الأحد، 17 سبتمبر 2017

حافة الحياة:The Fate (الفصل الثامن)



                                            . > حافة الحياة < .
                                               .. الفصل الثامن ..

                                                                     BY: KIM NANA





موقعنا في مكان ما، بين الوجود و العدم، أيّ ما بين وهمين ...  (إقتباس)
 

كان كيو هيون منذ زمن بعيد، قد قرر أن يعيش ما تبقى من حياته دون أنثى تحفز  

على التحليل و المراوغة، لسبب يكمن في طيات ذاكرته المحجوب عنها، كان قد ربط الألم الكوني بالنساء،

فحتى والدته التي لا يذكر غير وجهها وهي تقتلع جذوره الرقيقة من حضنها و ترمي به بدير أيتام، و يذكر أيضاً وجهاً أخر صغير دائري يعود لطفل لا يعرف من يكون،
تذكرهما في بانوراما ذهنية سريعة، و لعن في سره كل في وجه على حدى

كما يلعن و يكره إسم ال-تشوي- الذي يربطه بهما، رغم أنه قد إتخذ في الماضي قرار تغير كنّته هذه، إلا أنه كان يتراجع في كل مرة ، بسبب صوت داخلي كما الضمير المخفي يهمس له و يردد ألا يفعل،
و وجد نفسه كما العالق بكرهه لشيء لا يستطيع الإستغناء عنه،
 فطمره تحت إسم آخر و حرص ألا يُنادى بغيره،
تلاقفته أفكار  كثيرة و أبحرت بسفينته قبل أن ترسى،

و كوميض النبوءة تكشفت له أفكار دواخله، و إقتنع في النهاية بأنه ليس في حاجة الى آخر يشاركه
(هل نحن في حاجة الى من يشاركنا فعلا؟)
كان هذا السؤال خاتمة أفكاره ، و الحكمة التي إمتثل لها أخيراً،
لكنه أيضاً لن يستطيع تجاهل حقيقة تلاعب إيفا بخياله مرات عديدة حتى الآن

هي مختلفة حتماً عن أي إمرأة عرفها قبلاً، إذ كان الإيمان بعدم جدواهنّ في حياته،
قد تسلل قلبه و حطّ كصخرة ضخمة يصعب تحريكها،
إلى أن جاءت إيفا و حطمت هذا الإيمان الصخري بمطرقة ضخمة و أحالته غباراً

كان كيو هيون يفكر بهذا وهو يقلب بين أصابعه الطويلة الضامرة التي تكشف المزيد عن شخصية صاحبها،
غير العادية في قوتها و رباطة جأشها مظروف إستقالة إيفا،
الأخيرة التي لم يجد مبرراً منطقياً لما بدر منها في الأيام السابقة، أعاد خطاب إستقالتها الى خزينة مكتبه المندسة في عمق الحائط،
ثم حرك أصابعه التي أخرجت من درج طاولته الشيء الوحيد الموجود فيه و وضعته عل سطح مكتبه،
تأمله قليلاً وأخذ ينقر أصابعه عليه، ثم إلتقطه منتصب القامة قاصداً رؤية إيفا

~.~.~.~
مدينة سيئول قد غرقت في نور طمائنينة الصباح البارد، الذي يغمر المكتب المشترك لإيفا و سول و تشانيول،
تشانيول الذي كان يعطي سول فنجان شاي ساخن، و إفتعلت الأخيرة إبتسامة فيها حياء معين،
للحظة خطر على بال إيفا أن هنالك شيئا يجول في فؤادها، لكنها أقصت الفكرة بنفس السرعة التي خطرت بها، ليس لأنها تستبعد إحتماليتها،
بل لفكرها المترنح ما بين بقائها أو مضيها في طريق إستقالتها

و الحقيقة أن سول أصبح حضور تشانيول بقربها يعزف قيثارة الفرح في أيامها المتشابهة، و يزرع الورود الملونة على قارعة طريقها اليابسة،
الحقيقة التي لم تعد و لا تريد أن تنكرها سول نفسها .

 فتح كيو هيون الباب الخشبي للمكتب أمامه بصورة مفاجئة دون طرقه ،
و فور أن خطت أقدامه أرضيته المبلطة بالرخام عاجي اللون، حتى حلق الصمت فوق رؤوسهم، حملق ثلاثتهم فيه بجمود كما لو أنهم لقطة سينيمائية ثبتت على الشاشة

 كانت ملامح كيو هيون جامدة ، فكل ما كان يجول في عقله إختفى تحت أهدابه السوداء التي تحجب عينيه عادة،
عينيه اللتان راح يرقب فيهما إيفا و يتفرس وجهها ، الخطوط العشوائية المتعرجة ذات اللون القرمزي المتكدر بالبنفسجي ، التي إرتسمت على خدها الأيسر عند ذلك الإنتفاخ فوق فمها بالتحديد،

رغم أنه قد سمع القصة يتثرثر بها موظفوا سيدلي أوستن، عن ضرب المُدعَى عليه لها، لكن من جهتها كانت قد لقتنه درساً قاسياً و أردته على الأرض كما القماش البالي،
 إلا أنه ظنها مبالغة منهم،
لكن شكل وجهها الان يؤكد له أنهم لم يبالغوا في شيء،
و هاهي تأكد له للمرة الألف أنها تختلف بحق عن سلالة النساء أجمع، و شرعت  تتلاعب مجدداً بعقله في حضرته ، دون أن يجد طائلاً لإيقافها،
تنحنح ثم نبر بصوت و اثق:
- صباح الخير (حرك عينيه عنها) أحسنتم صنعاً في القضية (دس يده الشاغرة في جيب بنطاله و زوى عينيه لوجه إيفا مجددا) و أنتِ! هل تحسبينّ نفسكِ وندر وومان
–wonder woman (بطلة كرتونية خارقة القوة)
 لا تتهوري و تشتبكي مع المجانين أو تأخذك الهاشمية ، مفهوم؟.

إتخذ الحنق مأخذه داخل إيفا و لم يكن لديها النية في الردّ على كلامه أو حتى على تحيته الصباحية اللعينة مثله، هي بالطبع لم تكن تنتظر منه مديحاً، لكنها توقعت الثناء على الأقل
فتحدثت بحدة تفوق ما عزمت:
- لم يكن أمراً جلياً.

أومضت عجرفته من نبرتها المقتضبة فأمرها مجدداً بنفس البرود، و عرفت هي أنه لن يرضى بغير كلمة حاضر منها ، فقالتها مغتاظة لتضرج وجنتيها،
فهذا الرجل الواقف أمامها مثير للإرتباك حتماً، و شعرت أنها تستطيع كرهه دون أيّ جهد

أرخى كيوهيون كتفيه ثم مدّ لها الصندوق الذي أحضره من مكتبه،  تناولته هي بعد أن إستقامت أمامه،
أخذت تُدير الصندوق في  محاولة أن تستهج حروف إسمه الإنجليزية:
- ما هذا؟
- إفتحيه (واصل حديثه بعد أن أخرجت مافي الصندوق) إنه جهاز بيجر.
واصلت تقليب الجهاز بين أناملها في حيرة:
- بيجر!!.


- بما أن هاتفك المحمول يردني مغلقاً طول الوقت، و ليس من الإحترافية كلما أردتك أن أتمروح حتى هنا، سأطلبك بواسطته.
- ستطلبني عن طريق هذا؟ (هزته في الهواء تطالع شاشته الخاوية).
في تلك الأثناء أخرج كيو هيون من جيبه جهازاً يشاببه بحجم أصغر و ضغط على أحد أزاريره المرقمة، 





لينطلق صوت صفارات عالية و متلاحقة عن جهاز إيفا،
تردد صداه داخل قلبها قبل رأسها،
 فزعُرت و إنتفضت في حركة للوراء و أسقطته متوجسة

ضحك كيو هيون ملء شدقيه، و كانت اسوأ ضحكة يخترعها احدٌ في وجهه:
- نعم سأطلبك بهذا.

 إنحنت إيفا ترفع البيجر ـ الذي تتراقص على شاشته كلمة مكتبي (my office)
ثم أسدل كيو هيون إبتسامة فيها شيء شيطاني ينبع منها:
- أعتقد أن الأمر قد وضح لكِ.
أجابته بإختصار يشي بضيقها : نعم.

و فور أن خرج كيو هيون، نبرت سول بغنج عفوي :
- يا إلهي هل رأيتم ضحكته ؟ أنظرا ليداي لقد سببت لي القشعريرة (مدت ذراعيها تمسح عليهما) أقسم إنه ليس ببني آدم إنه جني رجيم حتماً.
وافقتها إيفا الرأي وهي تجلس على كرسيها وقد بدأ صداع ناجم عن تضارب بين مشاعر و أفكار يتراقص داخل رأسها

فيما تركيز تشانيول إنصرف عن شكوى سول و إنصب في الجهاز الذي إلتقطه من على مكتب إيفا:
- إنه جهاز البيجر أو النداء الآلي، يستخدم في المستشفيات لنداء الأطباء بدلاً من الهواتف الذكية حتى لا تشوش ذبذباتها على الأجهزة الطبية.
إلتقط بيده الفارغة الأخرى الصندوق يقرأ ما عليه:
- إنه مطّور ،أو يبدو كما لو أنه طُلب بمواصفات خاصة، فنصف قطر حدود إشارته تصل ل 15 متر، أيّ مساحة قطر دائرته 30 متراً.

