على حافة جهنم
الفصل الثاني
Written By : Ňoồr
~ خيوط العنكبوت ~
مساءُ تلك الليلة الشتوية .. جلس هنري
بجوار جسد مريم المتمدد على سريره الخاص .. أزال القطعة القماشية التي تغطي جبهتها
.. قام بوضعها في إناء الماء الموضوع على الطاولة المجاورة ثم منه إلى جبينها
مجدداً .. حدد حرارتها بذلك الترموميتر ثم تنهد براحةٍ كون حرارتها قد اعتدلت ..
أرخى جسده للوراء على المقعد .. وأغلق عينيه وهو يراجع ذلك المشهد المروع الذي كتم
أنفاسه لدقائق عدة
......
جحظت عينا هنري بصدمة .. ثم ردد بتلعثمٍ :
مـ مريم!
بنظراتٍ واهنةٍ رددت : ليه ؟ اخويا مات
ليه ؟ دى مش موتة ربنا انا متاكدة ( صرخت به ) ايه إلى حصله ؟ انا هقتلكو كلكو
شعرت بدوار قوي .. فقدت اتزانها وكأن
الأرض تتحرك من تحت قدميها .. شعور مشابه لذلك الذي نشعر به عند الوقوف على عمقٍ
ليس بكبيرٍ من الشاطئ .. الرمال تُسحب أسفل أقدامنا .. لنهوي أرضاً خصوصاً إذا ما
كنا خائري القوى من الأساس .. هذا ما شعرت به مريم قبل أن تفقد وعيها بعد أن ضغطت
على زناد مسدسها الذي انطلقت رصاصته في الهواء .. وسط ذهولٍ تام وصدمة من هنري
الذي تجمد واقفاً دون تحريك ساكنٍ .. ما هي إلا ثوانٍ بعد فقدانها الوعي إثر
الإعياء والحمى الشديدة .. حتى استفاق من غفلته فحمل جسدها الضعيف بين يديه وركل
مسدسها بقدمه داخل المنزل وهو ينظر نحو تلك اللوحة الملقاه أرضاً التي تلقت
الرصاصة الطائشة .. أغلق الباب بقدمه أيضاً وتوجه نحو غرفته .. وضع جُثمان مريم على
السرير وأنفاسه المتسارعة لم تنتظم بعد .. ثوانٍ من تأمل وجهها الشاحب ونضرتها
التي اختفت تماماً كانت كفيلة بالسماح لتلك الدموع التي ما لبثت أن جفت من فراق
صديقه أن تنسال على خديه مجدداً .. شد على قبضة يده والأدرينإلىن يتدفق بحريةٍ في
داخله ليشعره بذلك الغضب المكبوت الذي حاول جاهداً كظمه قدر إسبوع كامل .. وضع يده
على صدره وأغمض عينيه, حاول التنفس بهدوءٍ حتى انتظمت أنفاسه تماماً .. نهض ليحضر
بعض الأدوية وقام بالعناية بمريم جيداً .
فتح عينيه على أشعة صباح إلىوم التالي ..
أو إن صح القول صوت جرس الشقة .. بتكاسلٍ فرك عينيه وجسده يؤلمه من تلك الليلة غير
المريحة في النوم مطلقاً .. مط جسده ليمحي أثر تشنجه بالكامل .. ألقى نظرةً على
تلك النائمة في هدوءٍ .. ثم توجهه ناحيه الباب .. بمجرد فتحه ورؤية هوية الطارق صّر
على أسنانه وعقد ذراعيه إلى صدره : وليك عين تيجي هنا!؟
أزاحه والده بيده ودلف للداخل : طب مش
تقولي اتفضل
- ده على اساس ان اللي دخل خيالك ؟ ( بتهكمٍ
قالها ) .
- كوبايتين قهوة صباحي من ايديك وتعالا نتكلم,
( جلس على أحد المقاعد واضعاً قدمه فوق الآخرى ) .
- مفيش بنا كلام , بس في فعل ( تقدم ناحيته وبنبرة تهديدٍ واضحة همس هنري ) انا هوديكم ف ستين داهية !
- اوووبا يا مامي خفت انا كدا يا واد ,
تخنتلي صوتك وبرأت عنيك ( نهض وربت على كتفه ) كبرت وبقيت بتعرف تتكلم بنبره تهديد,
- وحياتك وطلعلي ضوافر وبقيت بعرف اخربش ,
وقريب هتبقى حوافر وهقطع رقابي , وكل القذارات اللي بتعملوها هتتكشف ,
والبيه الكبير بتاعك هيشرف معاك ف زنزانة واحدة وبدلة اعدام واحدة ,
والبلد هترتاح من اشكالكو الوسخـ,
قاطعه والده بضحكات عالية : برررافو برافو
بقيت بتعرف تتكلم فعلا , بص بقا يا حبيبي ومتعشليش ف دور الشهم
والبطل والشويتين دول , اسمع الكلمتين اللي جايلك عشانهم ولقهم ف
دماغك وصحصحلى , التسجيل الى معاك يلزمنا وهاخده حالا يا اما
كدا يا اما السنيورة اخت الغالي هتونسه بس
قبلها هتدمر نفسيا اما تعرف ان اللي قتل اخوها هو نفسه اللي قتل ابوها وامها والى
هو عـ,
- اسكت , انتو مش بنيآدمين مش ممكن يكون فى حد كدا ف
الدنيا, ( وضع يده على فم والده ليمنعه من الحديث
خوفاً من أن تكون مريم مستيقظة وتسمع تلك الكلمات التي تعد
هدماً لكل ما عاشت به خلال سنوات حياتها منذ نعومة أظافرها وحتى الآن ) .
دفعه الوالد عنه ونظر له والشرر يتطاير من
عينيه : اسمع يا ولا انت اللعب مع الكبار زى اللعب بالنار مبيحرقش غير صاحبه, العب
مع حد غرنا واحب اقولك ان الباشا الكبير معندوش غالي وانت سيد العارفين ,
فاحسنلك امشي جمب الحيط وخليك ف حالك
وكمان احنا هنحتاجك معانا ف الفترة الجاية , انت اكيد طبعا يهمك ان السنيورة متونسش الغالي
ف قبرة ولا ايه ؟ ( ابتسم بطريقةٍ استفزازية ) .
