السبت، 24 سبتمبر 2016

*✿▒ على حافة جهنم『 الفصل الثالث عشر والأخير』▒✿*

على حافة جهنم
الفصل الثالث عشر والأخير




Written By : Ňoồr


~ لن تخمد جهنم ! ~


لعلّ كل شيء سكن عند تلك اللحظة .. عدا خفقات القلوب التي لا تكُف عن التمادي في صدامها .. ربما في لحظات الضعف ننهار وتفقد ذاتنا القدرة على التحمل .. لعلّ الاشتياق عندما يتباهى بمراسمه يُفجعنا الألم .. اليوم كانت حفلة الأوجاع التي عجز منذُ الوهلة الأولى عن تحمُلها .. وعندما استنفدت الحياةُ ما بقي لهُ من قوةٍ .. فقد شهيتهُ للحياة .. وأصبح الموت هو الأمل الوحيد .. لعلّهُ يتبعها كما أراد .. وعندما يتوقف الزمن عند لحظاتٍ معينة .. يبرعُ حقاً في اختيارها .. وكانت تلك اللحظة التي اختارها القدر لفتح والدة ليتوك للباب وولوجها للداخل أخيراً .. هي ذاتها اللحظة التي ثبت فيها ليتوك المسدس ما بين حاجبيه ضاغطاً على الزناد .. لتنبعث منها صرخةُ ألمٍ عصف بها بقوة وأدمى أعمق نقطة في قلبها .. وصدى صوت المسدس عند الضغط يتنافسُ مع خفقات قلبها أيهما الأسرع ؟!
***
هامبرج الألمانية بصفة عامة وأضخم شركاتها بصفةِ خاصة .. شهدت اليوم موكباً أسطورياً لعودة أصغر وأنجح رجال الأعمال الذين آتو لألمانية من الولايات المتحدة بعد إجراء صفقة أسطورية .. توقفت السيارة الفخمة ضخمة الحجم عريقةُ الطراز أمام الشركة .. فُرش السجاد الأحمر من نقطة وقوف السيارة وحتى باب الشركة .. وعلى الجانبين وقف الصحفيون في تكدسٍ رهيب .. استعداداً لالتقاط الصور .. ركض ثلاثُ رجال يرتدون البذلات الرسمية نحو السيارة .. وقام أحدهم بفتح الباب بوقار .. وُضعت الكاميرات في وضع التصوير ..
وفي غضون ثوانٍ قليلة أخرج الرجل قدمهُ ليلمع حذاؤه دليلاً على أنه سيترجلُ أخيراً .. وبعدها خرج جسده بالكامل .. رافعاً رأسه بشموخٍ وزهوٍ غريب وهو يُغلق زِر بذلته الأنيقة .. عدسات الصحفيين لم ترحمه من تكتكاتها وضوءها القوي .. بل وعيونُ الحشود لم تكُف عن التهامه وصرخات الفتيات لا تكُف عن الانبعاث من حناجرهن .. وكأنه آحد فناني هوليوود المشهورين .. الأناقة تجسدت في شخصه .. الابتسامة الساحرة المُرفقة بغمازتين قاتلتين وخصلاتُ الشعر السوداء في نعومة الحرير مُنسقة بطريقة مُبهرة تتفنن في زيادته فتنة ..
 تخطى جزءاً كبيراً من الطريق .. وعند نقطةٍ مُعينة من السير اقترب منه آحد الرجال طويلي القامة .. لا يقلُ عنه وسامة وسار في محازاته .. همس زومي قائلاً : اوامرك يا فندم
ظلّ سائراً في طريقه دون النظر لهُ بينما عقد حاجبيه هامساً بصوته الأجش : ريحتهم فاحت يا زومي
- نخلص يا فندم ؟
نظر لهُ : الظابط ( صنع بيده حركة السكين عند الذبح ) خلص ( أومأ بهدوء وتبعه في سيره حتى دلفا إلى الشركة )
***
ربما مرّ الكثير من الوقت وهو بتلك الطريقة .. ثبُت جسده دون أن يحرك أنملةً فيه .. لعلّ جسده تشنج من هذه الوضعية .. حيثُ كان جالساً على كرسيٍ بجوار السرير محني الظهر للأمام .. مُثبت نظرهُ عليها وهي الغارقة في نومٍ عميق .. يديها التي يعانقها بلهفة حبيب لازال حتى الآن لا يملكُ محبوبته كانت باردة وكأن لا دماء بها .. ربما نجح الأطباء للمرة الثانية في إنقاذ حياتها وكذلك حياة الجنين .. لكن رغم هذا لم يكن سعيداً أبداً فلازالت كلمات الطبيب ترنُ في آذنيه ...
- هي حالتها ايه بالظبط يا دكتور ؟
- احنا انقذناها هي والجنين للمرة التانية , اللي بيحصلها ده غلط جدا , انا سبق وقولت لجوزها والانسة اللي جم معاها قبل كده انها لازم ترتاح ومتتعرضش لاي ضغط نفسي , بس واضح انكم مش قادرين توفرولها جو مريح , عشان كده لازم تفضل هنا وتخضع لإعادة تأهيل نفسي
رغم أن كلمة زوجها أوجعته كثيراً إلا أنه تجلد كما يفعلُ دائماً .. وبمجرد ذكر الطبيب لإعادة التأهيل النفسي انتفض صائحاً : مستحيل , مصحة لأ , لا يمكن اعمل فيها كده, كده هتدمر اكتر
حك الطبيب ذقنه ثوانٍ ثم قال : حالتها فعلا خطر , انا هحجزلها اوضة هنا في المستشفى بعيدا عن المصحة , وبنفسي هشرف على علاجها , وان شاء الله تستجيب وفترة وتعدي
عض كيبوم على شفته بحسرة .. تُرى أي شيء اقترفه هذا المخلوق في حقها كي يلزم لها إعادة تأهيل نفسي ؟ لماذا فعلتِ بنفسكِ هذا ؟ أي إثمٍ اقترفتيه بحق نفسكِ ؟ زفر أنفاسه بحرقة وأومأ للطبيب .. ربت على كتفه وغادر ليتركه حتى الآن في جلسته تلك .. أزال كيبوم بطرف إصبعه تلك الدمعة التي فرت هاربةً من مقلته .. وما كاد يعتدل حتى شعر بها تستفيق من نومها .. ركز نظرهُ عليها فإذا بها تفتح عينيها بوهنٍ .. تلاقت نظراتهما فعلى الفور انهمرت دموعها .. عقد حاجبيه وقبل أن يتحدث حاولت هي الاعتدال في جلستها .. فنهض و وضع الوسادة خلف ظهرها وأسندها إليها ...
ربما للمرة الأولى شعرت بمدى حبه لها باهتمامه بها .. كان سيجلس على كرسيه مجدداً إلا أنها منعته عندما أمسكت يده وجعلته يجلس بجوارها على طرف السرير .. عقدت الدهشة لسانه .. وأنعشت اللمسةُ كل ميتٍ بداخله .. تدفقت الدماء في شرايينه بسرعةٍ رهيبة لتُحيي فؤاده وتُعيد كيانه للوجود .. لربما كان في حاجة لها طوال الفترة الماضية لتقف بجانبه وتساعده على التخلص من أوجاعه بدل أن تكون إحداها ..
لعلّ نظرها الذي يلتهم ملامحه المُتعبة وعيناها التي تفيض بالدموع على الحالة البائسة التي آل إليها .. ويديها اللتان غمرتا يديه بين ثناياهما وهن يربتن عليها الآن .. كانت البلسم الذي خفف من شدة ألمه .. ليتها قامت بهذا مبكراً .. حرك يده الآخرى وهو ينظرُ لها وراح يربت على يديها هو الآخر بابتسامةٍ ضعيفة وواهنة .. عندها همست من بين شفاهها الجافة : انا آسفة , والله العظيم آسفة , ( أغمضت عينيها بقوة مفسحةً المجال لدموعها لتتساقط على تعانق أيديهم بغزارةٍ ثم رفعت طبقة صوتها وهي تردد بحرقةٍ ) انا اقذر انسانة , واغبى انسانة واكتر واحدة انانية في الدنيا , انا بجد استاهل كل حاجة حصلتلي واستاهل كل حاجة هتحصلي واستاهل اكتر من كده كمان , انا جرحتك جرح اكبر من ان ندمي اللي حاسه بيه دلوقت يقدر يعالجعه , جرحتك مليون مرة , وولا مرة فكرت انت طول عمرك بتعملي ايه , مقدرتش افرق بين انسان اداني كل حاجة , وحيوان اخد مني كل حاجة , جرحتك لما دوست على حبك , جرحتك لما مفرقش معايا قلبك ولا مشاعرك , لما بانانية استفدت باهتمامك ومدتكش ف قصاده حاجة , لما دوست عليك اوي اوي وانا بدافع باستماته عن اللي قتل اختك , ( اختنقت أنفاسها وجسدها يرتعد وهي تتذكر مشاهد الفديو التي رأته فزاددت من احتضانها ليده وكأنها تتشبث بها لتحميها من الألم وأكملت بصعوبة وأنفاسٍ مُتقطعة ) عن اللي كان السبب في موت والدتك , السبب في موت عيلة كاملة بالحياة , لو تعرف اد ايه كرهته وكرهت نفسي قبل منه , يمكن ( زاد اختناقها بالكلمات ) يمكن تسامحني ولو جزء صغير اوي
تركت كلماتها صدى هائل بداخله .. ظلت تتردد وتزيد من نبض قلبه .. جعلت شفاههُ وأخيراً تنفرج بابتسامة واسعة .. وقلبه تندمل فيه بعض الجروح التي أدمتهُ طويلاً .. ظلت تنظر له ببؤس منتظرةً رده .. فكان وبلا أدنى شك أنهُ جذبها لأحضانه .. غمر كل جسدها بين أضلاعه ولو استطاع لأدخلها إلى جسده .. لتستقر بجوار قلبه .. دفن وجهها في صدره .. وآخد يربتُ على شعرها بحنوٍ بالغ وعيناه مغمضتان بثمالةٍ بينما يهمس : ششش , بس كفاية كلام وآسف , انا مش عايز اي حاجة وحشة تعكنن عليا دلوقت , انا مش زعلان منك عشان تتأسفي , انا اللي اناني لو كرهتك عشان قلبك اختار غيري ف يوم , الحب عمره ما كان بادينا , والا مكنش هيبقى هو الحاجة الوحيدة اللي بجد ف حياتنا , مش ذنبك انك حبتيه , ومش ذنبك اني حبيتك , ومش ذنبك انه كان كدهب وحيوان , ومش ذنبك كل اللي حصل , انسي كل الكلام دة , وارجعي مروة اللي حبتها وبحبها , ( أبعدها قيد أنملةٍ وأمسك وجهها بيديه ينظر لها عن قرب وهمس بوهنٍ شديد ) اللي بـ حـ بـ هـا ! ( ابتسم وطبع قلبةً عميقة على جبينها وابتعد ) وهفضل احبها لآخر يوم في عمري
سكنت نفسها بهدوء .. ومازالت تنظر لعينيه الثملة .. خفق قلبها بوهن وهي تشعر بمشاعره الصادقة التي عجزت عن الشعور بها يوماً بين أحضان دونغهي .. ابتسمت من بين دموعها ورفعت يدها تتحسس ابتسامته بخجلٍ .. ثم غمرت نفسها بين أحضانه مجدداً وهي متمسكةً بملابسه وهمست : كيبوم , انا من حقك ! بحق كل وجع سببتهولك انا من حقك , وبحق كل مرة اهتميت بيا وخففت وجعي انا هحاول اخفف وجعك
أغمض عينيه وشرع يُمسد شعرها وهو يحصلُ على بعض الراحة أخيراً من وقت طويل .. لعلّ الحياة أخيراً أشفقت عليه واختارت من وسط الكثيرين من تعلم جيداً أن وجودها بين أحضانه تعني أنه سيظل على قيد الحياة بجروحٍ تتلاشى شيئاً فشيء ! ظلا هكذا لفترة ليست بالقصيرة .. ثم أبعدها وابتسم وهو يُزيل دموعها برفق قائلاً : انتي قولتي انك من حقي , يعني المفروض تسمعي كلامي صح ؟ ( أومأت بملامح طفوليةٍ مطيعةً للغاية فأكمل ) الدكتور قال انك محتاجة تفضلي في المستشفى كام يوم كده عشان تبقي كويسة خالص ونطمن عليكي , ينفع ؟
لوت شفتيها وقبل أن تعترض رفع كيبوم حاجباً دون الآخر وهو ينظر لها مضيقاً عينهُ الآخرى فتنحنحت وأومأت له .. تنفس بهدوءٍ وراحة وربت على يدها فعضت على شفتها تقول : كيبوم انا عايزة اقولك على حاجة , ( عقد حاجبيه بقلق ثم أومأ فأكملت وهي تتلاعب بأصابعها بتوتر وأخفضت رأسها ) اي بنت ف الدنيا بتفضل تحلم انها تبقي ام , حتي وهي طفلة بتلعب بعروستها وتتخيلها بنتها , ( تساقطت دموعها من جديد ) بس مفيش ست ف الدنيا بتتمنى طفل من راجل بتكرهه اد مقدار حبها الاعمى ليه ف يوم من الايام , ( رفعت وجهها المبتل بالدموع تنظر له ) بس احساس الأمومة حلو اوي لدرجة تخليك تنسى اي حاجة ف الدنيا , تنسى حتى انه ابن اللي انت بتكرهه , وتفتكر بس انه حته منك
صمتت تبكي بقهر .. ربما رغبتها في الاحتفاظ بهذا الطفل ستجرح مشاعر كيبوم كونه جزء من شخص يكرهه حد الموت .. لكنها لم تظن أبداً أن الأشخاص مثل كيبوم يستطيعون التأقلم مع الجانب المشرق فقط .. لم تعلم أن هذا الطفل الذي تبكي رغبتها في الاحتفاظ به سيكون يوماً ما منسوباً لكيبوم يحبهُ أكثر من نفسه .. تطرب أذناه لسماعه يناديه " بابا " .. لم تعلم أنه سيراه فقط جزءاً مصغراً منها .. وسيتخيل حتى يقنع نفسه أنه جزءٌ منه هو الآخر !
رفع رأسها وجفف دموعها مجدداً وهو يقول لها بابتسامة مشاكسة : كبرتي وبقيتي تحسي احساس الامهات يا مروة ( وضع يده على بطنها هامساً للطفل وكأنه يسمعه ) تعالى بسرعة عشان بابا عايز يشوفك , عارف لو مطلعتش شبه ماما وشبهي هقتلك , تعالى عشان نلعب انا وانت ونبهدل الدنيا لماما كللل يوم , وتقعد تزعق واحنا نضحك عليها ونكمل لعب
نظرت لهُ بصدمة كادت أن تُعجزها عن النطق مدى الحياة .. أي ملاكٍ هابطٍ من السماء هو أنت ؟ أي حمقاء فرطت بكَ يوماً هي أنا ؟ ابتسمت ملء شدقيها وهي حقاً تتمنى وللمرة الأولى اليوم الذي ستحصل فيه على الطلاق من دونغهي لتمنح كل ما تبقى لها لكيبوم! حركت يدها بصعوبة ووضعتها على رأسه تُمسد شعره وهو الذي اندمج في الحديث مع الطفل بداخلها .. ربما في البداية كان ليجعلها تطمئن .. ثم أخذته الذكريات لشقيقته التي لطالما كان يحدث طفلها قبل أن يرحلا سوياً .. لسعت الدموع عينيه فأغلقهما بسرعة وابتسم يتخيل هذا الطفل جزءاً منه فحقاً تدفقت مشاعره كأب تجاهه .. كم هو محظوظٌ هذا الطفل الذي كُتب له أن يحظى بأبٍ حنون مثل كيبوم !
جاء صوتها الواثق ليفيقه من اندماجه عندما أعلنت : كيبوم , هتمشي ف اجراءات الطلاق منه امتى ؟
ابتلع لعابه بشيء من الدهشة ؛ فلم يتوقع أن تطلب هذا بتلك السرعة .. اعتدل قائلاً بثقةٍ هو الآخر : من النهاردة , من دلوقت ! ( أومأت بهدوء فقطع الصمت بينهما رنين هاتفه .. التقطهُ وأجاب لتتسع حدقة عينيه ويصرخ قائلاً ) حاولي تفتحي الباب بأي طريقة وتدخليله , خمس دقايق واكون عندك
نهض ليغادر بسرعة إلا أن مروة أمسكت يده بخوفٍ قائلة : في ايه ؟
تقطعت أنفاسه وهو يقول : ليتوك منهار وحالته صعبة , قافل الاوضة وعمال يكسر فيها , خايف يعمل ف نفسه حاجة ومش راضي يسمع كلام والدتك , انا رايحله خلي بالك من نفسك ومن اللي ف بطنك هرجعلك تاني متخافيش
تركها تبكي وتدعو الله أن يحفظ أخاها وانطلق راكضاً بأقصى سرعة تجاه المنزل .. ولو استطاع لحلق كي يصل بأسرع ما يمكن ...
***
اتكأت على كتفه وهي تشعر بأن الحزن والوهن كما البرد ينخُر في قلبها عوضاً عن عظامها .. احتارت كيف تبتر دموعها التي لا تُريد التوقف .. أوصلها حتى غرفتها ثم ساعدها على الجلوس فوق سريرها .. ابتعد قيد أنملةٍ ينظر لها بأسى .. عض على شفته وهو يزفر أنفاسه المختنقة .. هبط على ركبتيه أرضاً أمامها .. ورفع أصابعه الرقيقة ليزيل الدموع التي بللت وجنتيها وأهدابها .. نظرت له بألم تفضحه عيناها .. فتساقطت دموعه ليتركها في دهشة ...
أمسك يدها وراح يُقبل أناملها وهو يقول بصوتٍ متهدج : كفاية , عشان خاطري انا بموت وانا شايفك كده
تأوهت بصوتٍ عالٍ وألقت بنفسها إلى أحضانه .. أحاط جسدها بقوة .. ودفن وجهها عند رقبته ليكتم صراخها وتأوهاتها وراح يربت على شعرها .. آخذت تضربه على ظهره من شدة الألم وهي تصرخ : جرحه ف قلبي صعب , بموت ف الثانية مليون مرة , مش قادرة اصدق انه خلاص انتهى كده , اخويا ادمر يا ييسونغ , واللي دابحني انه ندم ف وقت مينفعش فيه الندم , انا تعبانة حاسة اني بموت بالبطيء
أغمض عينيه بقوة يكتم دموعه الحارقة على حالها وقال بنبرة صوته الضعيفة : خلاص يا عبير , انتي قربتي تحققي حلمك , اخوكي رجع انسان , وهـ هيساعدك في الحق وهنقبض على كيم وكل حاجة تكون كويسة
- اخووويا بيموت
- اخوكي كده بيعيش , لانه مكنش عايش , حتى لو هيموت كفاية انه قبل ما يموت عاش انسان ولو لساعة واحدة
تمسكت بقميصه تدفن نفسها بالكامل في أحضانه وكأنها تخبأ جسدها فيه وهمست بحشرجة وهي مغمضة العين : انا تعبانة , عايزة ارتاح
أومأ ييسونغ برأسه وقد عزم على أن يُنهي هذه المآساة .. نهض بهدوء وحملها على ذراعيه كالطفلة .. ثم وضعها على السرير .. عدل عليها الغطاء وأسدل الستائر .. اقترب منها مبتسماً بغصة .. ثم أمال جسده طابعاً قبلة على جبينها : حاولي تنامي , وبكرة كل شيء هيتحل
التف ليخرج من الغرفة فأمسكت يده .. نظر لها بدهشة فقالت بتلعثم وعيونها المُحمرة متعانقة مع وجنتيها المتوردتان في لوحة فتنة بألوان البراءة : ممكن تنيمني ف حضنك انهاردة , تعبانة اوي ومفيش غير حضنك هيريحني , مش محتاجة حاجة انهاردة غير حضنك , ممكن ؟
حرك أهدابه بصدمة من طلبها غير المتوقع .. لم يكن يتخيل أن أحضانه ما كانت تمنحها القوة طوال السنوات الفائتة .. ولم يعلم أيضاً أن حبها المقدس قد دُنس فما عاد مقدساً .. هي مسألة وقت فحقاً اقتربت النهاية .. ازدرد لعابه يبللُ حلقه الجاف ثم بهدوء مدّد جسده على السرير .. وقبل أن يقوم بأي خطواتٍ أخرى وجدها قد اقتربت منه بجسدها وأحاطت خصره بذراعيها متوسدةً صدره وأغمضت عينيها ..
ابتلع صدمته بصعوبة ثم مد يده المرتجفة وأنامها فوق شُعيراتها .. فشعر بتحركها المفاجئ .. وإذا بها تضع على خده قبلة كالفراشة خاطفة لم يستطع إدراكها .. لم تكن لأي غرضٍ سوى رغبتها الشديدة في تخدير ألمها الذي لا يتلاشى إلا في قربه .. تبعثر كيانه وشعر كأنه يغرق ولكنه يود التمسك بها كي تغرق معه ...
***
كانت حبات العرق المالحة تنفر من جبينه لتستقر بداخل عينيه .. ملوحتها لسعتها وأنفاسه تتوالى بسرعةٍ كبيرة .. شعر وكأن أربطة قدمه ستتمزق من شدة ما يضغط عليها كي تكمل ركضها دون أن تتفاوت سرعتها .. صرخات والدة ليتوك مازلت ترن في أذنه .. لعلهُ يعرف جيداً مقدار ألمه إلى أي جنونٍ سيودي به .. لم يصدق عينيه عندما لاحت له البناية .. تلاشت أنفاسه وتسمرت قدمه غير قادرٍ على تحريك إصبع .. ثنى جسده تسعون درجة وهو يلهث ..
ملأ رئتيه بالهواء بصعوبةٍ شديدة ثم ضغط على قبضة يده وأكمل ركضه .. ربما كان يصعد على السلم قفزاً وليس كباقي البشر الطبيعيين .. وقبل أن يقرع الجرس سمع صوت المسدس عند تسديد الطلقات .. انسحبت الدماء من شتى أنحاء جسده وخارت قواه ليسقط على ركبتيه .. أسند رأسه للباب المغلق وصرخ متأوهاً .. اعتصر مكان قلبه بقبضة يده وهو يلعن اليوم الذي قُتل فيه هيتشول لتتوالى بعده الضحايا ..
 نهض كالإنسان الآلي ودموعه تتساقط .. بدأ يضرب الباب بكتفه بوهنٍ شديد ثم أخذت كل الذكريات المؤلمة تترائى له .. عندما حطمت مروة حبه .. عندما شهد أخته صريعةً .. عندما ماتت والدته أمام عينيه .. وها هي دموعه تستقبل موت ليتوك أيضاً .. صرخ ملء حنجرته وضرب الباب بقوة ففتح .. دلف للداخل يترنح وهو مستعد لملاقاه مصيره .. كان المشهد دامياً حقاً .. مؤلم للغاية .. تخجل الدموع من عجزها وصفه ..
 وتُبتر الكلمات أمام رهبته .. رغم أنه يُعيد الروح إلى مكانها .. ويرسل الدماء للمناطق التي انسحبت منها .. أسند ليتوك رأسه من الخلف للحائط وجسده على الأرض مُمدد وكأنه خائر القوى .. وجهه لوحة فنية حزينة لـ ليوناردو دافنشي كما الجيوكاندا لا يُمكنك أن تحيد بنظرك عنها لشدة تأثرك بها وتأوهاته وكأنها سمفونية تموج بالألم لـ بيتهوفن تجعلك تركع على قدميك باكياً ولو كنت في أوج السعادة ..
 وعلى الأرض بجواره والدته التي انسحبت من وجهها ملامح الحياة .. تحتضن يده المُمسكة بالمسدس ولا تكاد تصدق أن المسدس وللرحمة الإلهية كان خالياً من خزان الطلقات الموجود بجواره على الأرض .. أمسكت يده تُقبلها بجنون وتصرخ باكية طالبة منه التوقف وأن يرحم فؤادها عندما حاول الوصول لخزان الطلقات ليُتم انتحاره .. تدارك كيبوم المشهد قليلاً فركض مسرعاً وركل خزان الطلقات بقدمه ليبتعد عن يد ليتوك .. ضيق عينيه وغضب العالم يعتريه .. اقترب منه وأبعد يد والدته بشيء من العنف ...
نظرت له الأم بدهشة من تصرفه وتمتمت : كيبوم !
إلا أنه لم يكترث لها وأمسك قميص ليتوك بيديه الاثنتين و أنهضه .. صك أسنانه وهو ينظر لضعفه واستسلامه بغضب .. ولم يشعر بنفسه إلا وقد لكمه بكل قوته .. لكمة أطاحت جسد ليتوك ليصطدم بالخزانة ثم الأرض .. وضعت الأم يدها على فمها تكتم شهقتها .. بينما أن كيبوم عاد وأمسك بملابسه وأنهضه وراح يلكمه وهو يصرخ به ...
- انت مفكر نفسك الوحيد اللي بتموت , كلنا ميتين , كلنا بنقول مليون آه بس بصوت ميسمعوش غرنا , كل واحد فينا بيموت ف الثانية مليون مرة وبمليون وجع , كل واحد فينا حياته ادمرت , انت بتقول مراتك اغتصبوها قطعوها دبحوها , ( ضرب جسد ليتوك بشدة في الخزانة وهو يصرخ وانهمار دموعه لا يتوقف ) مراتك دي اختي , اللي بيربطك بيها حب ؟ بيربطك بيها ورقة بتقول انها مراتك وملكك ؟ اللي بيربطك بيها ابنك اللي ف بطنها ؟ كل ده ولا حاجة , انا بموت اكتر منك عشان اللي بيربطنا دم واحد ! مراتك لحمي ودمي , حتة مني وانا حتة منها , ( عاد ولكمه ثانية لتتساقط الدماء من شفتيه ) لو حد المفروض عايش ميت فهو انا , انا اللي خسرت اختي وامي والاتنين حته مني , ( ترك ملابسه وابتعد قيد أنملة صارخاً ) لو بعد شهور صاحي من غيبوبة عشان تكون وجع زيادة وفوق طاقة تحملنا فياريت ترجع غيبوبتك احسن
تقوست شفتا ليتوك وبهتت نظراته .. انهمرت دموعه أكثر من السابق .. ورفع يده المرتعدة ليمسك بطرف قميص كيبوم وهو يشهق كطفلٍ صغير وبصوته المتهدج همس : عايز اقولها بس انا اسف !!!!
اتسعت حدقة عين كيبوم بصدمة .. حاول ازدراد لعابه ليبلل حلقه الجاف .. ليتوك ! إنه يبدو كطفل في الرابعة .. بملامح بريئة ولكن عيناه مبتلةٌ بالدموع .. قوس شفتيه وهو مُتمسكٌ بملابس والدته الغاضبة منه ويطلب منها أن تمنحه فرصة ليعتذر .. فهي قد هددته بأن تغادره للأبد وهو لبراءته صدقها وبكى حتى تقطعت أنفاسه يستعطفها أن تسامحه .. حقاً كان موقفاً دامياً .. ألقى بكل غضب كيبوم بعيداً وأعاد له فقط الألم .. ربما بعد ضعف قبضة ليتوك التي تسقط ويعود يرفعها لتمسك ملابسه .. وجسده الذي يرتعد وعيناه الطفولية ..
 أدرك كيبوم أن المتألم والخاسر الأكبر هنا هو بالفعل ليتوك .. عندما نريد قتل أحدهم ليس بالضروري أن نضغط على عنقه خانقين أنفاسه .. يكفي أن نخنق أنفاس من يتنفس أنفاسه ! لو أن هناك محكمة بشرية عادلة لحاكمت دونغهي على قتله لليتوك وليس لنور !
- خلاص كفاية , اهدى
همس كيبوم بتلك الكلمات بعد أن ضمّ جسد صديقه لصدره .. جلس الاثنان على الأرض وكيبوم يربت على شعره ليهدأه .. اقتربت منه والدة ليتوك التي كانت تتابع بألمٍ صامت وربتت على كتف كيبوم ...
- مش عارفة اقولك ايه يا كيبوم يا بني
رفع نظره يبتسم لها بغصة ومازال جسد ليتوك بين أحضانه ومسح على شعره هامساً بوهن : هاتيله اكل , ( أومأت بسعادة وهرولت للمطبخ تحضر الطعام .. عندها دفع كيبوم جسد ليتوك وقال بمزاح ) ايه ياض انت استحليت الحضن ؟ لا انا اخاف على نفسي منك
ابتسم ليتوك ببهوت وهو يتحسس لكمات كيبوم على وجهه وبصوته المحشرج قال : انت اللي حضنت مش انا , وبعدين خليت وشي شوارع انت كنت بتنفض سجادة ؟
ضحك كيبوم بسعادةٍ أخيراً وضربه على صدره بمزاح : انت اللي بقيت بتعلم بسرعة , بالذمة في ظابط كحيان كده ؟ قوم يا اخرة صبري , ما انا عارف ان طول عمري هفضل مسؤول عن اطفال ف سني
ساعده على النهوض وأجلسه متمدداً على السرير .. أمسك ليتوك بيده وبضعفٍ : قبرها فين ؟
تنهد كيبوم بابتسامة واهنة : مدافن العيلة 
شعر ليتوك بغصة في قلبه .. لقد دُفنت قبل أن يحتضنها لقد بات مثواها التراب مبكراً للغاية .. أراد أن يصرخ ملء حنجرته ولكنه وبعد حديث كيبوم قرر أنه سيدفن مشاعره في وجودهم .. ربما سيخدعهم بأنه تحسن .. سيضحك ويأكل ويعود لمشاجراته وأحاديثه الطفولية بينما بداخله هو فقط يحتضر ..
دلفت الأم بالطعام وبعد أن ساعده كيبوم على تناوله .. أعطاه منوماً لينال قسطاً من الراحة .. وعندما تأكد من نومه عدل عليه الغطاء وتوجه نحو الإطار الصغير الموضوع على المنضدة والذي يحتوى على صورتها .. ابتسم بحسرةٍ هامساً وهو يتحسس وجهها في الصورة بإصابعه : موتك كان قلم جامد اوي على خد كل واحد فينا , اه وجعنا اوي فوق ما تتخيلي بس ف نفس الوقت فوقنا ( أغمض عينيه ) الله يرحمك
فتح عينيه ينظر لليتوك النائم بشفقة ثم نظر للإطار وبدل أن كان مستقيماً أنامه على المنضدة ليُخفي الصورة التي بداخله وغادر حيثُ المشفى ليُطمئن مروة ...
***
استيقظ في الصباح الباكر .. قام بفتح الشرفة على مصرعيها فهجمت عليه أشعة الشمس دفعة واحدة .. وضع يده على عينيه ليحجبها .. ولما اعتادت عيناه على الضوء أبعد يده ببطء ورمى بصره في تلك الحديقة الغناء بشتى أنواع الزهور والأشجار والفراشات .. سمع شقشقة العصافير وترائى له طيفها الملائكي عند أحد الأشجار تستنشق عبير الزهور وتطعم العصافير كما كانت تفعل دائماً .. ابتسم هامساً : بحبك 
فرأها تنهض مبتسمة وتلوح له وهي تردد : عارفة , وانا كمان بحبك
طبع قبلة على أنامله وألقاها عليها : انا كمان عارف , استنيني انا جايلك 
تساقط دموعها وحركت رأسها بـ (لا) : لا يا ليتوك اياك تيجي , لسه بدري اوي عشان تيجي
قوس شفتيه قائلاً : بس انتي وحشتيني اوي
أزالت دموعها باصبعها وقالت بضعف : انت اكتر , بس برضو مش عيزاك تيجي , مش انت عايز تيجي عشان تتأسفلي ؟ طيب انا مسمحاك , بس لو جيت مش هسامحك , ومش هعيش معاك ف الجنة
اتسعت عيناه : نوور انتي سامحتيني بجد
ابتسمت : مكنتش زعلانة منك اصلا , انا بس كنت خايفة وكنت عايزة افضل ف حضنك , بس انت مشيت ( مدت شفتها بطفولية ) بص هو انا زعلت حبة صغننة , بس اصلا مقدرش ازعل منك حبة كتير , ( ضحكت بطفولية وأخذت تلهو بالأزهار ) عارف اكتر حاجة وحشاني ايه ؟ ايام ما كنت بنام في حضنك , ( أدمعت عيناها تنظر له ) احضنلي نفسك اوي , انا مسمحاك !
اختفت وكأنها لم تكن موجودة أو بالفعل هي لم تكن كذلك .. ابتلع غصته وهو يردد كلمات كيبوم ليلة أمس قبل أن يخلد للنوم " سامح نفسك عشان نور تسامحك , واتصالح مع نفسك عشان تعرف تاخدلها حقها " توجه نحو خزانته وأخرج بذلةً سوداء بقميص أسود .. ألقاها على السرير ثم تحمم وأزال ذقنه التي نبُتت في الآونة الأخيرة وارتدى ملابسه تلك وخرج من الغرفة نحو باب المنزل .. ركضت نحوه الأم بلهفة ..
- انت رايح فين ؟
- متخافيش يا امي , انا هزورها بس
ابتلعت لعابها براحة وأومأت له .. طبع قبلة على يدها وانطلق في طريقه نحو المقابر .. وعند وصوله تقدم ببطء نحو قبرها وبيديه باقة زهور حمراء .. ابتسم بوهن وبعثر شعره نظف حنجرته عدة مرات ثم قال : جبتلك الورد اللي بتحبيه , احمر زي لون خدك لما بتتكسفي , وريحته حلوة زي ريحة شعرك , ورقيق زي ضحكتك , ( وضع باقة الزهور على قبرها ) طمنيني عليكي عامله ايه ؟ اه واحكيلي ابننا اتولد ؟ هو معاكي في الجنة صح ؟ ( أدمعت عيناه واهتز جسده ) اكيد شبهك , زي الملاك زيك , بس طبعا فيه مني , ( صمت للحظات قبل أن يتحدث مجددًا بحسرة ) نور انا بحسدك عالاقل ( زفر باختناق ) عالاقل انتي معاكي حاجة مني , بس انا مش معايا منك غير ذكريات بتوجعني اوي , ( أزال دموعه سريعاً وابتسم ) انا اسف المفروض محسدكيش بعد كل اللي حصلك ده , انا هاجي هنا كل يوم , ده وعد , هفضل اكلمك ومش هزهق انك مش بتردي عليا , ( تذكر شيئاً فابتسم بسعادة ونظر لملابسه ) فاكرة البدلة دي؟ انتي اللي اشترتيها , لما كنا رايحين فرح صاحبي اللي كنتي دايما بتغيري من اخته عشان مفكرة انها معجبة بيا , حرام عليكي يا قادرة خلتيني اروح فرح لابس اسود ف اسود , كانت اول سنة لينا بعد الخطوبة , فاكرة لما قعدت تضحكلي وطلبت مني ارقص معاها وانتي قولتلها ده متجوز وعنده اربع عيال , هترقصي مع واحد اد ابوكي ؟ , طول عمرك مجنونة , ( تنهد بعمق ) وحشتيني اوي
من خلفه كان هناك زوجان من العيون يحدقان به بدهشة .. كانت صاحبة العيون تتعجب من وفاء هذا الشاب لزوجته علمت من حديثه أنها زوجته .. ربما لم تكن فضولية يوماً ولكنها حقاً لم تمنع نفسها عن الاقتراب منه واستراق السمع .. كانت في الجوار تزور قبر والدتها برفقة صديقتها .. ثم ذهبت تبحث عن ماء في مكان قريب كما أخبرتها صديقتها لتروي الصبار .. وأثناء بحثها سمعت همهماته .. وبدون وعي وقفت تستمع .. شعرت بأنه سيلتف ليغادر وقبل أن تهرب من خلفه كان قد التف ووقعت عينيه عليها بالفعل ...
اتسعت حدقة عينيه حتى كادتا تغادران مقلتيه أما نورة فآخذت تحرك يدها بـ (لا) بإحراجٍ شديد وهي تردد بتلعثم : انـ انا اسفة , والله مكنش قصدي ابدا اني اقف اسمع , انـ انا همشي بسرعة وولا كأني كنت موجودة ماشي ؟
أغمضت عينيها وهي تكاد تموت من الحرج .. التفت لتغادر بخطواتٍ بطيئة وهي تضرب على رأسها متمتمةً " غبية , حمارة , كسفتي نفسك , ايه اللي هببـ .. " وما كادت تكمل كلمتها حتى شعرت بيده تسحبها .. نظرت له تحرك أهدابها بدهشةٍ ..
فامسك بوجهها بيديه وهو يتفحصها عن قرب غير مصدق .. حرك أصابعه على خدها ، عيناها ، جبينها ، أنفها ، ثم شفتيها .. ابتعد قيد أنملة وأمسك يدها يضغط عليها .. ثم رفعها ووضعها على خده يود التأكد من أنه يشعر بوجودها وليس ككل مرة تظهر كطيف يراها فقط دون أن يشعر بلمساتها .. لم يصدق نفسه ! انهمرت دموعه وهو يمرر يده على جسدها ليتأكد من وجودها .. نظر لعنقها فلم يجد اي أثر لسكين .. راح يتفقدها .. رفع أكمام قميصها .. نظر لوجهها بعينيه اللتان تفضحان عن لهفة لم ترى مثيلها من قبل ..
 حرر بعض أزرار قميصها فلم يجد أي أثر من أثار الاغتصاب أو الجروح .. أغمض عينيه ليستعيد حياته وعاد ليمسك بيدها .. اقترب بانفاسه الحارقة واللاهثة وراح يطبع قبلاته في باطن كفها  .. وختم قُبلاته بواحدة ملتهبة ومكدسة بملايين المشاعر التي أرهقته طوال الفترة الفائتة على جبينها .. ثم غمرها بين أحضانه يستنشق عبقها .. كانت صدمتها بكل حركة يقوم بها هي مُلجمتها عن الحديث أو اتخاذ أي رد فعلٍ معادي تجاهه .. لهفته الغير طبيعية وهو يتفقدها بحرص كانت كفيلة بأن تُجمدها عن الحركة لبقية حياتها .. لمساته المجنونة وأحضانه الدافئة .. خفقات قلبه المشتاقة التي وصلت لأذنها جعلتها غير قادرة على مجاراة جنونة أو منعه .. لقد تدفقت مشاعره كاملةً واستقرت بداخلها .. ترى من هذا الغريب الذي لم أراه قبل الآن في حياتي وها هو يقابلني بكل تلك اللهفة والجنون وها أنا اشعر وكأن قلبي يكاد ينفجر من شدة ضرباته !
- نورة انتي فيـ..
اتسعت حدقة عين مريم وهي ترى صديقتها بين يدي شاب وكأنهما يتواعدان من سنين .. وضعت يدها على فمها وهي تصرخ باسمها .. فاستطاعت وأخيراً من تتحرر من السحر الذي ألقاه عليها ودفعته عنها بكل قوتها وهى تلهث وتشعر وكأن جسدها بالكامل ينبض وماتزال ضربات قلبها تصطدم بقفصها الصدري وكأنها تود تحطيمه .. وضعت يدها على ملابسها وهي تُغلقها بقبضتها وتلعثمت تقول : ا انت مجنون , انـ انا , ( صمتت لا تعرف ماذا تقول )
تساقطت دموع ليتوك اكثر من ذي قبل واقترب واضعاً يده على خدها بحنان وعيناه تفيضان بالحب : نـ نوور
اهتز جسدها بالكامل وهي تحرك أهدابها بسرعة .. نظرت لوجهه عن قرب .. هذا الشاب ذا الملامح الحزينة والعيون الباكية الذابلة وسيم للغاية ! .. وسامة كالسحر تخطف العيون لتحدق به دونًا عن غيره وربما تُفتتن به أيضاً .. يشبه الملاك المنكسر والوقوف بقربه والشعور بلمساته يعطي جرعات غريبة من الراحة الناتجة عن حنان مفرط يتدفق كالمياه مع أحضانه .. ويتسلل كالعطر لداخل من يحاول سبر أغواره من اللقاء الأول فيسقط في عشق الحنان المنبعث منه مع سحر ابتسامته دون أن يشعر .. ولما وعت أخيراً ما يحدث معها ابتعدت خطوات للوراء وهي تقول : نور ميـ ..
بترت كلمتها عندما ألقى يدها التي كانت بين يداه بقوة وكأنه استفاق وهو ينظر لعينيها بغضب .. ليست هي! رائحة شعرها ليست نفسها .. وأيضاً لون العيون .. نور لديها عينان سوداويتان ممتزوجتان مع اللون العسلي .. أما هذه عيناها خضراء .. والصوت أيضاً مختلف .. صوت نور لطالما كان طفولي .. أما هذا صوت أنثى ناضجة .. ليست هي نفسها! ليست نور .. لقد دنست تلك الفتاة حبه .. لقد وعد نور ألا يمُس من جنس النساء غيرها .. وها هو يطيح بهذا الوعد عرض الحائط وأمام قبرها !
كانت نورة تراقب تقلباته بدهشة ولكن يبدو أنها ربطت أطراف الخيوط معاً وعلمت أنها تشبه زوجته التي كان يُناجيها منذُ قليل .. ربما أشفقت عليه فوق ما اعتادت أن تشفق على الناس به دوماً .. اقتربت مريم تتفحصها .. ولما رأت وجه ليتوك حدقت به ...
- ا انت جونغسو ! اقصد انت الظابط ليتوك
نظر لها بوهنٍ .. نعم يعرفها إنها الفتاة التي مثل لبعض الوقت أنه ابن عمها .. إنها الفتاة التي أنقذت حياته ولكن لم تستطع إنقاذ حياة نور فقد كان الآوان قد فات .. أومأ لها بضعف وانحنى بألم لهما : انـ انا مش عارف اسف هتكون كافية على اللي عملته ولا لأ , بس انا مستعد اجي معاكي حالا القسم وتحرري محضر ضدي
ابتلعت نورة غصتها بصعوبة تحاول أن تفهم ما علاقة هذا الشاب بمريم .. وأيضاً أن تفهم كيف لقلبٍ لم يجرب الحب يوماً أن ينبض بهذه السرعة .. جمعت شتات أفكارها وقالت بثقة مصطنعة : لو في سبب مقنع للي انت عملته انا هتقبله
أمسكت مريم يدها وهمست لها : خلاص يا نورة , سبيه في اللي هو فيه ارجوكي
ابتسم ليتوك بغصة قائلاً : سبيها يا انسة مريم من حقها تفهم وتاخد قرار , حضرتك فيكي شبه من مراتي الله يرحمها , انا عارف ان ده مش مبرر عشان كده بقولك انا تحت امرك
حدقت به مريم بصدمة .. ثم نظرت لنورة جيداً وهي لا تصدق أنها تشبه زوجته .. ربما علمت بكل ما حدث لها لكن لم ترها مطلقاً من قبل .. زفرت نورة باختناق ثم أمسكت بيد مريم قائلة : يلا بينا نمشي يا مريم ( تركته واقفاً وغادرت هي ومريم بخطى سريعة وخرجتا من المقابر نحو السيارة .. بمجرد أن صعدتا السيارة وتحركت .. أوقفتها نورة ونظرت لمريم بضيق قائلة ) انتي تعرفيه منين ؟
ابتسمت مريم ابتسامة جانبية .. ثم نظرت لها بحدة قائلة بنبرةٍ تهكمية : انا عارفة ان بابا بيعمل حاجات غلط , فعشان كده اياً كان اللي تعرفيه مش عايزة اعرفه
أغمضت عينيها وهي تحاول أن تتجلد ثم نظرت لها قائلة : انا اللي رفضت اسمع , دلوقت انا بسألك ولازم تجوبيني بابا بيعمل ايه ؟
شدت مريم على قبضة يدها .. وبدأت الدموع تتجمع في عينيها .. صكت أسنانها ونظرت لنورة بثقة قائلة : ابوكي بعت ناس اغتصبوا مراته وبعدها دبحوها بابشع طريقة , مفيش انسان حتى يتخيلها
قصت عليها كل شيء تعرفه بشأن والدها من يوم وفاة هيتشول وقتله لوالديها مروراً بكل جرائمه وتجارته المحرمة دولياً وحتى المآساة التي سببها لهذا الضابط وأسرته .. وبمجرد انتهاء مريم من الحديث .. نظرت لها وهي تعض على شفتيها قهراً ؛ فوالدها جعل صديقتها تتألم يُتماً للسنين .. ثم تتألم وجع الفراق .. ثم تتألم على عمرها الذي عاشته في كذبةٍ كبيرة للغاية ..
والدها الذي قتل والدتها بالحسرة .. والدها الذي سفك دم ملايين الأبرياء .. والدها الذى أوصل هذا الضابط للحالة التي رأته عليها .. تألمت بشدة وهي تشعر وكأنها تُهدم .. لم تعرف ماذا عليها أن تفعل .. وكيف تستطيع أن تتآسف لكل هؤلاء الضحايا .. احتضنت مريم واجهشت الفتاتان بالبكاء وكل منهما تضرب على ظهر الأخرى بألم .. ولما فرغتا من دموعهما أخيراً .. ابتعدت نورة واستعدت للترجل من السيارة وأهدابها مازالت مبتلة بالدموع ...
أمسكت مريم بيدها وهي تحاول كتم الشهقات المتبقية من بكاءها : رايحة فين ؟
نظرت لها بإصرار : رايحة اصلح حاجة من اللي هو ( لم تقل أبي هذه المرة ) دمرها
أغلقت الباب خلفها وعادت ركضاً للقبر الذي تقابلا عنده .. كانت تركض وهي مغمضة العين تحاول تخيل كل ما أخبرتها عنه مريم .. تفننت في اختيار أبشع المشاهد .. كانت تود أن تجبر قلبها على كره ذلك الرجل لتستطيع تنفيذ ما قررت فعله .. دموعها عادت لتنهمر من جديد ؛ كيف تتحمل كل ما صارحتها به مريم دفعةً واحدة .. ما أصعب أن نكتشف أن حياتنا كذبةٌ كبيرة وأن أقرب الناس لنا هم المُتسبب الأول والأخير فيها .. ازالت دموعها بعنف وهي تحاول أن تتجلد قدر المُستطاع .. اقتربت اكثر لتراه مستنداً إلى شجرةٍ ضخمة مغمض العين .. اقتربت بخطواتٍ واهنة بطيئة ..
ثم جثت على ركبتيها أمامه تتأمله .. تذكرت كل ما قام به قبل قليل فشعرت برغبةٍ ملحة تدفعها أن تحتضنه وتربت عليه .. لثوانٍ ارتضت أن تكون حبيبته تلك لتدواي جراحه .. مدت يدها بتردد ووضعتها فوق يده وأمالت رأسها ترمقه بعيونٍ محمرة من شدة البكاء .. وراحت تحدث نفسها .. أيها الغريب الذي لم أرك قبل الآن ولو مصادفة .. كيف لك أن توقعني في شباكك ؟ كيف لعينيك المحملتان بدموع كالمحيط لا تنفذ أن تأسرني منذ النظرة الأولى ..
كيف للمساتك المشتاقة وأحضانك أن تجعلا قلبي يركع في محرابك ؟ أي مشعوذٍ أنت ألقى عليّ طلاسم سحره ؟ من أنت ؟ وكيف لك أن تتسرب لداخلي هكذا ؟ كيف لك أن تجعلني أتمنى أن أنتشل كل ألمك لداخلي أنا ؟ كيف تجعل مني أسيرةً لهواك وأنا التي لم يخفق قلبي من قبل ؟ كيف لثوانٍ جمعتنا أن توقعني بك ؟ كيف أحببتك ؟ أخبرني متى وكيف أحببتك ؟ أخبرني كيف يرضى قلبي بأن أكون بديلةً لها ويقول لا بأس إن كنتِ ستبقين بجواره ؟ أظنني قد جُننت !
استفاقت من أفكارها عندما سحب يداه منها بسرعة ونظر لها بدهشة قائلاً : في حاجة يا آنسة ؟
- هاه ؟ لـ لأ  , لا اقصد اه , اه في حاجة
- حاجة ؟ ايه هي ؟
- قبل اي حاجة , عايزة اقولك ان انا بنت الراجل اللي قتل مراتك
اتسعت عيناه وحرك أهدابه لثوانٍ ثم نظر لها بشيء من السخط ونهض سريعاً صائحاً بغضب : حصلي الشرف ( عادت لتمسك بيده ثانيةً فألقاها بقوة لتصطدم بجسدها ) اياكي تلمسيني , وامشي بدل ما اتهور واعمل حاجة اندم عليها
تساقطت دموعها ولكنها ازالتها بسرعة بطرف أكمامها .. وأمسكت يده بقوة تقول له بثقة : مش همشي , ومش هسيب ايدك , وانت مش هتقدر تعمل فيا حاجة وحشة
نظر لها بسخط وحاول سحب يده ولكنها متمسكةٌ بها بقوة يستحيل تحريرها : انتي مجنونة ولا ايه ؟  مين قالك اني مقدرش اذيكي , تعرفيني منين عشان تبقي واثقة اوي كده
نظرت لعينيه بجرأة : اللي يحضن حد باللهفة دي كلها يكون اضعف من انه يأذي نملة
اتسعت عيناه من الدهشة ولما تدارك صدمته ابتسم باستهزاء وبدل أن كانت تمسك يده جذبها هو وأمسك بجسدها قائلاً بصوته الأجش بتهديد : لا انتي غلطانة , وهثبتلك اني اقدر أذي
أمسكت ملابسه حتى كادت أظافرها أن تجرح صدره : وانا مش خايفة , ولا هزعل من اي حاجة هتعملها , بالعكس انا مستعدة
دفعها عنه وهو ينظر لها بصدمة : انـ انتي وقحة
- اي حاجة هتقولها او هتعملها انا موفقاك عليها
- انتي مجنونة ولا ايه ؟
- لما واحدة تقرر تساعد واحد على حساب اي حاجة , لما تقسم انها تودي ابوها في داهية لانها كرهته عشان وجع الحد ده ووجع معاه ناس كتيرة , لما تحب الحد ده وتعمل عشانه كل ده مع انهم لسه شايفين بعض من ثواني تبقى اه مجنونة
تلك الفتاة كل حركة تقوم بها وكل كلمة تتلفظ بها تصيبه بالصدمة .. بالصدمات المتتالية إن صح القول .. ابتلع غصته وقال بتوتر وهو يسمع اعترافها بالحب : انتي مش بس مجنونة ووقحة انتي كمان بجحة
- ومنحرفة لو عايز , قول زي ما انت عايز وهفضل برضو احبك
- انتي مريضة نفسياً
- انا عايزة اساعدك ممكن ؟
- روحي ساعدي نفسك وعالجيها الأول
- لحد ما اخليك تحبني , هستحمل منك اي حاجة
تعالت ضحكاته بسخريةٍ .. ضحكات كادت أن تخنق أنفاسه .. ولما توقف راح يسعل ثم قال : احب ؟ مش بقولك مجنونة , وفري وقتك يا شاطرة , انا معرفش يعني ايه حب , ( اشار على القبر ) حبيبتي اهي , لما ترجعلي هرجع احب تاني
أشارت على القبر : انت عمرك ما هتنساها وهتفضل وفي ليها , بس حبيبتك اللي هترجعلك حياتك اهي , ( أشارت على نفسها )
- مش بقولك مريضة نفسياً يا آنسة روحي اتعالجي عشان حالتك خطر
- اسمي منار , بس بيقولولي دايما نورة , عموما انا اوعدك انك هتحبني بس الاول انا هساعدك تجيب حقها , ممكن تسبني اساعدك ؟
- وانتي بقا هتساعديني ازاي ؟
- مش انت عايز تقبض علي كيم, انا هساعدك
***
غلب الأبيض على ألوان الغرفة .. فكما المعروف هو أكثر الألوان راحة للنفس .. كان مستلقياً على السرير بضعف وقلة حيلة منافية تماماً لماضيه القذر .. راجع حساباته كلها وهو يذرف الدموع ندماً .. ربما بكى قلبه قبل عينيه على ما خسره .. خسر بشريته وعوقب بأبشع عقاب .. احترق وجهه وأصبح كالمسخ .. وفوق هذا فقد الفتاة الوحيدة التي كانت السبب من الأساس لرجوع بشريته له .. أغمض عينيه بحرقة وحسرة .. هي حتى لم تأتي لزيارته ولو لمرة واحدة ..
 وفوق هذا تذكر كلمات كيبوم التي ترن في أذنه حتى بعد أن غادر " هتطلقها من سكات , ولا اخليك المرحوم ؟ " زفر أنفاسه ثم أعاد فتح عينيه ينظر لكمية الأجهزة التي تحيط به .. رفع أصابعه وتحسس الضمادة الكبيرة التي تحيط وجهه ولا تظهر غير عينيه ,أنفه وفمه فقط .. ربما عليه أن يُنهي حياته ويعتذر ليس على كل ألمٍ سببه بل على وجودة في هذه الحياة من الأساس ...
قطع عليه خلوته تلك صوت أقدام تقترب منه .. رفع نظره ليرى كيوهيون بوجهه البارد واضعاً يديه في جيبه وهو يبتسم بسخرية : الف الف لا بأس عليك يا دوني , شوفت ان الجري ورا النسوان بيخسر ؟
صك أسنانه وهو ينظر له بغضب العالم .. نعم أنت السبب في كل ما حدث .. تباً لك كيوهيون كم أكرهك .. تساقطت دموعه وهو يقول بوهن : وهي عبير مش نسوان ؟
ضحك كيوهيون حتى تقطعت أنفاسه من الضحك ثم صفق بيديه قائلاً : لأ نسوان , بس هاخدها بمزاجي , وصدقني هتبقى بتاعتي , بس عمري ما هضعف قدامها , ولا ممكن اخليها تعرف انها نقطة ضعفي ولو كانت فعلا
ظهر شبح ابتسامة ساخرة على شفتيه : طبيعي , ما انت حيوان
- وانت سفاح ووسخ , مفرقتش كتير
- انت عايز ايه ؟
- متزعلش نفسك كده , كلها كام شهر وبعدها نعملك عملية تجميل وتعيش ملك تاني
- ومين قالك اني عايز اعيش , انا هوديك انت وكيم في داهية وبعدها اموت وانا مرتاح
في غضون برهة كان كيوهيون قد أخرج المسدس من جيبه وسدده نحوه وهو مبتسم : وهو ده اللي انا جاي عشانه ( اقترب منه وهمس في أذنه ) تسجيلاتك واجنداتك وكل ورقك اللي ماسكه على كيم بيتحرق بعد ما اخدته من بيتك دلوقت , بس ورحمة امك الطاهرة لو فتحت بؤك بكلمة لهكون مقطعلك حبيبة القلب بنفس الطريقة اللي قطعت بيها صاحبتها ( اتسعت حدقة عين دونغهي وهو يكاد يفقد صوابه لمجرد تخيله يمس شعره منها فقط .. عندها ابتعد كيوهيون وأدخل المسدس في مكانه ثم أخرج سكين صغيرة .. وهو يحركها أمام عين دونغهي الذي يتابع بعينيه عاجزاً عن الحركة .. أمسك يد دونغهي ورفع أكمام قميصه ثم حرك شفرة السكين على ذراعه مسبباً له جرحاً بسيط .. أغمض عينيه يتألم فرفع السكين ومسح الدماء على صدر دونغهي .. بينما أنه لوث إصبعه بالدم ووضعه على شفاه دونغهي ليتذوقه وقال بخبث ) حبيت بس اعرفك انها بتوجع , مش هتصعب عليك الامورة ام عنين خضرا ؟
وضع السكين في حزام بنطاله وأغلق سترته .. ثم بخطى واثقه غادر تاركاً دونغهي يرتعد من شدة خوفه على مروة .. حتى الفرصة الوحيدة ليعترف ويكفر عن شيء من ذنوبه سيخسرها لحمايتها من قبضتهم التي لا ترحم
***
  التف السبعةُ حول منضدة دائرية في غرفة العمليات الشديدة الأهمية في مدرية القاهرة .. كان ليتوك بزيه العكسري ونظراته الحادة كما الصقر على رأس الطاولة وبجواره كيبوم في زيه العكسري هو الآخر والبقية جلسوا في هيبة من شدة احتدام الموقف ...
أدار ييسونغ جهاز اللاب توب خاصته ليواجه ليتوك وكيبوم اللذان رمقا كانغ ان المتواصل معهم عن طريق كاميرا الشبكة العنكبوتية بنظرات اهتمام بالغة ...
- وصلي معلومات عن ان كيم هيعمل تجمع لكل تجار الاعضاء اللي ليه علاقة بيهم في الشرق الاوسط كله , ده تجمع سنوي وبيتخطط فيه لكل انشطتهم على مدار السنة
كان ليتوك ينصت باهتمام ولما توقف كانغ ان عن الحديث سأل مستفسراً : جميل اوي , عايز كل المعلومات عن التجمع ده
- المعلومات اللي عندي انه خلال اليومين دول بس متحددش امتى بالظبط
نظر كيبوم لعبير مستفسراً : مقالكيش هيكون امتى ؟
نظفت عبير حنجرتها بشيءٍ من الألم فقد عرفت أنه يقصد دونغهي والذي يترفع عن مناداته باسمه حتى بعدما قرر أن يساعدهم : دونغهي دخل المستشفى قبل ما يقرروا معاد الاجتماع ده
نظرت لليتوك وكأنها تلومه على ما فعل به .. فرمقها بحدة جعلتها تخفض نظرها ؛ فكيف لها أن تلومه من الأساس ؟ نظر لنورة متساءلاً : كيم متكلمش عن اي حفلة او تجمع او اي حاجة ليها علاقة بالموضوع ده قدامك ؟
أطرقت تفكر قليلاً ثم هزت رأسها (لا) .. ولكن مريم قالت بانفعال : نورة , مش كان تقريبا قالك ان سنوية والدتك بعد يومين ؟

- اه , بس ايه علاقة دة بالـ ..
قاطعها هنري قائلاً : اكيد دي افكار كيوهيون , قاله يعمل التجمع يوم السنوية عشان ميخطرش على بال حد ان ممكن يجمعهم ف اليوم ده خصوصا انك انتي اللي هتعمليها وتعزمي الناس -
ابتسمت عبير بسخرية فحقاً لا يُمكن لأحد أن يفكر في هذا الأمر سوى كيوهيون .. لسعت الدموع عينيها وقبل أن تخونها وتنهمر أمسكت بيد ييسونغ الجالس بجوراها من أسفل الطاولة .. نظر لها بقلة حيلة .. يشعر بألمها ولكن لا يعرف كيف يُخلصها منه .. ابتسمت له بوهن وكأنها تقول له فقط دعني أمسك يدك وأشعر بوجودك بقربي وسأكون بخير ..
ابتسم كيبوم بعيونٍ لامعة قائلاً : جميل اوي كده  ( نظر لليتوك ) محتاجين نتأكد
حك ليتوك ذقنه لثوانٍ ثم وجه كلامه لعبير مرة اخري : هو معاه اسماء الناس اللي كيم بيتعامل معاها ؟
حركت رأسها (لا) : كانت معاه قبل ما كـ ( تنهدت بضيق ) قبل ما كيوهيون ياخد كل الادلة والتسجيلات اللي معاه
ضرب بيده على الطاولة : الحيوان ده ايه , مش بيفوته حاجة
نظر ييسونغ لشاشة الجهاز قائلاً : انت اكيد تعرف ولو حتى كام واحد من التجار دول
اومأ كانغ قائلاً : حوالي 3 او 4 بس
نظر له ليتوك باهتمام : جميل اوي قول
سأل كيبوم مستفسراً : انت بتفكر ف ايه ؟
- هناخد الاسامي دي ونديها للمطار لو نزلوا مصر او حتي هينزلوا خلال اليومين الجايين يبقا كده اتأكدنا ان السنوية هي معاد التجمع
أومأ كيبوم ثم نظر للبقية قائلاً : محتاجين كل الادلة اللي معاكم
أخرج ييسونغ بعض الأوراق من حقيبته ثم وضعها على الطاولة أمام كيبوم : دول كام نسخه لعقود ادوية مشبوهة , ده اللي قدرت اجمعه بعلاقاتي ومن رجالة كيم اللي كنت بدفعلهم طول الفترة اللي فاتت
أخرج هنري أسطوانة مدمجة ووضعها على الطاولة ايضاً : دي اسطوانة عليها كام صورة للمشرحة اللي ف المستشفى , كانت مع التسجيل اللي هيتشول الله يرحمه عطهولي قبل ما يموت , بس كيم مكنش يعرف الا حكاية التسجيل بس
مدت مريم ايضاً المسجل الذي كان معها : ده التسجيل فيه خطتهم من ليلة قتـ..
قاطعها كيبوم سريعاً : احمم احمم , اه تمام ده معايا نسخة منه انتي كنتي عطتيني منه نسخة قبل كده
نظر لها ليتوك قائلاً بملامح جافة : التسجيل ده من يوم قتل نور ؟
أومأت مريم وهي تبتلع غصتها بصعوبة .. بينما أن كيبوم نظر له بشيء من الدهشة كونه تقبل الكلمة دون أن يتألم كما العادة .. أما عيون نورة التي التهمت ملامحه في هذا الوقت كانت فخورة بقدرته على التماسك لأداء واجبه .. بل وشعرت أيضاً بسعادة غامرة وهي ترى جديته وهيبته أثناء عمله .. مدت عبير الاسطوانة المحتوية على فديو قتل نور قائلة : دة اخر دليل معانا , ومع شهادة دونغهي في المحكمة التهمة هتلبس كيم
نفى ليتوك الحديث برأسه قائلاً بصوته الحاد : في مليون طريقة وسخة يقدر يستخدمها ويفلت بيها
ابتلعت نورة لعابها وشدت على قبضة يدها وهي مغمضة العين .. ثم أعادت فتح عينيها وهمهمت : انا اقدر اجيب اعتراف منه شخصيا
أومأ كيبوم قائلاً : الاعتراف يوم التجمع , احنا هنكون مجهزين كل حاجة للهجوم , محتاجين بس اشارة البدء
أخرج ليتوك من جيبه علبة هدية صغيرة وضعها على الطاولة ثم دفعها بيده لتستقر أمام نورة : هتقوليله النهاردة ان ده دبوس بدلة الماظ عجبك وجبتيهوله , وطبعا تطلبي منه ميلبسش اي دبوس غيره , اتاكدي يوم السنوية انه لابسه , ده مسجل هنقدر نسمع منه كل حاجة بتحصل , اعترافه , واتفاقه معاهم ونقدر نحدد الوقت المناسب عشان نقبض عليهم متلبسين
أومأت بإطاعه وأخذته ثم دسته في جيبها .. أشار لهم كيبوم بالمغادرة .. فغادروا جميعاً .. وكلٌ منهم منتظر بفارغ الصبر تحقيق حلمه بالقبض على كيم ...
***
غرفة ضخمة في آحد أكبر شركات الأدوية الألمانية .. جدرانها من جميع النواحي زجاجية .. وعلى المكتب جلس ينقر بأصابعه على الطاولة ...
تحدث زومي قائلاً : خلاص كيم انتهى وهيوقع قريب اوي
- والحل ؟
حكّ زومي ذقنه ثم قال : احنا ممكن نعطل تجارتنا في مصر فترة لحد ما الاوضاع تهدى ونقدر نحط راجل لينا بدل كيم
ضرب شيوون على المكتب بيده قائلاً بغضب : انت مجنون نوقف ايه ؟
- اهدى بس يا باشا , المساعد بتاع كيم لسه شاب , ودماغه اعوذ بالله زي السم , عنده حل لكل مشكلة , دماغه عبارة عن نظام تخطيطي على اعلى مستوى , وكيم من غيره ميسواش بصله
- طيب تشرفنا , انا مالي ؟
- يا شيوون بيه حضرتك لما بتتعصب مبتعرفش تفكر اهدى بس , احنا هنسيب الحكومة تقبض على كيم ونخلص منه , بس كيوهيون هنهربه هنا قبلها بحاجات بسيطة , يتنسى سنة ولا حاجة ونرجعه مصر تاني بشخصية تانية ويكون الراجل الجديد بتاعنا
- طب والظابط صاحبه ده يعرفنا وممكن يقول علينا وانا مش عايز دوشة  هو مش كان بيسلك لكيم اموره هاته مع اللي اسمه كيوهيون ده
- لأ يا باشا انا هعمل اللي انت قلتلي عليه من فترة , وابعتله هيوك يخلص , ده شوية عضلات مش اكتر واحنا عندنا منه كتير , انما كيوهيون ( ابتسم بخبث ) ده جوهرة
- خلاص يا زومي اعمل اللي انت شايفه صح ومتوجعليش دماغي 
***
يوم التجمع هو اليوم ... الجميع خائف ومترقب .. القلوب تدق بفزع وتتضرع لأن تنجح الخطة لإنهاء كيم والثأر لضحاياه .. منذ الصباح وعبير في الحديقة العامة طلبت من ييسونغ أن يتركها بمفردها .. كانت تود أن تنفرد بنفسها وتراجع كل حساباتها القديمة أو بالأحرى ذكرياتها القديمة .. ليتها استطاعت أن تجعله يتوقف .. كانت تبكي وترتجف وهي جالسه على الكرسي الخشبي تضم جسدها وتحتضنه بين ذراعيها وهي حتى اللحظة الأخيرة تتمنى لو يندم ويتراجع ..
 إذا ذهب واعترف بنفسه قبل أن يُقبض عليه سيكون هناك أمل لتخفيف العقوبة وسيعود بشرياً ويكفر عن ذنوبه .. وتعود لأحضانه .. لأحضان حبها الأول .. ولتفكيرها في رجل غير ييسونغ أرادت أن تكون بمفردها .. أما مريم وهنري كانا برفقة نورة في القصر يشرفون على مستلزمات سنوية الوالدة ..
قلب نورة كان يخفق بشدة خوفاً من الفشل أو أن تُكشف قبل أخذ اعترافه لأي سبب .. وحزناً لأنها وبيديها ستزج والدها في السجن .. كانت مريم لجانبها تساندها وكلها سعادة لأنها على وشك الثأر لعائلتها وأخيراً سيلتأم جرحها الدامي .. أما ليتوك وكيبوم حصلا على تصريح من اللواء والد كيبوم ومن الوزير شخصياً لإتمام المهمة والقبض على كيم وعصابته .. جهزوا الجنود الذين ظلوا في وضع الاستعداد لآخذ إشارة لبدء الهجوم .. شغلّ ليتوك الجهاز المستقبل ليسمع ما يدور بعد أن حادثته نورة هاتفياً وأخبرته أن والدها ارتدى الدبوس وأنه الآن مجتمع بالرجال ..
في الواقع تم سماع وتسجيل كل حرف تلفظ به الرجال ومن ضمنهم كيم .. رغم أن الحديث بينهم لم يكن واضحاً كثيراً لاستخدامهم العديد من المصطلحات الغريبة المتداولة بينهم فقط .. وقبل انتهاء الإجتماع فُتح باب القاعة في القصر ودلفت نورة والدموع تملأ عينيها وكأنها نهر .. انتفض كيم بذعر خوفاً من أن تكون سمعت شيئاً ما ...
شدت على قبضة يدها وهي تصك أسنانها ثم صرخت به : الي انا سمعت ده حقيقة

ابتلع لعابه بصعوبة وهو يشعر وكأنه على حافة الموت .. إنها ابنته الوحيدة التي انتظرها عمراً كاملاً لا يمكن لها أن تسمع شيئاً كهذا وتكرهه .. اقترب منها وهو يرتعد وقال بتلعثم : سـ سمعتي ايه يا نورة يا حبيبتي , د ده
انزلقت دموعه عندما ارتفعت شهقاتها وقلبها يتمزق وتبدو وكأنها لا تستطيع التقاط انفاسها : ليييييييه ؟ ليه عملت كده يا بابا ليه ؟ عشان ايه كل دة ؟ عشان الفلوس , ملعون ابو الفلوس اللي بتوسخ النفوس بالطريقة دي , قتلت اخوك , قتلت ابنه اللي ربيته وكان ابنك , قتلت كم بني آدم ؟ شردت كام عيلة ؟ كسرت كام عيلة و وجعتهم ؟ دمرت حياة كام بني آدم ؟؟ وجعت كام انسان ؟ قتلت كام واحد بالحيا ؟؟ استفدت ايه ؟ اخدت ايه ؟؟؟ ( شرعت تصرخ كالمجنونة التي فقدت عقلها وأخذت تحطم كل شيء في الغرفة ) اخدت شوية ورق مكتوب عليه جنية ؟؟؟ محدش قالك ان الكفن ملوش جيوب ؟؟ قووولي هتقول لضميرك ايه ؟؟ الاسود من كده هتقول لربك ايه ؟؟؟ ( ألقت تمثال كان بيدها على الرجال الجالسين ينظرون لها برعب من حالتها الهستيرية ) وانتوووا ! انتوا شياطين للدرجة دي ؟ بتخططوا هتقتلوا كام واحد السنادي ؟؟ مش يمكن ربنا يقصف عمركم ومتعشوش ؟؟؟ انتوا اييييييه ؟؟؟ ( أمسكت بملابس والدها الذي ينظر لها والدموع تتساقط من عينيه وأخذت تهز جسده ) دلوقت بتعيط ؟؟ يا الف نهار ابيض خلاص فوقت وندمت ؟؟ قووولي قتلت عمي ليه؟ قتلت هيتشول ليه ؟؟؟ قتلت امي لييييه ؟؟ ( خففت قبضتها على ملابسه وهبطت ببطء لتفترش الأرض وهي تعتصر مكان فؤادها بيدها ) قتلت نوور ليه ؟؟ ( أخذ صوتها يرتعد ويتحشرج ) قتلت ليتوك بالحيا ليه ؟؟ قتلتني انا بعد ما عرفت كل ده ليه ؟؟؟
هبط أرضاً بجوراها وراح يبكي ويشهق وضمها لصدره يربتُ على ظهرها بجنون : اناا اسسسف , سامحيني انا اسف
في تلك الثوان كان ليتوك وكيبوم والجنود قد تحركوا وحاصروا القصر وهجموا عليه ليقبضوا عليهم .. تلك اللحظة أصبحوا في الغرفة هم والجنود الذين انتشروا بسرعة رهيبة وألقوا القبض على الرجال .. بينما أن ليتوك تقدم وأمسك بذراع نورة وأجبرها على الوقوف لتبتعد عن أحضان والدها وكأنه يرفض أن يرى شبيهة حبيبته بين يدي قاتلها ...
نظرت له بعيون ناعسة وكأنها على وشك أن تفقد وعيها من شدة الألم الذي اجتاحها .. أغمض عينيه وأجبر نفسه على أن يضمها له ويدفن وجهها بيديه عند كتفه فلم يستطع أن يضمها بالكامل لأحضانه .. نظر لوالدها الذي وضع الجنود الأصفاد في يده قائلاً : كنت حالف يوم ما اشوفك هطعك واشرب من دمك , بس كلام بنتك كفيل أن يعذبك طول عمرك , انا عارف انت بتحبها اد ايه وعشان كده هسيبك تعيش عشان تتعذب لحد ما تموت بالبطيء بعد ما تكون موت فعلا مليون مرة
جره الجنود للخارج مع بقية الرجال .. نظر كيبوم لأحد الضباط قائلاً : خد قوة وروح بيت كيوهيون باشا خلينا نخلص منه هو كمان , حظه حلو عشان محضرش التجمع ده , كنا خلصنا منهم مرة واحدة
أومأ الضابط وهبّ سريعاً لينفذ ما طُلب منه .. أما عن نورة فقد أبعدها ليتوك عنه بعدما شعرّ بهدوءها .. نظر لها بتفحص : انتي كويـ ..
اتسعت عيناه عندما أغمضت عينها مغشياً عليها وقبل أن تسقط أحاط خصرها وضمها له .. ركض كيبوم نحوه بقلق .. ولما شعرّ بأنه لا يُطيق القرب من أنثى أخرى خاصة بعدما اعترفت أنها أحبته .. وضع جسدها بين يدي كيبوم الذي قال : انت رايح فين ؟؟
- وديها المستشفى , اما انا ففي حاجة لازم اعملها وهعملها
- هتعمل ايه يا ليتوك ؟؟
- متخافش يا صاحبي
غادر بسرعة في نفس اللحظة التي دلفت فيها مريم برفقة هنري للقاعة لتطمئن على نورة بعد أن سمح لهم الجنود بالدخول وأيضاً بعدما كحلت عينيها برؤية الأصفاد في يد كيم !!...
***
لعلّها وأخيراً حسمت الأمر بعد صراعٍ طويل مع نفسها .. كانت ميقنة بأنها كما العادة ستفشل ويتحطم قلبها بسببه للمرة الألف .. ولكن دموعها المتساقطة بغزارة وقلبها الذي ينبض فرحاً غسلاها من تشائمها .. من ثوانٍ فقط حدثها ييسونغ وأخبرها بأن الشرطة نجحت في القبض على كيم .. لعلّ ردة فعلها كانت أنها أسقطت الهاتف من يدها وبداخلها يعجّ بالفوضي .. وأخيراً تم إلقاء القبض على مدمر حياتها!
 ولولا معرفة ييسونغ بأن صدمة الفرح أعجزتها عن النطق لكان جُن قلقاً عليها .. أغمضت عينيها وهي تتخيل كيم في بدلة الإعدام .. كلا بل يستحق الموت بطريقةٍ أبشع .. هذا الرجل دمر حياتها بمعنى الكلمة .. السبب الأول والأخير في معاناة أخيها المُلقى في المشفى وفي خسارتها لحبيب عمرها .. خفق قلبها خفقةً قوية وكأن أحدهم يعتصره بين ثنايا قبضته .. الشرطة لا بُد وأنها في طريقها لهُ .. سبح بها خيالها لتراه هو الآخر يقف في غرفةٍ باردة يدفعه آحد الرجال بلا رحمة حيثُ تلك المشنقة الغليظة .. لم تتحمل هول المشهد ..
 بدى الأمر وكأنها كانت في غيبوبةٍ وأعادها صاعق الكهرباء للحياة في اللحظة الأخيرة .. انهمرت دموعها أكثر وقفزت من فوق المقعد الخشبي وركضت بلا هوادةٍ تكاد تُحلق لتصل لمنزله .. ركضت لتلتحم بالناس تبحث عنه في وجوههم كالمجنونة .. تتخبط بهذا وذاك .. الكل يرمقها بغرابة لماذا فتاة في مثل عمرها تركض باكية في الشوارع والأزقة ؟ تعثرت ملايين المرات بسبب ارتداءها لحذاء ذا كعبٍ عال ولكنها لم تهتم .. رغم أنها جرحت قدميها ولكنها أصرت على الإكمال .. بداخلها يصرخ ألف صوت .. الأصوات كادت تفتكُ بها بالضبط كصوت التلفاز عندما يُعطل .. كادت أنفاسها تتلاشى لولا أنها وأخيراً وصلت لمنزله .. اقتربت وقلبها بدأ يتحرك من مكانه من شدة خوفها .. ألحمت جسدها بالباب واستندت عليه تلهث محاولةً استشفاف الهواء .. وتسللت أصابعها لتقرع الجرس .. ثوانٍ من الانتطار كانت كما الدهر وفُتح الباب ...
عاري الصدر رغم أنه في قمة أناقته .. حتى أنه يرتدي ساعة يده .. عطرٌ فرنسي يفوح منه رائحة نفاذة ولكن رائحة آخرى غريبة بها نشاذ عن باقي الروائح اختلطت به .. ورغم مظهره الفاتن حد الإغراء لم تحمر وجنتها أو تخفض رأسها خجلاً كما كانت تفعل في الماضي .. بل التهمته عيناها بحزن يفوق كل أحزان العالم .. تفحصته جيداً .. ملامحه هادئة فاتنة ولا يبدو ثملاً رغم أنها رأت الكأس في يده وعلمت من أين آتى نشاذ رائحة العطر .. ملأت رئتيها بالهواء وهي تحاول جمع شتات حروفها لتقول ما آتت لأجله ..
أما هو صدمته كانت كبيرة لقدومها لمنزله .. تفقدها بعينيه بلهفة يحاول أن يُخفيها .. خدها مبتلٌ بالدموع .. ويدها وقدمها عليها بعض الدماء والخربشات وكأنها سقطت على حجر صلب .. وأنفاسها تتلاحق بسرعة .. لابُد وأنها كانت تركض .. بشدةٍ وحدّ الجنون أراد أن يغمرها في أحضانه وقلبه يحاول أن يُحيي نبضه ولكنه كبح جماح رغبته وببرودٍ أعلن : عبير ؟ يا اهلا
التف تاركاً عبير خلفه وعاد ليجلس على البار الصغير الموجود في منزله وبدأ يرتشف من الكأس بيده وكأنها ليست هنا .. بدى طبيعياً وبارداً للغاية رغم بركان المشاعر الثائرة بداخله .. زفرت أنفاسها وتقدمت بعد أن أوصدت الباب .. كانت تتجه نحوه بينما تحاول استقطاب القوة والثقة .. ولما أصبحت في مواجهته آخذت منه الكأس بعنف ووضعته على البار ليصدر صوت اصطدام قوي ثم أعادت نطراتها الحادة له : عايزة اتكلم معاك ومحتجاك فايق
انفرجت شفتاه قليلاً في الواقع قليلاً جداً وبسخرية عقد ذراعيه إلى صدره : انا فايق اوي , للاسف لو شربت خزان بيرة مش هسكر
جلست على الكرسي أمامه مباشرةً : طبعا مبقتش بتأثر زي حاجات كتير ( صمتت مخفضةً رأسها تمسح دموعها في طرف أكمامها .. تنهد بتململٍ وما كاد يتحدث حتى رفعت رأسها مرةً أخرى وملامحها كانت مختلفة .. بدت كطفلة في الثوان الأخيرة من بكاءها تحاول وأد آخر شهقاتها وأعلنت بصوت مرتجف ) موحشتكش ؟ بعد كل السنين دي مش حاسس اني وحشتك ؟ اشمعنا انا حاسة انك واحشني لدرجة نفسي اترمي في حضنك واوصل معاك باحساسي لابعد مدى , نفسي في يوم واحد من زمان تاخدني فيه ف حضنك وننام احنا الاتنين ومفيش في حياتنا ولا نقطة سودة نندم عليها
زلزلته كلماتها بل وعصفت بكيانه وبدأت تلك الثلجة الباردة الجاثية على قلبه بالذوبان .. ابتلع لعابه وغصة بطعم العلقم في حلقه وبعد صمتٍ طويل لسعت الدموع عينيه عندما فتح قلبه وعقله معاً دفاتر ذكرياتهما .. ولكنه وفي اللحظة الأخيرة جمد الدموع في مُقلتيه وقال بجفاء : انتي اللي سافرتي وسبتي كل ده ورا ضهرك
نهضت فجأة واقتربت منه أكثر .. نظر لها بدهشة لتتعلق عيونهما ببعضها .. اقتربت أكثر حتى اختلط تنفسهما في البؤرة التي تفصلهما .. مدت يدها وهي تحارب نفسها وأمسكت وجهه بين يدها تنظر له وقد تلاشت المسافات بينهما تماماً .. كانت تلتهمه بنظراتها وهو بين يديها كما الذي ألقي عليه تعويذة شلت حركته .. بقيا هكذا ثوانٍ ثم همست : عشان بحبك , خايفة عليك بجنون من نفسك , سافرت عشان تراجع نفسك فكرت ببعدي هتعرف الجريمة اللي انت موافق عليها , بس كنت غلطانة يمكن لو كنت فضلت قريبة وقربت أكتر كنت منعتك
أثملت عينيها الناعسة حواسه .. ابتلع لعابه بصعوبةٍ وبلا إرادةٍ منه أحاط خصرها بذراعيه .. فأصبح جالساً على الكرسي يحيط بها وهي تقف مائلةً في أحضانه تُمسك وجهه .. أغمضت عينيها بوهنٍ وقبل أن تتضغط على شفتيه مقبلةً دفعها عنه ونهض ومنحها ظهره .. تصلبت في مكانها تحرك أهدابها بجرعةً مفرطة من الصدمة ..
 أما هو فكانت أنفاسه تتوالى بسرعة ساخنة وكأنها نيران .. وجسده بالكامل ارتفعت حرارته لم يكن بالسهل عليه دفعها بعد كل هذا الشوق الجنوني لها ولكنه فعلها وقام بدفعها والنهوض .. تساقطت دموعها أكثر وهي تبكي آخر محاولاتها للسيطرة عليه .. اقتربت بخطواتٍ واهنة للغاية وقبل أن تضع يدها على كتفه التف بسرعة واعتصر معصمها بين يديه : انتي مفكرة اني اخوكي ؟ انتي تضحكي عليا انا ؟ بتحلمي صح ؟ ( حركت رأسها لا ودموعها تتساقط كالشلالات فأكمل ) فاكرة انك هتتحكمي فيا بالحاجات دي ؟ ( أمسك ملابسها وجذبها نحوه قائلاً بسخط ) اخر حاجة ممكن تخليني افقد عقلي واكون عبد للي قدامي جسم ست ( دفعها عنه بغضب ) حاولي محاولة اشرف من دي شوية
صفعته بقوة وهي تصرخ ملءحنجرتها : انت بتكلمني انا عن الشرف , انا تعبت انت اييييه ؟ يا اخي حرام عليك بقا , حررام عليييك , انت مصر تموت كل ذرة حب ليك ف قلبي , حاولت معاك بكل الطرق , عايزة بس احميك من الموت اللي هيكون هنا في اي لحظة , نفسي بعد عمري اللي قضيته ف الشارع اعيش معاك براحة بال وسعادة , كان نفسي في حاجات كتير اوي , احلام كتيرة رسمتها ولونتها على صفحة قلبي , وكل حلم كنت انت بطله , وانت بكل قسوة قلب دوست على احلامي وقلبي , حرمتني من السعادة اللي بحلم بيها طول عمري , عشت طفولة زفت وانت كمان مستخسر فيا اعيش فترة واحدة ف حياتي حلوة قبل ما اموت ؟ انت ايييييه ؟ فين قلبك ؟ قلبك ده لزومه ايه ؟؟ بيدق عشان ايه ؟ عشان تعيش بس ؟ عشان تدوس عليا وهو ميت جواك , يا اخي ملعون ابو اليوم اللي حبيتك فيه
- امشي يا عبير
- همشي يا كيوهيون , همشي وهطلعك من قلبي ومن كل احلامي , بس عارف ( صرخت ) مش هفتكرك ولو للحظة , واحلامي هحققها بس مع راجل تاني
ركضت من المنزل لا تعلم كيف تداوي جروحها .. أما هو فبمجرد خروجها هبط أرضاً وزحف حتى أسند جسده للحائط واعتصر مكان قلبه بين يديه .. سمح لدموعه وأخيراً أن تتساقط بألم سنين طويلة .. أخذ يضرب رأسه من الخلف بالحائط وهو يصرخ : متمشيش يا عبيييير , خليكي معايا , متسبنيش لوحدي انا محتاجك اوي , نفسي احضنك واحط راسي على صدرك واشكيلك زي زمان , انا انتقمت من الدنيا عشانك , من الناس اللي عذبوكي يا احلى حاجة في الدنيا , يا ملاك مكانه مش الارض , اااااااه يا عبير , قلبي بيوجعني , مهما بقتله وبخنق صوته هيفضل يحيا كل ما تقربي منه , متمشيش !
***   
جلست مريم على كرسي خشبي في حديقة المشفى .. أخذت تهز قدماها يميناً ويساراً وهي مطأطأة الرأس منفرجةٌ شفتيها بابتسامة ملء الكون وما حوى .. للمرة الأولى منذ زمن كانت تستمتع بأصوات العصافير ورائحة الزهور التي تداعب أنفها لتنتشي بسرورٍ بالغ .. لا تكاد تصدق ما حدث .. أهي في حلم يقظة ؟ هل أخيراً ألقي القبض على كيم وأعوانه ؟ هل وأخيراً استردت حق دماء أخيها ووالديها والكثيرين ؟! تنهدت براحة وقلبها مطمئن ساكن .. وكأن سُكب عليه ماء بارد أطفأ لهيبه .. رفعت رأسها بعيون تلمع بالحياة .. عيون لم تضج بهكذا سعادة من قبل .. وكأن الشمس قد أشرقت بين جفنيها .. أرجعت خصلات شعرها وراء أذنها وهمهمت : انا حاسة اني ف اجمل حلم ف الدنيا
كان يراقبها طوال فترة صموتها .. بدت هادئة كنسمة ربيعية تداعبك وتجبرك على الابتسام .. لم تكن سعادته لأي شيء سوى لسعادتها التي تكاد تقفز من عينيها .. فراشات كانت تتراقص بداخله وتطرب قلبه ووجدانه بالكامل .. لعلّه وأخيراً أصبح الوقت مناسباً ليحطم كل الحواجز بينهما .. وضع يديه في جيب بنطاله وهو يقف امامها وقال : فرحانة ؟؟
زمتت شفتيها وماتزال تحرك قدميها : لأ , انا عديت الفرح بمراحل بس مش لاقيه مسمى
ابتسم ملء شدقيه فتقوست عينيه لتصبح وكأنها نصف القمر : كان نفسي اشوف اليوم ده
رمشت عدة مراتٍ متتالية وقد بدأ التوتر يسلك مسالكه لقلبها .. النظر له خطير .. يصيب القلب بضرباتٍ سريعة ملامحه الفاتنة المحتفظة بوضع الابتسامة دائماً لطالما كانت سر سعادتها .. عبثت باصابعها بتوتر وقالت : صعبانة عليا اوي نورة , كانت متماسكة اوي يمكن اكتر مني , بس مكنتش عارفة ابدا انها بتمثل لحد ما خلاص الوجع اتملك منها وقدرتها عالتمثيل انتهت وانهارت
- انا كمان زعلان عليها , اكتشفت الحقيقة متأخر ومرة واحدة , وبايدها دخلت ابوها السجن الشخص الوحيد اللي باقي من عيلتها اللي عاشت طول حياتها بعيد عنهم تحلم بيوم هيجمعها بيهم
- تفتكر هتعيش ازاي بعد كده ؟
- عمر حياتها ما هتكون سهلة , الحكومة حجزت عالفيلا والشركة والمستشفى وجمدت ارصدته في البنوك , يعني اكيد حياتها هتكون صعبة , ده غير طبعا انها هتاخد وقت طويل لحد ما نفسيتها تتحسن
- المشكلة مش في الفلوس , نورة عندها حياتها وشركتها المستقلة , المشكلة بجد في نفسيتها اللي هتدمر
- خليكي جمبها يا مريم
- من غير ما تقول طبعا , خلاص اصلا انا مبقاش عندي حد غيرها وهي كمان
عقد هنري ما بين حاجبيه وامتعضت ملامحه باستياء من كلمتها الخرقاء تلك .. جثى على ركبتيه أرضاً امامها ووضع يده على قدميها ينظر لها مباشرةً : ملكيش حد غيرها ؟ انتي متأكدة ؟
حركت أهدابها بسرعة وتضرج وجهها بحمره الخجل التي صبغت خديها .. وراح قلبها يقرع طبوله بقوة .. تلعثمت تقول : هـ هاه ؟
غمر يديها بين يديه وسحبها ليُسكنها عند قلبه .. أغمض عينيه يمرر يدها الآخرى على خده وبوهنٍ قال : ايه يا مريم , مش كفاية مكابرة ؟
ارتجفت شفتاها ودموعها تتجمع بعينيها .. مشاعرها بعد هذه الحركة قد تبعثرت وتناهى لداخلها تدفق غريب من الحب الذي غزى كل شريان بداخلها .. أغمضت عينيها بثمالة وهي تبتسم لا بُد وأنه قد قرر الاعتراف لها .. نعم تعلم حبه لها كما حبها له كم تود أن تعانقه لاختيار هذا الوقت بالتحديد .. لا يُمكن لبشري أن يحصي سعادتها الآن .. جسدها مشتعل وهي مترقبة تنتظر أول اعترافٍ بالحب في حياتها .. مثلها كمثل كل فتاة تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر خاصة إذا ما كانت تبادل المعترف ذات المشاعر .. شعرت به يحرك أصابعه أسفل عينيها بحنان هامساً من هذا القرب الشديد بينهما : افتحي عينك ( فتحت عينيها ببطء شديد وعيونها ناعسة .. عندما رفع جسده قليلاً وهو يبتسم وطبع قبلته على جبينها ) عرفتيها قبل ما اقولها ؟
بصوت متهدج شغوف أعلنت بعد أن وضعت يدها بهدوء على كتفه : حستها بقلبي , كنت حساها من فترة
قام بشد أنفها مداعباً : طب انا عايز اقولها
مدت لسانها في وجهه بطفولية : احبش اسمعها بكسف
ضحك بسعادة وأحاط خصرها وهما على هذا الحال : احبيها ( ضيق عينيه بلؤم ) انا عايز اقولها واعمل اللي بعدها
أنزل نظره حيث تقبع شفتها الصغيرة الكرزية الشهية .. مررت إصبعها على عنقه بإغراء وهي تنظر له بخبث .. شغرّ فاهه ولم يصدق ظنها ستعنفه .. عادت الابتسامة لتشق شفتيه فإذا بها تصل حتى أذنه وقامت بقرصها بقوة .. صرخ متألماً ونهض مبتعداً : عااااا , ايه يا مريم الرومانسية دي ؟
نهضت هي الآخرى ببطء ولكن فجأة بدت وكأن الحياة قد سُحبت من وجهها .. شحب لونها وعينيها كادتا تغادران مقلتيها .. ورغم شعورها بالشلل عن تحريك أنملةٍ فيها .. أخذت أنفاسها تتابع حتى كادت تفجر قفصها الصدري .. وفي غضون طرفة عين كانت قد صرخت عالياً ودفعته أرضاً بكل قوتها .. صعقته الصدمة ولكنه ابتلعها حالما صدح صوت طلقة نارية ..
نظر خلفه وهو أرضاً ليجد مُلثم بعيونٍ باردة يُمسك بيده مسدساً .. أعاد نظره حيث مريم فوجد أن ذراعها بالكامل مغطى بالدم .. صرخ ملء حنجرته كما صرخ جميع من في الحديقة .. وركضوا فارين بحياتهم .. الجميع يصرخ ويتدافع للخارج .. إلا المُلثم الذي وجه فوهة مسدسه نحو هنري للمرة الثانية .. ورغم الألم الذي جعل دموع مريم تنهمر وهي تُمسك بذراعها ..
 ركضت بأقصى سرعتها وتوقفت أمام الملثم تماماً .. اتسعت عيناه المتكحلة بالسواد لحركة تلك الفتاة خاصةً عندما حركت يدها السليمة وبإصبعين اثنين فقط ضربت نقطة ضغطٍ في معصم يده الممسكة بالمسدس .. اكفهرت ملامحه من الألم وسقط المسدس أرضاً .. تدارك صدمته وسدد لكمة لوجهها أرجعتها خطواتٍ للوراء .. عندها نهض هنري أخيراً وركض نحوه ليضربه .. ولكن الملثم كان أسرع منه .. جذب مريم من ذراعها وكتفها في أحضانه فتوقف هنري في منتصف الطريق مشلولاً ...
- Don`t move
- Who are you? What do you want?
- Shut up, sit down, put your hands behind your neck , Right now
هز رأسه برعب وفعل ما طلب منه وهو يحاول اعتصار عقله لعله يعرف من هذا الذي يريد قتله .. عيناه مألوفة ولكن أين رأه ؟ تناول الملثم المسدس من الأرض ومازال ممسكاً بمريم التي تبكي عجزها بسبب ألم ذراعها .. ولكن قوتها بالفعل دبت فيها عندما التقط المسدس .. أغمضت عينيها تضغط على شفتيها لتكتم ألمها ثم داست على قدمه فأزاحها من ذراعيه وبمجرد أن تحررت منه صرخت تُمسك بذراعه وثنته خلف ظهره وأخذت تشد عليه بقوة وكأنها تنتظر صوت كسر العظام لتضمن عجزه
كونها مدربة فنون قتالية كان الأمر ليكون أسهل لو أنها ليست مصابة .. حاول الملثم التحرر منها وحبات العرق نفرت من جبينه لشدة الألم .. لا يكاد يصدق قوة تلك الفتاة .. ولكنه سرعان ما استطاع أن يضربها بجسد المسدس الحديدي على رأسها بيده الآخرى فسقطت أرضاً متألمة ودماؤها انسالت عمودياً من رأسها مروراً بعينها .. أعاد تعمير مسدسه وراح يمرره بين مريم المستلقية أرضاً وهنري الذي يهزها وهو يصرخ كي تتماسك .. وكأنه يحاول الاختيار .. من سيقتله منهما أولاً ؟!
***
رغم شعوره بالخدر في شتى أنحاء جسده إلا أنه استطاع استنشاق عبقها يملأ الغرفة واستنبط وجودها .. لا يمكن للأحلام أن تكون مدرجة ضمن قائمة الشعور .. التقط قلبه خبر وجودها برغم ثمالته بالنوم .. بدأ يتحرك بصعوبة محاولاً الضغط على أعصابه لتستجيب له ليعي ما يحدث حوله .. فتح عينيه .. بدأ يحرك زاوية بصره بصعوبةٍ شديدة فالمخدر شل حركته .. في البداية كانت صورتها مشوشة للغاية إلا أنها آخذت تتضح شيئاً فشيء .. اتسعت عينيه وحاول الاعتدال سريعاً ولكنه عجز تماماً
ابتلع غصته بصعوبةٍ وقلبه يُعتصر بداخله .. وبصعوبة شديدة تمتم : مـ مروة ؟
اعتدلت في جلستها على المقعد المجاور لسريره وهي عاقدةٌ ذراعيها عند صدرها وابتسمت بسخرية قائلة بجفاء : اومال عفريتتها ؟
ابتسم بانكسار قائلاً بخفوت : جايه تشمتي فيا يا مروة ؟
حركت عينيها دائرياً وكأنها تفكر ثم أعلنت : ممم حاجة زي كده
أومأ بضعف ودموعه تحاول التساقط حسرةً .. أبعد نظره عنها وبصوته المحشرج قال : مش مهم , عالأقل كفاية انك جيتي وشوفتك
- صدق قلبي دق ؟ لا بجد صعبت عليا ودموعي فرت من عيني , بطل تمثيل ده احنا دافنينو سوا
- جبتي القسوة دي منين يا مروة ؟
- اتعلمت منك الدرس صح يا حضرة الظابط , ولا يا حضرة السفاح الوسخ بتعبير ادق
نظر لها بقوة وعينان كالصقر لثوان أرعبتها وكادت تهز الثقة التي تتصنعها : هتعيشي عمرك كله قلبك ليا انا بس , لو كدبتي على الكل مش هتقدري تكدبي عليه وعلى قلبك
اتسعت عيناها بدهشة .. لقد عادت له ذاته القوية ونظراته التي طالما أصابتها بالخوف والتوتر .. استكانته التي كانت تكسو عينيه منذ ثوان تبدلت بثقة غريبة أعادتها لضعفها .. نفضت تلك الأفكار عنها سريعاً ونهضت مقتربةً من سريره تنظر له في عينيه بقوة مرعبة هي الآخرى : توء , انت غلطان , المرة دي انت غلطان اوي , انا جيت عشان اعرفك اني خلصت من حبك اخيرا , وكمان اعرفك اني هتجوز كيبوم وهعيش معاه احلى ايام حياتي , جايه اقولك طلقني بالزوق يا دونغهي
بصوت مخيف ونظرات أكثر رعباً قال بينما يصك أسنانه : واللي ف بطنك ده دليل على انك كرهتيني وفعلا خلصتي من كل حاجة بتربطنا , مفيش ست بتخلف من راجل بتكرهه
صكت أسنانها هي الآخري وسمحت لدموعها أن تتساقط .. نعم لا توجد امرأة ترضى لنفسها أن تنجب ممن تكرهه كثيراً .. ولكن أنا لا أرى هذا الطفل منك أنه ليّ وحدي .. هذا ما رددته بداخلها وهي تحاول أن تقنع نفسها به .. مهلاً تحاول أن تقنع نفسها به؟ ابتلعت لعابها لتبلل حلقها الجاف ومررت لسانها على شفتيها المتيبستان وأهدابها تتحرك بسرعة .. شعرت بحركة الطفل بداخلها فزاد انهمار دموعها وصرخت به : طلقني !
نظر لعينيها مباشرةً وأطبق صمت مفجع على المكان .. دقات قلبيهما وقتها كانت كفيلة لفضح كل شيء .. ابتسم ببهوت وكأنه يودع حياته مع توديعه لها .. والآن حان الوقت ليُعاقب نفسه على جرائمه أبشع عقاب .. تساقطت دموعه هو الآخر وانفرجت شفتاه بابتسامة متعبة ومرهقة في الواقع باهتة جداً تملؤها الحسرة ويتوجها الفقدان والخسارة .. الخسارة التي أفقدته حياته وهو على قيد الحياة .. ابتلع لعابه مردداً : انتي طالـ ...
قاطع كلمته دخول هذا المُلثم صاحب العيون الباردة المخيفة .. ما أن رأه حتى انبعثت من أعماقه شهقة .. التفت مروة تنظر له لتُصدم من شكله المرعب الذي ظهر بعد أن نزع الكمامة .. شفته السفلية ممزقة بسكين عرضياً حتى صدغه الايسر .. وعيناه المُكحلتان بالسواد تضجان بالبرودة وانعدام المشاعر .. شعره الأشقر الناعم مُثير .. يبدو على درجة عالية من الوسامة رغم شكله المخيف ..
 له قوامٌ ممشوق وجسد متناسق .. السكين في يده وابتسامة ماكرة تزين ثغره .. كادت صرخة عالية تنبعث من حنجرة مروة بعد أن دلف وأغلق الباب بهدوء وكأن لا شيء حدث .. لولا أنه في سرعة البرق كان قد جذبها نحوه وكتم فمها بمنديل وأخذ يضغط عليه بعنف لتختنق وهي بين ذراعيه تتأوه وتحاول أن تفلت منه ولكنها بالفعل عاجزة فقبضته قوية للغاية .. نظرت لدونغهي وكأنها تستصرخه ليسرع لحمايتها وهو الذي عقدت الصدمة لسانه وشل المخدر حركته ..
 ارتفعت حرارته ونفرت حبات العرق من شتى أنحاء جسده وكذلك شرايينه وعيناه تكادان تغادران محجريهما .. تضرج وجهها بالزرقة وبدأت مقاومتها تضعف وعيناها تُغلق وكأنه بالفعل يفصلها عن الاختناق شعرة .. عندها صك أسنانه وحمرة وجهه وجسده كانت غير طبيعية وتدفقت الدماء التي تغلي بداخله وكأنها تحرره من هذا الشلل ..
 وجد نفسه مترنحاً حتى هذا القاتل المأجور المعروف بـ انهيوك .. سفاح السيد شيوون زعيم تجارة الأعضاء على مستوى العالم! وهذه مهمتة الجديدة .. تلقى ضربة ليست بالقوية ولا الضعيفة من دونغهي .. فحرر مروة من بين يديه ودفعها بشراسة للحائط لتصطدم به بقوة وينزف رأسها شعرت وكأن شيئاً غير طبيعي حدث بداخلها .. استكانت أرضاً تلهث بصعوبة وكأنها تفارق الحياة ويدها عند عنقها لا تصدق .. لقد رأت شبح الموت بأم عينها ..
 أما عن دونغهي فأمسك يد انهيوك بقوة وحاول الضغط على أعصابه ليُسقط السكين من يده ولكن قوته لم تُسعفه كثيراً .. أطاح به انهيوك أرضاً واقترب ليطعنه ولكن دونغهي ركله بقوة في قدمه رغم أن قدمه هو مصابة بقوة إثر صراعه مع ليتوك .. ابتعد انهيوك قليلاً فنهض سريعاً وسدد له لكمة في معدته ..
ربما قتال دونغهي كان كلعب الأطفال بالنسبة لانهيوك وبخاصة أن هذا مصاب ومازال مفعول المخدر في دمه وهذا بكامل صحته .. لكمه دونغهي في وجهه وعندما حاول لكمه مجدداً أمسك انهيوك ذراعه وثناه خلف ظهره أدار جسده ممسكاً ذراعه بيد ورأسه بالأخرى وضرب رأس دونغهي بالحائط .. لم يتحمل دونغهي ضربه واحدة موجهة لوجهه أو رأسه فتأوه متألما وخار جسده ساقطاً على الأرض منتظراً موته الحتمي .. تتابعت أنفاس انهيوك وابتعد عنه قليلاً ليلتقط السكين التي وقعت أرضاً عندما ضربه دونغهي بقدمه ...
فتح دونغهي عينيه بعصوبة والدماء تنسال فوق الشاش المثبت على وجهه ونظر لمروة بضعف قائلاً بصوتٍ ضعيف للغاية : سامحـ .. محيني , و وقولي لـ لليتوك يسامحني , خلي , خلي عبير تشوف ابننا على طول , انا هشوفه بعينها
جحظت عيناها وقلبها آخذ ينبض بجنون .. لمَ تشعر وكأنها ستغادر الحياة تواً؟ عليها فعل شيء ما .. لن تسمح لذلك الحقير بلمسه .. التقط السكين وهو يبتسم بسخرية شديدة من وصية دونغهي .. اقترب منه بهدوء وابتسامته تتسع بحقارة .. حرك السكين أمام عينيه فابتسم دونغهي ببهوت وكأنه ما عاد يخشى الموت .. أمسك ملابسه وجرح عنقه بالسكين فأغمض عينيه متألماً مستعداً للموت .. سيموت ذبحاً كما فعل بالكثيرين ..  وداعاً مروة لنلتقي بالعالم الآخر .. حتى هذا الوقت أبقي ليّ ولو ابتسامة في جزء مهمش من ذاكرتكِ .. أغمض عينيه تحت رحمة السكين التي تُدغدغ عنقه !
لحظة ! لمَ سكنت العاصفة هكذا فجأة ؟ فتح عينيه على صوت وقوع السكين أرضاً وبجواره جسد انهيوك .. جحظت عيناه ورفع نظره بضعف فرأها تحمل بيدها مطفأة حريق ويبدو أنها ضربته بها بكل قوتها على رأسه .. شغرّ فاهه عندما سقطت من يدها المطفأة وبقيت تنظر له بعيون متقرحة من البكاء وجسدها يرتعد ثم تعالت شهقات بكاءها أكثر .. فجحظت عيناه أكثر عندما رأى الدماء تزداد عند ثوبها من الأسفل ربما توقف قلبه عن النبض عندما وعى حقيقة أنها فقدت جنينها!!!
 ألقت بنفسها إلى أحضانه وتعالت صرخاتها وهي تضربه على صدره غمرت وجهها عند عنقه المجروح فاختلط دمه بدموعها ووجهها .. وقلبها ينبض بجنون .. تصرخ وتصرخ وتبكي وتضربه بعنف وصرخاتها بكلمة " بحبك " هزت الكرة الأرضية وهي ترتجف بينما تراجع كل مشاهد القتل التي رأتها في حاسوبه ..
تراجع الأقسى من بينهم .. تراه يهتك عرض أخيها وصديقتها .. تراه يمزقها بلا رحمة .. ترى دموع وصراخ وجنون ليتوك .. يداعب قلبها كل الألم الذي يتجرعه الآن وإلى الآبد .. تراجع حديثها لكيبوم ووعدها بأنه ستكون ملكه .. راجعت كل شيء واختنقت حدّ الموت عدد ما ظهر شبح الموت لبني آدم !!!!
أحبته بجنون وتخطت في عشقه كل المراحل .. وصل هوسها به ربما حدّ العبودية ؟ تخطت كل شيء .. تعدت حتى الخطوط الحمراء في الحب .. شهدت كل ما يجعلها تكرهه .. فظلت في معبد حبه مترهبنة ! على فروض وعبادات عشقه مواظبة .. وصل حبها له لما لم يعرفه بشر بعد .. لشيء ليس له حدود .. لم تحبه دائماً ولا إلى الآبد فحتى هذه العبارات لها حدود .. فقط هي أحبته ولشدة ما أوجعها تمنت لو كرهته .. ولشدة كرهها لحبها له ظنت أنها تكرهه .. فما كان منها إلا أن انغمثت في حبه اكثر!!!!

***
وها هنا عاشق آخر ترهبن مواظباً على فروض الولاء والطاعة عند قبر معشوقته .. هنا قلب لم أعد أملك كلمات تصف أوجاعه .. فقدت قدرتي على التعبير أمام هول ألمه .. يا للموت الذي يسكن بين جفونه ويسيطر على نظراته .. وقف عند قبرها ولحن أغنيةٍ مؤلمة يتخلل المشهد .. ألقى مسدسه على الأرض وهو مُبتسم ...
" فقط لو يُمكن لكِ أن تري دموعي التي تتساقط لتروي العالم الذي رحلتِ عنه .. هل يُمكنكِ أن تعودي لتُشفي قلبي فقط ولو عدتِ لمرةٍ واحدة "
تساقطت دموعه مجدداً فخرّ ساقطاً على ركبتيه وبحشرجة راح يصرخ : كلهم فرحانين , كل واحد فيهم بيقول انه اخد حقه , الا انا يا نور , ليييييييه ؟ دة انا حققت اللي كنت عايزة , قبضت على كيم , نضفت البلد , بقيت بطل بكرة الدنيا كلها تحكي عنه , بس مش فرحان يا نور , فكرت اما اقبض عليه هرتاح , بس انا مش حاسس اني اخدتلك حقك , مش حاسس ان انا ولا انتي مرتاحين , بموووت بالبطيء يا نوور , مش فرحان , مش حاسس اني عملت اي حاجة , وقفت في المرايه اشوف نفسي لقيت وش عمره ما عرف الفرح , قوليلي يا نور , فهميني انا مش فرحان ليه بعد ما انتقمت من اللي خلو الموت ياخدك مني ( صرخ بتلك الكلمات بعلو صوته .. ربما طارت كل الطيور التي سكنت أغصان هذه المنطقة من صوته .. ضرب الأرض بيده ودموعه لا تتوقف وأكمل )
" حتى وأنا مُغمض العينين صورة وجهكِ لا تُفارقني .. وعندما أفتح عيناي على العالم مرة أخرى أدرك أنني فقدتكِ للآبد "
- نفسي احضنك لمرة واحدة , ايييييه كتير عليا للدرجة دي ؟ انا عايز اعرف اشمعنا انتي بالذات اللي موتي , لييييه انتي اللي تموتي , لييييييه يا رب موتها هي , ليييييه يا رب حاسس اني مخنوق اكتر من الاول ؟؟؟
" أنا وحيدٌ من اليوم الذي ذهبتِ فيه لتحتضني التراب وتركتي أحضاني فارغة وحتى اليوم الذي ستعودين فيه أو نلتقي .. سأستمر أسألكِ وأنا أصرخ غارقاً في دموعي لماذا تركتيني وحيد ؟! "
توقف عن الصراخ وهو يلهث بشدة .. أكاد أن يكفر باعتراضه على حكم الله ؟ غمر وجهه بين كفيه وهو يراجع ذلك اليوم مجدداً .. ها هي تصرخ وتستنجده .. ها هو يرى بأم عينه كل شبر في جسدها يُنتهك .. ها هو يسمع صراخها وتأوهات ألمها .. فتح عينيه على وسعها وهو يسمع ضحكاتها .. على الشمال تُغتصب وعلى اليمين تلهو وتبتسم ...
" كنتِ الوحيدة التي ملكت قلبي ولازالت ذكرياتكِ تعبثُ بداخلي لتضحكني ثم تُبكيني .. وأستمر أصرخ لماذا تركتيني وحيد ؟! "
طفلة مشاكسة وشابة شديدة الطفولة .. زوجة متهورة ومجنونة خجولة وتبكي كلما قصد إحراجها بكلمات تخص علاقتهما .. صدر حنون لجأ إليه كثيراً ليُفرغ همومه .. تبعثرت تلك الذكريات سريعاً عندما قررت السماء أن تزرف معه الدموع .. هطلت الأمطار بقوة لتصطدم بوجهه كصفعاتٍ تشبه صفعات القدر التي تُفيق الانسان من لذات الحياة على واقعٍ مرير .. نهض بترنح وهو يتمتم بأنه لم يشعر بالسعادة مطلقاً عندما وُضعت الأصفاد في يد كيم .. كان شعوراً بارداً فقط ما أحسّه ..
" أمشي أسفل الشوارع حيثُ كانت ولادة حبنا الحر الذي نمى بحرية .. لن تصدقي أن المكان فارغ كلياً ، قاحل ، ودامي وسيستمر على هكذا حال بعد رحيلك "
قادته قدماه من المقابر حتى الجسر الضخم المطل على النهر الذي تمشيا عنده طوال فترة خطبتهما .. يمشي مترنحاً كالثمل تحت وقع الألم .. هطول الأمطار وكأنها سيول جعلت الجميع يركض نحو منزله .. فباتت الطرقات وكأنها خاوية على عروشها ..
" لسوف أستغني عن حياتي ليعود هذا المكان شاهداً على تعانق أيدينا عند السير ولتعودي ليّ من جديد .. لأنني لا استطيع إسكات هذا الصراخ بداخلي والذي فقط يصدح باسمكِ "
ابتل حتى الذروة وهو فقط يبتسم ببهوت تماماً كبهوت تلك السماء الرمادية المُلبدة بالغيوم ..
" أنا وحيد من اليوم الذي ذهبتِ فيه وتركتيني .. لماذا تركتيني وحيد ؟! .. كنتِ الوحيدة التي ملكت قلبي .. ولازالت ذكراكِ باقية فلماذا تركتيني وحيد ؟! "
توقفت خطواته فجأة عندما ظهرت أمامه تلك السيدة العجوز صاحبة الملابس البالية التي تحمل الأصداف .. اتسعت عيناه عند رؤيتها .. لم ينساها وكيف يفعلها وهي من تنبأت بموتها !!! اقتربت منه في لمح البصر وابتسمت تقول : ماتت يا ولدي
اقترب منها أكثر .. أومأ برأسه وهو يعض على شفته بحسرة : ماتت , خلاص نور اتاخدت مني
أدمعت عين العجوز وهي تتأمل حالتهُ المثيرة للشفقة .. مدت يدها في حقيبتها القماشية وأخرجت صدفة .. همست لها ببعض الكلمات ثم رفعتها لآذنها .. ثوانٍ وتحولت ملامحها من الشفقة للشراسة : شهر شهرين ويتنسي الحبيب , وواحدة تانية تاخد مكانها ف قلبك , انتوا يا رجالة كده دايما خاينين
" اقسم بدموعي وانا أصرخ لن أسمح للزمان أن يبعدني عنكِ .. سأنفذ وعدي بأن نكون سوياً "
جحظت عيناه غير مصدقٍ لما تقوله .. سينساها وتأخذ أخرى مكانها ! ما هذا الهراء ؟ هكذا كان سيصرخ لولا تذكره لرد فعله يوم تنبأت بموت نور .. زادت دقات قلبه أكثر .. مستحيل!! كيف له أن ينساها وتأخذ أخرى مكانها بتلك السهولة ؟ وقف متجمداً في مكانه ونظره مصوب للأرض يكاد يخترقها .. زادت قوة اصطدام قطرات المطر بجسده حتى أنها أوجعته .. فرفع رأسه ببطء ينظر للعجوز فلم يجدها وكأنها تبخرت .. نظر حوله لكل شيء فقد معناه .. هكذا بسهولة سينساها ؟ كلا فلـ أموت عوضاً عن نسيانها واستبدالها بأخرى ...
" عندما تفقدُ الحياةُ معانيها .. الموت سوف يجمعنا من جديد أنا وأنتِ .. فقط انتظريني ! فبعد اليوم لن أكون وحيد ! موتي لأكون بجانبكِ هو الحياة ! اشتقتُ إليكِ ، سيجمعنا الموت فقط انتظريني ! "
نظر لسياج الجسر بابتسامة واسعة وقفز بما بقي فيه من قوة ليقف فوقه .. مدّ ذراعيه في الهواء وكأنه طائر .. ابتسامته ملء الكون الفسيح ونظره يلتهم مياه النهر المتصارعة مع قطرات المطر التي تضربها بقسوة .. أغلق مجرى تنفسه وأغمض عينيه مستعداً للقفز !!!!!

~~~~~
الوجع بيفقد الشخص قدرته على تحمل الحياة .. القدر في بعض الاحيان قاسي اوي وبيوجع اوي .. بيفرمنا ف مفرمة الدنيا وبيدوس علينا .. وقصاد كل شخص واقف مع الحق في الف مع الجهة التانية .. الشر مش هينتهي وهيفضل موجود .. بس الخير برضو هيفضل موجود .. وفي الصراع الابدي بين الخير والشر قلوب كتير بتتظلم ..
 جرح القلوب غالي اوي وصعب اوي .. جرح القلوب هو موت على قيد الحياة .. جرح القلوب وحرمان قلب من قلب تاني هو المعنى الحقيقي للفقد .. والانسان الفاقد معندوش حاجة اغلى من اللي فقدها يخسرها .. فعشان كده بيوقف على حافة جهنم بمنتهى السهولة وبيتحدى الحياة لانه عارف انه معندوش حاجة يخسرها عشان يخاف يخسر .. يا اكسب الدنيا .. يا اما اموت وانا اصلا ميت !!!
كل واحد فينا مفكر انه بيساعد نفسه .. بس الحقيقة هو بيلف حوالين رقبته خيط حرير .. خيط حرير هيخنق الانفاس ببطء وبمنتهى اللارحمة .. الملخص من الرواية انه يالي ماشي ورا الحق لو عندك استعداد تخسر في سبيل الحق اغلى حاجة واغلى شخص من غير ما تقول ليه ؟ فكمل طريقك لحد النهاية .. ولو معندكش استعداد حاول متعملش بطل!
 كل حد فينا واقف على حافة جهنم .. فيه اللي قدر يعدي ويكسب من اول جولة .. وفيه اللي خسر كذا جولة .. وفيه اللي كسب لكن رجله جات ف جهنم بس لسه في أمل انه يوصل بر الأمان وينزل من
" عـلى حافـة جهنــم " !!!!


ولجهنم نيرانٌ لن تخمد يوماً ومازال الحديث قائماً أو كما يُقال لحديثنا بقية .....

النهاية   

هناك تعليق واحد:

  1. خلصت ؟؟؟؟؟
    بس خلاااااص ؟!!!
    يعني مات ليتووووك !!!
    خلاص ماااات ؟!!!
    معقولة انتهت ؟!!!!!!
    ليش مات !!!
    طيب و دونغهي و مروة ؟! شنو صار منهم ؟!
    كيوهيون ؟!!
    هنري و مريم ؟!!
    نووووور ترى ما فهمت شي و الله !!
    بس و الله العظيم ابدعتِ !!
    يعني من اجمل و افضل الروايات الي قريتها بحياااااتي كلها !!
    اني اقرأ هواية روايات بس اجمل من هالقصة لا ابد ما قريت !!
    سلمت يمناكِ صديقتي و بأنتظار ابداع اخر من ابداعاتكِ .
    متابعتكِ .. نورهي

    ردحذف