نظرت سول للفراغ تدحرج مقلتيها مفكرة ثم هتفت:
- وااه، يمكن للمحامي كيون ان يطلبك حتى و إن كنتِ في حانة إلجو.
لم تتفاعل إيفا معها و أخذت تفرك ما بين حاجبيها و عضت خدها من الداخل في ضياع.

~.~.~.~.~.~.~

في صالة الأجتماع الصغيرة الواقعة في فندق السلام روتانا، المغمورة في إضاءتها المريحية للعينين،
كان كل زفير تحرره سو دام في قلق و توتر، شهيق يعبئه تايهيونغ من الهالة المحيطة بالسيد دال بو، بحثاً عن أي أثر لرائحة كذب في حديثه أو إجاباته

لقد تم هذا الإجتماع من دون حضور أو علم السيد إينوي ، بعد أن وقّع تايهيونغ على وثيقة تلزمه بالسرية و عدم إستخدامه لأي معلومة في صالح قضيته

كانت سو دام تلاحق تايهيونغ بعينيها في إسترخائه و تصلده،
تحدث الأخير بصوت أقرب للهمس:
- هنالك خطب ما.
نبرت سو دام بأعصاب مشدودة :
- ما الأمر؟

إسترخى تايهيونغ مغمضاً عينيه كأنه يرسم أفكاره على ذهنه أولاً قبل أن يحررها على الملأ:
- كلاهما صادقين.
أفرجت عندها سودام عن قلقها الذي حبسته داخلها طويلا ، فبالرغم من ثقتها بالسيد دال بو  إلا أنها كانت تخشى أن يخيب ظنها

فإستهل تايهيونغ بصوت عال :
- إن السيد إينوي لم يقدم على خيانتك أو الإختلاس منك.

نبر دال بو بصوت متكّسر :
- أتمنى لو بإمكاني قول ذلك إيضا ، إلا أنه لدي أوراق تثبت العكس.
 سو دام : اذا لماذا لم تقم بسؤاله مباشرة؟

مس خط فم دال بو إبتسامة واهنة:
- لا يمكنني، إن اقدمت على سؤاله و إعترف بفعلته سأخسره لأنه قام بخيانتي ، و إن لم يفعلها سأخسره أيضا لأنني شككت به ، و إينوي صديق العمر و عزيز عليّ لذا قررت أن أنسحب و أحمل جميل علاقتنا كما هي.

تحدث تايهيونغ يهز أصابعه لتأكيد قوله بالذات:
- وماذا لو قلت لك أنني متاكد مما قلته و  سأسعي لإحضار ما يبرئ السيد إينوي؟
دال بو : أتمنى.

تايهيونغ: لكنني سأحتاج مساعدة منك.

شبك دال بو أصابعه أمامه:
- و أنا جاهز.

وضع تايهيونغ ساعديه على الطاولة و تحدث بعد هنية:
- أن نسافر للبرازيل.

عندها شخص بصر سو دام و تحرك جسدها  عندما رأت اللامنطقية التى إنحرف اليها هذا الاجتماع ، فاطبقت بيدها على كف تايهوينغ دون تفكير و إستقامت واقفة تسحبه معها الى خارج الغرفة ، و فور أن أغفلت الباب هتفت في ضيق:
- بالله عليك ما هذه الخطرفة المجنونة يا تاي-يآه؟

 إرتسم خط إبتسامة عريضة لأنها نادته دون رسمية ، نادته بإسمه الذي يود لو أنها لا تكف عن نطقه بشفيتها،
واصلت سو دام بإستنكار أكبر:
- هل يمكن للُمدعِي و المُدعَى عليه و محاميهما أن يشكلا فرقة معاً؟! أين سمعت بهذا الخرف؟!!

 نبر وهو يرسم على وجهه إبتسامة طفولية إنكمشت لها عيناه :
- ولما لا؟ لنشكل فرقة العدالة أنت الرجل الخارق و انا الرجل الوطواط ...
قاطعته سو دام تصرخ بحنق :
- تاي-يآه خذ الأمر بجدية من فضلك.

رفع رأسه مستنشقاً قدراً من الهواء ، و دار  بعينه حول المكان :
- هذا الكذب الذي يتحرك في الشوارع (ماتت إبتسامته المشاكسة و إتخذت عينيه لمعة رمادية باردة) هو مبرر كافي كي لا نأخذ العالم على محمل الجد.

تجلد و جه تايهيونغ بالجدية، كما لو أنه بِندول، يمكنه شكلياً و ضمنياً أن يتأرجح وفي ثوانٍ من أقصى المرح و المشاكسة الى أقصى الجدية و الصرامة:
- في كل 10 موكلين يكون هناك واحد فقط صادق ، و السيدان إينوي و دال بو كلاهما صادقين، ببساطة هنالك من يحاول الايقاع بهما يا سو دام، و واجبنا كمحاميين لهما أن نقوم بكشف الحقيقة.

تنفست عندها مرخية أعصابها المشدودة و أراحت عضلاتها المتصلبة ، فتنبهت أنها ما زالت تقبض على يده ، فتوترت و إحمر  وجهها و أفلتت أناملها بسرعة عنه
 إلا أنه شدّ عليهم و تمسك بيدها في قوة، و إبتلع ريقه متحدثاً في حنية:
- هل تذكرين الوعد الذي قطعناه على أنفسنا عندما إخترنا ان ندرس كلية الحقوق؟.

عاودتها الذكريات و نترت بداخلها ..
قبل 9 سنين – سيئول – كوريا الجنوبية

كانت تلك الأيام بمثابة جنتهما على الأرض، بعد مرور سنة و نصف السنة على علاقتها الغرامية التي حالت دون طال أو مانع ان تجتاحهما حدّ الإدمان و المرض،
كانت الأشواق و الإهتمامات المفرطة بتبادل الهدايا و الحب هي سيدة الموقف

كان تايهيونغ يذهب للقاءها كلما وجد أو لم يجد الوقت تاركاً وراء ظهره أشياء مهمة ، معتذراً حتى عن إجتماعته العائلية،
كان يصل الى سو دام بإبتسامة عذبة، و كانت هي عندما تراه تكاد لا تفارقه لحظة واحدة من شدّة هيامها،
كاتمة على أنفاس مشاعرها تتستر بخجل المراهقة ، و تدغدغه بحواراتها حتى يفترقا،
ثم يتصل بها تايهيونغ من هاتف منزله ، كانا يستمران بالحديث حول ما دار  بينهما في النهار و توضيح التفاصيل ، حتى يطرق التثاؤب ويدور حولهما و ينامان على أصواتهما،

كانا يبكيان معاً ، و يضحكان كثيراً، يختلفان و لكنها يتفقان أكثر،
و كان يبدو لهما العكس أحياناً، إلا أنهما يحبان بعضهما بجنون،

و في ذلك النهار الذي عقب فتح أبواب الكليات للتسجيل و الإلتحاق بها ، كانت سو دام تتمايل مع غناءها ل(الرجل المثالي||  بيرفكت مان) أغنيتها المفضلة لفرقة شينهوا،
فتُشرع نافذة حدائق تايهيونغ من سحر صوتها، حين تغني أمامه لا يعود يشغله شيء غير ألق يشع من عينيها ليملأ روحه بالبهجة،
حين تغني أمامه كان يتسرب غناءها إلى ماء و أشجار و حجارة الطريق في حديقة قلبه،
فيتشرب كل شيء حوله فرحاً لا ينتهي.

همس تايهيونغ منتشياً بعد أن مال على إذنها :
- أنا لكِ.
ثم طبع قبلة رقيقة و سريعة على خدها، إتسعت عينيا سو دام ثم أخفضتهما خجلة، فيرجوها أن تواصل الغناء، و كانت تتمنع عقاباً له على تقبيلها حين غرة،
لكنه يجد في صمتها نافذة أخرى يطل منها على ملامحها المحمرة الآسرة

زمت سو دام شفتيها في دلال:
- توقف عن سرقة القبلات يا شقي.

فيفور داخل تاهيونغ مبتسما عاضا على شفته السفلى، و يطلب منها الإقتراب لحضنه، لكنها تقطب حاجبيها في غضب مصطنع لا يخفي لهفة عينيها إليه،
يفرد ذراعيه في إصرار  و ترجي فتقترب منه مغمضة العينين ، فيسافران في ظمأ أحضانهما الدافئة

وقتذاك كان حلم تايهيونغ أن يصبح راعي أكبر جمعية لحقوق الإنسان، و كان حلم سو دام أن يُسمع صوت غنائها في كل مكان (مغنية-أيدول)
ثم لا يدريان كيف تحول حلم كل منهما الى حلم الاخر و إمتزجا ليرسي على كلية الحقوق،
تعاهدا عندها أن يُدافعا عن كل حق لمظلم و أن يَسمع صوتهما الأصم

هزت سو دام الأن له رأسها توافقه على فكرة إتحادهما من أجل القضية، الفكرة التي بدت لها قبل دقائق مجرد مزحة

هزت رأسها مجدداً لكن هذه المرة لم تكن من أجل موافقتها بل لإبعاد الذكريات التي تتشبث بعقلها و أحضانه الحميمية و قبلاته المسروقة،
عشرات الأحلام و المشاهد تتصارع في ذهنها، و شعرت أنها ستدمع
لكنها قيّدت عبرتها في منتصف حلقها و إبتلعتها في قوة ألمتها،
فلم يعد مجدياً أن تبكي أو أن تحاول التقليل من وطاة المنفى بداخلها، بعد ما إختراته في الماضي

ما الجدوى من صب حزنها داخل كاسات تمني غفرانه، و تطرب مع رنينها،
ما الجدوى من إنتظارها أن ترى قوس قزح و تتوقع أن يهطل الفرح في المساحة الجرداء بينهما التي أحرقت يوماً بساتينها،
محض غباءٍ منها أن تأمل أن هنالك جزءً مما يفعله تايهيونغ من أجلها هي

تايهيونغ نفسه الذي كان يسبح في عينيها اللامعة متشرباً ذات الذكريات و ذات الدفئ،
مستذكراً ملمس بشرتها  الناعمة على شفتيه بعد كل قبلة يخطفها أو لا يخطفها
ضغط على يدها التي ما تزال بيد أصابعه،
 كان يمسك بيدها و كانت تمسك بقلبه،

أشاحت بوجهها عنه خشية من أن يرى ضعفها و توقها الكبير الى طعم شفتيه
سحبت يدها من بين أنامله :
- لنسافر.

~.~.~.~

وقع خطوات مترادفة على الممر المبلط المؤدي الى مكتب إيفا تشانيول و سول المشترك،
ثم طرقات على بابهم الخشبي اليتيم في كامل الطابق الثاني عشر، فُتح الباب قبل أن يؤذن للطارق بالدخول،
كان عدد ثلاثة من موظفي الطابق، يتوسطهم بيتر المعروف بكونه آخر موظف تم تعينه في المؤسسة، قبل ثلاثي المكتب (إيفا، تشانيول و سول)

كان بيتر شاباً متوسط الطول ، و مقبول الملامح معتز بنفسه و متبختر بمكانته في الشركة نسبةً لأن هيون بين –رئيس المؤسسة- قريبه من الدرجة الثانية، بدل بيتر ثقل جسده على قدمه الأخرى، و استرسل حديثه بعد التحية:
- حفل المؤسسة الذي يقام كل سنتين مرة، أظنكم سمعتم به، إنه تقليد قديم لسيدلي أوستن وهو (مثّل بأصابعه علامة القوس) عشاء يتم ترتيبه من قبل آخر موظف عُين للشركة ، ما يعني أنتم أو أحدكم إن أردنا الدقة (صمت قبل أن ينظر لتشانيول و تداعب إبتسامة طرف شفتيه) و بما انكم ثلاثة وليس واحد، قررنا إستخدام القرعة.

همّ تشانيول بالموافقة نيابةً عن سول و إيفا:
- طيب.
مدّ بيتر مجموعة أوراق بيضاء خالية و مقصوصة لمربعات بعناية ، و كانت أصابعه برغم قصرها رشيقة كأنها تعود لموسيقار،
تناول تشانيول ثلاثاً من الوريقات و دون أسمائهم عليها ثم ثنى كل واحدة،
شرع بيتر يقلبها بعشوائية و يمزج فيما بينهما، و أخيرا تناول إحداها و فتحها معلناً:
- إيفا.

رفعت صاحبة الإسم عنقها و بدا كما لو أنه قد إزداد طوله:
- أنا؟!

و سألت من بعدها سول وقد حركها شك فجائي:
- هل هو إسم إيفا حقاً؟

لف بيتر الورقة إتجاهها لتقرأ الأسم بوضوح (إيفا)،
و كان لشك سول جذوره بطبيعة الحال التي تبسم فيها تشانيول بمكر لبيتر، إبتسامة تفوح منها رائحة مؤأمرة محبوكة و متفق عليها مسبقاً

وقبل أن تثير سول المزيد من البلبلة ، و اجه بيتر إيفا بإبتسمة لها خبث واضح:
- حسنا إيفا، للعلم هو حفل مهم يدعو إليه شخوص ذوي مكانة ، و كل ما عليك القيام به هو إيجاد مكان مميز و راقي يستوعب حوالي ثمانين الى مائة فرد (رفع قبضته في الهواء) حظاً طيباً.
و إستدار عقبيه هو ومن معه بتقاطر نحو الخارج.

~.~.~.~.~.~

كانت سول بطبيعة الحال ذات قلب طيب كرغيف خبز دافئ، لا يؤذي أحداً و لا تفكر بسوء نية حتى،
لكن ما حدث قبل ما يقارب الساعة، ما إنفك يضرب داخل رأسها كما الناقوس،
إن تشانيول قد وجد طريقه للإنتقام من إيفا بتحمليها مسؤولية تنسيق الحفل التقليدي،
خصوصاً بعد أن عرفت بأن الفاتورة ستقع على عاتقها دون مساعدة من جانب المؤسسة،
و كان اكثر ما أثار حنق و خوف سول في آن واحد، كون تشانيول يحمل خصلة الإنتقام و قلباً أدهمياً

فما كان منها سوى ان تجر كرسيها أمام إيفا بعد خروج تشانيول من المكتب:
- إيفا (تململت في جلستها) أرجو ان تتراجعي عن مهمة القيام بهذه الحفلة، إرفضيها.
- و لما؟!
- إن ما حدث من جانب بيتر كانت مجرد مسرحية متفق عليها (بلعت حفنة الدبابيس في حلقها و أكملت بجملة اوضح) القرعة التي قام بها بيتر و تشانيول مجرد خدعة.

كانت سول تتكابد على نفسها حتى تكمل حديثها ،
فهي فتاة لا تحب المواجهة ، و لا تقدر حتى على أن تحضر حفل يترنح بالفضول و كاميرات التصوير التي تلتقط،
لكن القدر يوقعها لرجل مدهش،
إعتاد المواجهة بدرجة يمكنه فيها أن يدرب فراشة على الوقوف ساكنة في مواجهة الضوء،
و إذ فتح الأخير باب المكتب و خطى بهدوء،
ثم سأل سول بعد ان وزع نظرات الضيق بينها و بين إيفا:
- وماهو دليلكِ أننا قمنا بذلك؟!

جفلت سول لدخوله و كيفية سماعه لحديثها من الخارج و أعادت السبب لإذنيه الطائرة التي ثبتت عينيها عليهما:
- عفواً!!
- كمحامين علينا الإتيان دائماً ببراهين و ما يثبت صحة إدعائاتنا، ماهو دليلكِ على إتهامكِ أننا فعلنا ما قلته قبل برهة؟!

شعرت سول بلسانها ثقيل داخل فمها:
- نظراتــــــ ... نظراتكما .. و إبتساا..ماتكما ...
فرد تشانيول ظهره ثم أطلق ضحكة ساخرة :
- نظرات و إبتسامات !! ما الذيـــــ ...

قاطعته إيفا مبتسمة بتكلف:
- لا بأس عزيزتي سول، حتى و إن ما قلته حقيقة، أستطيع التكفل بأمر الحفل.
- إيفا و لكن ...
هزت الأخيرة رأسها للجانبين محتضنة كفي رفيقتها التي إستسلمت بإبتسامة واهنة ، يرقد تحتها السخط و الضيق من الواقف بجانبها.

~.~.~.~.~.~

كانت قد إنقضت الساعة الأولى من الظهر ، الوقت الذي تكون فيه  حركة موظفين في مكاتب سيدلي أوستن قد خمدت ، متفرقين لتناول الغداء،
 طرقات كعب حذائها تكاد أن تخترق بلاط الرواق ، و عيناها كما لو أنها تحرق الأرض أمامها، تسير بخطوات سريعة لا تعود لإمرأة،

فتحت باب غرفة الطعام –الأستراحة- الخاصة بموظفين الطابق ال12 ، و إصتدم مصرعه بقوة على الحائط
و وقفت أمام تشانيول الذي زعر  من دخولها الهجومي،
 و كان قد أنهى قهوته المعلبة  ، فارداً ساقاً فوق أخرى، مسنداً رأسه بقبضتيه المتشابكتين للخلف

كانت سول محتقنة الوجه، ليس ثمة أدنى شك أنها غضبانة، هوت بما تحمله في يدها فوق الطاولة التي يجلس عليها تشانيول:
- هذا هو دليلي.

أخفض المُخاطب عينيه للكومة الصغيرة من المحارم الورقية التي تلف داخلها أوراق الرهان المطوية، و التي كانت تحتوي إسم إيفا على كل واحدة

سأل بصوت مشحون بدهشة :
- هل فتشتِ حقاً في القمامة؟!.

أنهى جملتها وهو يرقبها تخلع سترتها و تلقيها على أحد الكراسي في قشعريرة، ثم أخذت تمسح كفيها بسائلها المطهر لليدين في عصبية و تقرف حدّ الإهتزاز،
و تزيد عليهما و تعجن:
- لا تغير الموضوع تشانيول.

تشانيول: حسنا. أعترف لقد أوقعنا بها، كان مجرد مزاح من النوع الثقيل.

تخلل صوتها شيءٌ من المرارة و التهكم:
- أوتدرك سخافة و صبيانية ما تقوله الآن؟ إسمعها مني إذا، لا يمكنك لوم إيفا لإختيار المحامي كيون لها.

ألقت عليه محاضرة قصيرة بإنفعال مستتر، متفوقة فيها على نفسها الجبانة عادةً، لكنه إنتبه لغضبها الكبير الذي لم يألفه على ملامحها الناعمة ، حدّ أنها فتشت في سلات القمامة و هي مهوسة النظافة و الترتيب في المقام الأول

فراح يتحدث بصوت هادئ و رزين:
- حسنا أعترف بخطئ، و سأقوم بمساعدتها في تنسيق الحفل كما طلبتِ.

رمغته بنظرة مفعمة بالإنزعاج:
- و الإعتذر؟!.
أجابها بكلمة واحدة: مستحيل.
ثم قام من عنده و رمى علبة القهوة داخل سلة التدوير، و عندما إلتفت كانت هي قد تركت الإستراحة مخلفةً و رائها سترة بأطراف متسخة.

~.~.~.~.~.~.~

و على بعد أمتار منهما كانت إيفا تجلس على مكتبها ، بذهن قد عاد يتقازفها ما بين البقاء في المؤسسة أو الذهاب،
قطع خيوط ترنحها إستذكارها لسوهو، الذي لم يزورها طيفه مذ أن بدأت العمل على قضية تشين و سونيا،

و حاولت أن تستحضره في ذهنها فصعبت عليها الفكرة بشكل أثار دهشتها من نفسها، فأنفاً كان سهلاً عليها إستحضار وجهه وهي تحدثه أو تضحك و تشكي له، أما الآن إستحال عليها وجهه بوضوح،

تذكرته كومضات خفيفة، إجتهدت أكثر فتبين فقط أمامها قميصه الذي أهدته له في عيد ميلاده السابق،
و بالرغم من هذا كانت تتوق إليه بشوق أليم كعنقاء ضخمة تجول حول قلبها و تحرقه،

كيف لا وهو الوحيد الذي يرجح كفة الفرح بقلبها، و كانت ترضى بما يجود به إليها من عاطر الأنفاس و تحيا به،
حتى عندما رحلت مجبرة مفارقةً له لأجل أمها، لم تكن باذخة في أمانيها، و لم تأخذ منه شيئاً أكثر من شعاع تضيء به حياتها،
وتعيش على كفاف وجوده فيها محض طيف مضيء

نقرت بسبابتها فوق جهاز البيجر أمامها ، ليرتسم وجه كيو هيون بوضوح كأنه صورة عالية الجودة (HD)
تعرض على إحدى الشاشات المسطحة أمامها، وقد  ران إليه  و دنى بطوله يقابل وجهها متحدثاً :
(إن لم تثقي بنفسكِ من سيثق بكِ؟)
لا تعلم إيفا لماذا تفرض هذه الذكرى نفسها على مخيلتها دون غيرها،
وهي التي تضمر له الكره و الغبينة

  شعرت بنفسها كمن يتحرك في ممر ضيق، من جفاف متماسك الى جفاف متماسك، و من عزلة مبتكرة الى إنفراج محدود، ثم للعزلة مرة أخرى
ثم أخيراً أطلقت على رأسها رصاصة الرحمة في إتخاذها قرار،
 قررت أن تبقى في سيدلي اوستن لتساعد الناس و تمنحهم فرصة جديدة مليئة بالعدل،

 كم هي نسبة أن تُكشف من طرف كيو هيون؟، قد لا تتعدى نسبة ال5%،
نعم. هزّت رأسها ستبقى و تنتظر عودة يو جي.تاي على الأقل، ثم رفعت هاتفها تضغط على شاشته في عادة،
على إسم الأخير الذي ما زال يردها مغلقاً أو خارج نطاق التغطية

~.~.~.~.~.~
بالرغم من إنخفاض درجة الحرارة لصباح اليوم التالي، كان الأثر الذهبي اللامع للشمس قد أخذ يتلاشئ في تلك الأثناء عندما وصلت إيفا المؤسسة،
و إرتفعت الشمس مرسلة سهامها خلال نتف السحب الصغيرة

كان هدوء مكتبها المشترك بالرغم من وجود سول و تشانيول فيه يعطي إنطباعاً بالغربة،
حيّتهما ثم جلست وهي تفكر في حديث يخفف التوتر بينهما،
و كان تشانيول قد وجد أنه خجلان و مستحي من حماقة تصرفه، و بدأ بلوم نفسه لحظة تجلي، إلا انه سريعاً ما عاد لنرجسيته و إتهم سول بالسخف،
لكن تجهم و جهها و تفاديها له منذ الأمس حتى اللحظة دون أن ترد له تحية الصباح
شعر بكآبة حقيقة حين فكر أنه لربما تسعى سول لمقاطعته بجدية

فمسد خلف عنقه بتردد يسأل إيفا:
- هل أجريتِ بحثكِ حول ترتيب الحفل؟ (واصل دون ان يعطي المجال للرد) أنا سأهتم بقائمة الطعام، فقد أخذتُ موعداً مع أحد معارفي (هز رأسه و تخللت يده المتوترة شعره) هو مالك سلسلة مطاعم دي.أو.

هتفت سول : تقصد الطباخ المشهور كيونغسو لا غيره؟

إلتقت نظرات تشانيول و سول لثانية، و لاحظ مسحة الحماس التي تسللت إليها ، فإبتسم :
- نعم. سأقابله عند العاشرة أي بعد نصف ساعة، لنقابله سوياً يا سول~آه.

جرحته بطرف عينها حتى شّك للحظة أنها سترفض مرافقته، الى أن قالت بجدية:
- سأرافقك، و لكن من أجل إيفا فقط.

ضحكت الأخيرة شاكرة لسول و تشانيول، و غادراها بتوصيات أن ينتباه للطريق ، و يعودان سالمين .

صعدت سول سيارة تشانيول، بعد أن صكت بابها في قوة ، و تقعد هو كرسيه خلف مقود القيادة، يراقب السخط يتغلب على حماسها الذي شهده سابقاً ،

تنهد مديراً محركه قاصداً منزل كيونغسو،

و جدت سول نفسها ملتزمة بغضبها و إصرارها على عدم الحديث معه،
كانت تتحرك على المقعد الأمامي بحركات غاضبة، لكنها تتلصص على ملامحه التي تعشقها بين فنية وأخرى،
فتشهد تقطيبته و إنزعاجه من نفسه و كلامه الذي يموت على طرف لسانه،
مما جعلها تتلذذ بفكرة ممانعته

لم يكن لسول أن تتخيل بأن طباخاً مشهوراً ككيونغسو، يعيش في هذا المكان الضيق بالرغم من حميميته،
كان الإستديو –بيت صغير- الخاص به مكون من غرفة واحدة و مطبخ مطليان باللون الرصاصي،
و صالة ضيقة بألوان متداخلة و حمام، و ركن صغير يستخدمه كمكتبة لكتب الطبخ،

كان وجه كيونغسو مستديراً، هادئاً و أبيض كأنه من الرخام، و يضع في إحدى أذنيه قرطاً سميكاً من الذهب،
كان كثير السكينة، و فيه وقار يعود لأصل ملكي، عندما يتحدث أو يصف لهما بعض الأفكار و الإقتراحات،

و كان تشانيول يتكأ على تفادي الإنخراط في الإجابة عن أموره الشخصية و الأسرية كلما سأله كيونغسو عنها، و جعل البرود يتمايل بداخله
و كانت سول تشهد تشنج وجهه و لمحة الحزن التي تعتليه كلما سأله كيونغسو عن والده بالتحديد

مضى الوقت ولم يكن يتحدث بينهم سوى كيونغسو بصوته المدروس، و ترتيبه لكل كلمة و فكرة تخرج من عقله أو إحدى كتب الطبخ التي يتناولها من مكتبته،
ظلت سول مبتسمة تهز له رأسها بأدب ، و أتفقوا أخيراً على قائمة الطعام التي سيكون مسؤولاً عنها بنفسه

 كانت سول على وشك أن تسأله أن يراعيهما في الأسعار أو يمنحهما خصماً خاصاً،
إلا أن تشانيول سبقها بثانية في السؤال، و كيونغسو أكد أنه كان سيفعل ذلك دون طلبه

ظلت سول طوال طريق العودة تتحدث مع تشانيول بلسان أطلقت سراحه الأقصى،
كانت مستلذة بملاقاتها لكيونغسو شخصياً ،
أما من جهة تشانيول كان يشاركها الضحك و التعليقات، حدّ أنه لم ينتبه للعقدة التي إنحلت بداخله بعد أن صالحته و عادت لطبيعتها المرحة المدللة،
فالأخيرة بالرغم من كونها سريعة العطب، كانت سريعةً في الرضاء أيضاً،
فقلبها الذي يماثل رغيف الخبز الدافئ لا يمنحها المجال لإمتلاك أي ضغينة أو حسد.

~.~.~.~.~.~

أخذت الشمس تغيب، و تلونت الأجواء بألوانها الأرجوانية والذهبية،
و بدأ الهواء يشتد في برودته،
أوقفت سو دام سيارتها الصغيرة من نوع هونداي أمام متجر فلوريدا للأخذية،
وهو المتجر الذي تقصده في العادة لإبتياع أحذيتها،
ولجت أرضيته مستمتعة بالدفء الذي ينبعث منها ، و أخذت تخطو متنقلة ببصرها بين الرفوف،

موديلات الأحذية ذات التصميم المبتكر المتجدد ، و قفت لدقائق طويلة أمام حذاء أقل ما يقال عنه أسطوري،
و لكن مع ملاحظة أمامه –للعرض فقط-
لعنت تزفر الهواء من فمها محركاً غرتها :
- لماذا يعرضونه طالما لا نية لهم في بيعه!!

 سمعت صوتاً ذكورياً من العدم يجيبها:
- يُدعى القمر الكريستالي.

أجفلت في إستدارة منها لتقابل صاحب الصوت ، كان رجلاً طويل القامة ، ذا شعر فحمي لمّاع أشبه بهالة من النور تحت أشعة الشمس التي أوشكت أن تنزوي،
أما وجهه فقد غطت نظارات شمسية -ليس وقتها و لا مكانها- نصفه تحجب عينيه التي ودّت رؤيتها،
لا سيما و أن إبتسامته الواسعة و أسنانه اللؤلؤية عكست رهافة إحساسه،
و بدا لها من إبتسامته أنه يستلطفها و يستغربها في آن واحد :
- صُممت منه أربعة أجواز فقط، و بِيعت إثنتان.

تنحنحت معيدة نظرها للحذاء خجلة من كونها قد سمع شتيمتها أولاً:
- إنه مذهل حقاً.
و مع أنها لم ترى عينيه إلا أنه بدا مألوفاً ،
إرتفع صوت الرجل من فرط حماسه مُعرباً وهو يخلع نظاراته:
- حقاً لم تعرفيني يا سو دام~آه؟!!

إعترتها الدهشة لمعرفته إسمها و مناداتها دون رسمية، فتحدث هو بنفس الحماس:
- أنا بو غوم .. بارك بو غوم.

لم تستوعب سو دام الإسم للثانية الأولى، و شيئاً فشيئاً أخذت القمامة داخل عقلها تنجلي و صرخت :
- يا إلهي ، بو غوم~آه ،
تأملته مطولاً غير مصدقة فأخر مرة رأته فيها كانا في المدرسة الثانوية، في الصف الثاني إن أردنا الدقة ،
بات الآن أطول و أنحف ، جميل الوجه متناسق الأعضاء ، لونه يتوهج كلون المِسك،
لا تستطيع أن تطيل فيه النظر لجمال إبتسامته و أسنانه المتارصة على نحو يظهر إبداع الخالق،
كان كما لو أنه بُعث من عصور النبلاء.

سو دام : لقد تغيرت لم أكن لأعرفك لو لم تخبرني، ألهذه الدرجة لم أتغير أنا؟
بو غوم : بل أمسيتِ أجمل.
إكتفى بهذه الجملة القصيرة، كيف له أن يخبرها أن أخر يوم رأها فيه وهي بين يدي تايهيونغ في أسطح مدرستهم، و هما يقبلان بعضها قد حفر كوسم حرقٍ في روحه،

تحطم قلبه عندها إلى شذرات و إستحال مبعثراً في الهواء ،
يذكر جيداً عندما نهض بها تايهيونغ و سألها عن الشخص الذي قام بأذيتها حد إدماء يديها ، و أفصحت هي بأنه المدافع من فريق كرة السلة

و لم يجد بو غوم قدميه إلا و هما تسوقانه عبر الدرج ثم الى الملعب حيث يوجد المدافع،
و ما إن أمسكه من قميصه الرياضي الأبيض حتى رفعه في الهواء ثم رماه على الأرض يشده من رقبته و يصرخ شاتماً، و يهوي بقبضته على وجهه

لا يعلم كم عدد اللكلمات التي قذف بها على وجهه، قبل أن يثبته تايهيونغ من الخلف صائحاً بصوت حازم للطلاب يقصد المدافع:
- خذوه من هنا.
 و قف تايهيونغ أمام بو غوم دون أن يزيح يديه عنه :
- هل جننت؟ ما أنت بصانع؟
همس بو غوم كمن سلبت منه الحياة:
- لقد قام بإيذائها و بالتالي قام بإيذائي، لكنكما معاً أذيتماني أكثر.
هزه تايهوينغ في عنف:
- ما الذي تتفوه به يا بو غوم؟

و قبل أن يتحصل تايهيونغ على الرد من صديقه، زُجر بو غوم من قبل معلمة التربية البدنية الأستاذة هايدي بالقدوم الى مكتب المدير

إستدار بو غوم يقصد مكتب المدير فرأى سو دام تبكي بحرقة،
أعرب عندما قاصدها :
- لا تبكي أنه يستحق أكثر من هذا.
 لم يكن في صوته غضب، كان صوته أقرب الى مرحه الطبيعي منه الى الغضب،
ظلت سو دام تبكي في صمت تناظر بو غوم الذي يبتعد ، الى أن رفع تايهيونغ يده على رأسها من الخلف،
فإلتفتت متشبثة بحضنه ، و إنفجرت تبكي، و ظل هو يربت على ظهرها مواسياً

أُحيل بعدها بو غوم الى المجلس التأديبي لإستعماله العنف داخل حرم المدرسة، و لأنه صاحب سجل دراسي ممتاز و شخصية مهذبة و هادئة، كان القرار  بأن يفصل لإسبوع،
لكنه لم يعد للمدرسة من يومها، و سمع تايهونغ و سو دام بعد فترة،
أن و الديه قد أرسلاه للدراسة في الخارج.

تحدث سو دام الآن وهي ما زالت تتأمله بإعجاب :
-  متى عدت للبلاد؟

- منذ أن تطورت شركة فلوريدا و توجب عليّ مراعتها عن قرب.
إتسعت عينيها : أتعني أنك صاحب شركة فلوريدا؟

غمرته السعادة وهو يرى الدهشة و الإعجاب يسودان على و جهها :
- نعم.
و شعرت هي بالتقدير لمّا هو عليه ، فقد كان بعيداً كل البُعد عن ما توقعته،
تبادلا العنواين العريضة عن حياتهما، و سمح لنفسه ان يختار لها حذاءً كهدية حسب ذوقه،
و فعلاً أعجبها إختياره حدّ الدهشة.

و بلا أي تفكير في صحة السؤال أو خطئه سئلها:
- هل تزوجتي؟!
لفها كفن الإضطراب فهزت رأسها بلا دون أن تتحدث،
فوجه سؤال أخر أيضاً كان بلا تروِّ و لا تدقيق:
- مرتبطة بأحد ما؟
نفت رأسها أيضاً  و جعلها الإضطراب هذه المرة تتعثر ،
و فقدت توازنها و كادت ان تسقط فأمسكها بساعديه من خصرها و تشبثت هي به،
مبتعدة من فورها معتذرة بوجه محمر حتى حدود أذنيها

بينما بو غوم شعر بوخزة إبرية في صدره من ملمس جلدها الرقيق،
تحدثت تبدد توتر الجو :
- سيسعد تايهيونغ كثيراً عندما يعلم بنجاحك و عودتك.

غمر وجهه ظل عندما هز رأسه متسائلاً:
- تايهيونغ!! ألم تقولي بأنكما ...
لم يكمل جملته بينما أخذت هي فترة صمت مؤلمة ثم إبتسمت ، لترد بعد أن رأت وجهه يتلون بتغير طفيف ، كأنه إستاء أو شعر ببوادر مغص:
- لا لا ، الأمر ليس كما تظن ، نحن نعمل سوياً الآن (صحتت) نرافع في قضية ضد بعضنا في الواقع.

أسئلة كثيرة تزاحمت مصطفة في عقله، فسألها الأهم في نظره:
- أيمكن أن نجتمع ثلاثتنا الإسبوع المقبل؟!

لمست حذائاً من أحد الرفوف بطرف إصبعها:
- كان بودي لككنا سنسافر من أجل العمل.
داهمه إحساس انه لن يراها ثانيةً
- الى أين؟
- البرازيل ، ريو دي جانيرو ، قضية نفط.
 أجابته بثلاثة كلمات متقطعة غير متصلة، و وعدته بأن تجتمع به مع تايهيونغ عند عودتهما من البرازيل
 لكنه أصر على دعوتها للعشاء الآن ليغطي على شعور عدم رؤيتها مرة ثانية، و قبلت تحت إلحاحه،

تناولا العشاء في مطعم فاخر، و ظل هو طوال الوقت يتأملها و هي تأكل ، و علق لها لأكثر من مرة أن الشعر القصير يناسبها تماماً، و كان يتلصص على تفاصيل و جهها التي كانت تيقظ فيه أحساساً قديماً في كل مرة كانت تبتسم له برمشها في خجل،
متفادية نظراته التي إقتحمت معتقل أنوثتها.

~.~.~.~.~

تلاحقت الأيام بسرعة على إيفا و هي ما بين تنسيق الحفل و التقارير التي تحضرها بأمر من كيو هيون ،
مما جعلها تشعر كأنها فريسة مطاردة تريد أن تلتقط أنفاسها خلالها
و ها قد جاء مساء السبت –مساء الحفلة-
عادت إيفا لشقتها بعد أن قضت النهار في إنهاء أخر ترتيبات الحفل ، فتشت خزانة ملابسها التي يطغي عليها اللون الأسود و الرمادي عدة مرات قبل أن تقرر إرتداء ، تنورة رمادية اللون مع قميص متسع يناسبها،
كانت بملابس أقل من عادية نسبةً لمناسبة،
زمت فمها مكتفية من المقارنة البغيضة بينها و بين الخفاش، و قبضت شعرها بالطريقة المعتادة، تبقيه بعيداً عن وجهها،
لم تضع أيّ مساحيق تجميل، و إكتفت بخط بني رفيع فوق عينيها و ملمع شفاه دون لون.

وصلت الى مكان الحفل، و كانت قد قررت إقامته في أكبر صالة في مؤسسةسيدلي أوستن نفسها، و قد و افقها تشانيول و سول على الفكرة الذكية و بجانب الطعام من صنع كيونغسو و الشراب من حانة إلجو

كان كل شيء قد تم بشكل مثالي ، أعدّ كيونغسو عشاءً رائعاً يشبع العين و الأنف قبل المعدة،
و ضجيج الحفل الصاخب يحدث نغمة إيقاعية منومة،
وقع نظرها على جميع الحضور بمسحة سريعة ، إنتبهت فوراً لما يرتدونه من بدل رسمية و فاستين للسهرة فائقة الأناقة،
عضت شفتيها و هي من ترتدي تنورة و قميص منتفخ بشعر غير مرتب،
فشعرت كما لو أنها تعيش أحد تلك الكوابيس الرهيبة ، حيث تجد نفسك في حفلة عرسك بملابسك الداخلية فقط،

تمنت لو أنها لم تتبع إسلوبها العادي، لو أنها رتبت شعرها على الأقل أو وضعت مساحيق التجميل و طلاء الأظافر، و إرتدت ملابس أكثر ملائمة،
لو أنها فعلت ذلك لنظر الجميع إليها بقبول بدلاً من هذا الإستغراب الفارغ من أي معنى

- إيفا !!!!!!
وصلها الهتاف في نبرة دهشة أقرب للصراخ، فإلتفتت المعنية بإسمها بإرتباك،
 كانت سول التي تخلل صوتها شيء من التهكم و هي تمسك إيفا من عضّدها و تحثها على السير معاها خارج الصالة:
-  لماذا لم تعودي لمنزلكِ حتى الآن و تتجهزي؟
تفحصت إيفا شكل سول و الذي كان في غاية البراعة :
- بل انا جاهزة.
حكّت سول طرف أنفها بسبابتها  قبل أن تتحدث بصوت مراعي:
- لماذا التحفظ و انتِ في هذا العمر؟ لماذا الجمود إيفا (وضعت كفها الأيمن على خاصرتها مستنكرة) ثم ما تبريركِ لطول ثيابكِ دائماً و وساعها؟ (أمسكت بطرف يدها اليسرى تنورة إيفا) يا للخالق . إنني لا اكاد أرى ساقيك.

و دون المزيد من الحوارات و المماطالة، دفعتها سول أمامها حتى مكتبهم المشترك و بعد أن أمنّت باب المكتب الخشبي بمفتاحه من الداخل، أخرجت أحد فساتينها الذي تخزنه في درجها من أجل الطوارئ ، و تذمرت في كثير من الجُمل لعدم إحضارها عدّة مكياجها الكاملة، غير حمّرة شفاه و بودرة الوجه، ضعت القليل منهما على وجه إيفا و في الختام،
حررت لها شعرها من ملقاطه و ربتت عليه تاركةً له الحرية لينسدل في تموج:
- إرتدي الفستان سأسبقك للصالة (قبلتها على وجنتها) لا تتأخري.

بعد أن فرغت إيفا من تبديل ثيابها وقفت تشهد وجهها أمام مرآة اليّد الصغيرة الخاصة بسول،
أطالت النظر في خصلات شعرها، و إذ كانت إيفا قد ورثت بعض الملامح من والدها، فعيناها البنيتان الصافيتان ذات الرموش الكثيفة لا تشبهان عينيّ أمها،
كذلك شعرها الكثيف شديد السواد و اللامع،
الذي قامت بجمعه مجدداً و عكصته في ملقاطه خلف رأسها، فأخر ما توده أن تشبه أباها بالشكل أو بالتصرف

~.~.~.~.~.~

دخلت صالة الحفل تترنح بدلال عفوي فوق كعب حذائها العالي الذي أُهدي إليها حديثاً ، و قد لفتت أكثر الأنظار خُمولاً وهي تعبر المدخل،
و ذاك الذي على بُعد أمتار منها إشرأب أنفه متشمماً عبيرها، و من غيرها التي دُقت على قلبه شأن وشم غير قابل للزوال، فما زالت رائحتها تجره من ناصيته إليها جراً ، و أنَّ له ان يقنع أنفه بالعكس

وضع تايهيونغ كأس شرابه على إحدى الطاولات وهو يقصدها بخطواته،
كانت ترتدي فستاناً أبيضاً، و قف أمامها مباشرةً ، أطال النظر فيها بنظرات تشي عن مشاعره التي تمنى لو يتجاوزها، لكن الأبيض عليها لا يزال يأسره،
حتى الألم الذي يقبع في داخله حين لامسته مصافحةً أضاء:
- سو دام~آه ، جميلة كالعادة.

شكرته وهي تصارع ضربات الطبول داخلها، فوران الدم تحت جلدها،
 و أخذت تحاور نفسها و تتكابدها داخلياً ضدّ سحره كما هي عادتها ، و لم ترفض دعوته في الإنضمام إليه كمرافقةٍ لليلة، بحجة منه أنها أمست معه في ذات الفريق و ذات الجهة،
بالرغم من أن حضوره بجانبها يسبب لها القلق، مثل لعنة ترتدي ثوب إحتفال.

~.~.~.~.~
مضى الحفل ينسج من خيوط الوقت نسيجاً دافئاً، يتجلى في ضحكات من يحضرونه، و في إتملأ بطونهم بما لذة و طاب، و في تمايل أجاسدهم مع الموسيقى الناعمة التي تصدح في الأرجاء،
و كيو هيون الذي ولج لتوه متأخراً من منزله، بسبب إجتماعه مع مساعده آدم في البحث عن أمر  عرابه و إختفاء يوو جي.تاي،
الأخير الذي لم يجدوا خلف أثره غير رقميّ هاتف أرضي و آخر محمول يستمران في الإتصال به دون ردّ من جهته،
أنهى كيو هيون إجتماعه مع آدم ، مطالباً له بحث عن هوية المتصليّن في أسرع وقت ممكن،

 ظل القلق ينتر بداخله كأنما حدسه ينبئه بقدوم كارثة، لكنه أصر على بعذقته،
و إسترخت أعصابه فور أن تجرع بعض من النبيذ الأحمر و تسللت الى مسامعه الموسيقى الهادئة،

و حينما إصتدمت عيناه بإيفا التي كانت منسجمة في الضحك مع سول حتى إنفجرت أساريرها ، تعطل قسم من عقله، فحتى الأمس كان كل ما إرتدته قد أخفى الكثير من أنوثتها،
أما هذا المساء فقد تأكد حين رأها ، كانت ترتدي فستاناً ضبابياً من قطن سماوي يمتد طوله أعلى ركبتها و ينساب على جسدها مظهراً حناياها الناعمة،
بأكمام شفافة،
تلصص على تفاصيل جسدها، و الإثارة تتدحرج من شفتيها المكتنزتان،
المغطتان بطبقة من اللون الأحمر  القاني،
 تأكد فعلياً عندها أنها أُنثى بمعنى الكلمة، أنثى قادرة على التزاوج و حتى الإنجاب،

أنهاء إجتراع كأسه يسأل بلسان عقله عما دهاه، وما طريق الجنون هذا الذي أصبح يتلمسه،
و كيف لها دون غيرها أن توقظ فيه إيمانه بالمرأة، أناقتها البسيطة و جمالها الذي يماثل زهرة برية، حركا بداخله شيئاً لا يريد أن يعترف به حتى مع نفسه،
و مع ذلك إستسلم لكل الشُبهات التي تحوم حول ولادة مشاعره إتجاهها.

تقطعت أفكاره إثر صوت هيون بين الذي ناداه من أجل الإنضمام إليه في إلقاء كلمة للمدعوين،
و بتزامن مع إستدارته على عقبيه، إلتفتت إيفا نحوه، بعد أن  وصل لأُذنها نداء إسمه إذ حسبت أنه لن يحضر الليلة،
كانت ترقب ظهره المشدود و قوامه الممشوق المندس تحت بدلة بلون الكبريت بخيوط متداخلة من ذات اللون،
وقف بجانب هيون بين، الذي قطر إنتباه الحضور ، و بدأ بإلقاءه كلمات الشكر و العرفان،

و تحت ظل الهدوء و إسكات الموسيقى، إرتفعت همسات صوت نسائي من خلف إيفا:
- إن المحامي كيون بارع في الوسامة ، بجانب شخصيته المذهلة.
إرتفع همس بنبرة نسائية مختلفة عن الأولى:
- و لا تنسي ماله أيضاً، أتسأل أن كان عازباً كما يشاع عنه.
إستمرت السيدتان بالهمس حول كيو هيون، بينما إيفا قد أمعنت النظر إليه مجددا بعين آخرى،
أن أناقته متعجرفة ، بدت فطرية غير متكلفة، الضيوف من النساء تتهافتنّ عليه و يكدنّ أن يأكلنّه بأعينهنّ،

إرتجفت جميع فرائضها و قتئذن بالتحديد، لأنها زوجة هذاالرجل،
فغمرها ذلك النوع من الحرج المريع، الذي بزغ عليها مع مسحةٍ من الإضطراب،
و أجرت مقارنة سريعة داخل رأسها كما إعتادت منذ صغرها،
لأنها لطالما كانت الأقل شأناً دائماً، بوجهها الذي تفترض أن لابأس به، لكنه عادي جداً،
لربما كلمة –عادي- ليس لها وجود في قاموس الرجل الذي تنظر إليه الآن،
ثم شعرت بأن أقدامها ستخذلها في أية لحظة، فإنسحبت لتجلس  على أحد المقاعد الموجودة في الخلف

ظلت جالسة لوقت لم تقسه، خلسةً على طرف مؤخرتها، كأنها تتهيأ للهروب في أيّة لحظة،
و تشييع بعينيها الضيوف الذين أخذوا ينسلون مغادرين واحداً تلو و الآخر، حتى لم يبقى غير القليل من موظفي المؤسسة، إلا تايهيونغ

الأخير الذي كان يُعاين هايكيو التي تشارك هيون بين الرقص  على أنغام ضحكاتهما أكثر من الموسيقى نفسها،
تلاعبت على شفتيه إبتسامة :
- لننضم إليهما.
إفتر ثغر سو دام بإندهاش:
- ها !!
 فإرتقت إبتسامة تايهيونغ لضحكة:
- لنرقص.
ومضى يسبقها بخطواته حتى مساحة الرقص، فلم تجد سو دام لنفسها مفراً غير أن تتبعه،
وضع تايهيونغ يمناه على خاصرتها و أطبق بالأخرى على كفها، كان يمسكها برقةٍ،
كأنها يخاف عليها الإحتراق نتيجة ملامسة جسديهما،
كان يقسم لنفسه، أن ما يفوح منها ليس بعطر، هي سبحت في السماء و حطت بين أذرعه،
بينما هي قد بذلت مجهوداً جباراً لإخفاء إضطرابها و إنفعالها الكبيرين،
متظاهرة كون أنها ترقص بين ذراعيه، لأمر طبيعي للغاية، كانت تقف أمام حضنه مغلفةً إنكسارها و شوقها، بمفردات رشيقة، و عيناها المخبئتان خلف رصيف التمنى، تعول على القدر أن يصنع شيئاً ليسامحها به تايهيونغ ذات يوم.

~.~.~.~
و على الطرف الآخر من الصالة، كان بيتر الذي لم تنفك نظراته تتبع سول بإعجاب غير منقطيع النظير ، في طلتها البهية التي إجتهدت لتظهر بها، بغرض أن تأسر  بها إعجاب تشانيول،
لكنها قد أسرت غيره ، و الذي أخيراً قد وجد فرصته بوقوفها وحيدة دون إيفا أو تشانيول،
تحرك نحوها في زهوٍ، كأنه طاؤوس يتراقص تحت ظل ذيله البديع،
بعد أن تبادل معها التحايا و المجاملات دعاها للرقص،
فعلقت عيناها بمن خلف بيتر، كما يتعلق قلبها به و يتأرجح، و عندما و جدته مازال مشغولاً عنها بالتحدث الى بعض الموظفات ،
تنفخت أوداجها و قبلت عرض بيتر دون أن ترفع عينيها عن تشانيول

أطبقت كف بيتر على كفها مُقبلاً له، فإهتز جسد سول لتلك القبلة السطحية على يدها،
و التي لم ترى قدومها، سحبت يدها عنه في سرعة كما لو أنها قد لمست مقلاة ساخنة،
و إعتذرت منه تريد الإبتعاد، إلا أنه حاصرها بجسده يصر أن تراقصه،
كانت ترجوه أن يبتعد و قد أخد ذقنها يتجعد يُنبأ بهطول دمعها القريب،

لم يكن بيتر ينوي التراجع عن طلبه لولا اليد التي أطبقت على كتفه في خشونة:
- قالت لك إبتعد عنها، فلتبتعد قبل أن أجبرك على هذا.
كان تشانيول و قد إشتدت علائم الغضب على وجهه، إبتعد بيتر بعد أن ألقى الشتائم الخافتة وهو يمسد كتفه في ألم،

و قف تشانيول بطوله المهيب فوقها لوهلةٍ قبل أن يسأل:
- هل أنتِ بخير؟
اومأت برأسها أن نعم، عاود سؤالها دون أن يريح قسامته:
-  لما قلبتِ عرضه و سمحتِ له بتقبيل يدكِ منذ البداية؟

تحدثت بصوت خافت ناعم و خجل، يحمل الكثير من الإغراء الذي لا تعيه:
- هل رأيت ذلك؟
زاد تشانيول من تقطيبة حاجبيه:
- ألم تستطيعي أن تنتظريني أن أفرغ من الحديث حتى نرقص؟!
رددت خلفه بتلعثم:
- ن .. نرقص!!
و إبتسمت بإنفعال شأن مراهق يأس، و أمسكت يد تشانيول تجره خلفها ، حتى وقفا بجانب هايكيو و هيون بين، و قد تقفزت ألسنة قرمزية الى وجنتيها تنير وجهها،
ذا الملامح المحببة لعينيه، فأبتسم رغم أنفه

لم تستطيع سول أن تزيح عينيها عن تشانيول، باتت تشعر به يشدها و يجذبها نحوه بخيط عصب،
إرتباطها به أصبح مزمناً، بينما هو يميل بتوافق مع جسدها و يهديها الكثير من الضحكات، التي تغمض لها عيناه،
كأنما قد إنتقلت له جرثومة مشاعرها، كان يحلق معها و يرقصان، لكأن أقدامهما لا تحطان على الأرض.

~.~.~.~.~

كانت إيفا لا تزال في جلستها الهروبية تلك، و ذهنها غائب يسبح بعيداً عما تراها أمامها من أجواء مشحونة بطاقة المشاعر المتضربة ، غير الواضحة، و المؤلمة و لربما السعيدة في آن واحد

- كانت حفلة لطيفة (تحدث إليها بيتر بنبرة ثمالة، يلف كأس نبيذ و يجترعها عن آخرها) أرجو ألا تختل ميزانيتكِ، فقد أخذتُ راحتي في طلب بعض الشرّاب الغالي.
ومضى في طريقه مبتعداً، يجترع من كأس آخر،

إستقامة إيفا على قدميها متنهدة، ترجو ألا تتعدى تكلفة الحفل  توقعاتها، لكنها قد صدمت عندما وقعت عيناها على مجموع الفاتورة المطلوبة، من قبل كينغسو و حانة إلجو معاً، فقد تجاوزت سقف مرتبها الشهري الأول عن أكمله،
للحدّ الي سيجبرها أن تأخذ من المال الذي تدخره لعلاج أمها

سألت إيفا النادلينّ أمامها :
- أيمكنني الدفع عن طريق البطاقة ؟

أجابها أحدهما يحني رأسه:
-  المعذرة آنستي لقد تم دفع الفاتورة مسبقاً، ظننت أنك تودين رؤيتها ليس إلا.
- هل أنتَ متاكد؟
- نعم. لقد تم دفعها بواسطة المحامي تشوي كيو هيون.

~.~.~.~.~.~

كان كيو هيون يقف في شرفة صالة الحفل، منتشياً يتأمل  السماء الدمسة بنجومها القليلة و هي تتراقص بين السحاب، كان يملأ رئتيه بأكبر قدر من الهواء ثم يزفره في هدوء ،
إقتربت إيفا من خلفه ، و الموسيقى الكلاسيكية في إيقاعها على صدفة أذنها،
كأنها تسمعها تأتي من مكان بعيد،
شعر كيو هيون بوقوفها خلفه فإلتفت،
حنت رأسها دون جسدها مخرجةً صوتاً مكتوماً:
- شكراً لدفعك الفاتورة، هذا كرم منك.

كان يحمل كأسين من النبيذ الأبيض، مدّ لها واحداً:
- ما من داعٍ للشكر (تشربت عيناه تفاصيلها) إعتبريها مكافأة على تنسيقكِ لحفل بهذا المستوى.

إستدار يواجه الليل من جديد، و خطت هي بجانبه دون أن تنبس ببنت شفة،
 كأن شيئاً يمنعها من أن تخدش بهمسة شفافية السكون،
أرادت أن تعود للداخل عندما طال صمتهما المربك،
فهو غير راغب في القيام بأي حديث، يتحرك في ذهنه فقط،

كانا يقفان دون حركة شأن منحوتات خزفية، دون أن يتناولا من مشروبهما حتي،
اللحظة كانت أشبه بأجواء مسرحيات فرانكو، نفس العبث الداخلي المطلق، كأنهما ينتظران أحداً،
ولا يبدو عليهما بإنتظار أحد، أو ربما يجب عليهما الإنتظار،

كيو هيون الذي لا يدري ما يحدث معه، ذهنه مشوش،
إلتفت قبالتها فوجدتها تحتضن نفسها بيدها الشاغرة، و تأرجح النبيذ بالأخرى،
فباغتها بسؤال كاسراً لجبل الصمت و الإضطراب اللذين كانا يلفان الشرفة:
- ألا يجب عليكِ إخباري بأمر ما؟

-أمر؟!!
صعقها السؤال و شعرت بجسدها ينهار فإتكت على درابزين الشرفة تخفي إرتعاشها،
فعقله قد إنصب يركض الى إحتمال واحد، وهو إكتشاف كيو هيون لأمرها،
أيعقل أن كيو هيون قد عرف أمر زواجهما حقا!!

هربت بنظراتها نحو الفراغ، فتحت فمها عدت مرات، لكن الكلمات لم تتمكن من الخروج بين شفتيها،
رأته بطرف عينها يضع كأسه على الدرابزين، ثم أخرج مظروفا أصفر من جيب سترته الداخلي:
-أمر إستقالتكِ مثلاً.

أخذ يأرجح الظرف للأمام و للخلف، نظرت الى الظرف وما إن تعرفت عليه، حتى باتت ملامحها كأنها رأت قنبلة مؤقتة بين يديه:
- لم .. لم أكن سأقدمها في الواقع.

نبر في برودة تنافس برودة الشتاء:
- و لماذا كتبتيها إذن في المقام الأول؟

 إنتابها إحساس البحث عن إجابة مختصرة، عن عناء تفكيرها، و الإحتمالات التي تزعجها أصلاً، شعرت به يتربص بها ،
كهدف إصطفاه بعناية،
رأته يرقب زفراتها العميقة،إنكماشها على ذاتها، و عضها المتواصل لتجويف فمها و زوغان حدقتيها العشوائي،
إرتخت أنفاسه قليلاً :
- على كل حال (شرع يمزق الإسقالة بتمهل) إذا ما جاء اليوم الذي تتركينّ فيه المؤسسة، سأكون أنا عندها من أمرتكِ بذلك.

أومات له رأسها بوهن، و مشاعر غريبة داهمتها، كأن قبيلة من الكره  تناسلت بداخلها إتجاهه و أنشأت مستعمرات ذات وزن،
 طفق هو عائداً الى الداخل، و ما إن إختفى حتى إنهارت جالسة على قدميها لتجمع شتات نفسها.

الحب يجعلنا أكثر إنفعالاً بالأشياء ، يمنع تسرب الإحباط الى أوردة الأمل،
و نظل نربي أحلامنا و نشاهدها تحبو و تتهجى في صعوبة الواقع،
و لا تخطئ في قرأته،
نرى الأشياء سهلة المنال و في متناول أذهانناـ
و لا مجال للواقع إلا أن يحتل مكانها بلا تزمر أو غضب.

ييتتبببببببببع

هناك 4 تعليقات:

  1. نانااااااااااا يا نانااااااااااا ما في حدا بيكتب متلك بالعالم كلوووو مش طبيعية والله وغير متوقعة أبداااا لا احداثك ولا تفاعلات الأبطال مع بعض ما بتعمليلنا تمهيد يكشف شو رح يصير او مماطلة تخلينا نتوقع القادم بتيجي هيكااا هوووووب وبتفاجئينا بكلام كلاسيكي رقيق فخم مزيج من كوكب تاني بيشللل الأمل والمشاعر.. طول وانا بقرأ بحس قلبي بيرفرف بحس اني واقفة جد على حافة الحياة وانو الصدمة الي رح تيجي بعد شوية رح تقتلني قتلل تااام وتشلني..مش طبيعية مش طبيعيةة بحبها مووت للروايةةةةة بحبها وبعشق تفاصيلها وابطالها .. انتي كاتبة مميزة مميزة مميزة يمكن هالكلمة شوي بحقك بس ما لقيت الا هي لحتى اوصفك فيها. بحبكككككك سعييددةةةة جدا اني بيوم تعرفت عليكي وقررت اقرألك لانو بجدددد ما خليتيلي فرصةةة حتى انو اخذ نفس وانا بقرأ، ما في زهق ما في كلمة وحدة مريت عنها مرور الكرام بقرأ بسلاسة وبنفس الوقت بدي ألم بكل اشي مكتوووب انتي قاموووس لازم أحفظو لحتى لما اكتب من جديد تكون كلماتك خارطة لطريقي.
    كيوهيون حبيببب القلببب يممة الحوب يممة شلني بهاد البارت كيف انو بدى يعجب فيها ااااااحححح بيجننننننننننن قال شيطان رجيم متتت بس انو ولكم شوفو من جوا كيف انو عسل كتير ㅠㅠ
    ايفااااا البنت هااااي خلص من الشخصيات المفضلة عندي بكل وقت بمووت فيها صرت حتى نانا كوماتسووو حبيتها جداا ونفسي احط صورها بكل مكان لأنها جميلة جدا وانتي خليتيها أجمل بشخصيتها القوية الناعمة.
    سووووووووووووووول لا ستوووووووووب صدمتني بجددددد شخصيتها بتجنننن كيف حتى وهي بتحب تشانيووول حافظت على طهارة روحها وما نجستها لتكسب تعاطفو او حبو وهادد الي خلاها جد تعلق مع تشانيول ويفكر فيها كشخص مناسب لأنو يحبو
    تشانيووووول كيف انو ولد وطفولي وبذات الوقت شرير الكاركتر تاعو مميز عجبني وسيعجبني للأبد لانو مو مثالي متل كل شخصيات الروايات وبذات الوقت بيتحب ع اخطاءو
    تاي تاي & سودام & بوغوم احداثهم القديمة والماضي والحاضر بيموتونيييي بيجنننو

    كل اشي كل اشي من اول حرف لاخر حرففف كلهم شيء مو من العالم... كاتبة من كوكب اخر انتي ♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡

    ردحذف
    الردود
    1. قفزة شوي لفوق لتعطي دفعة للأحداث ، و قلت اصدمكم عشان تتوبوا مني 😂😂😂😂
      و انا بحبك و ابطالي كمان بسلموا عليكم كلهم و بيعطوك بوسات و بحبوك شدييييد

      و استني الي جاي جاي جاي جاي هههههه

      كيو الشيطان بالجد 😂😂😂 ، كل الناس ترقص و سعيدة ، الا هي تترجف منه و يجيب لها النفسية

      و كلامك شهادة اعتز فيها و تاج فوق راسي ، رغم اني حسيت اني تهت و ضعت شوي بين الشخصيات ، بس الجاي اوضح و اقوى باذن الله

      بحببببك بحبببك من كل قلبي ، امطرينا دائما بحبك لنا 🙆🙆🙆🙆🙆🙆🙆

      حذف
    2. قفزة شوي لفوق لتعطي دفعة للأحداث ، و قلت اصدمكم عشان تتوبوا مني 😂😂😂😂
      و انا بحبك و ابطالي كمان بسلموا عليكم كلهم و بيعطوك بوسات و بحبوك شدييييد

      و استني الي جاي جاي جاي جاي هههههه

      كيو الشيطان بالجد 😂😂😂 ، كل الناس ترقص و سعيدة ، الا هي تترجف منه و يجيب لها النفسية

      و كلامك شهادة اعتز فيها و تاج فوق راسي ، رغم اني حسيت اني تهت و ضعت شوي بين الشخصيات ، بس الجاي اوضح و اقوى باذن الله

      بحببببك بحبببك من كل قلبي ، امطرينا دائما بحبك لنا 🙆🙆🙆🙆🙆🙆🙆

      حذف
    3. حبيبتي انتي 😘😘😘😘😘😘😘

      حذف