طأطأ رأسه للأسفل وعروق رقبته باتت بارزةً
.. أحكم إغلاق قبضة يده حتى جرحت أظافره باطن كفه .. العجز هذا ما شعر به الآن ..
نعم العجز ومشارف خيانة العهد .. القرار المتخذ حالياً سيترتب عليه الكثير
مستقبلياً .. فأي قرار سيختار؟ الاستسلام والرضوخ للآمر الواقع بل والانصياع خلف
سلسلة من الأوامر التي ستترتب على هذا الرضوخ ؟ أم المماطلة التي ستكون سبباً في
إنهاء حياة آحدهم بمنتهى البساطة والقسوة .. في كلتا الحالتين هناك خسائر .. ولكن
أي الأمرين خسائرة هي الأطف ميزاناً ؟ عذراً هيتشول لقد تركت ليَّ طريقاً طويلاً
محملاً بالأعباء أسير حافي الأقدام على أشواكٍ مسننة .. إنه اختيار الأمرين .. إلا
أنني أعدك لن أتوقف هنا .. فلنقل أنه استسلامٌ مؤقت .. هكذا حدث هنري نفسه .. ثم
رفع وجهه ببطءٍ وهمس : ثواني هجبهولك,
ابتسم الوالد بنشوة المنتصر : برافوو يا
شاطر اخترت صح,
دلف لغرفته نظر لتلك النائمة كما الأطفال
.. ترقرقت الدموع في عينيه ولكنه آبى أن يسمح لها بالسقوط .. توجه نحو تلك اللوحة
المعلقة في الحائط نزعها بهدوءٍ .. لتظهر من خلفها خزينة أدخل أرقامها السرية
وأخرج منها تلك الحقيبة السوداء .. نظر لها وهو يعُض على شفته السفلى بمضضٍ .. شعر
بطيف هيتشول حوله وقبل أن يتراجع عن قراره همس : اقسملك يا هيتشول اني هرجع حقك ,
بس الاول اضمن انى هحميها وابعدها عن العالم ده اللي مينفعش تكون جزء منه او حتى
تعرف عنه حاجه, ( بخطواتٍ مسرعةٍ توجه نحو الخارج أعطاها
لوالده .. ثم أدار جسده مشيراً له بأن يغادر وهذا ما فعله الوالد بالضبط ) .
بعد فترةٍ ليست بالطويلة .. بدأت مريم تُفسد
تعانق جفونها بوهنٍ شديد .. حالما اتضحت الرؤية لديها غيّرت زاوية وجهها ليصبح قُبال
هنري الجالس بجانبها على حافة السرير .. أهداها الأخير ابتسامةٍ واهنة ثم ربت على
يدها : صباح الخير
رويداً بدأت معالم وجهها في التبدل ..
قوست شفتيها للأسفل وبعيونٍ يملؤها الآلم همست بضعفٍ : أنا عايزة هيتشول عايزة
اخويا حرام عليكم اللي بتعملوه فيا
,
وضع يديه على وجنتها اليمنى .. وإصبعه
يتحرك بحنو أسفل عينها ليزيل تلك الدمعة اليتيمة التي سقطت منها ثم همس : اهدي يا
مريم , انتي عارفة كويس ان هيتشول مش صاحبي بس ,
لا ده حته مني ومش هقولك اخويا لان حتى الاخ ممكن يخون اخوه لكن الواحد يخون نفسه ازاى؟ ارتاحي يا مريم
واهدي وسبيلي انا كل حاجة انا الى هريح اخوكى,
- يعني مات مقتول ؟ ( أعلنت بصوتٍ مرتعش ) .
عضّ على شفته السفلى بقهر .. ثم جذبها إلى
أحضانه وآخذ يربت على ظهرها كما الطفلة بين يديه .. لثوانٍ انساقت وراء شعور
الآمان بين أحضان من تشتم فيه عبق أخيها وكأنه نفسه كما ذكر مسبقاً وقامت بإحاطة
خصره بذراعيها دافنةً رأسها في صدره .. أطلقت العِنان لشهقاتها المتقطعة فآخذ يُمسد
شعرها عله يهدؤها ولو قليلاً .. مرت خمسُ دقائقٍ قبل أن تدفعه مريم عنها وهي تنظر
له بترجي : مقتول ؟
أشاح بنظره عنها وبنبرة ثقة جاهداً تصنعها
: مات موته ربنا
صرت على أسنانها وببطءٍ أزالت عنها الغطاء ونهضت بخُطى مترنحة فآثار حمى الأمس
لم تختفي كلياً .. لاحظت أن ملابسها قد تغيرت نظرت له بحدةٍ وكأنها تسأله ماذا
فعلت ؟ فأردف قائلاً : هدومك كانت مبلولة جامد ومكنش ينفع اسيبك كدا,
بالرغم من أن ثيابها صبيانية إلا أنها
بخطى سريعةً توجهت نحو الباب لتغادر .. من خلفها أمسك هنري بمعصمها وأدار جسدها له
: رايحة فين ؟
- راجعة بيتي ولا هعيش معاك مثلا ؟
( أعلنت بغضبٍ ) .
- انتي لسه تعبانة ,,,
- انا مبتعبش ,,,
- طب تعالي هوصلك بالعرابية عشان متمشيش كدا ف الشارع,
( أغلق الباب وهو مازال ممسكاً بمعصمها واستقلا
المصعد ليعودا إلى الطابق السفلي ومنه إلى سيارته ) .
وصلت وإياه إلى ذلك القصر الفخم الذي تعيشُ
فيه برفقه عمها مُنذ أن وعت ما يدور حولها من أمورٍ .. فقد مات والديها في حادث
سيرٍ وانتقلت هي وأخيها الأكبر لرعاية عمها .. هذا كل ما تعرفه ولكن أحقاً هو حادثُ
سيرٍ أم لا هذا ما لا إجابة له لديها أو بالأحرى لم يخطر ببالها يوماً هكذا سؤال
.. فذلك العم الذي أغدق عليها بالحب والرعاية جعلها تتناسى أمر تلك الحادثة
المجهولة .. في كنف أحضان عمها ترعرعت وقضت أروع أيام حياتها .. الترف والرفاهية
كانا رفيقي دربها الوحيدين .. ولكن برغم اهتمام عمها بها إلى هذا الحد وتعلقُها به
بذلك الجنون وصل ولعها بشقيقها الأكبر إلى ما يفوق حب عمها ذاك بأضعافٍ كثيرة ..
دائماً ما تقول عنه أنه آحد ملائكة الحب والخير في هذه الحياة .. أكثر ما نغص
أيامها في الآونة الآخيرة هو انتقال هيتشول لشقة آخرى غير منزل عمهم .. ربما لم
يبتعد عنها مطلقاً كونه كان باستمرار يزورها مكان عملها حيث مارست مهنة مدربة
لفنون الكارتية للنشأ فقط من أجل المُتعة وملء جدولها الفارغ من أي عملٍ ذا قيمةٍ
غير التسوق وأمور الفتيات الآخرى .. ولكن برغم هذا لم يعوضها عن تلك القُبلة اليىومية
التي يطبعها على جبينها قبل أن تخلد للنوم .. أو تلك القصة التي يرويها لها في
أيام الأرق التي كانت تُعكر صفو ليلها فما كان منه إلا أن يجالسها حتى تغط في ثباتٍ
عميق .. هذا هو شقيقها الذي يعد أغلى ما تملك .. في ذلك اليوم المشؤوم الذي علمت
فيه من عمها خبر موته .. لم تتحمل هول الصدمة فوقعت طريحة الفراش مدة يومين ولكن
برغم تأكيد عمها على أن هيتشول قد مات ميته طبيعية إلا أنها لم تستطع أن تصدق ..
لقد كانت تصرفاته مريبةً في الآونة الأخيرة خصوصاً عندما انتقل من منزل العم ..
دائماً متوترٌ ومرتبك مشوش وخائفٌ وكأن وحشاً كاسراً يطارده .. قبل موته بيوم ليلاً
ذهب لها وحدثها كثيراً كانت تصرفاته مريبة .. أوصاها بأن تهتم لنفسها وإذا احتاجت
أمراً ما فلتذهب لهنري صديق عمله بل ودراسته منذ الروضة .. وعندما خالج القلق
فؤادها وطلبت منه توضيحاً لألغازه تلك .. عانقها بحرارةٍ وكأنه يشعر أن ساعاته في
هذه الحياة محدودة وغادر بعدها .. هذا يكفي كي تشعر بأن تلك ليست ميته طبيعية كما
يخبرها الجميع .. تعبت من أرق لياليها وسهادها الطويل ولكن الخلاص لم تعرف له
طريقاً بعد .
***
في مدرية القاهرة .. تحديداً مكتب ليتوك
حيثُ يجلس خلفه بعد أن نزع ربطة عنقه وتركها منسدلة على كتفيه .. وأزال سترته وهو
يحاول جاهداً التركيز في تلك الأوراق التي بيده .. وبالمقابل يجلس كيبوم على آحد
المقاعد واضعاً قدميه على مكتب ليتوك وهو الآخر يراجع نسخة من الملف الذي معه ..
زفر الأخير بضيقٍ بعد أن ألقى الملف من يده : انا تعبت ودماغي وجعتني مش قادر أفهم
ايه كمية الخيوط اللي داخلة ف بعضها دى كأنها خيوط العنكبوت,
ردد ليتوك باختناقٍ بعد أن ترك الأوراق من يده هو الآخر : مش
اكتر منى انا استويت بقالي ساعتين مبحلق ف
الورق ومش فاهم اى حاجة
- طب والعمل دلوقت ؟
- انت استدعيت اللي اسمه هنري ده ؟
- لأ لسه ,
- ومستني ايه ؟ خلصنا يا كيبوم يمكن نلاقي
حاجة تساعدنا انا اتخنقت
- خلاص يا سيدي انا هطلب استدعائه حالا , يلا انا
رايح على مكتبي , هتروح ؟
- تقريبا اعتقد اني محتاج ارتاح شوية
- تمام ربنا معانا ( نهض كيبوم مغادراً ) .
***
لمست نور الخاتم الذي يطوق بنصرها ثم همست
بوهنٍ : كان عندى 10
سنين يوم اما بابا جه البيت ومعاه ست لابسة
اسود ومعاها بنت ف نفس عمري وولد اكبر يجي ببتاع 4 سنين
, مش اول مرة اشوفهم لان دول عيلة صاحب بابا
اللي اتقتل اما كان في مأمورية تبع شغله
زي اي ظابط شرطة روحه على كف عفريت ومستعد انه يموت ف اى لحظة واهله كمان
مستعدين انهم يستلمو نعشه , الحاجة الوحيدة اللي بتصبرهم انه مات بطل
عشان بلده تعيش , ده بكل معنى الكلمة كان اغلى بني آدم على
قلب بابا فبعد اما مات قرر انه ياخد باله من عيلته ويربي عياله ,
قعدو معانا ف نفس الشقة بتاع سنه , انا ومروة واللي هى بنت صاحب بابا بقينا
اكتر من اخوات وزي ما انتو عارفين عاملين زي توم وجيري ( ابتسمت ببلاهةٍ وضربت كتف مروة الجالسة بجوراها بكتفها ) وف الحقيقة
كنت بكره اووى ان اخويا كيبوم بقا ليه صاحب اللي هو ليتوك عشان برضو كانو من سن
بعض , انا وكيبوم حاجة تانية ممم ببساطة كنت
بعتبره اختي اصلا وهو بصراحة كان بيعمل قرد وعفريت عشان يرضيني بالرغم من انه ولد
بس كان بيلعب معايا بالعرايس والدباديب بتاعتي , اما كنت بغلط كان ساعات كتير بيخلي بابا
يعاقبه بدالي واما بيتسأل ليه ؟ كان بيقول انا ولد استحمل انما هي لأ ,
طبعا تخيلو ان اخ كدا فجأة تلاقيه بعد عنك مبقاش بيكلمك غير صدفة ,
وكل ده ليه ؟ عشان سي ليتوك بقا صاحبه وبقا بيلعب معاه بالكورة فطبيعي مبقاش بيلعب
معايا بالدباديب , اكيد بعد كل ده كنت بكره ليتوك الولد اللي
اخد اختي مني كره العمي , ( ضحكت بعمق ) بجججد انا كنت طول طفولتي
معتبرة كيبوم بنت , طيب وحنين زى البنات وشعره طويل مفيش فرق
اوى , الموضوع كبر معايا بصراحة كره بمعنى كلمة
كره , لدرجة اني كنت بعمل فيه مقالب رهيبة ,
بحطله بودره عفاريت ف هدومه , بلغوص على كتبه واول كورة جابها من مصروفة
روحت خرمتها من غير ما يعرف, يومها زعل اووى لسه فاكرة شكله لحد دلوقت ,
كنت براقبه عشان اغلس عليه الموضوع بقا ادمان حتى بعد اما الشقة اللي ف وشنا ف نفس
الدور سكانها سابوها وبابا اشتراها ليهم وسكنو فيها بقيت بروح العب مع مروة وادخل
اوضته من غير ما حد يحس و ابوظله كل حاجاته , الحاجة اللي نهت العداء الغريب ده اول يوم
العيد تقريبا كان عنده حوالي 16
سنه , كان هو واخويا في فريق واحد والمفروض بيلعبو
كورة وتحدي وكدا وكان في ناس كتير عالقهوة بيتفرجو عليهم وهما بيلعبو ف الشارع ,
قبلها بيوم كنت دخلت اوضته وطلعت الشوذ الجديد بتاع العيد قطعت منه حته صغيرة
بالسكينة , الظاهر انه ماخدش باله منها فلبسه عادي ولعب
بيه طبعا كلنا بنتفرج وبنشجع وف وسط
الماتش وخلاص كان هيدخل الجون والكل متحمس الشوذ اتفصل من بعضه ف اتنى تحت رجله
وهو بيجري اتكعبل وهوووب وقع على وشه , يوميها وشه اتفتح وللحظ انه وقع على طوبة
كبيرة عورته ف صدره جامد , يوميها عمل خياطة جامدة والدكتور قال ان جرح
صدره هيسيب ندبه مش هتروح خالص , بصراحة استحقرت نفسي اني السبب ان حصله كدا
لأ وكمان يوم العيد كان اسوء عيد في حياتنا , اعترفتله بكل حاجة والغريب انه لا زعق ولا
اتعصب عليا بالعكس ده قالي نفتح صفحة جديدة , وفتحنا صفحة جديدة فعلا وبقا بيهتم بيا
وكتير بنذاكر سوا واتربينا احنا الاربعة كأننا شخص واحد , دخل كلية الشرطة هو وكيبوم عشان يبقو زى
بابا اللي هو مثلهم الأعلى , والكام سنة اللي قعدهم ف كلية الشرطة بعيد
عنى خلوني اعرف اني للاسف وقعت على جدور رقبتي واتنيلت حبيته ,
اهتمامه بيا وبكل تفاصيل حياتي وحنيته وكلامه خلوني اعشقه , الشاب العاقل , الطفل المرح , الراجل المسؤول , الواد ابن البلد اللي جايب من الاخر بالفاظة
البيئة وطريقته وحركاته الصايعة , هو ده ليتوك خلطة كدا ف بعضها محدش يفهمها
ليه مليون شخصية كلهم احلى من بعض بكل حالاته انا بحبه , مع اني مش زي الابطال بتوع السيما جالي من
غياب كااام سنة وركع بالخاتم وتتجوزيني وبحبك وبتاع , لا ده كل اللي عمله اني لقيته جه وقعد مع
بابا بتاع ربع ساعة ولقيت بابا طالع يقولي ليتوك عايز يخطبك , خبط لزق ايووه هي كدا اتخطبنا وبعدها باسبوع
قالي بحبك , ما شاء الله رومانسيته قاتله ممممم وبسسسس يعني لا روميو وجوليت ولا بتاع انتو مكبرين
الحكاية
صفق الجميع على تلك القصة التي راقت لهم
جميعاً .. وبعدها أكملوا باقي نشاطاتهم لهذا اليوم .. من لعبٍ وغناءٍ ومسابقاتٍ
للسباحة بين الشباب والفتيات يُشجعن .. إلى لعب كرة الطائرة والمدرب .. لقد قضوا
يوماً حافلاً بكل المقاييس وبعدها عادوا إلى غرفهم عندما أسدل الليل ستاره .
***
وصلت سيارة هنري حيث قصر العم .. بدون
النطق بأي حرف ترجلت مريم عن السيارة ودلفت لداخل الحديقة التي سرعان ما قام الحاس
بفتح بابها الحديدي على مصرعيه بمجرد رؤيتها .. عبرت الحديقة الضخمة ركضاً وعند
وصولها إلى ردهة القصر الكبير اصطدمت بجسد عمها فعادت بضع خطواتٍ للوراء .. نظر
لها بلهفةٍ : مريم انتي كنتي فين ؟ حرام عليكي يا بنتي كنت هموت من القلق عليكي,
- معلش يا عمي انا اسفة , كنت محتاجة ابعد عن هنا شوية ,
عن اذنك انا تعبانة ومحتاجة ارتاح شوية ,,, ( تحركت بضع خطواتٍ
لتغادر من أمامه فأمسك بمعصمها ) .
- انا حجزتلك تذكرة لفرنسا انتي محتاجة راحة فعلا وتغيير
جو, ( أدمعت عينيها وبدأت شهقاتها تعلو شيئاً فشيء .. من ثَّم ألقت بنفسها بين أحضانه ) .
- مش عارفة من غيرك يا عمي كنت هعمل ايه ؟
ربنا ما يحرمني منك انت الحاجة الوحيدة اللي بقيالي,
ابتعدت عن أحضانه فأزال دموعها بإصبعه
وطبع قُبلة على جبينها .. عبث بشُعيراتها قليلاً ثم طلب منها أن تجهز نفسها جيداً
فطائرتها غداً صباحاً .. أومأت له بدون أي معارضة لقد قررت بالفعل أن تبتعد عن كل
هذا على الأقل كي تفكر من أين ستبدأ .. وكيف ستُقحم نفسها في تلك الحياة التي لا
تمتُ لها بأي صلة .. ركضت نحو غرفتها وقفت أمام مرآتها ونظرت لنفسها في تلك الثياب
.. أمسكت بأطراف شعرها .. كورت يدها وضربت بها بقوةٍ على زجاج المرآة .. تنفست
بسرعةٍ وضغطت على أسنانها .. أغمضت عينيها ثم زفرت أنفاسها وفتحت عينيها مجدداً
لتظهر تلك اللمعة التي تُظهر أنها قررت شيئاً ما .
***
وصل هنري لشقته فوجد آحد عساكر الشرطة
يطرق الباب .. انقبض صدره وهتف : ايوه يا فندم دى شقتي ؟
- انت هنري ؟
- ااه انا ,
اي خدمة ؟
- جايلك استدعاء من المدرية ولازم تروح
حالا ,,,
- ربنا يستر ,,, ( اعلن هنري بينما تبع العسكرى حتى مدرية
القاهرة تحديداً مكتب كيبوم ) .
- هااه يا ابني جبته ؟ ( أعلن كيبوم الجالس
خلف مكتبه ) .
- ااه يا باشا ,
ادخل يا استاذ ,,, ( دلف هنري
للداخل فأغلق العسكري الباب .. نظر هنري لكيبوم بتوترٍ فأشار له كيبوم بالجلوس ) .
- ممم اظن انت عارف انت هنا ليه ؟
- احم ,
تقريبا
- بص يا دكتور انا هدخل ف الموضوع على طول من غير لا لف
ولا دوران , مين اللي قتل هيتشول ؟ والشنطة السودة اللي
عطهالك فيها ايه ؟
- يا فندم وهو انا لو اعرف مين اللي قتله
ايه اللي هيخليني اسكت وهيتشول اعز صاحب عندي ؟ ( بثقةٍ حاول جاهداً تصنعها نطق )
.
- هتتعبني معاك ليه ؟ لا كدا هزعل منك وانا زعلي وحش ,
انت دكتور محترم واعتقد انك مش هتحب تجرب زعلي ولا ايه ؟ ( ضرب على المكتب بيده
بشيء من العنف .. نظر له هنري بتوجسٍ هذا الضابط ليس من
السهل إقناعه .. هذا ما فكر فيه ) .
- يا فندم وانت ليه مفكر اني بضحك على
حضرتك صدقني انا معرفش اي حاجة عن القاتل ,
ومأخدتش من هيتشول حاجة صدقني
نظر له كيبوم بعيونٍ حادة كما الصقر : انت غاوى تجرب البهدلة
صح ؟ اسمعنى كويس انا خلقي ضيق واما اسئل عايز جواب ,
هيتشول قبل ما يموت بيوم جالك بليل وكان معاه شنطة سودا ادهالك الشنطة دي بقا كان فيها ايه ؟ او بالاصح هي فين
؟
- يا باشا صدقني انا مأخدتش منه حاجة
ومعرفش حاجة,
زفر كيبوم أنفاسه بقلة صبرٍ .. وضع ذراعه عمودياً على المكتب وأسند رأسه على راحة
يده : طيب يا هنري نغير السؤال , ايه اللي بيحصل ف المستشفى اللي بتشتغلو
فيها ؟
فكر هنري لبرهة .. يود أن يقدم للشرطة بعض
المساعدة ولكن دون أن يُقحم نفسه كي لا يُنفذ الوالد تهديده الخاص
بمريم .. أطّرق يفكر للحظاتٍ ثم قال : بص يا باشا كل اللي حسيته انا وهيتشول الله
يرحمه ان المستشفى فعلا مش مظبوطة , انا متأكد ان اللي قتل هيتشول ليه علاقة
بالمستشفى كل اللي اعرفه عنها ان اللي
عاملها مش خواجة اجنبي زى ما كل الناس عارفة,
- انت بتقول ايه ؟ عرفت ازاى ؟ طب مين اللي
عملها ؟ ( انتفض كيبوم وكأن حية لدغته ) .
- ده كل اللي هيتشول قالهولي قبل ما يموت , اللي عاملها واحد من رجال الاعمال الكبار الناس دول اللي بنشوفهم ف
التلفزيون بس , الناس كلها تشهدله بالأخلاق بس مين هو
هيتشول ما قلش,
- انت صاحبه الوحيد اكيد قالك اي حاجة عن
الموضوع ده , اي معلومات
يا هنري اي حاجة مهما كانت تافهة من وجهة نظرك قولها برضو اكيد هتفدنا,
- بص يا باشا كل اللي اقدر اقولهولك انكم لو عرفتم هيتشول
اتقتل ازاي هتقدرو توصلو لكل حاجة
أرخى كيبوم جسده على الكرسي وأطرق يفكر يا
تُرى هل ما يقوله هذا الشاب صحيح ؟ وإن كان كذلك فمن رجل الأعمال ذلك ؟ ولمَ لم
يعلن عن نفسه واختبأ خلف شخصٍ أجنبي ؟ إذاً هذا وإن دلّ على شيء فسيكون أنه بالفعل
هذه المشفى لا تجري فيها الأمور كما ينبغى أن تكون .. أين طرف الخيط في تلك القضية
المُعقدة ؟ حسنا تأكد ليَّ الآن أن ذلك الشاب بالفعل لا يعرف المزيد عن الأمر ..
كل ما بيدنا الآن هو البحث مرةً آخرى في شقة هيتشول .. ولكن هذه المرة سأذهب بنفسي
على رأس فرقة التفتيش .. أومأ كيبوم برأسه ثم نهض من جلسته : ماشي يا هنري تقدر
تروح ولو احتجناك هنجيبك تانى ,,, ( أومأ هنري بعد أن تنفس الصعداء فقد ظن أنه
لن يخرج حياً من هذا المكان .. بمجرد مغادرته وضع كيبوم المسدس في
الحزام الذي يُحيط خصره وقرر الذهاب حالاً لشقه هيتشول ) .
***
عاد ليتوك للمنزل ودخل مباشرةً نحو غرفته
.. بدل ثيابه واستلقى على سريره .. لقد ضاق ذرعاً بالعمل وأهواله .. فقرر أن يُلقيّ
بكل ذلك وراء ظهره ويسلم جفونه للنوم .. ما هي إلا ساعةً واحدة واستيقظ على رنين
هاتفه المُتتالي .. فتح عينيه بتكاسلٍ ونظر في شاشة الهاتف فإذا به يتراقص باسم
كيبوم .. أجاب في الحال بعد أن اعتدل في جلسته : هاااه عملت ايه ؟؟ في جديد ؟
أجاب كيبوم بنبرةٍ محبطة وهو يتوجه نحو
شرفة منزل هيتشول الذي أنهى الإشراف على تفتيشه بنفسه ولا جديد : ولا حاجة يا
ليتوك مفيش فايدة شكل القضية هتتأيد ضد
مجهول وتتقفل
أجفل ليتوك بعصبية : أنت بتقول إيه ؟ بعد
كل التعب ده تقولي تتأيد ضد مجهول ؟ القضية دى لو كملت هنوصل لحاجات انا متأكد
انها كوراث ,,,
أسند جسده للشرفة وألقى نظره على الشارع
الذي يعج بالناس في الأسفل : يا ليتوك مفيش ولا دليـ ... ( جحظت عيناه وصرخ ) ليتووك لقيت
الدليييل ,,,
- انت بتقول ايه ؟ ( جحظت عيناه هو الآخر
ودقات قلبه اضطربت ) .
قام كيبوم بفتح " الإسبيكر "
ومن ثَّم نادى على آحد المختصين فآتى مسرعاً .. أشار على قطرات
الدماء تلك العالقة بالواجهة الخارجية من الشرفة .. حيث قد عُلق أمام الشرفة
مباشرةً ذلك المصعد الصغير المكشوف والمستخدم في تنظيف شرفات المباني الضخمة
والراقية .
- أفحصلي الدم ده حالا , وخدلي البصمات اللي على البتاع ده ( أشار على
المصعد ) انا متأكد انكو هتلاقو بصمات,
- كيبوم بصمات ايه ودم ايه ؟ ( أعلن ليتوك
وقلبه ينبض بشدةٍ )
.
ضحك كيبوم بسعادةٍ : من غير ما تحليل الدم
يطلع انا متأكد ان ده دم هيتشول, هيتشول اتقتل بره بيته يا ليتوك واللي قتله كان
اذكي مما نتخيل , حط جثته ف الرافعة اللي بيستخدموها عمال
النضافة عشان ينضفو ازاز العمارة , ودخله الشقة من الشباك بس كل جريمة عمرها ما
تكتمل مهما كان المجرم ذكي , ماخدتش باله ان في نقط دم بسيطة خالص تكاد
تكون مش باينة فضلت على حد الشباك الخشب من بره , وانا متاكد انه ما مسحش بصماته من على
الرافعة, اكيد مجاش ف باله ان في حد اذكى منه ممكن يفهم خطته اللئيمة ,
واكيد نزل بحبل عشان يكون اسرع من الرافعة ومن توترة من ان حد يشوفه وانه المفروض
يهرب بسرعة نسي ينزلها ( تنهد
بسعادةٍ ) شابووه ليه بجد ذكى اووى,
ابتسم ليتوك بسعادةٍ غامرة : با ابني شابووه ليك انت مكنتش اعرف انك ذكي بالطريقة دى وهتعرف تربط
الخيوط ببعضها بسرعة كدا
بزهوٍ
أعلن كيبوم : وحياتك ما حد هيحل القضية دى غيري , كدا بقا ارتاح واستنى نتيجة تحليل الدم
والبصمات على رواقة,
أغلقا الهاتف وعاد كيبوم إلى البيت بنشوة
المنتصر الذي أنجز ما عجز عنه الكثيرون .. وكم كان ميقناً
بأن كل ما توقعه سيكون صحيحاً .. كم هو ذكيٌ حقاً لقد ربط الأحداث ببعضها واستنتج
طرف الخيط بمنتهى السلاسة .
***
صباح اليوم التالي .. وضعت مروة آخر
اللمسات على ملابسها الخاصة .. بينما انتهت نور الجالسة على حافة السرير من عد
أوراق النقود التي أعطاها لها والدها .. دستهم في حقيبتها ونهضت وعلى وجهها أمارات
السعادة : يلااا يا مروتي عشان نلحق اليوم من اوله
- يااا سلام نووور بتدلعني , ده ايه
الرضا ده ؟ لأ كدا ابتدي اتغر
- يلا يا بت بطلي لكاااعة
دفعتها خارج الغرفة وأغلقت الباب .. استئذنتا
من المُعيد المشرف على الرحلة وخرجتا تتجولان في شوراع شرم
الشيخ التي تكاد أن تكون قطعة من اوروبا .. الشوارع لا غبار عليها ولو حتى القليل
والهواء نقيٌ للغاية يكاد يكون مُعطر .. على عكس العاصمة التي تمتلأ معظم شوارعها
بالقمامة والهواء في بعض الأحيان يسبب السُعال القوى من شدة ما هو معبأ بالأتربة .
- انا حاسه اني ماشية ف اوروبا ,,, ( أعلنت
مروة بدهشةٍ ) .
- انا بفكر اجيب عشة وابات هنا ( أعلنت نور
بإبتسامةٍ بلهاءٍ ) .
أكملتا السير حتى صادفتا سيارة أجرة ..
أوقفتاها وطلبتا من السائق أن يوصلهما لأحد المراكز التجارية الضخمة .. وهكذا
بدأتا جولتهما الأولى في التسوق أمضت الفتاتان وقتاً طويلاً ابتاعت كل واحدة ما
شاءت من الملابس .. وغادرتا لإكمال هذا اليوم .. وهما في طريقهما وصلتا إلى منطقةٍ
شعبية إلى حدٍ ما .. تعجبتا هل توجد مثل هذه الأمكان هنا؟ كلا وليس هذا فقط بل
أيضاً حافلةٌ شعبية تضُج بالركاب كما في شوارع القاهرة تماماً .
- ايه ده ميكروباظ ؟ احنا توهنا وخرجنا من
شرم ولا ايه ؟؟ ( أعلنت نور بدهشةٍ ) .
- ميكروباظ ؟ وده ايه إلى بوظه ؟ لا دى شرم
لسه بس الاماكن بنت الناس اللي شفناها دي بعيد عنك للناس اللي جايه تسيح عندنا
- اااه تسيييح ,
الخوجات يعني ؟ اما الواحد طلع جاهل بشكل انا اخري اروح اسكندرية ابلبط عالشط!
- بطلي لكلك وتعالي نركب الميكروباص ده قبل
ما يتحرك خليه يطلعنا من هنا عشان منتوهش اكتر من كدا,
صعدتا الحافلة لتجداها تضُج بالركاب ..
حاولتا البحث عن مقعدٍ فارغ لتجلسا عليه فلم تجدا .. قررتا أن تقفا مُمسكتين بيد
بعضهما .. لم تمر خمس دقائق حتى سمعتا صوت شابٍ بالقرب منهما يهمس لهما .. نظرتا
له بتعجبٍ .
ـ ايه الجمال
ده كله ؟ موزتين ف وقت واحد ,, ( همس الشاب
بنظراتٍ منحرفة يكاد يبتلع بها الفتاتان ) .
ـ لو سمحت إلى حضرتك بتعمله ده عيب اوي ,,, ( أعلنت نور
بصرامةٍ ) .
ـ
بس يا بنتي انتي اسكتي
ـ اسكت ليه؟ منتيش سمعاه؟
ـ لا اتعاركي معاه وافضحينا! تعالي نروح
مكان تاني من سكات وبلاش مشاكل
أمسكت بيدها وقامت بسحبها بصعوبةٍ من وسط
الحشود الموجودة في الحافلة .. وبمجرد وقوفهما في مكانٍ بعيد عن هذا الشاب إلى
حدٍ ما .. اصطدم رجلٌ بنور ويبدو أنه عن قصدٍ مما جعلها تتحرك بضع خطواتٍ للأمام
كادت أن تقع على إثرها .
ـ مش تفتح يا
حيووان ,, ( أعلنت نور
بسخط ) .
ـ نعم ,,, ( نطقها
الرجل مع رفع حاجبه الأيمن ) .
شعرت مروة أن
هذا اليوم لن يمُر على ما يرام أبداً .. فأمسكت بيد نور مجدداً وهتفت : معلش يا
أستاذ حقك عليا أنا , ( همست من بين أسنانها ) يلا يا نور,
ما كادتا
تبتعدان عن الرجل .. حتي تركت نور يد مروة وأدارت جسدها نحو الرجل وهى تتحدث بغضبٍ
: لااااا مش انا اللي اتقلب , الراجل الحرامي ده سرق محفظتي ( صرخت )
حررررامي,
ما هي إلا
ثوانٍ من تلفُظ نور بتلك الكلمة .. حتى بدأ الركاب في الشجار مع بعضهم .. وفي غضون
ثوانٍ وجدت الفتاتان نفسهما مُلقتان خارج الحافلة .
ـ اهــــــئ
هعمل ايه دلوقت محفظتي اتسرقت, ( تصنعت نور
البكاء ) .
ـ هي فيها فلوس
كتير ؟ ( سألت مروة وهي تربت على كتفها لتُهدأ من روعها ) .
ـ اه طبعا! الفلوس اللي بابا عطهالي
ـ اوووه طب
وبعدين هنعمل ايه دلوقت ؟ ( وضعت يديها على خصرها وهي تتفحص المنطقة التي توجدان
بها الآن .. فإذا بها ترى مبنى ضخم كُتب عليه " مدرية آمن شرم الشيخ "
لمعت عينيها بسعادةٍ ) خلااااص اتحلت الحمددد لله ادينا قدام المدرية اهي ,
تعالي نروحو وهما يشوفولنا الموضوع ده ايه
ـ هوف يا ساتر
الحمد لله فعلا , واهو بالمرة
نعرف من اي عسكري نرجع الفندق ازاى
توجهتا بالفعل إلى المبنى .. وفي أثناء
سيرهما للداخل وجدتا مكتب آحد الضُباط مفتوحٌ بعض الشيء .. ويظهر منه وجه الضابط
وهو مُرتخي بجسده على كرسيه مغمض العين .. نائم كالملائكة وجهه وشيم يضاهي القمر
.. توقفت مروة عن السير للحظة وحدقت به لا شعورياً
انتبهت نور لوقوفها المفاجيء : مروة وقفتي
ليه ؟ ( لم ترد عليها .. حركت كتفيها بتعجبٍ ونظرت حيثُ صوبت مروة نظرها .. فابتسمت
بخبثٍ ) امممم حلـوو الصراحة
ـ هـ هو مين ده
اللي حلو ؟ ( أفاقت مروة من شرودها .. وتلعثمت في حديثها وهي تنظر لنور بإحراجٍ
تام ) .
ـ انتو واقفين
عندكم بتعملو ايه قدام مكتب الباشا ؟؟ اوعاكي يا بت انتي وهي تكونو معاكم سلاح
وهتقتلو الباشا ( وضع آحد العساكر ضخام البنية يديه على كتفيهما متحدثاً بلكنة
صعيدية ) .
ـ لا لا حضرتك
سلاح ايه؟ ونقتل مين بس! احنا مواطنين عاديين جدا والله وبنحب الحكومة والشرطة
وحاجة حلوة خالص! ( ابتلعت نور غصتها بصعوبة حالما انتهت من جملتها )
ـ انتم شكلكم هتتعبونى , امال وقفين عند مكتب
الباشا بتعملو ايه ؟؟ ( أعلن العسكري بعدم تصديق ) .
ـ كنا بنعمل جولة في المكان ,,
( أعلنت مروة بشيء من السخافة الغير مُتقبلة في موقفٍ كهذا ) .
ـ جولة يا روح امك
طالعة رحلة ؟ ( همست نور من بين أسنانها ) .
ـ وكمان بتستظرفو , طب يلا يا حلوة منك
ليها شكلكم هتشرفو فى التخشيبة النهاردة
( أعلن
العسكري بعصبيةٍ ) .
ـ لأأأأ انا
ارفض! ثم انت مين اصلا وبصفتك ايه تدخلنا التخشيبة؟ اسمع يا ششيء انت ايا تكن ,
احنا نعرف القانون كويس ومش من حقك تاخد قرار زي ده لوحدك ( هتفت مروة بعصبية وقد
مدت إصبعها في وجه العسكري بتهديد )
-
لاء استعين بصديق ,تتشلي يا مروة ( همست نور بغضبٍ لمروة التي تتلفظ
بعبارتٍ لا تعرف مؤداها ) .
ـ اما انك بت مش محترمة صحيح , انا هدخلكم التخشيبة
مع القتلة والمجرمين ,
لاني لما اشوف حد واشتبه فيه طبقا للقانون الجديد اخده من قفاه
وارميه فى الحبس , امشى قدامي يا بت يا
بايظة منك ليها
ـ بايظة فى عينك , شاويش مش محترم صحيح ( أعلنت نور بعصبية على ما تفوه به ) .
