
" هل قلقتِ عليّ ؟ "
نظرت إليه بدهشة، أرتبكت من سؤاله بتلك النبرة الغريبة، أعاد السؤال مرة أخرى بعد أن عدل جلسته وحدق بها جيدًا " هل قلقتِ عليّ ؟ "
" ب-بالطبع، ألم ترى نفسك ؟ "
أستمر يحدق بعينيها بغرابة، توترت وشعرت بالإحراج، وقفت متهربة من نظراته " سأحضر لك شيئًا لتشربه "
" هويا " ناداها، فتوقفت مكانها واستدارت ببطئ " ماذا ؟ "
حدق بعينيها بصمت، ثم وقف مقتربًا منها بذات النظرة، فزاد توترها وهو الذي أصبح أمامها مباشرة، قرب وجهه مدققًا بعينيها، أبتلعت ريقها بتوتر متسمرةً أمام نظراته الغريبة، ليتخطاها بعد لحظات معلنًا " سأذهب "
لم تقوى هي على الالتفات لكنها تداركت نفسها قبل أن يغلق الباب وراءه " هل أنت متأكد أنك بخير ؟ "
اومأ بابتسامة ثم أردف " أهتمِ بنفسكِ حتى نلتقي مجددًا " ثم أغلق الباب وتوجه نحو الدرج خارجًا من المبنى وهي التي لا تزال في شقتها وحالتها التي تبعثرت من نظراته الغريبة، وتحوله المفاجئ في كل مرة يشعر بها بالتعب 
يتخطاه بعد دقائق وكأنه لم يتألم مطلقًا.
كان يسير في الطريق وأفكاره المشوشة مسيطرة عليه بالكامل، تلك الكلمات التي شغلت تفكيره " هل قلقتِ عليّ ؟ "
" بالطبع, ألم ترى نفسك ؟ "
*أجابت بأنها قلقة، وبدت وكأنها قلقة بالفعل، توترها ولهفتها لمساعدتي .. أنا متأكد أنها بدافع القلق، ولكن !! لماذا أصابني ذلك الشعور الغريب عندما نظرت إلى عينيها ؟ وكأنها لو فعلت المستحيل لكي أصدقها .. ستكون كاذبة في النهاية !*
تنهد لوهان وكأنه يحاول تجميع نفسه، بين الكذب والصدق .. نظرات فاضحة.
مر اليوم والذي يليه وهي لا تزال تنتظر مكالمة من جو-هيون، لكن بلا فائدة، حتى لوهان لم يتصل ف زاد قلقها، لكن مهما يكن فهناك قلقها على جو-هيون الذي طغى على باقي حياتها.
توجهت نحو المطبخ، فتحت الثلاجة لتتنهد بضجر، فالثلاجة فارغة أغلقت الباب بقلة حيلة ثم توجهت نحو غرفتها لتخرج ما تملكه من المال، أطلقت صرخة ضعيفة بعد أن أدركت أنها لا تملك ما يكفي من النقود لشراء بعض الحاجيات، ستتخلى عن الكثير من الحاجيات لشراء الضروريات، مثل الحليب، والبيض .. أرتدت ثيابها، وأخذت النقود وتوجهت إلى الخارج باتجاه البقالة القريبة من منزلها.
وقفت أمام الأطعمة شاردة الذهن، رفعت غرتها عن جبينها، ثم أستدارت وتوجهت مسرعة حيث موقف الحافلة، أنتظرت عدة دقائق حتى وصلت الحافلة وأستقلتها.
كان ينظر من نافذته كالعادة، لا يوجد ما يحدق بهِ .. فقط ينظر ، أغلق الستائر وتوجه نحو الحديقة يتمشى بلا سبب، أستوقفته تلك الزاوية جهة السور الخلفي للمنزل حيث ذلك الشيء الغريب الظاهر، ثتى ركبيته راكيًا نفسه عليهما، مد يده وعبث بالتراب، رفع يده ممسكًا بقطعة ورق صغيرة، مسح التراب عليها، ثم أدارها – بارك سول جي، هل يمكنني الثقة بها ؟ هل عليّ أن أحبكِ فقط ؟ - هذا ما استطاع قراءته، قبل أن يسمع صوتها " لوهان ؟ ماذا تفعل هنا ؟ "
أستدار مسرعًا ليراها " أوه، هويا ؟! متى جئتي ؟ "
" رأيتك تتجه إلى هنا فلحقت بك " أقتربت منه وهي تنظر إلى الورقة " ما هذه الورقة ؟ "
نظر إلى الورقة هو الآخر " هذه ؟ " نظر إليها " أنه خط يدي "
مد لها يده فأمسكت بالورقة نظرت إليه بعد أن قرأتها " من تكون سول جي ؟ أهل أحدٌ تعرفه ؟ "
" الفتاة التي كانت معي بالحادث .. تدعى سول جي "
صنعت وجهًا متفاجئًا " هل هي قطعة من رسالة مثلًا ؟"
" مم، ربما " اومأ برأسه وهي عادت للنظر في الورقة " ولكن ما الذي أتى بكِ إلى هنا ؟ "
نظرت إليه بغضب " يآآه ! أهكذا تستقبلني ؟؟ "
مسح مؤخرة رأسه وبإبتسامة ساذجة أجابها " آسف "
" لا عليك، ولكن علينا أن نبحث لنعرف ما هو ماضيك "
" ماذا ستفعلين من أجلي ؟ الطبيب-" قاطعته بانفعال " أعلم أن الطبيب لم يقوى على تقديم المساعدة حتى الآن .. ولكنني أختلف، أنا لن أساعدك من أجل وظيفة تجبرني على فعل ذلك، أنا سأساعدك لأنني أريد أن أساعدك .. كما أنك صديق الثانوية، أنسيت ؟ "
" بدأت أشعر بالتحسن منذ شهرٍ مضى، أظن أنني سأتحسن عمّا قريب "
" يآآه ! وهل ستنتظر كثيرًا لتتعافى وتعد كما السابق ؟ " أمسكت بيده فنظر إليها متعجبًا، أوشك على أن يتحدث فأسكتته بصوت أصدرته من فمها يحثه على الصمت " هذه نقطة البداية .. للعودة إلى الماضي "
هز رأسه بعشوائية مبتسمًا، فنظرت إليه بجدية " سنبدأ من غرفتك، أتفقنا ؟ "
" ولما غرفتي-" قاطعته مجددًا " أتفقنا ؟ "
هز رأسه معلنًا " أ-أتفقنا ! "
ذهبا إلى داخل المنزل حيث شاهدا الخادمات يحملن بعض الصناديق ويخرجنها بأمرٍ من السيدة التي كانت تقف بجوار الدرج تتحدث مع رئيسة الخدم " هل أنتهيتم من تنظيف غرفتي ؟ "
" أجل سيدتي، وهذه الأغراض التي طلبتي التخلص منها " أشارت إلى الصناديق، فأبتسمت السيدة معلنة " جيد، ولا تنسي أمر الصندوق من غرفة سونغ شي ضعيه في القبو حيث صناديق الأمتعة القديمة "
اومأت الخادمة وتوجهت لتكمل عملها بينما لوهان وهويا أقتربا من السيدة، ردد لوهان " أمي، هويا هنا "
أبتسمت السيدة " أهلًا بكِ " نظرت إلى لوهان " أهتم بها وما أن أنتهي من عملي سنجتمع على العشاء، وهذه المرة يجب أن تشاركينا هويا-شي "
اومأت هويا بإبتسامة، ثم ذهبت السيدة لتكمل عملها وتوجه لوهان ومعه هويا إلى غرفته، وقفت في منتصف الغرفة تحدق بذهول " وآآه ! أهذه كلها .. غرفتك ؟ " نظرت إلى لوهان وأبتسمت بسخرية " ومن يحتاج لتذكر الماضي وهو يملك حاضر كهذا ؟ "
ضحك لوهان بخفة وأقترب منها " أتحسدينني الآن ؟ "
جلست على حافة السرير تنظر إليه " ولما لا ؟ " ضحكت للحظات ثم نظرت إلى الخزانة " لا تقلق لست من النوع الذي يحسد "
جلس بجوارها ونظر إليها، وهي كذلك " ماذا ستفعلين الآن ؟ "
" أخبرني كل ما تعرفه أولًا عن الفتاة التي تدعى سول جي .. أقصد حبيبتك "
وضع يديه على السرير وأرخى نفسه للوراء قليلًا، رفع رأسه " أخبروني أنها في الثلاثين من عمرها، طبيبة نفسية، أكتشفوا أمرها وقت الحادث، ربما علاقتنا كانت سرية "
" أحببت فتاة في الثلاثين من عمرها .. أقصد سيدة ! " سألت هويا بنبرة متفاجئة، نظر إليها هو وأجابها بهدوء " صدقيني لا أعرف .. ولكن يبدو ذلك "
" أخبرتني أنها طبيبة نفسية صحيح ؟ " وقفت وبدأت بالسير ذهابًا وايابًا في الغرفة، وصلها صوته بعد لحظات " أجل " لتكمل هي بعد أن توقفت أمامه " هل كنت تعاني مشكلة ما في السابق ؟ هل أخبرتك عائلتك بأمر كهذا ؟ "
عدل جلسته ووضع قدمًا على الأخر، هز رأسه نافيًا وأعلن " لم يخبروني بأمر كهذا "
أقتربت منه قليلًا " لديها عيادة خاصة أم تعمل في مشفى ؟ "
" عندما كنت في المشفى وقت الحادث أخبروني أنها تعمل في ذات المشفى "
أبتسمت " هذا جيد، إذًا لنذهب "
أرخى قدميه وسأل بريبة " إلى أين ؟ "
أمسكت بيده على عجلة " لا وقت لدينا لنذهب بسرعة "
خرجا بسرعة من المنزل وتوجها إلى المشفى، دخلا إلى قسم الأمراض النفسية، أوقفت هويا إحدى الممرضات وسألتها " أريد أن اسأل عن الطبيبة التي توفت منذ فترة، الآنسة سول جي "
" أوه الطبيبة سول جي، ماذا عنها ؟ "
" أيمكنكِ أن تخبريني عنها قليلًا ؟ "
" لا أعرف عنها الكثير لأنني أنتقلت هنا قبل وفاتها بأسبوع تقريبًا، أعذريني " أنهت الممرضة كلامها وأنسحبت من المكان، وبقي كل من لوهان وهويا ينظران إلى بعضهما بحيرة، حتى وصل ذلك الصوت الناعم إلى مسامعهما ينادي بإسم " السيد لوهان "
أستدارا بإتجاه الصوت وإذ بها ممرضة شابة حسنة المظهر، أقتربت منهما " أنت السيد لوهان، صحيح ؟ "
نظر لوهان إلى هويا ثم إلى الممرضة " أجل إنه أنا "
" ألا تتذكرني ؟ أنا الممرضة التي كنت أساعد الطبيبة سول جي " تغيرت تعابير وجهها وأكملت " كانت الطبيبة رائعة، حزنت جدًا بسبب وفاتها وحزنت عليك أيضًا "
" أنتِ تعرفينها إذًا ؟ " سألت هويا بانفعال، ثم أجابت الممرضة بارتباك " أ-أجل "
" ولكن كيف تعرفين السيد لوهان ؟ أين رأيتيه من قبل ؟ "
" كان مريضًا هنا يأتي لأخذ العلاج النفسي عند الطبيبة سول جي لمدة سنة، ثم بدءا بالمواعدة، كنا نتعجب دومًا أن شاب وسيم ويافع كيف له أن يواعد سيدة تكبره بالعمر ؟"
" كنت أعاني من مرض نفسي ؟ " سأل لوهان بصدمة، فأجابته الممرضة " كيف لك ألّا تذكر هذا ؟ "
" في الواقع السيد لوهان يعاني من بعض المشاكل الآن، ولكن أي نوع من الأمراض كان يعاني منه ؟ "
" سأبحث في الملفات القديمة، فالأمر مضى عليه خمس سنوات "
" خمس سنوات ؟ أكنت مريض في أيام الثانوية ؟ " نظرت هويا إلى لوهان بقلق.
" لا أعرف ! لا أعرف شيء مطلقًا "
" أرجوكِ أخبرينا عندما تجدي الملفات، هذا رقمي " أعطتها الرقم وحفظته الممرضة في هاتفها.
" أيمكنكِ أن تخبريني بعنوان الطبيبة ؟ "
أخبرتهم بالعنوان وذهبا مباشرة إلى الحي الذي كانت تسكن به الطبيبة، وصلا إلى منزلها، طرقا الباب عدة مرات ولكن ما من مجيب، أعادا الكرة من جديد حتى خرجت تلك السيدة من المنزل المجاور وأخبرتهم " لا تطرقوا الباب، لا يوجد أحد هنا "
توجها نحوها، سألتها هويا بفضول " ولكن أين ذهبوا ؟ "
" بعد أن توفت الطبيبة، ذهبت أختها التي تصغرها بخمس سنوات لتعمل في إحدى الملاهي، لطالما كانت مختلفة عن شقيقتها " تنهدت السيدة " ولكن من أنتم ؟ "
" أيمكنكِ أن تعطيني اعنوان ذلك الملهى أرجوكِ ؟ "
نظر لوهان إلى هويا، سحبها من ذراعها إلى الخلف قليلًا وهمس بإذنها " ماذا تريدين بعنوان ملهى ليلي ؟ "
" لا عليك من الأمر، أبقى بعيدًا فقط " أقتربت هويا من السيدة " أتعرفين العنوان ؟ "
اومأت السيدة، أعطتهم العنوان وتوجها إلى المكان المنشود، وفي أثناء طريقهما سألت هويا بارتباك " هل من الممكن فعلًا أنها كانت طبيبتك ؟ "
" لا أعرف ! أشعر وكأن رأسي مثقل بأمور لا علاقة لي بها " توقف ونظر إليها " ماذا علي أن أفعل ؟ " نظرت إليه، أقتربت منه قليلًا وأبتسمت براحة " لا تقلق، سأبقى بجوارك، وسأساعدك لتسترجع الجزء المفقود من حياتك "
مكان مليئ بالضوضاء، فتيات يرتدين الأثواب المكشوفة، ورجال وصلوا حد الثمالة، أكواب الشراب، والموسيقى الصاخبة، مكان لا يليق سوى بالحثالة القذرين.
وقفا بصدمة مما رأته أعينهما، أمسك لوهان بيد هويا " لن نبقى هنا، لنخرج "
أوقفته هوبا بحزم " بعد أن قطعنا كل تلك المسافة تريد منا أن نتوقف هنا ؟ " مشت نحو الأمام ممسكة يده تجول بعينيها المكان، أستدارت ونظرت إليه " لنسأل عنها، سنتحدث معها سريعًا ونغادر، حسنًا ؟" أبتسمت بعد ان اومأ لها بالموافقة، بدءا بالبحث عنها بأعينهما، في الواقع لم يتجرأ أحد منهما أن يسأل أي شخص يجلس في مكان كهذا، مشت هويا قليلًا نحو الأمام لتسأل نادل يقف عند طاولة في المنتصف، بينما لوهان يبحث في مكانه، سألت هويا النادل عنها وأجابها وهو يشير إلى تلك الفتاة التي تجلس على طاولة في زاوية المحل، شكرته واوشكت على أن تذهب حتى أوقفها رجل مخمور يغازلها بطريقة قذرة، أرتعبت من منظره وتصرفاته وحاولت أن تتفاداه ولكن بلا جدوى، حاول أن يقترب أكثر، لم تشعر إلا وهو يسقط على الأرض بعد أن لكمه أحدهم، ألتفتت لتجد لوهان يقف والغضب يعتريه، أمسك بيدها مسرعًا، سحبها خلفه وما أن أستدارت حتى أستوقفها ذلك الشخص الذي ينظر إليها من على المنصة، تسمرت مكانها وأعلنت بصدمة " ج-جو هيون؟ "



يتبع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق