على حافة جهنم
الفصل التاسع
Written By : Ňoồr
~ خطوة إلى جهنم ~
الهدوء كان هو
المهيمن على الأجواء .. طرقات إصبعٍ خفيفة كانت هي ما توتره وتحاول إنهاء
ديكتاتوريته المهيمنة .. بنفاذ صبرٍ راقب كيبوم تلك العقارب المتباطئة في سيرها ..
بدى الأمر كالجلوس بجانب بيضة لانتظارها حتى تفقس .. استنشق قدراً كبيراً من
الهواء ملأ به رئتيه .. وبعدها زفره كتنين يبصق اللهب .. أرخى جسده تماماً على
الكرسي المتحرك وراح يتأرجح به .. وتعبيرات الملل تكتسي وجهه .. ظل هكذا ساعة
ليصبح مدى انتظاره أربع ساعات ..
في الأخير نفذ
صبره واستسلم .. قفز من فوق كرسيه كطفل يقفز من فوق سريره ليلاً حتى لا يجذبه
العفريت المتخفي أسفل السرير من قدمه .. فتح باب غرفة مكتبه وأطل برأسه أولاً ..
كان الممر خالٍ من أي آحد سوى ذلك العسكري المتواجد بجاور الباب والذي أدى له
التحية العسكرية فور خروجه ..
بإحباطٍ سأل
كيبوم : هو
في ايه
؟
زمت
الرجل شفتيه
بتعجب : قصدك
ايه يا
بيه ؟
أشار بيديه على الممر الفارغ
: فين الناس ؟ مفيش حد اتسرق ولا اتقتل ولا اتنصب عليه ولا حصلتله اي مصبية
النهاردة ؟
انفرجت أسارير
الرجل قائلاً : والله يظهر كدا
لوى كيبوم فمه وهو يتململ ثم
دلف مكتبه مجدداً وألقى بجسده على الأريكة الجلديه وراح يتمتم : ايه اليوم الغريب
ده , افففف مفيش شغل من صباحية ربنا , خلاص الناس كلها بقت مسالمة -_- , وبعدين ليتوك متكلمش ليه لحد دلوقت ؟ معرفش يسلك اموره ولا ايه ,
ربنا يستر عليه
عقد يديه إلى صدره ممدداً جسده بالكامل .. ثم أغمض عينيه .. ربما عليه أن يغفو
قليلاً لتخفيف هذا الملل المطبق .. في لحظة خاطفه ترائت له مروة وهي أرضاً واضعة
يدها على عنقها وتبكي عدم قدرتها على التنفس .. أفسد تعانق جفونه على الفور وانتفض
جسده كمن لدغه عقرب .. بدأت حبات العرق تبرز من بين شعيرات رأسه وتتساقط على جبينه
كمن استيقظ من كابوس للتو .. رغم كل توعداته لنفسه والعهود التي قطعها على ذاته
إلا أنه ألقى بكل هذا عرض الحائط وبلا تفكير مطلقاً هب خارجاً من الغرفة إلى غرفة
آحد الزملاء ..
دلف للغرفة دون استئذان
حتى .. ترك الضابط الملف بيده ونظر له بتعجب : كيبوم ؟
باقتضاب
أعلن كيبوم
: معلش ممكن
اعمل مكالمة
من تليفونك
؟
ارتفع حاجباً الضابط من الدهشة ولكن على آية حال أخرج الهاتف من جيبه : اكيد طبعا
, بس خير ان شاء الله في حاجة ولا ايه ؟
التقط منه كيبوم الهاتف سريعاً ولم يعر سؤاله الأخير أي اهتمام ..
ضغطت أنامله على الأزار لتكتب ذلك الرقم الذي يحفظه عن ظهر قلب .. ثم رفع الهاتف
بضعف إلى أذنه .. كانت الصافرة التي تعلن انتظار الرد تدوي بداخله كصدى قوي لطلقة
نارية خطفت أنفاسه للآبد وليس بلحظاتٍ فقط .. وكانت إجابتها بصوتها الناعم بكلمة
" الو " بمثابة شرب عدة لترات من النبيذ المعتق الذي ثملت به ملامح
كيبوم .. اشتاق لها ولصوتها حد الموت .. ابتعدت شفتيه عن بعضهما لتسمح لحروفه
بالتعثر خارج فمه .. ولكنه وفي اللحظة الأخيرة وأد كلمته دافناً إياها بأعماق قلبه
مع باقي آهاته المكنونة بدواخله .. أنزل يده الممسكه بالهاتف ومعها تكون خيط من
الدموع سقط من عين واحدة دون الآخرى .. أغمض عينيه ثم أزال دموعه بأكمام قميصه
بعنفٍ آلم بشرته .. ثم أغلق الخط ووضع الهاتف على طاولة الفتى وغادر بقلبٍ ممزق
تاركاً وراءه زوجان من العيون يرمقانه بغرابة ..
***
كانت مروة الجالسة على تلك الطاولة بهذا " الكوفي شوب
"
في
انتظار أحدهم ترمق الهاتف بتعجب .. من هذا الأحمق الذي اتصل بها ولم يجب وفي
الأخير أغلق الخط .. هزت كتفيها بلا اكتراثٍ ورفعت الكوب بجانبها لترتشف منه بعض
الرشفات .. وعلى حين غرة منها وضعت يدان دافئتان على عينيها .. شقت الابتسامة
طريقها على شفتيها لتكشف عن أسنانٍ كاللؤلؤ .. وضعت الكوب على الطاولة واحتضنت
هاته اليدان بكفيها بحب ..
همس
بالقرب من
أذنها بأنفاسه
الحارة التي
تبدو وكأنها
قبلة ساخنة
يطبعها على
عنقها : اتأخرت
عليكي ؟
أبعد يداه وتحرك ليجلس على المقعد في مواجهتها
.. بللت شفتيها بطرف لسانها
قائلة بهدوء ساحر كان نتيجة لخفقان متتالي في خلجها : في الحقيقة انا كنت مشغولة
جدا لدرجة اني مأخدتش بالي انك اتأخرت نص ساعة وخمس دقايق وسبع ثواني
وضعت يدها على فمها وضحكت برقة فقد تقصدت قول هذا .. بينما انفرجت أسارير دونغهي قائلاً بصوته الرخيم : شكلك
كنتي مشغولة اوي فعلا , ها تشربي ايه ؟
***
توجهت مريم نحو
المكتب وجثت على ركبتيها .. وهى تحاول تثبيت ذلك الشيء الصغير أسفل المكتب .. وما
كادت تنتهي حتى صدمها صوت عمها الآجش : بتعملي ايه ؟
شخص بصرها
وقلبها يطرق بقوة .. وكادت أنفاسها أن تتلاشى .. أغمضت عينيها وهى تزدرد لعابها
لتبلل حلقها الذي جف .. وجسدها بدأ يرتعد .. " لقد كشف أمري " ارتعدت فرائصها
حينما راودتها تلك الفكرة !!..
تقدم العم نحوها
.. وهبط لمستواها قائلاً : ايه اللي قعدك عالارض كدا يا مريم ؟
في تلك اللحظة
لمحت بطرف عينيها قلماً على الأرض ..استنشقت نفساً عميقاً ومن ثّم زفرته .. ثم
نظرت له بابتسامة صغيرة : فكرتك ف المكتب يا عمي , كنت هسألك على حاجة ف لقيت القلم ده عالارض كنت هحطه عالمكتب
أومأ : خير يا
حبيبتي , كنتي عايزاني ف ايه ؟
أطرقت تفكر
لثوانٍ ثم قالت : كنت هسألك عن جونغسو ,
عايزة اعرف شوية حاجات عنه عشان اعرف التعامل معاه هيكون ازاي
نهض وجلس على
إحدى الأرائك .. وفي أثناء ذلك ثبتت مريم ذلك الشيء الصغير أسفل المكتب .. ونهضت
لتجلس هي الأخرى .. فنظر لها بابتسامة صغيرة : عايزة تعرفي ايه يا ستي ؟
رمقتة بقوة :
اول مرة ف حياتي اعرف ان عندك ابن كان عايش برة , حتى مسمعتكش بتتكلم عنه قبل كدا , حاسة ان الموضوع غريب
أطرق العم يفكر
في إجابة تشبع تساؤلاتها .. وتنهي مجرى الحديث لصالحه .. ربما إن أخبرها عما يدور
في خاطره .. فسترحم جهله للأمر ولن تلح في السؤال فأردف قائلاً : امـ امه كانت
مسفراه برة من غير ما اعرف هو فين بالظبط
اتسعت حدقة
عينيها وتحدثت بسرعة وكأن حية لدغتها : هـ هى سفرتهم هما الاتنين ليه ؟
نظر لها بتعجب
شديد عاقداً ما بين حاجبيه : سفرتهم ؟ انتي قصدك ايه ؟
عقدت يديها إلى
صدرها ونظراتها ترتكز صوب عينيه تماماً : جونغسو ونورة
شغر فاهه وهب
واقفاً : نـ نورة بنتي ؟
رمقته بأعين
ضيقة وأكملت بصوت كفحيح الأفعى تماماً : من زمان وانا عارفة حكاية نورة ,
بس مش قادرة اصدقها , قالتلي انها سفرتها عند خالها عشان كنتم هتطلقوا وهي
خافت تاخدها منها , بس انتم عشتوا سوا ؟ قالتلي برضو انها قالتلك انها
ماتت واما كملتوا سوا مقدرتش تقولك انها حيه ( نهضت وهي تنظر له بعينين ثاقبتين )
انا مش قادرة اصدق الحكاية الفارغة دى ,
ليه كانت بترفض انها ترجع مصر ؟ في ايه يا عمي خلاها تبعد عيالكوا عنكم ؟
هكذا انقلب
السحر على الساحر .. فبدل أن ينهي تساؤلاتها عن الأمر زادها فضولاً لمعرفته أكثر .. حرك عينيه بطريقة دائرية سريعة ثم قال بتلعثم : مـ مش
عارف هى عملت كدا ليه ,
( أمسك يديها بترجي ) انتي عارفة مكانها صح ؟ ابوس ايدك يا مريم قوليلي عليه
- خلتنى اوعدها اني مقولكش
- هي دلوقت ميته , انـ انا عمك اللي رباكي يا مريم ودي بنتي حرام عليكي
كانت عيناها
ستدمعان .. لقد حرمها من هيتشول .. هل آتت الكرة في ملعبها لتنتقم منه بتعذيبه كما
فعل معها .. ضغطت على شفتيها قائلة : متخافش يا عمي ( ربتت على يده ) انا على
اتصال بيها دايما , هي بعد ما خالها مات مسكت شركاته , اظن اني محتاجة وقت عشان افتح معاها الموضوع وكمان عشان تخلص
شغلها هناك وتيجي
أدمعت عيناه : هـ
هي متعرفش ان ليها اهــ
قاطعته قائلة :
لا تعرف كل حاجة , بس اعتقد اني لازم امهدلها الاول انها هترجع بعد كل السنين دي
بإحباط قال :
لسه ؟
تنهدت بعمق :
انت صبرت كتير , مجتش عالشوية دول , كمان جونغسو رجعلك فمش هتحس بوجع زى الاول , بس انت لقيته ازاى ؟
وصلهم طرق بسيط
على باب المكتب .. ثم دلف الطارق والذي كان كيوهيون .. توقف أمام كيم وزفر قائلاً : جبته
لم يعقب كيم
بحرف واحد وركض للخارج بسرعة .. تبعه كيوهيون أما مريم فجلست على إحدى الكراسي
واضعة ساقها فوق الآخرى مع ابتسامة واسعة .. وهى سعيدة بأنها ستعذبه بآلم انتظار
قدوم ابنته .. التي تعرف جيداً أنها لو أخبرتها بنبأ وفاة والدتها ورغبة والدها في
أن تعود .. أي منحها الضوء الأخضر الذي انتظرته طويلاً لترجع لكنف عائلتها التي لا
تعرف لم عاشت بعيداً عنهم .. فلن تتوانى عن ترك كل شيء والعودة بأسرع ما يمكن ..
فما كان هذا إلا حلمها المنتظر من الأساس .. رغم أنها لا تعرف سبب نفي عائلتها لها
لكنها تتوق للغرق في أحضانهم ..
وصل كيم
وكيوهيون حيث مكان وقوف ليتوك .. بذلته الأنيقة .. تصفيفة شعره الرائعة .. عطره
النفاذ .. بالفعل قد نجح كيوهيون بتحويله من ذلك الفتى منحدر الأخلاقيات والمفتقر
لطرق التعامل إلى شاب أنيق ومتحضر .. رمقه كيم بقوة .. التهمه بنظراته من أسفل
قدمه إلى أعلى جبهته .. تدفقت الدموع الساخنة كنهرين يشقان وجنتيه .. فيحرقانها
بلهيب سخونتهما .. طرق قلبه بقوة ووقف أمامه مباشرةً .. مد يده المرتعشة وتحسس
وجهه .. كان ليتوك صامتاً ومستكيناً .. ذلك الرجل الملوثة يداه بالدماء يمّسه بتلك
الطريقة التي تشعره بالاشمئزاز .. ولكن ينبغي عليه إتقان دوره حتى النهاية ..
دقائق صامتة مليئة بالدموع بعدها صرخ كيم : ابنيييييييييي , حبيب قلب ابووك ,
كنت خايف اموت قبل اللحظة دي
جذبه إلى أحضانه
وهو يربت على ظهره تارة ويضربه عليه تارةً آخرى .. وهو يبكي بحرارةٍ حتى أن ملابس ليتوك ابتلت من آثر الدموع .. هذا
العناق الحار أمد كيم بالدفء والحياة لقلبه الذي شاخ توقاً له .. وأمد ليتوك برعشة
غريبة سارت بأوصاله .. ورغبة مجهولة في البكاء وإطباق قبضته على عنقه .. ولكن على
آي حال آبدى ملامح متأثرة .. وأحاطه بذراعيه .. مستغلاً رغبته في البكاء من الأساس
لصالحه .. لتشكل دموعه هو الآخر نهارن على وجنتيه .. انتهى هذا العناق فأمسك
الوالد بيديه وسار به لإحدى الأرائك وأجلسه بجانبه ليحدثه عن كل شبء وأي شيء ..
عله يصدق أنه أمامه بعد كل تلك السنين الطويلة ..
شعر كيوهيون بأن
وجوده في تلك اللحظات بمثابة تطفل غير مُستحب البتة .. فغادر مكان جلوسهما حيث
الحديقة للإشراف على استعدادات الحفل .. بينما وأنه بعد عبارات الشوق والحنين التي
تبادلها كيم وليتوك واستمرت لفترة طويلة .. وهو من الحين للآخر يجذبه لأحضانه
وليتوك يبادله العناق والدموع وكل تلك المشاعر .. ولكن بكذب مهين يمزقه داخلياً ..
بخطوات واثقة آتت مريم وتوقفت على بعدٍ منهم ورمقت ليتوك بعيون كالصقر وبصوتها
الأنثوي قالت : اهلا برجوعك
حدق بها ليتوك
لثوانٍ كمحاولة لتخمين من تكون .. تذكر حديث كيبوم فعلى التو اعتقد أنها شقيقة
هيتشول .. وقتئذٍ جفف كيم دموعه ونهض ممسكاً بيد ليتوك ساحباً إياه ليقفا أمام
مريم مباشرةً فكانا بالنسبة لجسدها الصغير حائط سد منيع أخفى النور عن عينيها ..
رمشت عدة مرات متتالية وهى تحدق بملامحه بدى فاتناً للغاية .. رجل مثير وذا
كاريزما عالية .. عينيه بهما بريق وثقة غريبة .. حسناً بالتفكير به كإبن عم سيكون
الأمر رائعاً .. تحدث كيم قائلاً : دي مريم يا جونغسو يا ابني بنت عمك وعايشة
معايا من وهى حتة لحمة حمرة ,
يعني انا ابوها , اتعرفوا على بعض ويا ريت تقربوا من بعض انتوا سنكوا
متقارب اصلا
رائع تخمين ليتوك
كان صحيحاً .. مد يده مصافحاً إياها بحرارة .. مع ابتسامة تسللت إشراقتها من بين
أسنانه .. وغمازة توجت خده الأيسر جعلت مريم التي حضرت الكثير من الأسئلة لتحاصره
بها تفقد قدرتها على النطق ببنت شفة .. من بعيد كانت عينان كالصقر ترمق ليتوك
بكراهية .. وصاحبهما يحرك يده بمعنى أنزل يدك أيها الوغد .. ملامحه كانت مستاءة
للغاية وهو يركل الهواء .. لم يتحمل رؤية مريم بكل هذا القدر من الثمالة بسبب ابتسامته
.. لذا قام بضبط ربطة عنقه .. وعبث في شعره المصفف قليلاً حتى تسقط خصلتين منه على
عينه والباقي مرفوع بتصفيفة رجولية مثيرة .. اقترب من مكان وقوفهم وأعلن بصوت
مرتفع : اهلا يا استاذ جونغسو
أمسك يده التي
مازالت تعانق يد مريم حتى الآن .. وأفسد تعانقهما .. ليحتل هو مكان يدها .. في البداية رمقته مريم بسخط .. كيف له أن
يفسد تواصلها مع هذا الوسيم .. ولكن عفواً لك أيها الوسيم فرؤية هنري على هذا النحو الرجولي غير المعتاد .. أصاب
عينيها بتقلص شديد في الرؤية .. فلم تعد ترى سواه أو تسمع غيره .. ومع نبضات تتجدد
بمجرد رؤيته .. هدأت ملامحها المشدوهة مسبقاً .. وأبحرت عيناها بهيامٍ في وجهه كان
يراها بطرف عينيه .. وابتسامة منتصرة وفخورة بما أنجزه تسللت لشفتيه .. رغم عدم ادراكه
لمشاعره بعد .. أو بالأصح عدم اعترافه بها .. لم يكن قادراً على كبح جماح غيرته
التي كانت بمثابة سكين حاد تتحرك شفرته على شغاف قلبه بآلم مُميت ..
نظرات ليتوك
كانت متوترة .. أليس هذا الشاب هو نفسه صديق هيتشول الموضوع صورته ضمن ملف
التحقيقات حيث أدلى ببعض الأقوال فلزم وضع صورته بالملف على عكس مريم التي من
المفترض أنها لا تعرف أن هناك جريمة قتل وتحقيق .. هل سيفتضح أمره من الليلة
الأولى له .. رغم تأكده من أن هذا الشاب لم يراه مطلقاً إلا أن ابتسامته تلك عصفت بأعصابه
.. في الواقع هنري بالفعل لا يعرفه .. فأقواله أدلى بها لكيبوم الذي تولى على خير
ما يرام استجواب جميع المتعلقين بتلك القضية عدا بارك فهو الوحيد الذي اشترك في استجوابه
الاثنان ..
أفاق ليتوك على
يد كيم التي ربتت على كتفه بحنو : ده هنري ابن صاحبي ويعتبر ابني برضو , والدكتور بتاعي ,
انت عارف بقا انا راجل كبير وصحتي على قدى فخليته يجي هنا عشان لو حصل حاجة واحتجت
لدكتور يكون جمبي
ربت هنري على يد
ليتوك بيده الآخرى المتحررة وأهداه ابتسامة صافية : نورت بيتك
ابتسامة هنري
الخالية من أي تكلف طمأنت ليتوك .. فعقب قائلاً لكيم : بعد الشر عليك يا بابا من التعب , لا كبرت ولا حاجة انت لسه شباب ( من المفترض أن تكون تلك بالفعل
هى ردة فعل أي فتى على حديث والده ؛ لذلك لم يفت على ليتوك الذكي قول هذا ليبدو
الأمر خالياً من الغرابة إذ لم يبدأ بصف الكلام المعسول .. ثم نظر بذات الابتسامة لهنري
) منور بيك يا دكتور
ربت هنري على
كتفه : بلاش الألقاب بقا ,,
( رمق مريم بوجه عابس فلم ينسى حملقتها فيه بعد ) ولا ايه يا مريم ؟
حمحمت بهدوء ثم
حركت رأسها بالإيجاب .. فبالتالي أومأ ليتوك هو الآخر بالموافقة .. صمت الجميع لهنيات
بسيطة ثم قطع كيم الصمت قائلاً : زمانك يا حبيبي تعبان ,
اطلع اوضتك ارتاح شوية عشان بليل عندنا حفلة وسهرة طويلة
ضيق ليتوك عينيه
بتساؤل ممزوج بالتوتر : حـ حفلة من اى نوع ؟
ضحك كيم وضربه
على كتفه برفق : ممم اكيد غنى ورقص وبنات وشمبانيا , حاجات من اللي قلبك يحبها , بس خلي بالك دي اول مرة نعمل حفلة كدا ف القصر ولا ايه يا مريم ؟
أومأت مريم
ببساطة فكونها من الطبقة الأرستقراطية اعتادت على مثل هذه الأمور رغم أنها تبغضها
ولا تشارك فيها مطلقاً .. ازدرد ليتوك لعابه ليبلل حلقه الجاف .. سحقاً ! من أول
ليلة نساء وخمر؟ أي والد هذا الذي يحث والده على الإنحراف ؟ في الواقع هو يمقت
الخمر كثيراً .. وفي الواقع أكثر يشمئز من ملاطفة النساء له غير زوجته .. آآآه
بذكر زوجته كم اشتاق لها حقاً .. تنهد بعمق وحرك رأسه بالموافقة على حديث كيم ..
وآبدى رد فعل معاكس لما بداخله .. حيث انفرجت أساريره ولمعت عيناه .. وآخذ يمزح مع
كيم قليلاً بخصوص النساء والخمر ..
وبعدها أوصله
إحدى الخدم إلى غرفته .. وفور خروج الخادم وجلوس ليتوك على إحدى المقاعد .. آخرج
هاتفه الجديد وقلبه يطرق بخوف خشية دخول آحدهم على نحو مفاجئ .. فبدل الاتصال قرر
إرسال رسالة ومن ثم يزيلها فوراً .. كانت لهاتف كيبوم ومحتواها التالي ( حاول
تتنكر في أي حاجة ان شالله حتى زبال وهات الخبير وتعالو الفيلا, هحاول اقابلكم من غير ما حد يحس .. كيبوم خلي بالك ابوس ايدك
وابعد عن شاب كدا طويل وشكله نعسان دايما -_- , هو باين عليه رخم ومتعنتظ هتعرفه لوحدك, ده حاول تتجنبه بكل الطرق عشان ذكي ولماح اوى وانا بصراحة قلقان
منه, شكله اخطر من العجوز الخرفان ده وحاسس انه وراه
بلاوي ) أزال الرسالة بسرعة وهو يراقب الباب بأعين خائفة .. أما بالنسبة لكيبوم
الذي عاد لمكتبه وكان الخبير قد وصل بالفعل .. قرأ الرسالة ثم ابتسم باعثاً له برسالة محتواها كالتالي ( متخافش هخلي بالي ,, كله هيكون تمام ان شاء الله ) قرأ ليتوك الرسالة وأزالها .. ثم
بعث بآخرى ( الحفلة هتبدأ الساعة 12 .. 11 ونص تكون هنا عشان الكل يكون مشغول )
أرسلها بوجه يتعرق بغزارة .. قرأها كيبوم سريعاً وبعث له واحدة جديدة ( اتفقنا ) .. مسح ليتوك كلتا الرسالتين وألقى الهاتف
على السرير بزفرة طويلة .. وألقى نفسه بملابسه بجواره ..
أما كيبوم فنهض
بثقة : يلا يا هان هات الحاجات وتعالى معايا هنجهز نفسنا
***
كما عادتها التي
ما انفكت عنها منذُ فترةٍ حتى هى باتت لا تعرف مداها .. تجلس على الأريكة وبيدها
جهاز التحكم الالكتروني تُقلب قنوات التلفاز بملل .. نهارها كليلها لا جديد ..
ذاته الخوف ونفسها الهواجس .. كأي وحيدٍ تم نفيه إلى النسيان يتلاعب به عقله
ويسافر به عبر بحار الخوف الفارهة .. كوابيسها سيطرت عليها حتى باتت تترائى لها
حين استيقاظها .. وإضافةٍ لها باتت تشعر بآلم دائم ودوار شديدين ..
زفرت أنفاسها
الساخنة وهى تتحسس جبهتها بأناملها الرقيقة .. حرارتها مرتفعة وتشعر بالفعل بهذا
الدوار الذي يعصف بها بقوةٍ .. تعانقت جفونها بشدة ونهضت من فوق أريكتها بتلكؤ ..
كانت رغبة مجهولة بالتقيؤ تدغدغ ما بداخلها .. تحول تباطئها إلى ركض حيث دورة
المياه لتفرغ ما بمعدتها .. ظلت تتقيأ حتى شحب لونها تماماً .. وعلت الزرقة شفتيها
كالتي تستعد لمفارقة الحياة .. استندت بجسدها على الحائط وهى تحاول التقاط أنفاسها
اللاهثة .. فرت حبات العرق هاربةً من جبينها إلى سائر وجهها .. أغمضت عينيها بقوة
وهى تضغط على بطنها .. الآلم لا يحتمل وكأن هناك شيء ما يضرب بطنها من الداخل ..
تكونت دموع الآلم بعينيها وهى تتأوه بضعفٍ وقلة حيلة .. انزلقت بجسدها حتى تقعدت
الأرض .. ضمت ساقيها إلى صدرها دافنة بهما رأسها .. وراحت تصرخ بتكتم ..
أين هو ؟ لمَ
تركها هكذا ؟ هل كلمات كيبوم المطمئنة لها كل يوم تكفي حقاً لتطفئ نيرانها ؟ لمَ
باتت تحتاجه كثيراً ولا تجده ؟ سابقاً احتاجت عناقاً منه ليحتوي خوفها ويزيل
هواجسها من تلك الكوابيس التي لا تود مغادرتها .. وتتكرر بشكل ممل يومياً .. ذاته
الحلم ونفسه الفزع منه دون نقصان .. واليوم احتاجت أحضانه التي كانت لا بد من أن
تحتويها لتخفف آلمها .. أو على الأقل ليطلب لها طبيباً يسكت الآلم المتفشي بداخلها
.. ولكن أياً منهما لم تحصل عليه .. بكت بقهر .. نعم بكت وهى تصرخ باسمه .. سحقاً
للعمل .. سحقاً للمهام الخاصة بالعمل .. سحقاً للآلم .. سحقاً للخوف والكوابيس
المفجعة !
صراخها كان دويه
يتفاقم بداخلها .. حيث رأسها الذي يعج بالأصوات الكثيرة .. وكأنها أصوات أشباحٍ
تتراقص بداخله .. دموعٌ منهمرة على خديها بللت وجهها بالكامل .. بدى الأمر كفيضان
لا يتوقف .. هل ستموت من هذا الآلم ؟ ألن يهدأ ؟ ضغطت على شفتيها بقوةٍ حتى نزفت
الدماء منها .. تسللت إلى حلقها لتتذوق طعمها اللاذع ويزيد من مرارة ما تشعر به ..
ضربت على بطنها عدة ضربات متتالية ليهدأ الآلم
.. لم تكن هناك جدوى من الأمر .. فوجدت نفسها تزحف على الأرض كثعبان يلتوي من
الآلم .. تمسكت بمقبض الباب وألقت بثقلها عليه رافعةً جسدها بصعوبة سير رضيع .. استندت
على الحائط والدوار أفقدها القدرة على الرؤية ..
جف حلقها تماماً
كشخصٍ يسير في الصحراء صيفاً في وضح النهار بلا ماء منتظراً حتفه .. وقفت بجوار
المنضدة و فقط أناملها المرتعدة ما استطاعت تحريكها لتمسك بالهاتف بقبضةٍ غير
محكمة .. ليقع منها عدة مرات متتالية .. وفي الآخير أمسكته بكلتا يديها وهى تتصل
على الإسم الأول في القائمة .. ومن غيره إنه ليتوك ولكن كما المتوقع كانت الإجابة
( الهاتف المطلوب مغلق أو غير متاح ) ..
نعم هو مغلق
بالفعل ! ولكن ليس الهاتف .. بل قلبه النابض بداخلة .. مغلق على القسوة والأنانية
.. هذا كان تفكيرها وهى تتآلم ولا تجد منقذاً تلوذ به هاربةً من براثن التعب الذي استنفد
قوتها حتى النقطة الأخيرة .. لم يشاركها في ألمها الأقوى في حياتها .. تماماً
كالكابوس ! كانت تتآلم وتصرخ وهو مكتفي بالنظر عاجزاً عن فعل شيء ! و كمحاولةٍ
أخيرة منها للنجاة كانت مروة هى الرقم التالي الذي لجأت له .. عدة رنات وبعدها فُتح
الخط .. لتتلفظ نور بصوتٍ محشرج ما كاد يعبر عبر الهاتف لولا إرادة السماء : مر
مروة الـ الحقـ الحقيني !
خارت قواها
تماماً فسقط الهاتف من يدها .. وتمدد جسدها أرضاً باكيةً تحاول الوصول إليه ولكنها
عاجزة عن تحريك أنملة منها ..
***
كانت مروة
بالفعل قد انتهت من نزهتها مع دونغهي التي باتت جزء يومي لا يتثنى ليومها أن يكتمل
بدونه .. أوقف سيارته أمام بنايتها وهو يهديها ابتسامة مودعة .. وقبل أن تترجل من
السيارة وصلها اتصال نور الذي سبب لها فاجعة لا مثيل لها من قبل .. ترجلت عن
السيارة مهرولة .. ومن ردة فعلها على الإتصال وقتئذٍ علم دونغهي أن هناك كارثة
حدثت فترجل هو الآخر تابعاً إياها .. وهى التي شكلت دموعها خطين على وجنتيها لا
ينقصان حبه .. وقلبها على وشك التوقف عن النبض ..
وصلت حيث بناية
نور وركضاً على الدرج توقفت أمام الشقة تقرع الجرس .. لا إجابة وهى تبكي وتضرب
الباب بيدها .. وعلى حين غفلة وجدت دونغهي يضرب الباب بكتفه عدة مرات حتى فُتح
أخيراً .. دلفا بسرعة للداخل ليجدا نور ممددة أرضاً وكأنها جثة هامدة لا روح فيها
.. تيبست قدم مروة وانقطعت أنفاسها اللاهثة ولم يرمش لها جفن من الصدمة .. تدارك
دونغهي الموقف بحكمة فركض حاملاً جسد نور برفق على ذراعيه ..
خرج من الشقة
بسرعة وكاد أن ينزل الدرج لولا أن مروة لم تتبعه .. زفر أنفاسه بقلة صبر وعاد
صارخاً بها : اتحركى بسرعة لازم نوديها المستشفى
عادت مروة
لرشدها آخيراً وتمالكت أعصابها لتركض برفقة دونغهي إلى السيارة المرابطة على بعد شارعين
.. جلست في المقعد الخلفي ومدد هو جسد نور على ذات المقعد سانداً رأسها على قدم
مروة التي راحت تُمسد شعرها وتزيل حبات العرق الندية المتلألأة على جبهتها ودموعها
مازالت كما هي .. توقف دونغهي أمام أقرب مشفى في الحي .. وترجل حاملاً جسدها مجدداً
متوجهاً بها نحو المشفى ..
ساعة واحدة
جلستها مروة في الممر المقابل لغرفة الطوارئ .. كانت ترتجف من هول الموقف المفاجئ
.. ولكن جسد دونغهي الذي احتوى جسدها بعناقٍ قوي .. خفف عنها آلمها شيء ما باعثاً
بالصبر لداخلها .. خرج الطبيب فتملصت مروة من أحضانه سريعاً لتسأله عنها بشفاهٍ
ترتعد تقفز من فوقها الحروف بصعوبة ..
نهض دونغهي من
فوق الكرسي وراح يربت على كتفها حتى تهدأ .. بينما ابتسم الطبيب مطمئناً : اهدي يا
آنسة متخافيش كدا , هي كويسة جدا مفيش اي حاجة , الموضوع كله ان واضح ان تغذيتها بسيطة جدا ومبتاكلش حاجات مفيدة
للجسم , وكان عندها حمى جامدة وحرارة ومأخدتش اي دوا , ومع حملها ده خلاها تتعب جدا ويحصلها كدا قبل الاغماء
تعمقت مروة في
كل حرف قاله الطبيب .. وراحت تكرره بداخلها مئات المرات .. كذبت أذنها كثيراً ولكن
في النهاية نظرت له عاقدةً ما بين حاجبيها في دهشة : حـ حملها ؟ ( أومأ الطبيب ..
فابتلعت لعابها بصعوبة مكملةً ) هي حامل !؟
قطب الطبيب
حاجبيه : انتي متعرفيش ولا ايه ؟ دي في اواخر الشهر التالت
لوت مروة فمها
بدهشة شديدة .. على حد علمها أن نور قررت آخذ أقراص منع الحمل .. ولكن عند ربط عدد
الأشهر معاً فهذا يعني أن الأمر قد حدث قبل أن تعزم على آخذها .. أفاقها من شرودها صوت
دونغهي المتساءل : نقدر نشوفها ؟
أومأ الطبيب
قائلاً : احنا نقلناها اوضتها , هى فاقت وبقت كويسة جدا ( انحنى بلطف ) عن اذنكم
غادر الطبيب
فركضت مروة إلى الغرفة .. دلفت دون طرق الباب حتى .. كانت الممرضة تضع لها المحلول
.. تقدمت مروة وأمسكت بيدها وهى تنتحب : يا غبية , ازاي تسيبي نفسك تعبانة بالطريقة دى وانتي عارفة انك لوحدك ؟
أهدتها نور ابتسامة
باهتة ولم تعلق على كلامها .. غادرت الممرضة فور انتهاءها مما كانت تفعله .. بينما
تقدم دونغهي ليقف بجوار مروة قائلا بلطف : الحمد لله انك بخير , والف مبروك
قطبت حاجبيها
بتعجب وهى تُجيل نظرها بينه وبين مروة .. ثم ثبتت نظرها على الأخيرة وكأنها تطلب منها
تفسيراً على كلماته المبهمة .. شدت مروة على قبضتها الممسكة بيد نور وقالت بحشرجة
: الدكتور قال انك حامل في اخر التالت
اتسعت حدقة
عينيها بصدمة .. توترت أنفاسها وهى لا تصدق ما سمعته .. لم تستوعب كلمات مروة التي
تلفظت بها للتو .. ظلت تحملق بها قدر دقيقتين تقريباً .. ثم أخيراً أشاحت بنظرها
عنها .. فرت دمعة واحدة يتيمة من عينها .. لم تفسر أكانت دمعة فرح بشعور الأمومة
الذي لم تجربة يوماً وكانت مشتاقة له كسائر النساء .. خصوصاً إن كان هذا الجنين
بأحشاءها قطعة من محبوبها بداخلها .. أم تحزن لكل ما حدث ويحدث معها ..
وبذكر محبوبها ارتسمت ابتسامة حسرة صغيرة على
شفتيها .. تذكرت هواجسها بشأن هذا الأمر .. كابوس طفلها الذي يُذبح المتكرر بصفة
يومية .. فرت عدة دمعات متتالية آخرى .. بالتفكير في الأمر فقد حدث الحمل قبل قرار
تناولها للحبوب بفترة .. كما أنها حتى لم تستعملها بعد فلم تقم أي علاقة معه قبل
مغادرته لعمله أي بعد قرارها الأخير بتناول الحبوب انصياعاً لخوفها غير المبرر من
مجرد كابوس !
على كل حال لقد
حدث الأمر وانتهى .. استنشقت نفساً عميقاً من ثم زفرته .. كم تمنت وتخيلت بأن يوماً
كهذا ستكون فيه برفقة ليتوك الذي سيكون أول عارفٍ بالأمر .. تخيلته يحملها ويدور
بها حتى تخور قواه وتسقط فوقه .. تخيلت صوت ضحكاته الفرحة التي تصدح بآذنيها ..
وطلبه منها بأن لا تتعب نفسها فهو سيقوم بكل شيء عوضاً عنها .. ولكن في الحقيقة
يبدو أنها تعيش في الهواجس كثيراً بالفعل !
بضعف شديد أعلنت
وقد عادت لتحدق في أعين مروة : عايزة ارجع البيت
قبل أن تتحدث
مروة سبقها دونغهي قائلاً : هسأل الدكتور ان كان ينفع ولا لاء ,
ثواني
أهدته ابتسامة
باهتة كشكر على وقوفه بجانبها ومروة .. أما الأخيرة فابتسمت له بحرارة وهى ترمقه
بحب بالغ .. دائماً تجده بجانبها في مواقفها الصعبة .. يبدو حقاً كملاك هبط من
السماء ليحرسها ويساعدها هى ومن تحب .. دفع تكاليف المشفى وآخذ إذن الطبيب
بالمغادرة فلم يمانع لكنه فقط أوصى لها على بعض الأدوية وكذلك قدم بعض النصائح
للصحة .. ساعدتها مروة على الهبوط من فوق السرير وصعدا سيارة دونغهي الذي أوصلهما
بنفسه إلى منزلها وساعد مروة على وضع نور على سريرها كي تغط في النوم ..
جلس على آحد
المقاعد رافعاً ساقه إلى الأخرى يراقب صور ليتوك المعلقة على الحائط .. يبدو مهيباً
بالبذلة العسكرية .. خرجت مروة من المطبخ تحمل بيدها كوب عصير ومدت يدها به إليه :
اتفضل
- شكرا
- احم , المفرود انا اللي اقولك شكرا على كل اللي عملته وبتعمله معايا
- انا معملتش حاجة , وبعدين الغالي عند حد مبيحسش بسعادة اد سعادته وهو
واقف جمبه
رمشت مروة عدة
مرات وهى تحدق به .. ازدردت لعابها بشيء من التوتر حولته لثقة غريبة قائلة : قصدك
اني غالية عندك ؟
احتضن عينيها
بنظراته الثاقبة قائلاً بثقة : اغلى من اي حاجة ف الدنيا
شتعلت وجنتيها
وراح قلبها يضخ الدماء بسرعة مريبة كادت تفجر شرايينها .. ثم هتفت : اما حضنتني
حسيت بالآمان وحاجة تانية عمري ما جربتها قبل كدا ( ابتلعت لعابها بصعوبة لتبلل
حلقها ) انا بالنسبة ليك ايه ؟
دُهش دونغهي من جرأتها وصراحتها الغريبتين للغاية .. لأول مرة في حياته يتوتر
ولا يجد ما يقوله أمام امرأة .. دغدغ قلبه لبرهة شيء ما ومازال صامتاً يحدق فيها
.. أحست بحجم ما تفوهت به فتعرقت بشدة من لهيب الخجل .. كادت تتحدث وتفسد الأمر
لولا أنه أحنى مشاعره التي راودته في تلك اللحظة جانباً قائلاً بشيء من الدهاء من
طبيعته اللعوبة : انتي بالنسبة ليا كل حاجة , ( هدأ قليلا يُبحر في عينيها وهى كذلك .. نظراته كانت ثملة تُثملها
هى الآخرى .. بدى وكأنه في حالة هيام تامة .. مد يده على نحوٍ مفاجئ ووضعها على
خدها مقرباً وجهه منها .. فتضرج وجهها بحمرةٍ شديدة .. لفحت أنفاسه الملتهبة عنقها
بينما أردف هو بوهن من ذلك القرب ) حاسس انى بحبك!!
شخص بصرها
وبالفعل غادرت عينيها مُقلتيهما .. وتجمد الدم بداخلها كمن تعرضت لصدمة كهربائية
للتو .. لم تحرك ساكناً بها مطلقاً .. أما هو فظل يقترب حتى وصل لشفتيها كاد يمسها
بشفتيه إلا أنه وفي اللحظة الأخيرة تراجع عن قراره وكأنه غير راضٍ عنه, عندما تحرر
وجهه من القناع الكاذب الذي تلبسه الدقائق الماضية ..
طبع قبلته على
خدها ونهض مودعاً إياها بلطف وغادر الشقة بسرعة وهو يحرر ربطة عنقه بعنف وغضب
كبيرين ..
رفعت مروة يدها
المرتعشة وآخذت تحركها أمامها مستشفة بعض الهواء البارد الذي يطفئ ذلك الحريق
الناشب بداخلها ..
***
نظر كيبوم في
ساعة يده التي تعلن عقاربها أنها الحادية عشر أي قبل منتصف الليل بساعة .. نظر
لهان متسائلاً : ها التنكر كدا تمام صح ؟
أومأ : تمام جدا
,
محدش هيشك ف اي حاجة
ابتسم كيبوم
وهبط من السيارة : طب يلا هناخدها مشي المكان قريب
قطب هان حاجبيه
بتعجب .. أليست هذه النواحي هي نفسها التي يتواجد بها قصر عم مريم .. ثبت قبعته
جيداً وهبط من السيارة هو الآخر .. حيث كان كلاهما يرتدي ملابس الطباخين ..
ليتمكنوا من دخول الحفل دون أن يلفتوا الانتباه .. سار الاثنان حوالي عشرة أمتار
كاملة وكلما اقتربا زادت دهشة هان التي انتهت تماماً عندما توقف كيبوم أمام السور
الخلفي للقصر معلناً أنهما وصلا ..
دُهش كثيراً إنه
بالفعل قصرها .. ما هذه المفاجأة الغريبة صباحاً آتي للقصر ليعطي أشياء مشابهة
قليلاً لتلك التي سيمنحها للشاب المجهول بالداخل الآن .. تُرى ما الأمر؟ في الأخير
الأمر برمته لا يعنيه .. حتى وإن استفسر فهو يعرف أن كيبوم لن يجيب فآثر الصمت ..
بهدوء وحذر رفع
كيبوم جسده على السور وألقى نظرة خاطفة على الوضع بالداخل .. الحديقة تعج بالناس
.. في الواقع هذا الآمر رائع فلن يلحظ آحد أنهما ليسا من طاقم الطباخين بالحفل ..
بحذرٍ شديد مد يده ممسكاً بغصن تلك الشجرة الضخمة المتلاصقة مع الجدار .. أدار
رأسه هامساً لهان الذي يراقب " اطلع بعدي , بس خلي بالك " ..
اعتمد على عضلات
ذراعه في سحب باقي جسده للجلوس فوق الغصن .. في الواقع هذا الجزء بالذات كان خالياً
من الضوء ؛ حيث أنه يُعد زاوية بعيدة مترامية على أطراف الحديقة الواسعة المقتظة
بالناس الملتفين حول حوض السباحة والمكان الواسع في بداية الحديقة .. أنزل قدمه
بحذر ووضعها على غصن آخر .. وقبل أن يرمي عليه بثقل جسده آخذ يهزه بقدمه ليتأكد من
قوته .. وبعدها كرر الأمر عدة مرات مع أغصان الشجرة حتى هبط إلى الأرض بسلام ودون
إصدار صوت يلفت الانتباه ..
تبعه هان بنفس
الخطوات الحذرة .. حتى أصبحا داخل القصر .. تسللا ببطء من خلف الأشجار المصطفة على
طول الجدار .. حتى وصلا إلى تلك الطاولة العملاقة التي تحتوي أشهى المأكولات والتي
وضعت أسفل مجموعة الشجر الأخيرة مباشرةً .. تنفس كيبوم الصعداء وهبط بجسده أرضاً
ووراءه هان وزحفاً حتى نهاية الطاولة .. وبحذر شديد نهضا وأقحما نفسهما وسط جموع
الناس ..
زفر كيبوم براحة
ونظر لساعة يده كانت تمام الحادية عشر والنصف .. فوقف برفقة هان فى صف الطباخين
المصطفين بجوار آحد الطاولات الضخمة في انتظار بدء الحفل ...
نكز كيبوم هان
قائلاً من بين أسنانه : قول انك عايز تدخل الحمام , وبعدها روح استنانا هناك متطلعش من عندك مهما غيبنا
أومأ هان ونفذ
ما أخبره به كيبوم بالحرف .. حيثُ استئذن من كبير الطباخين وبالفعل دلف إلى دورة المياه الضخمة في القصر بعد
أن أرشده لها آحد الخدم واختبأ بها منتظراً .. أما كيبوم فأرسل لليتوك برسالة
محتواها التالي ( شوية كدا وابقا اعمل انك كبيت على نفسك ميه ولا حاجة وادخل
الحمام , اهم حاجة تكون واقف ف مكان قريب من اللي الطباخين
واقفين فيه عشان اشوفك ) .. كان ليتوك في غرفته يضع اللمسات الأخيرة على مظهره
حينما وصلته الرسالة قرأها وعلى الفور قام بإزالتها ..
وصله طرق على
الباب وبعدها دلف الوالد بكامل أناقته متهللاً بابتسامةٍ مشرقة : يلا يا جونغسو
الناس كلها مستنيه تحت
ابتسم ليتوك
بتصنع ثم هز رأسه موافقاً وتبع كيم للأسفل .. وقفا على منصة صغيرة تتوسط الحديقة
وسكتت الموسيقى .. انتبه جميع الحضور لهم وتعالت الأصوات المعلقة على مدى وسامة
الفتى المعروف عنه أنه الابن الغامض لكيم ..
أمسك كيم
بالميكروفون والابتسامة لم تفارق وجهه وبدأ الحديث : احب اعرفكم بابني جونغسو , من صغره وهو في فرنسا بيتعلم ويدرس عشان يرجع اخيرا دلوقت ويمسك
شركات الادوية بتاعتي ,
جمعتكم النهاردة عشان تشاركوني فرحة رجوع ابني , وتعرفوا الناس كلها انه رجع لحضني تاني
صفق الجميع
بحرارة .. فآخذه كيم ليعرفه على رجال الأعمال المتواجدين بالحفل .. كان ليتوك ينظر
لهم بحرص على الأقل هناك شك ولو بسيط أن هؤلاء الرجال يعرفون شيئاً عن عمل كيم الخفي والقذر .. كان لبقاً في حديثه معهم وكانوا مبهورين من
قدرته الكلاميه الراقية .. وعلى نحو بعيد تحديداً البار .. جلس كيوهيون وبيده كأس
نبيذ يتلاعب به بين باطن يديه وهو يرمق ليتوك بعيون ثاقبة ..
ارتشف عدة رشفات متتالية مع ابتسامةٍ اتسعت حتى
شملت ثغرة بالكامل .. رغم أنه ليس مرتاحاً بالكامل لتغيره الجذري لكن سعادة
الأستاذ بطالبه النجيب كان إحساسه وقتها .. لمح ليتوك نظراته بطرف عينيه .. ابتلع
غصته بصعوبة شديدة لمَ يحملق فيه بتلك الطريقة ؟ هل يشك به أم ماذا ؟ بتر شكوكه
قبل أن تسيطر عليه واستئذن من الجمع المحيط به متوجهاً نحو البار القريب من مكان
وقوف كيبوم .. بكل الأحوال الأمر كان في صالحة ..
جلس على آحد
الكراسي ونظر لكيوهيون بابتسامة بلهاء : ايه يا برنس قاعد كدا ليه زي الولية اللي
اتكب طبيخها ؟
قطب كيوهيون
حاجبيه قائلاً : بطل القرف اللي بتقوله ده , انت غاوي الطريقة دي يعني ؟
حك ليتوك مؤخرة
عنقه قائلاً : ما احنا لوحدنا يا عم ,
انا اتعودت عليك فسبني بقا براحتي ,
لحسن الخنافس اللي كنت واقف معاها دي قرفتني بالرغي اللي مفهمتش منه حاجة ده
أمسك كيوهيون
بزجاجة النبيذ وسكب منها في كوبه .. ثم قام بذات الأمر مع الكوب الموضوع بجانب
ليتوك : خنافس ومفهمتش حاجة ؟ انت عارف ان ابوك قالي انك نازل بكرة الشركة عشان
اتهبب على عيني اعرفك حبه حاجات عن الشغل
نظر ليتوك لمكان
وقوف الطباخين ثم غمز كيبوم بعينه بحذر .. أعاد بصره حيث كيوهيون المنشغل بشرب
النبيذ بشراهة ورفع كوبه لمستوى فمه ثم قال : من اولها كدا ؟ ( كاد كيوهيون أن
يعقب على حديثه بضجر .. إلا أن ليتوك عن قصد أخل توازن يده فسكب بعض حبات الشراب
على ملابسه .. انتفض سريعاً هو يحاول إزاله الآثر ) يخربيت الحظ
نظر له كيوهيون
بتململ : مش عارف تمسك كوباية ,
روح الحمام اعدل هدومك بدل ما حد يشوفك ونتفضح
أومأ ليتوك
وبالفعل توجه لدورة المياه .. انتظر كيبوم لدقائق قبل أن يتبعه دون لفت الأنظار ..
أما كيوهيون فأخرج الهاتف من جيبه وضغط على أزراره رافعاً إياه لآذنه ...
وصل رنين الهاتف
المتواصل لدونغهي الغارق بشهوته مع إحدى فتيات الليل .. فحديثه الأخير مع مروة ترك
صداً قوي بداخله .. شعوره بالذنب تجاهها عندما أخبرها كذباً بأنه يحبها ورأى في
عينيها بريقاً من اللهفة لتلك الكلمات .. جعله في ذروة غضبه .. لطالما خدع
الكثيرات وسلبهن قلوبهن وآجسادهن دون أن يرمش له جفن .. لكن تلك الفتاة لمَ كانت
الوحيدة التي يرفض حتى الآن أذيتها ؟! .. الليلة كان عنيفاً للغاية وكأنه يفرغ همه
وحيرته التي جعلت منه ورقة ضعيفة تتأرجح على صفحة الماء .. في ذلك الجسد المستسلم
بتبلدٍ معتاداً على هذه الأمور ..
واصل هاتفه
الرنين وكأنه مُصر على إيقاظه مما يقوم به .. يداً بيد يساند ضميره الذي يحاول أن
يُزمجر رافضاً ولكن دونغهي أفناه حتى الرمق الأخير .. أبدى ملامح مستاءة وانتفض
جسده غاضباً .. ممسكاً بالهاتف بعنف : عايز ايه انت ؟
- في ايه يا بني مالك ؟
- بروح امك انت متصل تقولي في ايه ؟ ما تكلم
- ايه يا دونغهي مش عليا انا الطريقة دى انت نسيت نفسك ولا ايه ؟
- معلش مخنوق شوية ( بدت طبقة صوته أقل عنفا ) خير في حاجة ؟
- مجتش الحفلة ليه ؟
- مليش نفس اخرج من البيت , ابقا اعتذر لكيم وانا هبقا احاول اقابله واباركله
رجوع ابنه
- طيب , هدي نفسك حبه لايجيلك شوجر وانت لسه بيبي
- كيوهيون انت مصطبح عالصبح ؟
- خلاص يخربيت مزاج اهلك المعفن , انا هقفل جاتك القرف عكننت عليا , وبعدين
صبح ايه يا اهبل احنا نص الليل
- اقفل
- يا ساتر طيب سلام
أغلق كيوهيون
الخط وأعاد الهاتف لجيبه .. بينما دونغهي نظر للفتاة صارخاً بها : غوري من وشي ( تعجبت الفتاة ولكنها نهضت وارتدت ملابسها مغادرة
بسرعة .. مرر دونغهي أنامله بين خصلات شعره زافراً أنفاسه بحرقة .. مدد جسده على السرير يعيد حياته أمام ناظريه في ذاك
الظلام القاحل .. صرخ بقوة قائلاً ) رخيصة , كلهم رخاص كلهم عارفين كويس ازاي يبيعوا جسمهم الرخيص والوسخ زيهم
( لمعت عينيه بالدموع ووضع الوسادة على وجهه بعنف مجبراً نفسه على النوم )
***
بداخل دورة
المياه اجتمع الثلاثة أخيراً .. عانق كيبوم ليتوك بشوقٍ كبير .. ثم أشار لهان
قائلاً : اعرفك يا ليتوك ده احسن خبير لاجهزة التصنت والمراقبة وكل الحاجات دي , اللوا (...) بنفسه هو اللي اختاره للمهمة دي ( نظر لهان بابتسامة
بسيطة ) انت طبعا يا هان كل اللي تعرفه ان انا ظابط وانت هنا عشان اجهزة التصنت , انت حتى متعرفش ليتوك ظابط ولا لاء ولا تعرف هو هنا ليه ( أومأ
هان بقليل من الفضول .. في الحقيقة القليل جداً فهو ليس من الأشخاص المتطفلين أبداً ولهذا كان اختيار اللواء الذي يشرف
على سير العملية مع باقي الأشخاص بالمدرية .. ابتسم كيبوم كثيراً ثم قال بمرح )
وانا مش ناوي اقولك
ضحك ليتوك بتكتم
على طريقة كيبوم الغريبة في المزاح .. وزادت انفراجة شفتيه عندما رأى عدم اهتمام
هان بالأمر فأردف : يلا بسرعة قبل ما حد يلاحظ غيابي او حد يدخل
تحرك كيبوم
بسرعة ليراقب الطريق .. كان خالٍ بالفعل فحتى الخدم في الحفل بالخارج .. أشار للرجلين
بالداخل .. فتقدمهم ليتوك نحو مكتب كيم .. وبمجرد دخولهم وإغلاق الباب تنفس
ثلاثتهم الصعداء ..
أخرج هان كيساً
أبيض شفاف مُغلق بعناية من جيبه .. يبدو كذلك الكيس الموضوع به شاحن الهاتف على سبيل
المثال به جهاز في حجم رأس الشاحن أو أصغر بقليل .. ويبدو أنه كاميرا مراقبة صغيرة
للغاية .. فحص الغرفة أولاً بعينيه بعناية .. حتى وقعت عيناه على زواية مناسبة
جداً لتثبيت الكاميرا بها بطريقة هندسية فريدة لا يلحظها آحد .. حرك آحد الكراسي
وقربه من تلك الزاوية وصعد فوقه .. وبدأ بتثبيتها جيداً بوضعها خلف ماسور الستارة
المعلقة بطريقة تجعلها تصور المكان دون أن يراها آحد زيادةً في التأكيد .. كان
يعمل بتأني ومهارة عالية .. بينما كيبوم يراقب الطريق بقلبٍ نابض بقلق .. وليتوك
يرمُق عمل هان بإعجابٍ شديد ..
نظر لليتوك بحرص
قائلاً بعد أن انتهى وأعاد الكرسي إلى مكانه وأزال آثار حذاؤه بمنديلٍ ورقي : دي
كاميرا حديثة جداً .. دقتها عالية أوي في تصوير كل حاجة وكمان تسجيلها صوت وصورة
.. أنا ثبتها بطريقة مستحيل حد يكشفها
أومأ ليتوك مُتنفساً
الصعداء وشكر هان بحرارة .. ثم عانق كيبوم الذي آخذ يلقي على مسامعه بعض التحذيرات
كأن يحرص جيداً في بحثه عن الأدلة .. وعند شعوره بالخطر أو أن آحداً سيكتشف أمره
يعد سريعاً فحياته هى الأهم .. ربت ليتوك على كتفه مطمئناً له .. خرج هان أولاً بحذرٍ
شديد وبعد دقائق كاد كيبوم أن يخرج لولا أن صوت ليتوك أوقفه ..
- نـ نور عاملة ايه ؟
- كويسة متخافش , بس لو عرفت ابقا حاول تروحلها او عالاقل تقابلها ف
مكان
- هـ هو في حاجة ؟ انت مش بتقول انها كويسة ؟
- امممم , بتحبك , دي اجابة كافية ؟
ابتسم ليتوك
بخفة فقد فهم قصد كيبوم بكلمته .. يبدو أن الشوق قد بلغ منها مبلغاً عسيراً في
الحقيقة الوضع متبادل ولكن ما باليد حيلة .. عمله الآن أكثر نبلاً من أي مرة سابقة
لهذا طال الهجر عن المرات الماضية .. خفق قلبه بآلم واشتياق عندما ترائى له
طيفها.. هربت دمعةُ حنين جارفٍ كموجة ثائرة في محيط يسع الكون بأكمله وضربت صخور
الشاطئ الراسيات كما فعلت هذه الخفقات المتمردة بقلبه ..
ابتسم بغصة قوية
في حلقة وحاول التماسك .. اطمأن على باقي العائلة وبعدها غادر كيبوم حيث وقوف هان
في الحديقة .. وبنفس طريقة الدخول غادرا .. بينما ليتوك عاد إلى دورة المياه بحرصٍ
وفتح صنبور المياه وآخد يبلل وجهه وعنقه بالماء البارد .. منذ الصباح وقلبه ليس
بخير انقبض بطريقة فجائية متزامنة مع الآلم الذي اجتاح نور .. استند بجسده للحائط
وهو يمرر أنامله حيث مكان فؤاده .. بعيون مغلقة بحرقة تفوق غيرها .. اعتدل مجدداً
ونظف ملابسه ثم خرج لذلك العالم الذي لا يعرف عنه الكثير .. ومن وراء شاشات
التلفاز بغضه حد الموت !
***
في الحقيقة هذا
الحفل افتقر إلى هذا الثنائي .. الذي جلس بعيداً على آحد الكراسي الخشبية في أحضان
الظلام المتقطع بالنور الخافت .. كانا كعصفوري كناري لطيفين .. يتسامران بخفوت
بعيداً عن عالم لم يحبا الانتماء له يوماً .. فلم يكن هنري سفيه ولم تكن مريم
سكيرة .. ولن يكونا هكذا آبداً !
وضعت رأسها على
كتفه وهى تقول بصوتها المحشرج بعض الشيء بسبب بكاءها السابق : تفتكر طعم الخمرا
ايه ؟
قطب حاجبيه
بدهشة وقلبه يرفرف كفراشة من فعلتها : بتسألي ليه ؟
تركت مشاعرها
تتحكم بها في هذا الوقت .. إذ عانقت أنامله بأناملها الرقيقة لتزيذ من دهشته وكذلك
سخونته التي سببتها هذه الخفقات الجامحة .. تنهدت بعمق وهى مغمضة العين : بسأل
عشان بيقولوا مرة اوي لدرجة تنسيك اي حاجة مرة دوقتها قبل كدا , بس انا مش مصدقة اني ممكن انسى مرارة موت هيتشول
تحرك جسده بشكل
مفاجئ .. إذ غمر وجه مريم بين كفيه وراح يحدق في عينيها بثقة غريبة .. تضرج وجهها
بحمرة الخجل المرافقة لقلب انتعش نوعاً ما بعد نوبة البكاء الطويلة التي انخرطت
بها مريم بطريقة مفاجأة عندما طلب منها هنري بعد تقديم كيم لليتوك أن يجلسا بعيداً
عن صدى ضرب الكؤوس وموسيقى الرقص الشهواني لأجساد رخيصة كسلعة في السوق السودة لا
يقيم لها بائعها وزناً .. ابتعدا عن هذا العالم الذي لا يمتُ لهما بصلة .. جلسا
على هذا الكرسي تطرقا في الحديث إلى نقطة فيصلية ..
كان محورها الذكريات التي رغماً عن أنف كليهما
تمحورت هى الآخرى في فلك هيتشول الغائب الحاضر ! انتحبت مريم كثيراً بحسرة بالغة
على فقدان شقيقها .. ومات هنري في الثانية مئات بل ملايين المرات حزناً على حالها
.. وفي الأخير وقبل أن يزيل دموعها مدت يدها لتزيلها هى مؤمنة بحكمة أن لا تعتمد
سوى على يدك في محو دموعك ..
ربما من يمحوها
اليوم يكون سبباً في هطولها كسيلٍ غداً .. وبعد صمت مخيف وضعت رأسها على كتفه ..
الآن استطاعت أن تحدق في عينيه هائمة هي الآخرى كم من المشاعر تكن له ؟ لم تعد
تعرف .. احتضانه لوجهها بين كفيه سامحاً للدماء المتجمدة أن تتدفق من تلك النقطة
بالذات إلى سائر جسدها .. وقبلة مطولة طُبعت على جبينها بعدها عناقٌ احتواها به
بين ثنايا صدره ويدٌ تُمسد شعرها .. كانت كل تلك الأشياء كفيلة حقاً بتخدير وجع
الفراق أكثر من الكحول الذي لا يزيد الأوجاع إلا ضعفاً .. هو فقط تخدير بالفعل انتهى
مفعوله عندما أبعدها قيد أنملة مبتسماً لها .. وكأنه يتسائل عن حالها الآن ..
أفلتت منه وعادت
لتعانقه بقوة أكبر .. ثم تملصت منه واقفة وبتلعثم قالت : شـ شكرا انك جمبي
ابتلعت غصتها
وركضت مسرعة .. ولكن سرعان ما عادت واقتربت على نحو مفاجئ طابعة قبلة كالحلم
الزهري على خده وفي التو توجهت لغرفتها .. بدلت ثيابها على نحو سريع وأفسدت زينة
وجهها البسيطة بالماء البارد ودست جسدها بين أحضان غطاءها مغمضة عينيها بابتسامة عذبة .. بينما هذا الثمل من أثر تلك القبلة ترنح لغرفته وألقى جسده على
السرير كقطعة خردة وسلم نفسه لأحلام بهية كانت مُثملته هى بطلتها ..
***
انفض الحفل
وغادر الجميع بمن فيهم كيوهيون الذي رغم شربه للنبيذ بشراهة لم يثمل فمثل هذا
السكير قد فقد النبيذ قدرته في التآثير عليه .. أما ليتوك فارتمى على سريره بجسد
متعب بشدة .. التفكير .. الحرص .. القلق .. قوة البديهة لالتقاط أي معلومة مهما
بدت تافهة .. الحنين .. كل هذه الأمور استنفدت قوته بالإضافة للحفلة التي دامت حتى
ساعات الصباح الأولى ..
***
يوم جديد أشرق
على هذا الجنين القابع بأحشاء والدته .. يوم محمل بالمزيد من مفاجأت القدر التي لا
تنتهي .. صباح معبأ بالضحكات والسعادة .. صباح اجتمعت فيه العائلة في منزل ليتوك
.. الجميع هنا لم تترك مروة آحداً لم تخبره نبأ هذا الحمل السعيد .. ورغم مخاوف
نور من كوابيسها إلا أن ملاطفة بطنها وتخيلها ملامسة الجنين يثلج صدرها باعثاً
بالراحة النفسية لداخلها ..
ربتت الأم الجالسة
على طرف سرير ابنتها المستيقظة تواً على شعر نور قائلة بابتسامة باهتة : مش كان
المفروض ليتوك يكون معاها دلوقت
كانت نظرات
الجميع تلتهم كيبوم الجالس على الطرف الأخر من السرير وهو يداعب بطن أخته .. تنحنح
الأخير بتوتر قائلاً : هبقى اقوله ,
متبصوليش كدا , ( استهل وجهه مشرقاً ) وبعدين يا نونو مش اخوكي
حبيبك احسن من ميت ليتوك
استمر يداعب
بطنها .. بينما ابتسمت بتكلف فحقاً يؤلمها عدم وجوده : طبعا يا حبيبي , ربنا يخليك ليـ ( ابتسمت بصدق ووضعت يدها فوق يده النائمة على بطنها ) يخليك لينا
رمق الوالد
الجالس على إحدى الكراسي في زواية بعيدة عن السرير ابنته بحسرة وشعور بالخوف .. لمَ يحدثه قلبه بأن شيئاً سيئاً سيحدث .. فرت منه دمعة يتيمة أزالها فوراً
ونهض على نحوٍ مفاجئ .. واقترب فنهض كيبوم مفسحاً له المجال .. قَبل الوالد جبين ابنته
بعمق جعلها ترتاب .. ومن ثم أهداها ابتسامة صادقة : خلي بالك من نفسك,
أومأت بملامح
متخشبة .. فمسد شعرها وغادر بحجة العمل .. تبعه كيبوم الذي وعدها بأن يعود مساءاً ويقضي اليوم في ملاطفة هذا الصغير الذي حقاً يكاد يموت شوقاً لكي يضمه إلى
أحضانه ويلاطف بشرته الرقيقة .. في الحقيقة كانت تلك هى المرة الأولى التي يتواجد
مع مروة بذات المكان دون أن تأخذ الجزء الأكبر من تفكيره ومشاعره .. إذ كانت مشاعره
منصبة كلياً في سعادته بهذا الجنين النامي بداخل شقيقته .. غادر وهو يحلق بسعادة
لم يعتقد أنها ستكون بتلك الدرجة ..
***
ضوء مهول تسرب للغرفة
مدغدغاً عينا ليتوك الذي انزعجت ملامحه كثيراً .. كانت جملته المعتادة " يا
نور اقفلي الهباب الستاير لسه بادري " على وشك التفلت منه .. إلا أنه فتح عينيه
على وسعهما بانتفاضة جسدية عنيفة .. رمقه كيوهيون بتملل عاقداً ذراعيه وما بين
حاجبيه على حدٍ سواء ..
- ايه يا عم انت في ايه ؟
- اصحي يا لوزة
- لوزة ؟ من امتى وانت بتهزر ؟ وبعدين انت لحقت تنام امتى وتصحى امتى انت ؟
- اتعديت منك شكلك وباء , قوم خلصني يلا هنروح الشركة يا دوب تلحق تلبس
- يا عم اعتقني انا مليش في الادوية والكلام ده
ذهب نحو سريره وراح ينهضه غصباً .. زفر ليتوك بتصنع عدم الرغبة في الذهاب .. ولكن
كيوهيون دفعه نحو دورة المياه : معاك ربع ساعة , مستينك ف العربية,
بالفعل وضب
ليتوك نفسه .. ونزل للأسفل حيث سيارة كيوهيون .. منحه الأخير سندويتشاً وكان هو الآخر يتناول واحداً أيضاً .. انطلق بالسيارة حيثُ الشركة .. كانت
ضخمة للغاية .. حوائطها زجاجية لامعة لا غبار عليها .. شعارها ضخم معلق أعلى
الواجهة يضئ ويطفأ بأضواء باهية .. الحديقة الطويلة أمامها كانت رائعة للغاية ..
الحراسة مشددة .. حتى المرآب به حراسة .. ويحتوي على أفخم أنواع السيارات ..
السير في الشركة
من الداخل كان ممتعاً .. النظام والهدوء والنظافة ورائحة المعطر .. العاملين
النشطاء .. حتى المصنع الملحق بالشركة صوت الماكينات به تبدو كسمفونية فريدة ..
كانت جولة سريعة لليتوك وكيوهيون لا يبخل بالمعلومات في الحقيقة التي لا تفيد مجرى
التحقيقات أبداً .. فبدل أن تكون آدلة إدانة كانت آدلة تبرئة .. النظام والنظافة
والآليات الفريدة في صنع الدواء بالفعل آدلة تبرئة قوية !!..
بعد تلك الجولة
آخذه كيوهيون إلى مكتب كيم الذي رحب به بحفاوة وعناق ملّ منهما ليتوك على حد سواء
.. وبعدها عرفه كيوهيون على غرفة مكتبه ولازمه كظله طوال اليوم في المكتب .. بدى
الأمر صعباً إذ أن ليتوك أحب البحث بنفسه بعيداً عن كلام كيوهيون الذي لم يرق له
أبداً .. أو بالأحرى لا يريد تصديقه .. حدسه يخبره بأنه لا بُد أن يجد شيئاً ما ذا
علاقة بالمشفى هنا .. ولكن اليوم انتهى بالفعل دون أي جديد .. وعاد ليتوك للقصر
فارغ اليدين من أي معلومة .. لا داعي للاستعجال .. صبر نفسه بهذه الكلمات وهو
يستعد لمشاركة الجميع الطعام ..
***
عاد كيبوم من
المدرية مباشرة إلى منزل شقيقته .. في الواقع انتظر رسالة من ليتوك طوال اليوم
تخبره باستفاضه عن أحداث اليوم .. لكن لم يحدث .. توقع أن لا جديد حدث في النهاية
هو يعلم حد اليقين أن الأمر لن يكون بالسهل أو اليسير ..
دلف غرفة نور
ليجدها نائمة بهدوء .. طبع قبلة مطولة على جبينها .. وجلس بجوارها يُمسد شعرها
بيده وبالآخرى يربت على بطنها .. على الأقل وجوده بجانبها سيعوضها عن فقدان ليتوك
ولو بالقليل .. في الواقع غادرت والدة مروة ونور المنزل .. فحمل نور لم يصل
للمرحلة التي يتوجب البقاء بها .. ومروة وكيبوم يمكنهم العناية بها جيداً ..
دلفت مروة
للغرفة بهدوء حتى أن كيبوم الذي أغلق عينيه لم يلحظ ولوجها للغرفة .. وقفت تتأمله
قليلاً .. يبدو هادئاً ووسيماً بهكذا ملامح مستكينة .. ربما لو عرفت بشأن حبه لها
قبل أن تحب دونغهي لكانت أعطته فرصة وهى واثقة بأنه كان سيوقع بها .. ولكنها في
الأخير أقدار ..
أفجعتها عيناه
التي فُتحت على نحوٍ مفاجئ .. اهتز جسدها وهى ترمش عدة مرات متتالية .. لم يحرك
كيبوم ساكناً ولكنه أردف بنفس الوضعية : في حاجة ؟
ازدردت لعابها
بتوتر وأخذت تحرك أناملها بعشوائية مشيرة للخارج : زمانك مكلتش .. انا عملت حاجة
بسيطة كدا
نهض بهدوء وعدل
الغطاء على النائمة في هدوء .. ثم قال بهمس : هي اكلت ؟
أومأت مروة
بهدوء .. فابتسم ابتسامة بالكاد ظهرت حتى اختفت .. وتقدمها للخارج كانت قد وضعت
الطعام على المنضدة مسبقاً .. فجلس وبدأ يأكل بهدوء وصل حد البرود .. بدى المكان وكأنه آحد القطبين
الأرضيين من شدة البرود .. رغم اعتراض مروة الداخلي على هذا الحال لكنها لم تحاول
تغييره لضعفها وخوفها من كيبوم الذي صرح قبلاً بأن وجوده في حياتها إما حبيب وإما
فلن يُقحم نفسه في آمرٍ يقلل من شأنه حتى أمام نفسه ..
تناول الاثنان طعامهما بصمتٍ مُميت .. وبعدها
نهض كيبوم لغرفة شقيقته .. حيث قرر النوم معها .. رغبة مجهولة جعلته يتمدد في
الفراغ الذي تركه جسدها الضئيل على السرير .. واحتضن كفها بين كفيه وراح يبكي
بتكتم .. أما مروة فبعد أن نظفت أطباق الطعام دلفت لغرفة الضيوف واستلقت على
الفراش تفكر وتفكر .. حالها يزداد سوءاً مع كيبوم .. دونغهي لم يتصل أو يأتي كما
العادة .. اشتاقت له كثيراً وكأنه تغيب عنها دهراً وليس يوماً .. أرادت أن تحدثه
بنفسها ولكن ما تلفظ به أمس جعل زمام الأمور بيده هو ..
***
- ده مش انسان , لا
يمكن يكون انسان يا كيبوم , انا لازم اجمع اكبر عدد من الأدلة ,
الراجل ده لازم يتعاقب بابشع الطرق ( شد على قبضة يده بعنف ) اقسم بالله لو مخلتش
الراجل ده يتمنى الموت لهكون قالع البدلة العسكرية بتاعتي وحارقها ,
لاني وقتها مش هستحق اكون ظابط
ـ ا انت ظابط ؟
سقطت يد ليتوك الممسكة
بالهاتف وشعر وكأن أنفاسه تركض بعيدا عنه .. كسمكةٍ أخرجت من الماء للتو وبدأت
بالقفز بعنف لانقطاع الاكسجين عنها ببطء .. بينما على الجانب الأخر حيث كيبوم الذي
سمع الصوت .. انحبست أنفاسه لا إرادياً وهو يرتجف خشيه أن شيئاً سيئاً سيحدث
لصديقه بعد اكتشاف أمره !!
ـ
*.* ـ *.* ـ *.* ـ*.* ـ
مقطتفات من الفصل
القادم :
- في مصيبة
, في كارثة وقعت على دماغنا كلنا
ـ بصراحة جسمها
كرباج
- ده عقاب
اللي يوقف
على حافة جهنم
اححححم مشاااااعري متلخبطة شوية !!
ردحذفخوف على ليتوك !! حزن على كيبوم !! فرح على حمل نور !! اشمئزاز من اوباتي الحبيب دونغهي !!
مدري و الله ما اعرف شنو اكتب !!
ابدعتِ يا قلبي
متابعتكِ .. نورهي