ـ ركبلنا حجارة
يمكن نشتغل ( بتهكمٍ نطقتها ) , انت متعرفش انا اخت مين ده انت ليلتك سودة , ثم ازاى ناس زيك تشتغل فى مدرية
محترمة زى دى ؟؟ ( رمقته مروة بنظراتٍ نارية ) .
أمسك العسكري بهما بشيء من العنف .. وآخذ
يدفعهما أمامه كي يزُج بهما في السجن كما أخبرهما .. والفتاتان تحاولان الإفلات
منه .. وعلى صوت هذا الضجيج كان الضابط الذي حدثت هذه المُشكلة بسببه قد نهض من
فوق كرسيه وغادر مكتبه قادماً ناحيتهم .
- ايه يا شاويش ؟ واقف عندك بتعمل ايه انت والبنات دول ؟؟ ( أعلن
دونغهي " الضابط " بتعجبٍ ) .
ـ يا باشا لقيت البنات دول واقفين قدام
مكتبك , وشكلهم كانو ناويين يعملو حاجة , ولما جيت سألتهم
واقفين عندكم بتعملو ايه ؟ بجحو فيا ومكانوش محترمين خالص
- لا لا خالص يا فندم حضرتك , الموضوع مش كدا والله
العظيم ( هتفت نور سريعاً ) .
- طيب يا آنسة , ايه الى حصل ؟؟ (
أعلن دونغهي بابتسامةٍ رقيقة ) .
ـ بص حضرتك احنا كنا فى الباص واتسرقت
مني محفظتي وكان فيها حاجات مهمة ف جينا هناعشان نشوف الموضوع , ونقدم بلاغ وكدا
-
آسف جدا على سوء التفاهم اللي حصل ده , انا الرائد دونغهى , ( مد يده يصافح نور ..
صافحته مع ابتسامةٍ خجلة .. وعندما مدها لمروة لم تستجب له فعلى ما يبدو أنها لم
تنتبه ليده المُمتدة أو لحديثه بسبب تحديقها في وجهه .. تنحنح دونغهي بابتسامةٍ صغيرة .. فضغطت نور على قدمها بعنف ٍ .. استفاقت
من شرودها ومدت يدها سريعاً وأخفضت وجهها خجلاً مما فعلته .. ولكنه خارجٌ عن
إرادتها ما هذا الذي يدغدغها من الداخل يا ترى ؟ هكذا تساءلت .. تحدث دونغهي
مجدداً ) اتفضلو على مكتبي وانا هخلصلكم الموضوع ده
دلفوا لمكتبه وطلب من نور أن تصف له شكل
الرجل الذي سرق المحفظة قدرما تستطيع .. وبعد أن انتهت أجرى اتصالاً سريعاً :
بقولك! الواد اللي جبتوه امبارح بتاع سرقة المحافظ من المواصلات ده هاتهولي!
وما هي إلا عشرُ دقائقٍ مضت إلا وسمعتا صوت طرقٍ
على باب المكتب .
ـ ادخل
دخل أحد
العساكر وهو ممسكٌ بالرجل الذي سرق المحفظة بالفعل .. ما أن رأته نور حتى نهضت
بسرعةٍ وأمسكت بملابسه : هووو ده الحرامي , ده انا هوديك في داهية
ـ اهددي يا آنسة
( أعلن دونغهي بعد أن أبعدها عن الرجل .. ثم نظر له باحتقارٍ ) فين محفظة الهانم
ياض ؟؟
- يا باشا انا معرفهمش اصلا
- شكلك مش هتجبها لبر يا روح امك ( ضغط دونغهي على أسنانه وأمسك
الرجل من ملابسه بعنفٍ ) .
- بلاش سيرة امي يا باشا
- بص بئا انت كدا كدا هطلع المحفظة فأحسنلك هاتها بالادب بدل ما انت
عارف انا ممكن اعمل ايه
- هتعمل ايه يعني يا بيه ( بتهكمٍ نطقها ) .
لم يلبث أن تفوه بها .. حتى وجه له العسكري
ضربة مُبرحة من قدمه تجاه بطنه : اتكلم مع
الباشا عدل
في غضون ثوانٍ كان الرجل قد أخرج المحفظة
ومد يده بها إلى دونغهي .. الذي آخذها منه بعنفٍ وهو ينظر له بإستحقارٍ ثم آخذه
العسكري وغادرا المكتب .
ـ لو سمحت , ممكن سؤال ؟
( هتفت نور ) .
ـ اتفضلي يا
آنسة
ـ هو الراجل ده ايه الى هيحصله ؟
ـ هنعمله حفله ترحيب طبعا ( بسخرية نطقها ).
- هو انتو بترحبو
بالمساجين بدل ماتعاقبوهم ؟؟
ـ انتي باين عليكي طيبة اوى يا آنسة , حفلة الترحيب بتاعتنا
احنا من نوع خاص
وأخيراً تلفظت مروة ببعض الكلمات بعد رحلة
سفرها الطويلة في ملامح دونغهي التي وعلى ما يبدو سحرتها لتظل محدقةً به كل هذا
الوقت : ودى بتكون ازاى دى ؟
ـ معلش انتو بنات , مينفعش اقولكم حاجة زى دى
ـ الف شكر يا فندم,
طيب يا مروة يلا بينا عشان منعطلش الباشا أكتر من كدا ( أعلنت نور بعد أن نهضت وأمسكت بيد مروة
) .
ودعهم دونغهي بابتسامة عذبة .. وبمجرد أن التفتا
لتغادرا رمق دونغهي مروة بنظرةٍ غريبة من أغمص قدميها حتى أعلى جبهتها .. وشبح ابتسامةٍ
غريبة زينت محياه .
ـ *.* ـ *.* ـ *.* ـ*.* ـ
مقطتفات
من الفصل القادم :
- يالهوي يا ليتوك ايه اللي بتعمله ده ؟ افرض حد
دخل علىنا يقول ايه
ـ ليتوك هو ايه اكتر لون
مروة بتحبه ؟؟
- ياااا رب الرحمة عشان مرتكبش
جناية عالليل ,,,
ـ مروة اسمى مروة ,,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق