على حافة جهنم
الفصل الخامس
Written By : Ňoồr
~ سقط القناع ~
أسدل الليلُ ستاره .. زينت
النجوم قبة السماء .. تعدت الساعة منتصف الليل .. الهدوء يعمُ المكان والصمت هو
سيد المشهد .. وعلى تلك الأريكة وسط بحر الظلام الدامس ذاك جلست تعض على يدها
وقلبها مُنقبض .. تحارب دموعها كي لا تغلبها وتنسال على وجنتيها .. زفرت أنفاسها
المتوترة وضمت ساقيها بيدها ودفنت بهما وجهها وهى متقوقعة على نفسها فوق تلك
الأريكة .. دقات قلبها تزداد واحدة كلما أعلنت عقارب الساعة مُضي ثانية .. أما
بالخارج كان يقف أمام الباب وهو يحاول التقاط أنفاسه وضبط ملامحه .. وضع المفتاح
في الباب وقام بفتحه بهدوء وهو يتمتم : يا رب تكون نامت عشان متشوفنيش كدا مش ناقص
دلف بهدوءٍ ليرى اللون
الأسود هو الغالب على المنزل .. الظلمة تبتلع المكان .. اطمأنت نفسه إلى أنها
نائمة .. ما كاد يزفر أنفاسه براحةٍ حتي سمع صوت ركضها نحوه وأُنير المنزل بأكمله
.. أغلق عيناه بامتعاضٍ وهو يتنهد في انتظار الحفل الذي ستقوم به الآن .. أما نور
فوضعت يداها على فمها وأطلقت شهقه عالية : يا خبر اسوود ,
ليتوك يا حبيبي ايه اللي عمل فيك كدا ؟
كان قميصه ملطخ بالدماء
وقد اتسعت بقعة الدم كثيراً خصوصاً عند الذراع الأيسر .. وتمزق القميص من تلك المنطقة بالذات .. وقفت
أمامه مباشرةً وكأنها ملتصقة به .. وانهمرت دموعها بحرقة وهى تتفقده بعينيها ..
وتبدو غير قادرةٍ على التقاط أنفاسها وكأنها ستفقد الوعي .. حرك ليتوك يده أمامها
بهدوء : اهدي براحة , اهدي محصلش حاجة انا كويس ,
كويس خالص وزى القرد اهو مفيش حاجة , براحة وخدي نفسك
وضعت يدها على صدرها لتضبط
أنفاسها .. ثم ألقت بنفسها بين أحضانه .. أحاطت خصره بذراعيها دافنةً رأسها في صدره .. أحاط
ظهرها بيده وبالآخرى آخذ يربت على رأسها لتهدأ وبصوته الرخيم قال : انا كويس
متخافيش , ده جرح سطحى مش عميق
نعم لقد كان جرحاً سطحياً بالفعل .. فبعد أن توقف ذلك الرجل واستدار وباغت ليتوك بإطلاق النار .. كان
ليتوك هو الآخر رافعاً مسدسه نحوه وقام بإطلاق النار لتصيب قدمه ويقع أرضاً .. أما
الرصاصة الموجهة نحو ليتوك أصابت ذراعه الأيسر .. ومن حسن حظه أنها لم تستقر
بذراعه فقط سببت له جرحاً سطحياً ليس بالخطير .. ركض كيبوم نحوه ومعه بعض العساكر
الذين أمسكوا ببارك وقد كان هو الرجل المطارد .. وضع ليتوك يده على ذراعه ببعض
الآلم .. فأسنده كيبوم وطلب منه قبل أي شيء الذهاب إلى المشفى .. ولكن كما عادة
ليتوك العنيدة رفض أن يذهب في أي مكانٍ إلا بعد أن يتأكد من وضع ذلك الرجل بنفسه
تحت يد طبيب السجن المعالج .. لكي يضمض له جرح قدمه .. وبعدها أوهم كيبوم أنه
سيذهب للمشفى .. ولكنه عاد للمنزل فمنذُ صغره وهو يكره المستشفيات والأطباء خصوصاً
بعد تلك العملية الجراحية التى قام بها لإخاطة جرح صدره .. ورغم أنه لم يكن خطراً
إلا أن إهمال الطبيب تسبب في ترك تلك النُدبة .. لذلك عندما علم من الطبيب الخاص
بالسجن أن الجرح سطحي رفض أن يضمضه له وغادر للمنزل على أمل أن نور قد استغرقت في
النوم .. ولكن كيف لها أن تنام وهى ليست في أحضانه التي أدمنتها منذ زواجهما ..
كما أن قلبها المنقبض لم يكن مرتاحاً لتأخره .
عندما هدأت من نوبه بكاءها
ابتعدت عنه قيد أنلمة وعينيها منتفختان .. أزالت دموعها بطرف أكمامها .. وأمسكت
بيده وأجلسته على الأريكة .. أحضرت علبة الإسعافات الأولية وجلست أمامه على آحد
الكراسي التي وضعتها في مواجهته تماماً : ايـ ايه اللي حصل ؟
ابتسم بهدوء قائلاً : عادي
يا حبيبتي اصابه عمل , متخليش قلبك رهيف كدا طب دي رصاصه بسيطة في دراعي
اومال لو جتلك مرة واخد مطوة ف رقبتي هتعملي ايه؟ ( إبتسم ببلاهةٍ ( .
وجهت له ضربة سريعة على
صدره : انت كدا بتطمنى يا غبي ؟
تأوه بآلمٍ مصطنع : ااه يا
عيني عليك يا ليتوك يا غلبان مضروب رصاصة ومراتك المفترية كمان بتضربك
ضيقت عينيها ونظرت له بلؤم
: انت واخد رصاصة ف دراعك مش ف صدرك ( غيرت ملامحها سريعاً للحزن ) مرحتش المستشفى
ليه ؟
حررت أزرار قميصه ثم
أزالته عنه .. ابتلع غصته ولم ينبس بكلمة .. مدت يدها والتقطت قطعة قطن وبللتها
بالماء من تلك الزجاجة التي كانت بجوارها وبدأت تزيل الدماء من على صدره بلطف ..
ومن لهفتها عليه لم تشعر بما تقوم به .. أما هو فشعر وكأن نيراناً أضرمت في جسده
.. من جديد لمساتها المشروعة تلك أصابته بالجنون .. كانت تزيل الدماء برفقٍ
وأحيانا يدها تلامس صدره .. لتزلزل كيانه وتتلاعب بدقات قلبه وكأنه لا شيء أمام
سحرها الفاتن .. وصلت لجرحه فالتقطت قطعة قطن آخرى وبللتها بالمطهر .. وآخذت تنظف
الجرح بهدوءٍ وهى تضغط على شفتها السفلية بقوةٍ .. حركة لا إرادية من أي شخصٍ إذا
كان خائفاً من إيلام آحدهم .. لم تلحظ تلك العيون التي تُحدق بها .. وخاصةً شفتيها
الصغيرة .. لقد أوقدت حركتها تلك ناراً على ناره .. احمر وجهه كثيراً وابتلع غصته
بتوتر .. وأخيراً وضعت الشاش على ذراعه وثبتته جيداً ثم ابتسمت ورفعت رأسها نحوه
قائلةً : خلصت , وجعتك؟ اكيد لأ انا ايدي خفيفة اصلا
صدمت بالقرب بينهما وآخذت
تحرك أهدابها بسرعةٍ ودقات قلبها تعلو كثيراً
.. ولم تكد تتدارك صدمتها حتى أحاط خصرها وجذبها نحوه ليوقعها في أحضانه .. وقد
نسي آلم ذراعه .. وضع قبلة عميقة على شعرها الناعم أسفل شفتيه وهو يربت على ظهرها
.. ظلّت مستكينة بداخله لدقائق قبل أن تنهض بسرعة متجهة ناحية الغرفة .. فتحت الخزانة
أخرجت منها ملابسه وآتت ناحيته ومدت يدها بها له : خد البس هدومك عشان متاخدش برد
بخبثٍ قال مع تضييق عينيه
: ايه , مش قادرة تستحملي انك تشوفيني كدا وعيزاني البس هدومي
يا اما ابوسك تانى ؟
اتسعت حدقة عينيها من
تفكيره القذر .. ولكن وجنتيها احمرتا بشدةٍ فبالفعل رؤيته هكذا توترها كثيراً .. رغم أن تلك ليست المرة الأولى التي يلمّسُها
بها فقد تعدى الأمر بينهما سابقاً مجرد قبلة .. و لتفكيرها بتلك الطريقة زاد
توترها أكثر وألقت بالملابس في وجهه وركضت نحو سريرها وهى تحيط نفسها بالغطاء ..
ما هي إلا دقائق وشعرت به يضمها إليه من الخلف بقوةٍ .. ثم طبع قبلةً رقيقة على وجنتها
وأغمض عينيه مستغرقاً في النوم بعد يومٍ شاق استنزف طاقته .. أما هي هتنهدت بسعادةٍ
لا مثيل لها ثم ربتت على يده التي تحيطها وأغلقت جفونها مسلمةً للنوم .
***
في صباح اليوم التالي كان المشهد
كما الآتي .. يجلس كيبوم خلف مكتبه .. وأمامه يجلس كل من ليتوك في جهة اليمين
وبارك يساراً .
عقد ليتوك ذراعيه إلى صدره
قائلاً : حلو نوع الحشيش اللي كان معاك اوى , ما
تقولي بتجيبه منين لحسن انا دايخ عالصنف ده
ابتسم بارك بسخرية : ما
تجيب من الآخر يا باشا من الصبح وانت عمال تلف وتدور
ضرب كيبوم بيده على مكتبه
: ما تتلم يا روح واتكلم عدل
نظر له بارك باستخفاف
قائلاً : مش عيب تقول لراجل زى ابوك يا روح امك ؟
نهض كيبوم من على مقعدة
وأمسك بملابس بارك بعنف : ده ابويا لو زيك كنت قتلته وقتلت نفسي
نهض ليتوك وأبعدهما عن بعض
موجهاً لكيبوم حديثه : اهدي يا كيبوم مش كدا الله , انت
عصبي ليه
زفر كيبوم أنفاسه ثم رمق
بارك بسخطٍ وجلس على مقعدة مجدداً .. بينما وقف ليتوك بجوار بارك وضاعاً ساقه
اليسرى على تلك المنضدة الصغيرة التي بجواره .. ثم أسند ذراعه إلى قدمه واضعاً
رأسه على راحة يده .. وهو ينظر لذلك الرجل بنظراتٍ متوعدة .. مع ابتسامةٍ مرعبة
زينت شفتيه وهو يحرك فمه بتلك الطريقة التى غالباً ما يستخدمها رجال الشرطة لبث
الرعب في قلوب المتهمين .. ثم أعلن بصوتٍ هادئ ولكن بإمكانه زلزلة القلوب من الرعب
: ما تخلينا حبايب وتقول كل حاجة تعرفها بالذوق بدل ما ابعتك عند حبايبنا ف آمن الدولة يعملولك التشريفة الصح وبعدها هتقول كل حاجة تعرفها ومتعرفهاش برضو
اتسعت عينا الرجل على
آخرهما .. وتعالت دقات قلبه .. لم يتوقع تهديداً صريحاً من ليتوك بتلك السرعة ..
إن ذكر كلمتي " آمن الدولة " فقط قادرٌ على إرهاب أي
شخص مهما كان جباروته .. أغمض عينيه وهو يلتقط أنفاسه ثم قال : نعمل صفقة يا باشا
ابتسم ليتوك بسعادةٍ غامرة
ثم ربت على كتفه وجلس على كرسيه بغطرسة قائلاً : ماشي يا بارك نعمل صفقة ,, (
صمت قليلاً ثم أردف ) تقولي كل حاجة
واطلعك من الحكاية شاهد ملك صح ؟
صمت بارك قليلاً وهو مخفض
رأسه .. ثم ابتسم بخبثٍ ورفع رأسه قائلاً : معلش يا باشا غلطت انت المرة دى , انا
مش بس هقولك على اللي اعرفه بخصوص قضية هيتشول اللي انا هنا عشانها , ده
انا هقولك على اكبر تاجر لأعضاء البشر ف الشرق الاوسط كله , لاء
وكمان هساعدك تقبض علىه
شغرّ فاه ليتوك وكيبوم وانعقد
لسانهما عن الحديث .. نظرا لبعضهما بصدمةٍ لا مثيل لها .. ثم نهض ليتوك من فوق
مقعدة بهدوءٍ قائلاً بتلعثم : اعـ اعضاء البشر ؟
أومأ بارك برأسه .. دقائق
مرت بصمتٍ حاول الشابين استعادة رباطة جأشهما .. ثم أردف كيبوم قائلاً : اتكلم
أخذ بارك نفساً عميقاً
وزفرة بقوة قائلاً : عشرين سنة وانا تحت رجله ,
بستحمل عصبيته وشتيمته وغطرسته ومعاملته ليا زى الحيوان , كنت
كلب تحت رجله بنفذ كلامه بالكلمة , الاول عشان كنت على عهدي باننا هنفضل صحاب العمر اللي
قلبنا على قلب بعض , بعدها اكتشفت انه حيوان مش اكتر وبيستغلني ,
رضيت اني ابقا من شريكه لايده اليمين وبس ,
وبعد كل اللي عملته عشانه استغنى عن خدماتي وجاب حتتة عيل اد ابني وخلاه الكبير عليا
انا , مستحملتش ومش قادر استحمل عشان كدا زى ما بنيته هدمره
نظر له كيبوم بفضول .. أما
ليتوك فقال بقله صبر : ما توضح كلامك
- كيم , رجل الاعمال الخيري اللي سيرته مليانة بمساعدة الغلابة , هو نفسه الراجل اللي معندوش رحمة اللي بيستغل الناس
الفقرا وبيدوس عليهم ويستخدم فقرهم وجهلهم عشان يحقق مكاسب بالمليارات , كيم
هو صاحب اكبر مستشفى خيري في البلد , ومعندوش مستشفيات بس ف مصر ده ف الشرق كله , بس
تقدر تقول ان المستشفى الام هى اللي ف مصر ,
المستشفى محدش من اللي فيها يعرف القذارة اللي بتحصل جواها غير خمس دكاتره بس
لانهم هما نفسهم اللي بيشرفو على القذارة دي ,
الكبير بتاعهم حتته عيل اسمه كيوهيون مكملش 26 سنه , من
فترة اتقتل دكتورين والبوليس حقق ف الموضوع واتأيد ضد مجهول ,
اتقتلو عشان بدأو يهددو كيم انهم هيبلغو عن كل حاجة بتحصل ف المستشفى لو مداهمش اللي
هما عايزينه , وكان الحل انهم يتقتلو عشان يضمن
انهم يسكتو للابد , وعشان كيم مسنود من حيتان كبيرة ف البلد الموضوع اتقفل
بما ان اللي مسك التحقيق لوا كبير ولو كان دعبس كتير كان هيوصل لكل حاجة وكيم كان
هيتفضح
صمت قليلاً .. فهتف ليتوك
سريعاً : كمل , وقفت ليه ؟
زفر بارك قائلاً : كيم كان صاحبي الوحيد , كنت
بشتغل معاه بكل اخلاص ااه كنا فقرا بس كنا بناكلها بالحلال , لحد
ما ف يوم جالي وكنت سعتها خلفت هنري ابني وللاسف كان عنده مرض خطير ف القلب ولازم
يتعمله عملية والا هيموت , قالي ان في راجل شمال عرض عليه يقتل واحد وهياخد 20
الف جنية وعرف منه انهم بياخدو الاعضاء يبيعوها , اتخانقت
معاه يوميها وكنت هقتله وهددته اني يا اما هقتله فعلا او ابلغ عنه لو فكر يعمل كدا
( تجمعت الدموع في عينيه ) هنري دخل المستشفى كان لسه طفل عنده 4 سنين ,
الدكتور قالي قلبه بيوقف لازم نعمله عملية نقل قلب ,
لفيت الدنيا رحت لكبارات البلد ورجال الاعمال كلهم عشان حد يساعدني , كل
الابواب اتقفلت ف وشي , مرضوش حتى يسمعوني ابني بيموت يا ناس ,
قلبه خلاص بيوقف امه واقفه تعيط وتلطم وانا واقف جمبها زى الميت والدكتور بيقولنا
مفيش امل , احنا هنفصل الاجهزة خليه يموت ويستريح بدل العذاب اللي
هو فيه , كنت حاسس وقتها اني ممكن اعمل اى حاجة عشان ابني يعيش ,
لقيت كيم قدامى بعد غياب شهرين كنت ملهي فيهم مع ابني ,
لقيته بيقولي هننقل ابنك لمستشفى تانية ونعمله العملية على حسابي هون عليك ,
مكنتش مصدق نفسي ان ابني هيعيش حتى مفكرتش هو هيجيب القلب او الفلوس منين ,
نقلناه المستشفى التانية وعمل العملية وعاش ,
وبعدها عرفت منه انى بعد اما هددته انى هقتله او هبلغ عنه ,
مهتمش بكلامي وف الشهرين دول اشتغل ف الشمال ,
بينزل القرى وبيجيب الناس الغلابة يضحك عليهم بانه في مستشفى حلوة هتعالجهم
بالمجان , ويوديهم المستشفي دى وهما بقا اللي ياخدو منه قلب واللي
ياخدو كلية او كبد , اى عضو ف جسمه , في
اللي بياخده منه عضو او اتنين وفى اللي بيقتلوه وياخدو كل اعضاؤه ,
وعشان هما غلابة محدش بيسأل فيهم , انا كنت حاسس اني بموت ومش قادر اصدق نفسي في حد
بالحقارة دى ؟ بس وقفت عاجر , قلب الاب خلاني عاجز وضعيف ,
وبعدها بقيت بساعده غصب عني , مرة ف اتنين ف تلاتة رجلي جات ف الغلط واتعودت عليه ,
وبقيت انا اللي بفكر واخطط وارتب , وصلنا للراجل الكبير وبقينا احنا الرجاله بتوعه , بس
كيم كان بيخطط على كبير
كان ليتوك مذهولاً مما
يسمع هل هناك آحد بتلك الحقارة على وجه الأرض حقاً ؟ كيف يفعلون هذا بالبشر .. أين
قلوبهم ؟ أين ضمائرهم ؟ أحس وكأنه يريد أن ينهض الآن ويحطم عظام ذلك الحقير الذي
تعدت حقارته نطاق الطبيعة .. لقد تخطى كل القواعد البشرية على وجه الأرض .. كلا
كلا ليس ببشرٍ من يفعل هذا مطلقاً .. يستغل مرض الناس وفقرهم ويسلبهم ما وهبه الله
لهم !!.. ألا يكفيهم الجوع والمرض حتى ينتشل منهم أجزاء جسدهم .. ليس عندهم ما يسد
رمقهم حتى .. بدل أن يساعدهم يسلبهم حق الحياة بتلك الوحشية .. يخدعهم بحلم الشفاء
الزائف فيركضوا وراءه كقطيعٍ من الأغنام ليكتشفوا أنهم لم يركضوا إلا وراء السراب
.. كيف لبشرٍ أن يتخطى حدود الطبيعة وموازينها بتلك الطريقة .. أي معدن صلب هو ذاك
الذي وضع عوضاً عن قلوبهم .. حتى المعادن تصدأ مع مرور الوقت وتصبح هشة وطرية ..
يسهل تفتيتها بالأصابع .. وإنما هذا الشيء بداخلهم مع الوقت يزداد قوةً وصلابة ..
الفقراء هل هم حيوانات لكي نسلبهم ذاتهم بتلك الطريقة الوحشية ؟! حتي الحيوانات لا
يمكن التعامل معها هكذا .. أهكذا نمدُ لهم يد العون ؟! كم هم حثالة هؤلاء
المخلوقات التي تتبرأ البشربة منهم !!
كبح جِماح غضبه .. ورمقه
بقوةٍ وغضب .. يشتعل كما البركان .. الدماء تغلي بداخلة وكأنها الحمم المُلتهبة ..
مهما كانت الأسباب فلا يوجد على وجه الحياة ما يبرر شيئا كهذا .. لو ترك ابنه يمت
لكان أفضل بكثيرٍ من أن يسلب شخصاً آخر حياته ويستولى على قلبه بدون وجه حقٍ !!..
أكمل الرجل كلامه : الراجل الكبير مات بس قبل ما يموت وعشان معندوش عيال كتب كل
حاجة لكيم , اللي كان اتقرب منه اوى بطريقة غريبة , بس
كيم كان محتاجني معاه لحد الاخر , كنت بساعده يمكن جوايا صوت رافض , بس
كل يوم كان بيعدى كان بيسكت الصوت ده جوايا لحد ما مات ,
الوقت عدى وكيم عمل ثروة رهيبة , وعلاقات قذرة مع الناس الكبار ف البلد , ولواءات
الداخلية التقال مساعدينه , وحتى في بعض الظباط الصغيرين بيسهلو كل شغله عشان يهرب
الأعضاء دي برا مصر , وعشان يخفي وشه الوسخ ده بقا بيعمل مشاريع خيرية
وحاجات للغلابة والاعلام يطبله ويزمرله ,
اراد ربنا ان مراته الست الجميلة اللي من عيلة محترمة تكتشف شغلة القذر ,
وهددته بانها هتوديه ف داهية , بس للاسف جالها مرض خطير ف القلب خلاها ترقد ف السرير
ما بين الحياة والموت , كل اللي فكرت فيه انها تحمي عيالها منه ,
سفرت بنتها فرنسا عند اخوها , وهربت ابنها الكبير عند واحدة صاحبتها , او
بالاصح انا اللي ساعدتها على كدا , وانا اللي كنت باخد الفلوس منها
بنفسي اوديها للناس اللي بيربو ابنها , كيم
كان هيتجنن على عياله , عمل معاها المستحيل عشان يعرف عياله فين بس مقدرش لحد
ما فقد الامل , اخوه اللي من ام تانية للاسف اكتشف حقارته وشغله القذر
وقبل ما يكشف كل حاجة للبوليس دبر حادثة موته هو ومراته
,
وبانت على ان العربية اتقلبت بيهم , واخد عياله يربيهم واهو يزيد سمعته الحلوة وكمان يتخيل
انهم عياله , ومرت السنين وكبر هيتشول ومريم , وهنري
ابني كان توأم هيتشول من وهما لسه عيال ف الحضانة عشان كنت اعرف اخو كيم وكان
الاتنين حلمهم انهم يبقو دكاترة , وطبعا اتعينو ف المستشفى دى ,
ويشاء القدر تاني انه هيتشول يكتشف قذارة عمه وفوق كده يسجله اعتراف كامل بكل
البلاوى اللي عملها , وكان الحل ان هيتشول لازم يموت ,
وانا اللي كلفت بمهمة قتله , ازاى ده يعتبر ابنك ده مريم وهيتشول دول روحك , ده
كان سؤالي ليه والاجابة كانت , نفذ اللي بقولك علىه ,
وقتلته بنفس الطريقة اللي انتو اكتشفتوها ,
وبعد كل ده دخل ابني في الحكاية وورطه معاه , وهنري
ماضي على اعتراف بانه مشترك ف كل ده من غير ما يعرف ,
ولما حاولت احمي ابني واطلعه من الحكاية , قالي
اني خلاص كبرت وعجزت ومبقتش قادر على الشغل التقيل , جاب
كيوهيون حتته العيل ده ومسكه كل حاجة , وانا بقيت تحت امره والمفروض اعمل اللي يقولي عليه (
زفر بقوةٍ وشد على قبضة يده ) مكنش
قدامي حل عشان احمي ابني , غير اني اعمل صفقة مخدرات واسفره بره وطبعا لان كيم
اخد كل فلوسي عشان يضمن اني افضل تحت ايده ,
وانتو مسكتوني وانا بعمل الصفقة دي
أرخى ليتوك أعصابه
المشدودة .. وحاول السيطرة على مشاعره ليتعامل بعقلانية .. إن هذه الكائنات ليس
هناك ما هو أسهل من سفك الدماء عندهم .. وسواء كان قريباً أم غريباً لا يهم ..
المهم أن يحققوا ثروة لا نهاية ولا حدود لها .. لم يعرف بماذا يُعقب فنظر لكيبوم
ليتحدث هو .. ولم يكن حال كيبوم بأفضل منه .. ذاتها التساؤلات وذاتها المشاعر ..
ولكنه زفر بقوة قائلاً : انا مش لاقي وصف ليكم
تنهد الرجل قائلاً : خليك
عملي يا باشا واركن المشاعر دي على جمب , انا
مش ناوي اشيل الحكاية لوحدي وابقا كبش فدا , انا
عارف هساعدكم ازاى
ابتلع كيبوم غصته .. وأغمض
عينيه لدقائق حتى هدأ تماماً ثم زفر أنفاسه وقال : معاك ادلة ؟
- كيم مش سهل للدرجة دى , مع
انى اقرب واحد له بس مقدرش اقدم ولا دليل يثبت كلامى , لان
الناس الكبيرة والناس اللي بره مصر هو بس اللي يعرفهم ,
وعمره ما يثق ف حد ثقة تامة ويديلو سره غير واحد بس
- مين ؟ ( نطقها ليتوك
) .
- ابنه , رجع يدور عليه تاني بعد ما كان خلاص فاقد الامل ,
طبعا لازم يضور عليه اومال مين هياخد الفلوس دى كلها
- ممم وانت الوحيد اللي عارف مكان ابنه ,
وبكدا ممكن نشغل ابنه معانا , يا ابن اللذينة ده انتم مش طبيعيين
قهقة الرجل بسخرية على
حديث كيبوم ثم قال : ابنه يساعدكم ؟ لا مؤاخذة ازاى وهو ميت ؟
- مـ ميت ؟ ( نطقها كيبوم بتلعثمٍ وعينيه على وسعهما من الصدمة ) .
- ف الحقيقة يا باشا امه كان عندها امل انها اما تبعده عن ابوه هينصلح
حاله , بس الواد طلع لابوه كلب ولا يسوا , ساب
بيت الناس الى كانو بيربوه من وهو عنده 15 سنه ,
وطلع لعيال الشوارع وبقا حرامي وحالته بالبلا , بس
للاسف حرامى فاشل بيسرق السياح عند الاهرامات -_- , بس انا مفهم امه انه حلو وعايش وبقا مهندس , وهى
لسه بتبعتله فلوس , اول امبارح روحت اوديله الفلوس في الخرابة اللي هو
فيها لقيته مقتول , وبعدها عرفت من واحد صاحبه انه اتعارك مع الكبير
بتاعهم عالفلوس وقتلو وهو سكران , قولت لامه انه مات ف حادثة عرابية عشان كدا هي كمان
قلبها وقف وماتت امبارح , المضمون يا باشا انكم لسه شباب صغير ومحدش يعرفكم , وده
هيسهل عليكم ان واحد منكم يعمل ابن الراجل ده ويمسك عليه كل حاجة ,
وانا عليا اني اخليه يصدق ان واحد منكم هو ابنه فعلا
نظر له ليتوك بصدمةٍ لعدة
دقائق .. ثم ابتسم بعدها بسعادةٍ لا مثيل لها .. نادى على آحد العساكر وبدون أى
كلمة طلب منه أن يرجع بارك للحجز .
- مالك سرحان كدا ليه ؟ بتفكر ف ايه يا ليتوك ؟
- كيبوم , انا اللي هقوم بالحكاية دى
- انت اتجننت يا بني ؟ الموضوع مش ساهل انت كدا بتخاطر بحياتك ,
الناس دى مش سهلة ولو اتكشفت هيقتلوك ومش هيرمشلهم جفن
- مفيش حل تانى , مش بعد ما وصلنا لكل حاجة هنيجي هنا ونوقف ,
مفيش حل غير ده عشان نجيب الادلة , لازم نوقف الجرايم البشعة دى ,
لازم نجيب حق الغلابة اللي الراجل ده سرق حياتهم واستغل احلامهم
- بس يا ليتوك
- مفيش بس يا كيبوم , وبعدين انا مش صغير متخافش عليا ,
الراجل ده نهايته قربت
- بس احنا لازم ناخد موافقة عشان نبتدي نحقق ف الموضوع ده
- هو ابوك يعرف القضية اللي بنحقق فيها ؟
- بابا ؟ اعتقد لا , هو كل اللي يعرفه اننا بنحقق في قضية دكتور اتقتل بس
كدا
- خلاص احنا ناخد منه الموافقة ونبتدي كل حاجة بشكل
رسمي
- ليتوك انت متأكد من الى انت ناوى عليه ؟
- سيبها على ربنا
***
تعدت الساعة منتصف الليل
.. كانت نور بين أحضان ليتوك الذي استغرق في النوم .. أما هي فكانت تتعرق بغزارةٍ
وتتنفس بصعوبة وكأنها تختنق .. إنها ترى كابوساً مخيفاً .. ترى طفلاً رضيع يُمسك
به مُلثم لا تظهر منه سوى عينيه .. كانتا مخيفتان للغاية .. تشعر أنها رأتهما مسبقاً
.. ورأت ليتوك مُقيد وهي واقفه تصرخ وتبكي وذلك الملثم يذبح الرضيع !!..
فتحت عينيها بسرعةٍ وقد
كانتا على وسعهما .. شعرت وكأنها كانت تفارق الحياة ثم عادت لها في الثانية
الأخيرة .. جسدها بالكامل يرتعد .. تمالكت نفسها وأبعدت يد ليتوك التي تُحيطها
بهدوءٍ ودخلت دورة المياه .. فتحت الصنبور وآخذت تضع المياه الباردة على وجهها
وعنقها .. نظرت لنفسها في المرآة وجهها شاحب ومازالت غير قادرةٍ على التنفس بشكلٍ
طبيعي .. تذكرت أنها كانت تردد كلمة ( ابني .. ابني .. سيب ابني ) .. شعرت بالخوف
لِمَ سيقوم شخصٌ ما بذبح طفلها الذي لم يتكون بأحشائها بعد ؟! مجرد الفكرة أرعبتها
.. عادت مسرعةً إلى السرير واحتضنت ليتوك بقوةٍ وكأنها تختبئ في أحضانه
***
القصر يغلب عليه الكآبة ..
الأجواء مخيفة وقاتمة .. صوت الأنين والبكاء هو ما يملأ ذلك الفراغ الشاسع ..
ومريم لا تصدق تلك المصائب التي تقع فوق رأسها الواحدة تلو الآخرى .. لقد مات
شقيقها .. وها قد ماتت زوجة عمها ووالدتها الثانية منذ يومان .. الحزن والبؤس
جعلها حتى غير قادرةٍ على البكاء .. فقط ترتدي الأسود وعيناها باهتتان .. وتتقوقع على
نفسها في غرفة زوجة عمها وهي تحتضن روحها التى تهيم في الغرفة وتشتم عبقها يملأ
المكان .. أتعبها حزنها .. أرادت أن تُلقي بنفسها في أحضان عمها لعلها تُهدأ روعها
.. وتشعر بأنه مازال بجوارها من تحب .. بخطواتٍ متثاقلة ذهبت نحو مكتبه .. وضعت
يدها على المقبض .. فتحت الباب بهدوء .. لتركض بعدها خارج القصر وقلبها يكاد يُقتلع
من مكانه .. اليوم بالفعل قضت نحبها .. ركضت بغير هوادةٍ طريقها تطول ولا تعرف أين
ستذهب .. هل تقف على قمة جبلٍ عال وتُلقي بنفسها ؟! ظلت كلمات العم تتردد بأذنها :
قضية هيتشول اتقفلت ؟ ... هههههه اخيرا جبتلي خبر عدل .... ماشي تعالا خد الفلوس
اللي اتفقنا عليها .... ايوه انا قتلته وقلبي مرتاح .... اى حد ف الدنيا هيوقف في
طريقي هنسفه من الوجود .... بتعذيني ف مين يا اهبل دى نعمة انها ماتت اخيرا ....
اسمعني كويس ابني لازم تلاقوه ..... بارك جمبك ؟ .... طب ادهولي .... ايووه يا
بارك .... بتقول ايه ؟ لقيته فعلا ؟ ..... بارك تعالا الفيلا حالا مش هينفع الكلام
في التليفون كدا انا مستنيك
***
التلفاز مُشغل على إحدى
البرامج الإخبارية .. الصوت مرتفع كثيراً .. وعلى إحدى الأرائك يجلس هنري بوجهٍ
شاحب .. وذقن بارزة بعض الشيء .. حاله بائس لقد وصل لمرحلةٍ مزرية .. لقد تورط في
تلك الكارثة التي لا مفر منها .. سكوته كان سابقاً للحفاظ على حياة مريم .. الآن
سيصمت لأنه بإمضاءه أصبح أكبر تجار الأعضاء البشرية .. كيف لم يلحظ أن ذلك التحقيق
لم يكن إلا مسرحية هزلية ؟! كيف قام بالإمضاء على تلك الورقة قبل أن يقرأها مئات
المرات .. أي قدرٍ أعمى هذا الذي أوقعة في تلك الكارثة .. ذلك الكيوهيون الحقير ..
تأكد الآن أن الحالة التى أشرف عليها قُتلت وتم الإستيلاء على أعضاءها .. وتم اتهامه
بالإهمال من إدارة المشفى ليتم التحقيق معه .. ويقوم في النهاية بالإمضاء على اعترافٍ
منه بأن كل ما يحدث في المشفى من سفكٍ لدماء الأبرياء بعلمه وبأوامره أيضاً ..
وهذا كله ليتم توريطه في الأمر ليضمنوا سكوته التام .. بل ومساعدته لهم .
كيوهيون يالك من حقيرٍ ..
أتمنى تحطيم عظامك! هذا ما فكر فيه وهو يلقي بذلك الكوب نحو الحائط ليسقط متحطماً
.. اليوم شهد بنفسه على سرقة عضو من سيدة مُسنة .. كم يحتقر نفسه يود لو أن ينهي
حياته .. لماذا هو بذلك الضعف؟! لماذا انساق وراءهم .. هل حياته أهم من حياة تلك
المُسنة ؟ أين مبادؤه ؟ أين أخلاقه ؟ كيف لوث ذلك المعطف الأبيض بالدماء ؟ كيف
تحول من آحد ملائكة الخير التي تمنح للناس الحياة والأمل .. إلى شيطانٍ دنّس روحه
الطاهرة بسلبهم ما كان يمنحه لهم يوماً .. لِمَ أغلق فاهه ؟ لِمَ لم يفعل شيء
لإنقاذ تلك المرأة ؟ لِمَ ولمَ ولمَ ؟ ولكن لا إجابة .. لقد دنّس شرف مهنة الطب ..
لقد خسر نفسه .. لقد أضاع دماء صديقه هدراً .. هيتشول ليس سعيداً وليس مرتاحاً في
قبره .. هناك وحشة في قبر هيتشول بسبب هنري .. فقط هو يحاول الحفاظ على حياة مريم
.. ولكن وحياة الأبرياء الآخرين .. إذاً لا قيمة لها لأن مريم ثرية وهم لا ؟ لم
يفكر هنري هكذا يوماً .. ولكن لماذا الصمت ؟ لِمَ حياتها أهم من حياتهم .. في
النهاية الجميع بشر .. أدمعت عيناه قائلاً : عشان نوصل للصح لازم نمشي في الغلط
يبدو أنه برأ نفسه بهذه
الكلمات .. ربما هو محق أو ربما لا ومن يعرف .. في العموم الأيام القادمة هي
القادرة على التحديد .. ولكن ما الذي تخططين له أيتها الحياة .. أي حبكة درامية
ستقومين بها لتختتمي نهايتكِ التي نخشاها جميعنا !!...
طرقٌ متواصل على الباب ..
نهض بتكاسلٍ وهو في حالةٍ يُرثى لها .. فتح الباب لترتمي مريم بين أحضانه .. انخرطت
في موجة من البكاء ومازالت الصدمة تسيطر عليه .. دقائق و فقدت الوعي .
***
كان ليتوك يجوب مكتبه
ذهاباً وإياباً .. وهو يركل الهواء بقدمة حطم العديد من الأشياء ويكاد عقله يفارق
رأسه .. دلف كيبوم سريعاً فتوجه ليتوك نحوه وأمسكه من كتفه : كارثه يا كيبوم, لا
دي مصيبة دي نهاية كل حاجة
- في ايه يا ليتوك ؟
أمسك بيده وأجلسه على الكرسي وآخذ يحكي له ماحدث .....
- ممكن ادخل يا باشا ؟ ( نطقها ليتوك وهو يقف أمام مكتب اللواء والد كيبوم
) .
- ادخل يا حضرة الظابط ( دلف ليتوك للداخل .. فنظر له جونغ بفضول . (
- خير ,, في حاجة ولا
ايه ؟
- احم , ايوه يا
باشا عايزين موافقة حضرتك عشان في قضية عبارة عن كارثة لازم تخلص
ـ يا للدرجة دي ؟ قضية ايه وريني
أعطاه ليتوك الملف الذي يحتوي على
كل شيء يتعلق بالقضية .. ما أن قرأ اللواء كلمة " رجل الاعمال كيم "
وبعض الكلمات الأخري كـ " تجارة الأعضاء .. تهريب .. مستشفى خيري " حتى
جحظت عينيه وعادت به الذاكرة سريعاً ليوم وفاة والد ليتوك .. ما كادت تتجمع الدموع
في عينيه .. حتى نهض وضرب على مكتبه بعنفٍ : انت تنسى القضية دي خالص , وانسى اي
حاجة عرفتها عنها , واي ورق ليه
علاقة بيها معاك ف خلال 24 ساعة يكون عندى
جحظت عينا ليتوك من الصدمة هو الآخر .. وردد بتلعثمٍ : حضـ حضرتك بتقول ايه ؟؟
جحظت عينا ليتوك من الصدمة هو الآخر .. وردد بتلعثمٍ : حضـ حضرتك بتقول ايه ؟؟
- من غير نقاش , اتفضل على
مكتبك
- يا باشا بس
قاطعه قائلاً : انتباه يا حضرة الظابط
- يا باشا مينفعش اللي حضرتك بـ ...
- كلمة كمان وهحولك للمحاكمة العسكرية , انصراف
انتهى ليتوك من سرد ما حصل
.. والنيران تشتعل بصدره .. أما كيبوم فقد تاهت منه الكلمات ولم يعرف ماذا يقول ..
دقائق من الصمت الذي قطعه صوت ليتوك المُهتز قائلاً : مصيبة ,
زمان بارك قال لكيم انه لقي ابنه زى ما اتفقنا معاه
- ازاى بابا يعمل كده ؟ انا كنت متاكد انه هيساعدنا قلبا وقالبا
- انا مش عارف حاسس انى هتجنن , لما
قالي محاكمة عسكرية مصدقتش نفسي , كان عصبي وهو بيتكلم كل اللي قدرت اعمله انى ضربتله
السلام وقولت تمام يا فندم ورجعت المكتب , انا
حاسس بنار مش بعد ما وصلنا لهنا يقولي نوقف , انا
مش فاهم هو بيفكر ف ايه ؟
تنهد كيبوم قائلاً : اصبر يا ليتوك واهدى
وانا هحاول افهم في ايه براحة , دلوقت المهم نتصل ببارك ده بسرعة نقولو هيعمل ايه
ونغير معاه الخطة لحد ما نشوف الاوضاع هتوصل لايه
ردد ليتوك بعصبيةٍ بالغة :
اسمع يا كيبوم انا مش هسكت , لو ابوك فضل رافض انا هصعد الموضوع للوزير نفسه
- اهدى بس يا ليتوك مش كدا , (
قام بالاتصال ببارك ) اسمع , الخطة اتغيرت
***
دلف الوالد إلى المنزل
ليجد نور ومروة والوالدتين يتسامرن .. فلقد أمضت نور تلك الليلة في بيت والدها .. ابتسم
لها قائلاً : اخيرا افتكرتي ان ليكي بيت اب المفروض تيجيه
علقت والدتها بابتسامة لؤم
: ربنا يخليلها اللي لحس عقلها
نهضت نور واحتضنت والدها بسعادةٍ : هو انا ممكن انساك برضو يا احلى اب ف
الدنيا ( ابتعدت قليلاً ) بس ايه الحلاوة دى ؟ بتكبر تحلو ؟ موز يا خواتي ,
والنبي الولية العجوزة دى بقت ما تنفعك ( أشارت على والدتها بينما
تمد لها لسانها (
ابتسم الأب وربت على رأسها
بحنو .. بينما عقبت الأم بسخط : خديه يا بت ف دوكة , هي
عادتك ولا هتشتريها يا مسهوكة طول عمرك اخداه ف صفك بالكلام الحلو ,
وبعدين خدي هنا يا بت مالها الولية ما انا حلو وزي العسل اهو والف مين يهواني ,
ياكش بس انا اللي دافنة نفسي مع ابوكي
نهضت واخذت تلف جسدها وهي
تمسك بطرف ملابسها وتقلد حركات المُمثلات الاستعراضيات القديمات .. انخرط الجميع
في نوبة ضحك لا مثيل لها .. إلى أن قاطعهم صوت كيبوم الذي دلف من الباب الذى نساه
الوالد مفتوحاً : ايه ده ؟ ماما بقت مارلين مونرو ؟
نظر الجميع ناحية الصوت
بتعجبٍ .. أكان كيبوم من ألقى تلك الدعابة أم أنهم فقط يتخيلون ؟ .. ابتسمت مروة
بسعادةٍ كونه علق على شيء ما أخيراً بطريقةٍ مرحة .. لاحظ ابتسامتها وهي تُحدق به
.. فنظر لها بشوقٍ ممزوج بلهفة الحبيب .. وأهداها ابتسامة .. لم تصدق نفسها وأخيراً
ابتسم لها .. هذا الفتى حقاً غريب الأطوار أحياناً يبتسم ليّ وأشعر بشيء غريب في
عينيه وهو يحدقُ بيّ .. وأحياناً يرمقني باحتقار .. ولكن على كل حال جيد أنه عاد
لطيفاً .. هذا ما فكرت فيه وقتها .. أطل ليتوك هو الآخر ولكن بوجهٍ متضايق .. لم
يلقي التحية على آحدٍ .. ونظر لنور وهو يضع يده في جيبه : البسي بسرعة ويلا عشان
نرجع
آتت ناحيته بتعجبٍ : مالك
انت كويس ؟ شكلك مضايق , دراعك بيوجعك ؟
نظر لها بقوةٍ ثم نظر لوالدته .. بمعنى
أن والدته لا تعرف بأمر ذراعه فلم يرد أن يقلقها على أمرٍ تافه .. ابتلعت غصتها
بعصوبةٍ من نظرته تلك .. ولا تعلم لِمَ طرق قلبها بخوفٍ وركضت نحو الغرفة لتستبدل
ملابسها البيتية تلك بملابس مناسبة للخروج .. نظرت له والدته بتعجبٍ : ايه يا بني
مالك ؟ وشك مكرمش كدا وحتى مقولتش سلامه عليكم ؟
- ولا حاجة يا ماما معلش , جاى
تعبان وعايز ارجع ارتاح , قولتلها كيبوم يوصلها بس نعمل ايه ف الدلع بقا
نهضت مروة واقتربت منه
واضعةً يدها على جبينه تجتس حرارته : انت كويس ؟ انا بحلم صح ؟ انت بتتكلم عن نور
بقرف ؟
نظر لها بمللٍ وأبعد يدها
بشيء من العنف .. نظر في ساعة يده ثم قال بسخط : ما يلا يا نور ساعة بتلبسي
نظر له كيبوم بعتابٍ .. هو
الوحيد الذي يعلم بأن مزاجة سيء لتلك الدرجة بسبب والده .. نعم ليتوك محق فلقد
أمضوا وقتاً عصيباً ليصلوا إلى ما وصلوا إليه .. ليأتي هو بمنتهى السهولة ويرفض أن
يعطيهم الضوء الأخضر ليكملوا .. وحتى بدون ذكر أسباب ولكن نور ما ذنبها أن يفرغ
بها شحنة غضبه ؟ الجميع يرمقه بنظرات التعجب من عصبيته الزائدة .. فلم تمض دقيقتين
منذُ دخولها .. أما الوالد فنهض وأشار له : ليتوك عايزك ف المكتب خمس دقايق عبال
ما نور تخلص لبس
دلف أولاً .. ثم تبعه
ليتوك وهو يُتمتم .. نظر الجميع إلى كيبوم وفى عيونهم سؤالٌ واحد " ماذا يحدث
بالضبط ؟ " توتر من نظراتهم فنهض ودلف إلى غرفته سريعاً .. أما في مكتب
الوالد .. وقف أمام ليتوك قائلاً : انا شايف انك مضايق زيادة عن اللزوم ,
العصبية دى كلها عشان قولتلك تنسي القضية ؟
- يا عمي حضرتك رفضت وخلاص , انت
متعرفش انا وكيبوم تعبنا اد ايه عشان نوصل للي احنا وصلناله ده و مينفعش نوقف هنا
- بس انا بقلكو اقفو هنا ,
هتكسرو كلامى
- مش موضوع نكسر الكلام , بس
انت لازم تدينا سبب ولازم يكون مقنع كمان
- وانا مش مجبر اقول سبب
- واحنا مش مجبرين ننفذ الكلام ( بعصبية قالها (
- انت اتجننت ؟
- انا متجننتش , انا
لو عملت غير كدا ابقا مجنون , ازاى اقدر انقذ حياة ناس كتير ومعملش كدا ؟ ازاي اشوف
الاف الناس الغلابة بتتقتل وتتسرق بوحشية واقف اتفرج ؟
- انت ظابط تحت اشرافي وطوعي
, ولو
خرجت من تحت طوعي ومنفذتش اوامري متعرفش انا ممكن اعمل ايه
- بارك قال ان في ناس كبار في الداخلية هما اللي ساندين كيم في شغله , شكل
حضرتك واحد منهم , يا الف خسارة على مثلي الاعلى اللي انهار ( أعلن
بعصبيةٍ بالغة بينما عروق رقبته
بارزه ووجهه يشتعل بحمره الغضب )
وعلى دخول نور المكتب وهى
تقول " خلصت يا ليتوك " .. صفع والدها ليتوك على خده بقوةٍ جعلته يتحرك
بضع خطواتٍ للوراء .. وقف متسمراً لبعض الثواني وهو غير مستوعبٍ لما حدث .. أما
نور فشهقت بصدمةٍ ووقعت حقيبتها أرضاً .. ببطء نظر لها ليتوك وعيناه تتجمع بهما
الدموع .. ثم نظر لوالدها بقهرٍ كيف يضربه أمام زوجته أي ذلٍ هذا الذي تعرض له ..
أو كيف يضربه أصلاً .. لم يشعر بأي شئ سوى بأنه أحكم قبضته على ذراعها وهو يسير
بسرعةٍ مغادراً المنزل .. وهي تركض لتجاري سرعته وتبكي من شدة آلم ذراعها بسبب امساكه
لها بتلك الطريقة العنيفة .. سار بسرعةٍ نحو منزلهم الذى يقع في البناية المجاورة
.. فتح الباب بعصبية بالغة ومازال ممسكاً بها رغم أنها تبكي وتتآلم وتتوسله بأن
يترك ذراعها .. دلف للداخل ودفعها على أول أريكةٍ قابلته .. ثم دلف غرفته وأغلق
الباب خلفه بقوةٍ هزت جدران المنزل .. ارتعد جسدها وهى تمسك بذراعها وتتحسسه وقد احمر
بشدة .. أخذت تبكي بحرقةٍ وبداخلها شعور يجعلها ترتعد خوفاً وحزناً في آنٍ واحد ..
هذه المرة الأولى التي تتعرف على هذا الجزء في شخصية ليتوك .. ظلت بالخارج تبكي حتى
نفذت دموعها .. لم تتخيل أنه حتى لن يخرج ليتآسف على فعلته بعد أن يهدأ .. نهضت
بهدوءٍ ودلفت للغرفة لتجده ممدداً على السرير بملابسه وحتى بحذاءه بينما يستند
إليه بظهره آي أنه ليس ممدداً بالكامل .. كان وجهه مازال يشتعل غضباً .. نظرت له
بحزنٍ .. صفعه والدها تركت أثراً على وجهه .. تُرى لِمَ قام بصفعه ؟ ولم تشاجرا ؟
إنهما لم يتشاجرا مطلقاً من قبل .. كما أن والدها لم يضرب ليتوك مطلقاً حتى عندما
كان طفلاً !!.. لاحظ ليتوك أنها تُحدق به بتلك الطريقة .. وعينيها مُمتلئة بالدموع
.. أيضاً رأى ذراعها المُحمر بشدة وهناك كدمة زرقاء عليه .. أحس بالذنب تجاهها ما
خطأها ليعاملها بتلك القسوة ؟! كان سيعتذر ولكن لم يعرف لِمَ صاح بها قائلاً
بعصبيةٍ مفرطة : اطلعي برة الاوضة
أخافها صوته بشدةٍ ارتبكت
كثيراً ولم تعرف ماذا تفعل .. اجهشت بالبكاء مجدداً ثم قامت بفتح الخزانة بسرعةٍ
وآخذت منها قطعة ملابس مريحة وخرجت على عجلة وأغلقت الباب خلفها .. عندها أمسك
ليتوك تلك الزهرية الموضوعة بجوار السرير وألقاها على الحائط .. أما نور فبدلت
ثيابها وهي لا تكاد تصدق ما حدث هل هي الآن في كابوسٍ مرعب فقط ؟ يبدو أن أسوء
كوابيسها يتحقق .. بدلت ملابسها وآخذت قطعة ثلج وبدأت تمررها على ذراعها وهى تبكى
بتآلمٍ .. وباتت ليلتها وهي تبكي وغفت على الأريكة بعد صراعٍ مع نفسها .. فلم تعتد
النوم بعيداً عن أحضانه .. أما هو فلم يغمُض له جفن .. وفي صباح اليوم التالي ذهب
لعمله دون أن ينظر لها حتى .. ليصدم بقرار نقله إلى شرطة الآداب .. لقد بدأت
تعاسته منذ الآن .. مرّ إسبوعٌ كامل بتلك الطريقة .. ليتوك في غاية العصبية .. لا
يرى أمامه كلُ شيء تعطل ..كيبوم يحاول جاهداً أن يجد حلاً للأمر ولكن بلا فائدة
فوالده رافضٌ تماماً وبلا أسباب .. مما جعل ليتوك يستشيط غضباً على غضبه .. وفي
النهاية يصب غضبه على تلك المسكينة .. حتى أنه في آحد الليالي قام بارغامها بعنفٍ على
تقضية ليلة حميمية معه .. كان وكأنه يُفرغ بها شحنة غضبه بالكامل .. وفي صباح
اليوم التالي لم تشعر بشيء مطلقاً إلا وهي تضع تلك الحبوب مجهولة الهوية في عُلبة أقراص
الصداع بعد أن أفرغتها من محتواها الأصلي .. ثم همست وهي تبكي بتكتمٍ : انا آسفـة
ـ
*.* ـ *.* ـ *.* ـ*.* ـ
مقطتفات من الفصل القادم :
ـ في أمانة هتوصلها لواحد حبيبنا في الداخلية,
- انا مش موفقاكي خالص , خلي بالك الرجالة في المواضيع
دي بالذات متعرفيش ايه اخرهم
ـ جبتي
اخرك معايا يا روح امك
ـ
بتهربي ليه؟
ما ادري ما اعرف شلون اعلق !!
ردحذفما اعرف شلون اكتب !!
المشاعر اتلخبطت عندي كلش !!!
بيانيه جديا ما اعرف شنو اريد اكتب !!
شنو الي صار ؟؟ ليش هيجي ؟؟
ابدعتِ فعلا بالبارت اووني !!
متابعتكِ .. نورهي