الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

فراق مستحب_ Ỡหe Ṧhỡţ


.. فراقٌ مُستحب ..


بقلم الكاتبة :
NoorOsama



إنهُ ذلك الظلام الذي دائماً يرافق القلوب المتألمة !! .. ولا يضيفُ عليها سوى الحزن والكآبة .. وكما جرتْ العادة في هذا البيت .. وتحديداً تلك الردهة الفارهة التي تتوسط الدور السُفليّ لهذه الشُقة الواسعـة ذات الأثاث الفخم .. والشكل الكلاسيكي الحديث .. الذي تطفو عليه اللمساتُ الأنثوية الراقية !!.. وعلى تلك الطاولة المستديرة يوجدُ ثلاثُ شمعاتٍ متقدة .. لترسلَّ ضوءاً خافت يتسللُ على هيئة خيوطٍ تُنير القليل فقط !! ..


وعلى تلك الأريكة تجلسُ فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها بينما تُمسك بإحدى يديها كأس نبيذٍ مُعتق .. وبالآخرى تُمسك تلك المجلة الإخبارية اليومية .. ودموعها قد شقت نهرين على وجنتيها .. وهى ترى صورةً لرجلٍ يبدو في السابعة والعشرين من عمره .. ويرتدي ثياب الأطباء وبجانبه فتاة بملابس ممرضة وتبدو وكأنها ملتصقةٌ به والأثنان قد رُسم على ثغرهما ضحكةٌ واسعة !! ..


 وقد كُتب عنوانٌ لهذه الصورة (( للمرة الرابعـة ينجحُ الطبيبُ الُمخضرم في إجراء جراحة خطرة لمريضٍ وينقذُ حياته من الموت المُحتم )) بدأت تُطلق ضحكاتها الهستيرية .. بينما ألقت المجلة أرضاً وأخذت تدهسها بقدمها بغضبٍ جَم !!.. ثم أشعلت سيجاراً وبدأت تُدخنها بغلٍ .. وهى تشربُ معها ذلك النبيذ الأحمر .. وتطلق دُخان السيجار من فمها بألمٍ وكأنها تحاول إخراج ما في قلبها من وجعٍ !!...


بحركةٍ غاضبة ألقت كأس النبيذ أرضاً ليرطدم بالأرض وينكسر .. وتتبعثر قطعةُ أرضاً !!.. ثم صرخت بصوتٍ باكيّ : إلى الجحيم أيتها الحقيرة .. أتمنىّ أن تموتِ شر ميتهٍ .. وقبلها تتعذبين إلى آبد الآبدين !!.. ( همست بتألمٍ ) وأنتَ أهذا هو الشكرُ الذي تقدمهُ لىّ ؟! .. أنا فقط وحدي أتألم وأنتَ تعيشُ حياتك ولا أفضل .. وتحققُ إنجازاتٍ عظيمةٍ يتحدثُ الكل عنها .. لتصبح نجماً لامعاً في مجالك .. أما أنا فلا شئ يُذكر !!..


شعرت بألمٍ قوي بدأ يتسربُ فجأةً إلى جسدها .. فنظرت إلى بطنها المنتفخة بحسرةٍ .. ثم إلتقطتْ كأساً آخر وبدأت في تناوله .. وكلما أنهتهُ تناولت غيره .. حتى فقدت وعيها تماماً مما أدى إلى سقوط السيجار المشتعله بيدها أرضاً !! .. وبعد مرور حواليّ نصفُ ساعةٍ بدأ البابُ يُصدر صوتاً وكأن آحداً يحاول فتحه .. ثم دلف ذلك الرجلُ الذي كانت صورته في المجلة إلى الداخل !!.. أضاء الأنوار المطفئة كلها .. ليُصدم بها في هذه الحالة .. نائمة وحولها العشرات من زجاجاتِ النبيذ .. إقترب منها والغضب يعتريه !!.. بينما زاد غضبهُ أضعافاً عندما وجدها نائمة بوضعيه خاطئة تؤثرُ سلباً على الطفل الذي ينمو بأحشائها .. ولفت إنتباهه صورته التي تحت قدمها  !!...


ركل الزجاجات بقدمه .. وبغضبٍ بالغ أمسك بذراعها لتستيقظ فزعةً ومن ثَّم نظرت له بسخريةٍ ولم تحرك ساكناً .. فأوقفها غصباً وصرخ بها بشدةٍ : هل جُننتِ ؟! كيف تنامين بهذه الطريقة ؟؟ وكيف لكِ أن تتناولِ كل هذا القدر من النبيذ ؟! ( أشار على الزجاجات الفارغة أرضاً ) ألا تملكين ذرةً واحدة من المسؤلية ؟؟! هل تودين قتل الطفل الذي بداخلكِ ؟!.. آآآهٍ يا قلبي أنتِ تُفقديني أعصابي .. كم مرةً أخبرتكِ بعدم تناول هذا الشئ ؟؟ هل تودين أن تدمنيه مجدداً .. هل تودين أن تموتِ ؟؟!! لماذا " إيون هي " بحق الله لمــــاذا ؟!


أنزلت إيون هي يديه بقسوةٍ .. ونظرت له وهي تصرُ على أسنانها .. ثم أشارت على المجلة بالأرض : لمــــاذا ؟؟ أتسألُ لماذا ؟؟ حقاً لا تعلم ؟؟ هل تود مني أن أري صورك كل يومٍ مع هذه العاهرة في المجلات وأخبار التلفاز .. وأتقبل الأمر بصدرٍ رحب ؟!


بحركةٍ فجائيةٍ إنهال جونغ سوك بيده على وجهها صافعاً إياها بقوةٍ .. نظرت لهُ بصدمةٍ غيرُ مصدقه ودموعها التي لمعت في عينيها قد إنزلقت .. لتعبر عن مدىَّ الألم الذي خالجها وقتئذٍ .. بينما نطق هو قائلاً : إيون هي كفاكِ حماقةً .. كيف لكِ أن تصفِ إمرآة شريفة بتلك الكلمة ؟؟ أنا لا أعرف ماذا حدث لكِ .. لقد جُننتِ بالفعل !! .. أنتِ فقط جعلتِ حياتي جحيماً بل أسوء !! .. لقد بتُ أكره القدوم إلى هذا المنزل !!..


نظرت له بحسرةٍ وهى واضعةٌ يديها مكان الصفعة .. ثم قهقهت بطريقة جنونية .. نظر لها بتعجبٍ من ردة فعلها العجيبةِ تلك .. فوضعت يديها على قلبها ناطقةً بصوتٍ يملؤه الحسرة : أنا مــاذا ؟؟ أنا منَّ ؟؟ بحق الله منَّ أنا ؟؟ ( أشارت على نفسها ) هل أنا إيون هي " معبودةُ الجماهير " النجمة العالمية ؟؟ التي مثلت أكثر من 30 فيلماً منذُ عمر السادسة عشر .. ولم أتنازل ولو لمرةٍ واحدة عن دور البطولة فيه !! .. أم المغنية الشهيرة التي عشق صوتها الملايين ؟! أم راقصة البالية الأولىّ دولياً ؟! أم عارضةُ الأزياء الشهيرة ؟! أم مقدمةُ البرامج المخضرمة ؟!  ( بكتّ بقوةٍ وهى تضربُ على قلبها )  أم الحمقاء التي ضحت بكل هذا لأجلك ؟!! أنا إيون هي معبودة الجماهير وحلمُ كل الرجال بكوريا وخارجها .. ضحيتُ بالمجد والرفعة !!.. ضحيتُ بالشهرة والأضواء .. تركتُ إنجازاتي خلف ظهري .. تركتُ أحلامي فقط لأجلك .. جمعتُ كل ما حققته خلال كل تلك الأعوام ووضعتها في كتابٍ سميته بلا عنوانٍ وألقيته في اليَّم .. لكيَّ أكون لك وحدك !! .. عشقتك حد الجنون .. تلخص العالم كله في شخصك !!.. رأيتُ فيك رجال العالم أجمع .. فأقسم قلبي على أن تكون أنت الوحيد المتربع على عرشه للآبد !!.. تلخصت كل حروف الأبجدية فقط في حروف إسمك .. فلم أعد أرى سواك ولا أسمع غيرك .. أصبحت أنت أكسجيني الذي أعيش عليه .. فلم يكن لدىّ مانعٌ في أن ألقي بكل شيئٍ وراء ظهري فقط لأكون بجانبك .. لم أفكر لبرهة وأنا أودع جماهيري العريضة التي كنتُ ملكاً لها على مدار أعوامٍ وأعوام !!.. فقط لأكون ملكاً لك وحدك .. عُشت لك ولأجلك .. جعلتُ أصابعي العشرة شموعاً لترضى !!.. لطالما كنتُ حزينة ومتعبة ولم أظهر لك لكي لا أجعلك حزيناً معي .. شاركتك أحزانك وساعدتك على تخطي الأزمات .. أنا فقط وهبتُ حياتي لك .. ولم أطلب منك سوا أن تبقي معيَّ ولي ( أزالت دموعها بعنفٍ ) وأنت لم تراعي هذا حتى .. ولم تقدره إعتبرت أن مشاعري تفاهة .. جعلت نفسك قاضٍ وحكمة بأنه لا حق ليّ بأن تصبح ملكي أنت أيضاً .. أصدرت حكمك بأنه لا حق لي بالغيرة عليك .. لم تُقدر ماذا فعلت وبماذا ضحيت لأكون بجانبك .. أنا ضحيت بجميع أحلامي هل تفهم ؟؟ أنا ضحيت بعملٍ شاق طوال سنواتٍ إنجلت .. وأنت تكافؤني بأنك كل ليلةٍ تأتيني بعد سهرةٍ طويلةٍ معها .. ودائماً هى معك في كل نجاحاتك .. دائماً في كل البرامج عندما يتم سؤالك عن سبب نجاحك الباهر كطبيبٍ .. بمنتهى القسوة تنطق شفاهك " لأنني أملكُ مساعدةٌ ماهرة كالآنسه كارولين " ولكن أين أنا من كل هذا ؟؟ أليس من الأولى أن تقول" لأنني أملكُ زوجة رائعة كـ إيون هي " ؟؟! .. لكن أتعلمُ إلاما وصلت ؟؟ إلى أنني لستُ سوا حمقاء أحبتك حد الجنون .. حد الولع .. حتى
 أصبحت متيمةً بكَّ !!..



وضعتْ يديها على فمها .. علّها تستطيع كتم شهقات بكائها !!.. هذا الآلم الذي يعتصرها من الداخل أصبحت غيرُ قادرةٍ على تحمله .. باتتْ غير قادرةٍ على تصديق الحالة التي آلت إليها !! .. أما جونغ سوك وقف مصعوقاً من كلامها الذي أسقطته فوق رأسه .. لقد وجهت له صفعةً قوية بحديثها هذا .. كيف لـ إيون هي المرأة التي لخصت مجرى حياتها لأجله .. فأصبحت بهذا أروع مثالٍ للعطاء بدون آخذٍ أو إنتظار مقابل أن تتفوه بمثل هكذا كلماتٍ .. إلى أي مدىًّ من الآلم وصلت له ؟!


وقف جونغ سوك مثبتاً نظره عليها .. يراقب بكائها الحاد وإرتعاد أوصالها .. أليس من الأفضل أن يضمها إليه ويهدأها بين أحضانه التي أدمنتها .. ولكن كبريائه و تلك الأنانية التي لم يتخلى عنها بعد منعته .. فلم يجد أمامه سوا تلك الكلمات التي وقفت بحلقه كالغصه .. وعندما أخرجها ألقاها سهاماً نحو قلبها : أنـ أنا سأرحل إيون !!..


أدار جسده ببطئٍ ليغادر .. فإذا بها تسقط أرضاً من هول الصدمة .. أهذا هو رده ؟! .. تمسكت بقدمه وهى تحاول إبتلاع غصتها .. تنظر له بعيون ذابله أنهكها النحيب .. وبيدٍ مرتعشه تتمسك به بقوة !!.. وقلبها يرتعد بين ضلوعها خشية رحيله !!.. تلك الكلمة التي تهزُ كيانها كلما تخيلته يقولها .. فماذا حَّل بها وقد نطقها !!..


 ذابت الكلمات على شفتيها .. تود أن تتخلى عن آخر ذرة كبرياءٍ لديها كأنثى فقط ليبقى !! .. ولكن ها هو يحاول التحرر منها ليغادر قبل أن يغلبه شعوره تجاهها .. كيف يهدر كرامته ؟! .. وقتها فقط لم ولن تستطيع أقلامٌ مهما حاولت وصف حالتها البائسة .. تركته ! أنزلت يديها المرتعشة .. أرخْت أعصابها المشدودة .. وطأطأت رأسها بصوت محشرجٍ قالت : أكرهك .. لا أود أن أراك لا تعود مرةً آخري .. لا أريد أي شئٍ منك لن أتحمل المشقة لأجلك ثانيةً .. إذهب أنت وطفلك للجحيم لا أود شيئاً منك بداخلي  !!...



لو كان جبل ثلجٍ لذاب .. ولكنه بمنتهى برود الأعصاب وتبلد المشاعر توجه ناحيه الباب وغادر .. بمجرد أن أغلقه أمسكت إيون بزجاجةٍ فارغة وألقتها بمنتهى الغضب نحو الباب لترطدم به وتسقط متحطمةً كما قلبها المسكين !! .. صرخت بأعلى صوتها .. صرخت وهى تضرب على قلبها بقوةٍ .. هذا القلب الذي أهدر كرامتها بالكامل .. هذا القلب الذي حطم كل ما تملك .. هذا القلب الذي وبالرغم من ما قالته له إلا أنه مازال ينبضُ عشقاً له !!..


حاولت النهوض بصعوبةٍ .. ثم تمسكت بجدار الدرج لتستند عليه وهى تصعدُه لأعلى .. فتحت باب غرفتها وجلست على سريرها .. وكأنها كالإنسان الآلي .. وتركت العِنان لدموعها لتنزلق بحريةٍ تامة ساقطةً على شفتيها الجافتين .. ثم إرتسمت على محياها إبتسامةٌ واسعة عندما شعرت بحركة طفلها بداخلها !!.. وسرعان ما أزالتها ؛ لقد إعتادت على رسم إبتسامةٍ مزيفة كلما تألمت حتى لا يشعر دونغهي بهذا ويقلق عليها .. وها هى إبسامتها قد رسمت لا إرادياً رغم كل ما حدث !!..


 نهضت من فوق سريرها وتناولت ذلك الإطار الذي عُلق على الحائط .. ثم فتحت أحد الأدراج وأخرجت منه ألبوماً للصور .. وجلست على سريرها مجدداً وكأنها قد قررت أن تعيش برفقه ذكرياتها تلك لمدة هذه الليلة فقط .. قبل أن تمحو كل آثرٍ لها من حياتها .. وهذا ما قررته بالفعل !!..



أما سوك فقد إستقل سيارته .. إلى وجهةٍ مجهولةٍ يقود وهو لا يشعر بتاتاً بأي شئٍ حوله .. فقط تتردد على مسامعه تلك الكلمات التي ألقتها عليه !!.. أهذا هو أخيراً الوقت المناسب لمراجعه حساباته .. هل حان الوقت الآن ليفكر بها ولو قليلاً .. أن تشغل باله قليلاً بعد .. أن يضحي لأجلها بنقطة كرامةٍ واحدة .. هل يعود الآن ويضمها لأحضانه .. ويقربها من قلبه لتسمع نبضه .. أن يردد على مسامعها كلمة " أحبكِ " التي حُرمتْ من سماعها منذُ وقتٍ طويل !!.. هل يتخلى عن أنانيتة قليلاً ويشكرها على ما ضحت به لأجله .. نعم يحبها بل يعشقها حد الجنون .. ولكنه يحب كبريائه وكرامته أكثر .. تأتي نفسه أولاً ثم هى .. نفض تلك الأفكار عن رأسه لقد قرر أن يحافظ على كبريائه حتى النهاية .. حتى ولو علي حساب قلبه !! .. هذا هو لي جونغ سوك وسيبقي هكذا !!..

لم يشعر بشئٍ سوي أنه بات أمام منزل صديقه " وو بين " ترجل عن سيارته ببطئٍ وملامحُ وجهه مكفهره وقف أمام الباب ثم بدأ يدق الجرس بطريقةٍ عشوائيه تدل على أنه غاضبٌ كثيراً .. كان ووبين جالساً أمام التلفاز .. يتابع آحد البرامج الكوميدية .. بينما يتناول الفُشار ويطلقُ قهقهاتٍ مرتفعة وعندما وصل لآذنه طرقُ الباب بهكذا طريقة .. هرع نحو الباب وبمجرد فتحه له .. وجد جونغ سوك أمامه مربعاً يديه إلى صدره .. عاقداً ما بين حاجبيه ويزفرُ بقوةٍ .. فنظر له بشكٍ قائلاً : هيـــه ما بكَّ يا رجل ؟؟ لمَ تبدو معالمك مخيفةً هكذا ؟!..




أبعدهُ جونغ سوك بيديه .. ثم دلف للداخل وعندما وجد التلفاز مشغلاً بصوتٍ مرتفع .. أغلقه بعصبيةٍ بالغة .. ثم ألقى بجسده على الأريكة .. بعد أن إبتلع ووبين صدمته من تصرف صديقة الغريب .. أغلق الباب ثم جلس مقابله على إحدى الأرائك .. وبعيونٍ متسائله قال : هل حدث شئٌ ما في عملك ؟؟ هل تشاجرت مع آحد الأطباء ؟؟ ماذا حدث هيا تحدث ؟؟ ( زفر جونغ سوك بقوةٍ .. ثم أغلق عيناه وربع يديه إلى صدره وتثائب إستعداداً للنوم .. نغزهُ ووبين في كتفه بغضبٍ طفولي ) لمَ تجاهلت أسئلتي أيها الأحمق ؟؟ لمَ لا تُجيب هــاه ؟؟ هل أكلت الهرةُ لسانك ؟؟


تنهد جونغ سوك بمللٍ شديد قائلاً : سأنام في بيتك اليوم ووبين .. وأنا أحتاجُ للهدوء كي أنام .. فهل يمكنك أن تصمت وحسب ؟؟


أسدل وو بين شفتيه لأسفل بطفولية .. وكاد أن يبتعد عنه ولكنه يعرف أنه ليس من السهل أن يعكر أمرٌ ما مزاج صديق طفولته .. وصديق عمله أيضاً أي شئٍ سوا أن يكون أمرٌ خطير .. فظل يسأله عن السبب حتى إعتدل جونغ سوك في جلسته .. ونظر له بضيقٍ قائلاً : أعتقد بأنني وإيون سننفصل !!..



سقط فم وو بين من شدةِ الصدمة التي شعر بها وقتئذٍ حتى أنه ظل محملقاً به لخمسِ دقائقٍ دون النطق ببنتِ شفا .. ثم تمالك نفسه وبهدوءٍ قال : من الأفضل لك أن تخبرني بكل شئٍ حالاً !!..


تنهد سوك بعمقٍ .. وقد شعر بالآلم يتسرب لفؤاده رويداً رويداً .. وما هى إلا هنياتٌ بسيطة بعدها قص على وو بين ما حدث .. ولأول مرةٍ دموعه قد لمعت في عيناه .. بينما سقطت على خديه وقلبه ينبضُ بقوةٍ .. ويشعر وكأن روحه تُسلب منه ببطئٍ شديد !!..




أما عند المسكينةِ إيون التي بدأت تتجول بين طيات ذكرياتها المحفوظه بهذا الألبوم .. وكانت أول صورةٍ تقعُ عيناها عليها .. لفتاةٍ في السادسة عشر تُمسك بشهادة تقديرٍ  ......



" يون إيون هي " الفتاة صاحبه الستة عشر عاماً .. تقفُ على خشبه المسرح وسط تصفيق الجماهير وهى تُمنح شهادة تقديرٍ على موهبتها العالية في مجال التمثيل !!.. حيثُ مثلت لأول مرةٍ في حياتها أمام شاشة كاميرا .. وشاهدها الملايين في بلدها كوريا .. والشرف الأعظم أنها حصلت على دور البطولة في أول تجربةٍ لها .. وقد أثبتت جدارتها !! ..


لطالما أحبت إيون منذُ صغرها التمثيل .. كما أنها ملكت قلوب كل من يستمع لصوتها العذب .. الذي يشدو بأروع الأغاني .. وإشتركت في الكثير من المسرحيات المدرسية .. وكانت تلفت إنتباه كل الحضور .. بتمثيلها المقتن وصوتها الرائع .. حتى هذا اليوم الذي أقامت مدرستها حفلاً ضخماً .. وأقيم إستعراضٌ مسرحي لمسرحيةٍ موسيقية لأحد أكبر مشاهير الكتاب .. حيث مثلت فيها للمرة الأولي إيون دور البطولة .. وقد حضر هذه الحفلة عددٌ كبير من مكتشفي المواهب .. وبالإضافه لكاتب المسرحية المشهور بنفسه .. قد برعت إيون في أداء دورها .. وأذهلت الكل ولعبت الدور كما أراد الكاتب تماماً .. مما أذهله كثيراً وبعد إنتهاء الحفل طلب من مدير مدرستها أن يقابلها شخصياً !!..


 كم كانت فرحتها وقتما عرفت منه أنه يود أن يدخلها مجال الفن السينمائي .. وستحصلُ على دورٍ رائع في أحد الأفلام التي يكتب قصتها .. وبموافقه والديها حصلت على أحد الأدوار الفرعية .. ولكن لعشقها للتمثيل ولكونها فتاة حالمة بالمجد والشهرة .. حفظت دور البطلة أيضاً وبرعت في تمثيله .. فكم تمنت أن تمثل دوراً كهذا !!.. وعندما حان وقت تصوير الفيلم إختلفت البطلة الأساسية مع المخرج والمنتج في بعض الأمور المالية .. ولطمعها الشديد وحبها للمال .. بيتت أمرها بأنها ستأخر التصوير ولن تحضر وبعدها ترفض الدور !!.. حتى تنقضي المهلة المخصصة للتصوير ويضطروا غصباً بالموافقة على شروطها المالية .. وهذا ما حدث !!..


 ولكن إيون بشجاعةٍ غريبةٍ منها وقفت أمام الجميع وطلبت منهم أن تمثل هى الدور .. ولن تحصل على أجرٍ .. نعم مخاطرة صعبة للغاية .. ولكن الكاتب طلب أن يمنحوها ما طلبت على مسؤليته الخاصة .. وبهذا حصلت إيون على الدور ويالا شدة ما أبدعت .. لقد أقسم الجميع بأن الدور لن يكون بهذه الروعة لو مثلته أفضل ممثلة في العالم وليس كوريا فقط .. وبهذا صعدت إيون أول درجات المجد بدور بطولة !! ..



وبعدها تدرجت أعمالها .. وتوسعت مجالاتها وأصبحت لا تمثلُ سوا أدوار البطولة أمام أفضل الممثلين .. وذيع صيتها في وقت قصير .. وأثبتت عن جدارة موهبتها في الغناء أيضاً !!.. حتى رعتها شركةٌ ضخمة .. جعلت منها نجماً ساطعاً في السماء .. يتمنى الكل الحصول عليه !!.. ولـ لباقتها في الحديث عملت لفترةٍ طويلة كمقدمةٍ للبرامج التي تستضيفُ النجوم .. وبعدها عملت كعارضة أزياء وبمدةٍ بسيطة أصبحت أشهر عارضة أزياءٍ في كوريا !!.. وإشتركت في العديد من المسابقات العالمية وفازت عن جدارة .. وحطمت الأرقام القياسية إلى أن دخلت مجال الباليـة أيضاً .. وجابت البلدان تقدم عروضاً مذهلةً فيه .. وأصبحت صورها على العديد من المنتجات !!..


 وقدمت الكثير من الإعلانات .. وكونت ثروةً هائلة .. لقد وصلت إلى أوج الشهرة والمجد والرفعة .. تُرجمت أعمالها السينمائية وألبوماتها للغاتٍ عديدة .. وجابت أوروبا في حفلاتٍ كثيرة .. فأصبحت حياتها كلها عملٌ وكدٌ .. ولم تعطي لنفسها فرصةً للراحة .. إمتلأت أرصدتها في البنوك بالدولارات وإشترت العديد من أسهم البورصة .. وأسست شركاتٍ كثيرة .. كانت النقود والشهرة تنهال فوق رأسها وكأنها سيولٌ من الأمطار .. ولُقبت بمعبودة الجماهير .. وأصبحت حلم كل الرجال في كوريا وخارجها !!..


المرآة فاحشة الثراء .. التي تمتلك جسداً إنثوياً صارخاً يصفها الرجال بأنها إمرآة متفجرة الأنوثة .. لديها وجهٌ هو أقرب لوجوه الملائكة من كونه بشري .. شديدة بياض البشرة .. وخدين ورديان .. شفتان شديدتا الحمرا منتفختين كأنهما حبه فراولةٍ شهية .. بشعرٍ أسود مسترسل يلمع كأنه النجوم وسط ليلٍ دامس .. وعينان لوزيتان سوداويتين بهما لمعةٌ مميزة .. إنها إمرآة لا تصفها واصفة !! ..


وبالرغم من كل ما وصلت له .. من ذروة المجد إلا أنها لا تمتُ للغرور بأيه صلة .. لديها قلبٌ ناصع البياض لا يعرف الكره أو الحقد !!.. لا تعرف سوى الخير والعطاء .. كثيرةُ التبرع للفقراء .. وكثيرة الزيارات للمرضى لتمنحهم الآمل والسعادة وتقدم لهم هدايا قيمة وغالية ولكن أعمالها الخيرية هى الشئ الوحيد الذي تقوم به بعيداً عن أضواء الكاميرات !!.. وليس كباقي الفنانات اللاوتي لا يقمن بالأعمال الخيرية سوى لتكون قناعاً خلفه بشاعة وجوههن !! .. 

ولكن عيبها الوحيد والأوحد هو عشقها أو إن صح القول " إدمانها للكحوليات " .. لا تترك كأس النبيذ من يدها مطلقاً .. وكأنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتها .. ومن المستحيل الإستغناء عنه !!..  



فتحت إيون عينيها الممتلئه بالدموع .. وهى تتذكر إلاما وصلت من أمجادٍ أصبحت هشيماً تزروه الرياح الآن .. ولكن ما السبب وما النتيجة ؟؟ لا تعرف !! كلا بل تعرف .. طوت صفحات الألبوم بحثاً عن هذه الصورة التي بدأت بها النهاية .. التي دمرت بعدها كل ما بنته .. هدمت حجر أساس ما أسسته !!..



تقفُ أمام الكاميرا وهى تتفنن في أداء دورها .. والجميع يبديَّ علامات الإعجاب بها .. وبعد إنتهاء هذا المشهد .. ذهبت إيون بخطواتٍ بطيئة .. لجسدٍ متعب من كثرة العمل بدون راحة .. وعينان ذابلتان يُخفي ذبولهما تلك المساحيق التجميلية !!.. وقفت أمام الطاولة التي تجلس عليها صديقتها " مايا " المسئولة عن إدارة أعمالها .. أمسكت بزجاجة نبيذٍ كبيرة الحجم .. وبدأت في تناولها .. علها تخفف من الآلم الذي تشعر به !!..


 نهضت مايا وبغضبٍ تناولت الزجاجة من يدها صارخةً فيها : إيون كفاكِ تناولاً لهذا الشئ !! .. ألا ترين إلما آلت حالتكِ .. أنتِ تعلمين بأنني طلبتُ منكِ رفض هذا الفيلم وآخذ قسطٍ من الراحة .. ولكنكِ أصريتي ووعدتينني بأنكِ لن تتناولي هذا الشئ .. وسترتاحين بعدها أنتِ لا تعرفين أضراره !!..

حاولت إيون آخذ الزجاجة من يدها وهى تزفرُ بقوةٍ.. ولكن مايا تبعد يدها وهى مصرةٌ على عدم إعطاء زجاجة النبيذ لها .. فجُن جنون إيون وآخذت تصرخ قائلةً : أعطني الزجاجة يا هذه .. من أنتِ لتمنعيني من فعل ما أريد ؟؟


تجمعت الدموع في عين مايا قائلةً : أنا صديقتكِ يا إيون وأنا خائفةٌ عليكِ يا غبية .. كُفي عن هذا !!..


إجتاح إيون آلمٌ قوي فجأة .. حتى أنها شعرت بدوران .. وأنها على وشك فقدان وعيها والإنهيار من شدة الإعياء .. ولكنها تمالكت نفسها وصرخت بها : أعطني الزجاجة وإغربي عن وجهي !!..


 نظرت لها مايا والدموع تتساقط من عينيها .. ثم مدت لها يدها بالزجاجة بعد أن قررت تركها والرحيل .. ولكن بمجرد أن أمسكت إيون بالزجاجة .. فقدت وعيها ووقع جسدها أرضاً وتحطمت الزجاجة بيدها وسُكب السائل بها أرضاً .. نظرت لها مايا بعيون جاحظةٍ من الصدمة .. ثم صرخت وجلست بجانبها أرضاً تضم جسد صديقتها إليها وتبكي .. حتي تجمع العمال وسرعان ما أمر المخرج بنقلها إلى المشفى !!..


فتحت إيون عينيها ببطئٍ وبتعبٍ شديد .. وتشعر برأسها يؤلمها إثر إصطدامه بالأرض عندما وقعت .. هذا آخر ما تتذكره .. ولكن من هذا الكائن الملائكي الذي ينظر لها بإبتسامةٍ واسعةٍ ؟؟! هامساً لها بتلك النبرة الناعمة .. التي لن تنساها ما حَّيت : هل أنتِ بخيرٍ آنستي ؟؟ بماذا تشعرين الآن ؟؟


وضعت يديها على رأسها .. فوجدته محاطاً بالضماضات .. ولكن عيناها كانتا مثبتتان على هذا الملاك الواقف أمامها ويبتسم !!.. بدىَّ وسيماً جداً بجسدٍ ممشوق وقوامٍ رائع !!.. ويرتدي معطفه الأبيض وبيده سمعاته الخاصة !!.. أرادت أن تنهض وهى تطلق التأوهات الخفيفة فحاول مساعدتها .. لتتسرب رائحة عطرة إلى أنفها !!.. وكأنما وقتها دغدغ قلبها شئٌ ما لا تعرفه .. توترت من قربه بهكذا طريقة رغم إعتيادها على الأمر كونها ممثلة .. ومثلت أمام العديد من الرجال الوسيمين .. ولكن الأمر يبدو مختلف !!..

عندما إعتدلت في جلستها بضعفٍ قالت : ولكن أين أنا ؟! ما الذي حدث ؟؟


إبتسم سوك بمنتهى الرقة .. ثم تحرك من أمامها ليتسع أمامها مدىَّ الرؤية .. حيث وجدت نفسها بغرفة المشفى وتقفُ مايا والدموع تتساقط من عينيها .. بينما تُتمتم بعبارات الحمد على أنها فتحت عينيها !!.. ثم بدأ جون غ سوك بتحريك شفتيه متحدثاً بتلك العبارات التي لن تنساها إيون ما حييت : لقد أجرينا لكِ جراحة منذُ إسبوعٍ يا آنسة .. وهذا بسبب إفراطكِ الشديد في تناول الكحوليات مما سبب لكِ أضرار كثيرة .. وقد فقدتِ الوعي أثناء تصويرك لفيلم هذا ما قالته صديقتكِ ( أشار على مايا بإصبعه ) وأيضاً لإفراطكِ في العمل وإرهاق جسدك بطريقةٍ مبالغٍ فيها !! .. لقد أتو بكِ إلى هنا وكانت صديقتكِ منهارة لأجلكِ ولم تفارقكِ ولو لثانية طيلة بقائك هنا .. أقلقتِ الجميع عليكِ !!..


طأطأت إيون رأسها بخجلٍ عندما تذكرت ما قالته لمايا تلك الليلة .. تقدمت مايا نحوها بخطواتٍ بطيئة وإحتضنتها وهى تربت على ظهرها قائلةً : حمداً لله أنكِ بخيرٍ إيون .. كنتُ لن أسامح نفسي لو حدث لكِ مكروه .. فأنا صديقة مهملة قصرت في حقوق صديقتها أنا من تركتكِ تدمنين هذا الشئ الغبي حتى كدتِ تنهين حياتكِ !!..


ربتت إيون على ظهرها بحبٍ .. ودموعها قد تساقطت هى الآخرى .. ثم إبتعدت عنها وهى مبتسمة وأزالت دموعها بحنوٍ قائلة : لا شأن لكِ إنه خطأ إرتكبته وحدي لطالما حاولتِ منعي وكنتُ أنا كالحمقاء أوبخكِ !!..


إبتسم سوك لهاتان الصديقتان التي ترمي كل واحدة الخطأ على نفسها .. لتعفي الآخرى ثم تنحنح بهدوءٍ ونظر لإيون قائلاً : هيا آنسة إيون عليكِ أن تعدينا الآن بأن لا تعودي للكحوليات مجدداً .. حسناً ؟؟! ( فكرت إيون لبرهةٍ .. يبدو الأمر صعباً ولكن عيون مايا وجونغ سوك أجبرتاها على أن تومئ بالموافقة .. فأكمل سوك قائلاً ) : هذا رائع !! .. وعليكِ أن تأتي للمشفي من الحين للآخر لأطمئن على صحتكِ .. وأيضاً لكي أزيل ضماضات رأسكِ .. فإصتدامكِ بالأرض كان قاسياً  !!..



أومأت إيون والسعادة الفجائية الغريبة تعتريها .. مضى يومان وهى قابعةٌ في المشفى لا تفارقها إبتسامتها كلما دلف جونغ سوك لتفقدها !!.. وحينما حان وقت المغادرة شعرت ببعض الحزن فقد أمضت أروع يومان في حياتها في المشفى !!.. لأنه كان أول شخصٍ تراه عندما تفتح عيناها صباحاً وتغلقها مساءاً !!.. ولكن حتى بعد مغادرتها كانت تزوره يومياً في المشفي بحجه تفقد الجرح الخطير في رأسها .. كانت تمضي معه بعض الوقت فأحياناً كان يدعوها لإحتساء القهوة !!.. وفي بعض الأحيان كانت تخبره ببعض الأمور عن عملها .. فقد وجدت معه إرتياحية غريبة في الكلام !!..


مر إسبوعان على هذا الحال .. وعندما شُفى الجرح تماماً إشتعلت نيران الحزن في قلبها ظناً منها أن الأمر قد إنتهى .. ولكنها وقبل أن تغادر المشفى تركت خجلها وطلبت منه بمنتهى الثقة أن يحضر تصوير فيلمها الجديد .. من الغريب أنه أيضاً لم يرفض أو يأخذ وقتاً في التفكير وسرعان ما وافق فهو أيضاً بدأ يشعر بالسعادة في قربها .. وبالفعل حضر تصوير المشاهد المقرر تصويرها في هذا اليوم !!..



بعد إنتهاء التصوير طلبت منه أن يسيرا قليلاً في الحديقة التي تم التصوير بها .. تمشيا بجانب بعضهما البعض .. والسعادة تتسرب لقلبيهما خلسه وكأنها تنوي على شئٍ ما فتُرى ما هو ؟!


جلسا سوياً على مقعدٍ خشبي .. وبدأا في تبادل أطراف الحديث .. كانت إيون تتحدث بتلقائية وعفوية بريئة حكت له كثيراً عن أحلامها التي تحققت بالكامل تقريباً !!.. وأخبرته عن مدى ثروتها وأنها حائرة بماذا تصنع بها كانت تتحدث بمنتهى الصراحة وكأنهما يعرفان بعضهما منذُ مدةٍ طويلة .. أما هو فكان في البداية يُثني على تمثيلها المذهل .. وأخبرها بأنه لا يتابع أخبار النجوم ولكنه سمع عنها الكثير من أصحابه .. خاصةً أن صديقه وو بين مولعٌ بها !!..

ولكن بمجرد ذكرها لأمر النقود شعر ببعض الضيق من حديثها .. وإستئذنها في الرحيل لأن لديه أعمالٌ كثيرة .. لقد شعرت بمضايقته ولكنها جهلت السبب .. ولكن قبل أن يغادر طلبت منه بتلقائية رقم هاتفه لأنها تود أن يكون صديقها .. فقد شعرت براحةٍ معه هذا ما قالته .. وافق جونغ سوك ببعض التردد وليس كما ثقة المرة الفائتة .. وبعد أن أعطاه لها غادر مسرعاً !!..


عادت هى إلى منزلها والسعادة تشع منها .. ولكن تغير حالته الفجائية أخفت جزءاً من سعادتها .. أما هو فقد عاد للمنزل الذي يقتن فيه مع صديقه وو بين .. دلف للداخل ويبدو أن مزاجه عكرٌ تماماً .. فنظر له ووبين بنظراته المتفحصة تلك قائلاً : لمَ يبدو مزاجك سئٌ هكذا ؟



إرتمى بجسده على الأريكة .. وهو يطلقُ زفراتٍ متتالية ثم نهض وآخذ يلقي بوسادات الأريكة أرضاً .. وبعدها آخذ يبعثر شعره بطريقةٍ همجية .. ثم ألقى بنفسه أرضاً ومازال يزفر !!.. نظر له وو بين بتعجبٍ شديد من حالته الهستيرية تلك .. ثم أمسك بالوسادة وألقاها على جسده الملقى أرضاً صارخاً به : ما بك يا أحمق ؟؟! هيا أجب عليَّ فوراً !!..


إعتدل سوك ونظر له بضيقٍ قائلاً : هل تصدق أنني أمضيت اليوم مع تلك الفنانة التي تحبها المدعوه إيون ؟؟


نعم ولكن ما الأمــ ( توقف وو بين عن الكلام .. ونظر له بصدمةٍ إبتلعت حروفه .. ثم أمسك بكتفه وبدأ يحرك جسده بقوةٍ ) : أنت أعد ما قلته للتو !!..


بعثر جونغ سوك خصلات شعره .. ثم قص عليه ما حدث منذُ يوم الجراحة التي أجراها لها .. كان وو بين يستمع لحديثه وهو غير مصدقٍ لما حدث !!.. ففي هذا اليوم أخبروه بأن هناك حالةٌ آتت للمشفى بحاجة لجراحة ولكنه إعتذر وذهب ليشاهد فليماً لها .. فقد إنتهى وقت عمله الأساسي وطلب من سوك أن يجري هو الجراحة .. آخذ يلوم نفسه ويعاتبها فلو كان هو من أجرى الحراجة .. لكان هو من حضر التصوير وخرج معها وآخذ رقم هاتفها "" يا للتعاسة الأبدية ""  تلك الكلمات هى ما نطق بها وو بين .. بوجهٍ طفولي متبرم !!..


ولكن بمناقشة الآمر مع جونغ سوك .. تسائل عن سر تعكر مزاجه .. فكانت الإجابة أنها ذكرت أمر نقودها الكثيرة بينما جونغ سوك رجلٌ ريفي من أسرة متوسطة الحال آتى للمدينة للعمل كطبيبٍ .. وحلمه أن يحقق لنفسه شهرةً عظيمةً في مجاله .. وأن يُأسس مشفى خاص به .. لذلك يعمل بكدٍ ليل نهار .. ولكن فرصته لم تآتي بعد !! ..


 لقد شعر لبرهة بإهانةٍ لكرامته التي يعتبرها أهم شئٍ في هذا الوجود .. وإن إستغنى عن آخر أنفاسه لن يستغنى عنها ما حىَّ .. ورغم معرفته بأنها كانت فقط تتحدث بعفوية وهذا ما أحسه من خلال حديثها إلا أنه لم يتحمل الأمر .. ولكن هذا القلب لما يتراقص هكذا عندما يتذكرها ؟!


طلب منه وو بين أن يحادثها .. ولكنه رفض تماماً رغم شعوره بالرغبة في عمل هذا كثيراً .. لقد مر أسبوع ولم يتحدث أي منهم للآخر .. شعر سوك بالضيق لهذا !!.. لقد إعتاد أن تزوره كل يومٍ في المشفى لمَ إختفت هكذا دون سابق إنذار ؟! .. تُرى هل أصابها مكروه ؟! هل يتصل بها ويسأل عن أحوالها إذاً ؟! ولكن لا لن يفعل طالما لم تبدأ هىَّ !!..


أما إيون فقد كانت تتوق لمحادثته أو رؤيته ولكن كيف والأعمال تنهال فوق رأسها كالسيل .. فلا تجد دقيقة فارغة في وقتها لمحادثته أو الذهاب إليه .. تمنت حتى أن يحادثها .. ولكنها بقلبها الأبيض إختلقت له الأعذار وعندما مرّ أسبوعٌ آخر وأنهت أعمالها تلك .. فوراً إستقلت سيارتها نحو المشفى !!.. بمجرد وصولها ذهبت لغرفته .. فوجدت شاباً آخر بمجرد رؤيتها هبَّ واقفاً كمن لدغه عقرب .. وإتجه نحوها بخطواتٍ سريعةٍ .. إنه وو بين الذي آخذ يفركُ عيناه وهو يقف أمامها ليصدق ما يرى .. ثم أشار عليها قائلاً : أنتِ حقيقية ؟؟


إبتسمت إيون بخجلٍ شديد .. ثم بإحراجٍ أومأت برأسها .. فسرعان ما أحضر قلماً ودفتراً وطلب منها أن توقع له .. فعلت ما طلبه .. فآخذ يثرثر كثيراً عن إعجابه الشديد بها .. وهى ترسم إبتساماتٍ مزيفة .. وهى تبحث بعينيها في الغرفة عن سوك .. ثم نطقت بعفوية : ولكن أليس هذا مكتب الطبيب لي جونغ سوك ؟! أين هو لا أراه ؟!


إبتسم وو بين بخبثٍ فقد بدىَّ وجهها ملهوفاً كثيراً لسماع الرد منه .. وتنبعثُ من عينيها نظرات شوقٍ لرؤياه .. فنظق بتهكمٍ مقصود قائلاً : لقد أصابته حمىَّ قوية .. فآخذ إجازةً اليوم .. إن كنتِ تودين رؤيته ضرورياً وهذا ما يبدو ( نظر لها بخبثٍ .. فتوردت وجنتاها خجلاً ) : فيمكنني أن أعطيكِ عنوان المنزل !!..



أومأت سريعاً برأسها بنشوة .. فأعطاها وو بين العنوان وسرعان ما إستقلت سيارتها نحو عنوان منزله وقلبها يؤلمها بدون سببٍ تفقهه !!.. ولكن الحقيقة أن معرفتها بأمر تعبه أخافها وأقلقها .. وصلت حيث المنزل وبدون تردد ترجلت عنها وقرعت الجرس .. بعد دقيقةٍ تقريباً من الإنتظار فتح جونغ سوك .. وهو يلفُ جسده بغطاءٍ ثقيل ويضع في فمه مقياس حرارة !!.. وبمجرد أن رأها شعر وكأن صحةً غريبة دبت فيه .. وإهتز قلبه وكأنه يعزف أعذب لحنٍ على الإطلاق !!.. أما هى فشعرت وكأن روحها ردت إليها .. نظر لها بعيونٍ يملؤها الشوق !!..
وقبل أن ينطق بحرفٍ واحدٍ حتى .. سبقته هى بوابلٍ من الأسئلة التي تُزينها نبرتها التي تملؤها اللهفة أو .. أو الحب !! .. نعم هالهُ الحب تشع منها : ولكن بماذا تشعر ؟! أهناك ما يؤلمك ؟! أنا قلقةٌ عليك كثيراً !! .. هل أهملت نفسك حتى أصيبت بحمىَّ قوية ؟! هل هناك من يعتني بك ؟


إبتسم سوك بسعادةٍ غامرة .. وأفسح لها المجال لتدخل وأجابها عن كل أسئلتها تلك .. إنه بدايه فصل الشتاء .. وهو دائماً ما يصاب بحمىَّ في هذا الوقت نتيجة لتغير الحرارة .. بقيت إيون معه طيلة اليوم وإعتنت به جيداً .. أعطته الدواء وأعدت له الحساء الساخن .. وقضيا اليوم سوياً .. وكلما مرت عليهم دقائق بسيطة شعرا بقلبيهما ينفجران حباً !! .. نعم لقد نمىَّ هذا الحب وترعرع في قلبيهما .. فأصبح بهذا أجمل رابطة أزلية ستربط مصيريهما معاً !!..


لقد مرت الأيام وهما يتحدثان في الهاتف ليلاً .. ولا يغلقان إلا عندما ينامان وهما يتحدثان .. لقد أخبرته عن كل صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياتها .. أما هو وبالرغم من تحفظه في حديثه معها إلا أنه أخبرها عن حلمه في كونه مشهوراً في مجاله !! .. لقد مرت الأيام سريعاً وهما دائماً ما يقضيان الوقت سوياً لا تفوت ثانية إلا ويتحدثان !!..


لقد شعرت إيون بالحب الذي يكنه لها .. نعم لم يعترف بلسانه لها .. ولكن ألا يكفي ما أخبرتها به عيناه ؟! ألا يكفي نبرته وإبتسامته ؟! ألا يكفي عندما تخبره بأنها إشتاقت له كثيراً يقول لها وأنا أيضاً !! .. نعم هي تحبه وتعلم بحبه لها !!.. تنتظر أن يخبرها ولكن إنتظارها طال وصبرها نفذ .. لا تطيقُ صبراً .. تود أن تسمع إعترافاً رومانسياً لطالما حلمت به !!.. تود أن تشعر بأنفاسه تختلط بأنفاسها عندما يتبادلان قُبلتيهما الأولى !! .. تود بشدةٍ أن تشعر بلمساته عليها لتذوب بين يديه عشقاً .. طال الداء فمتي الدواء ؟"" طال إنتظاري يا سوك ولم أعد أطيقُ صبراً  "" هذا ما تمنت أن تقوله له .. لعله يتحرك ولو قليلاً ويتخلى عن كبريائه ويعترف لها .. ولكن بلا فائدة وبلا أمل .. تعبت وفاض بها الكيل .. متى تحصل على الحب الكامل دون نقصان .. متى ؟!!..


اليوم هو عيدُ الميلاد .. زينت إيون المنزل جيداً وعلقت الأجراس ووضعت في منتصف الردهة شجرةُ عيد الميلاد .. وعطرت المنزل جيداً وتأهبت لذلك اليوم الفاصل في حياتها .. لقد طلبت من سوك الحضور إلى منزلها للإحتفال معاً وهو بالطبع لم يمانع فكم هو رائع أن يقضي يوماً كهذا مع معشوقته التي يتمنى من أعماق قلبه الإعتراف لها وضمها إليه بقوة ليطفئ نيران شوقه !!.... ولكن كيف وهو يضع أمام عينيه تلك المسافات التي يستحيل أن يعبرها ليصل إليها !!..

من وجهة نظره يرى بأنهما بعيدان تمام البعد عن بعضهما .. يخشى من الإعتراف لها فمجرد التفكير في الرفض وبعثره كرامته في الهواء تشعره بالرعب .. وترتعد أوصاله .. هذا كل ما فكر فيه .. ولم يضع صوب عيناه تلك الضحكات البريئة والنظرات المشتعلة بالحب التي تغمره بها كلما رأته !!..


جهزت إيون نفسها بإرتدائها لثوبٍ أسود قصير .. يُفصل معالم جسدها بالكامل .. فيضيف جمالاً على جمالها .. بلا أكمام مما يبرز جمال كتفيها وعنقها الساحر .. ورفعت شعرها لأعلى .. وأنزلت غرتها على عينيها .. ووضعت أحمر شفاه صارخ وبعض المساحيق البسيطة .. بالإضافة إلى أروع العطور الفرنسية .. فأصبحت وكأنها ملاك هبط من السماء وليست بشراً أبداً !!..


أما جونغ سوك فقد وصل إلى منزلها .. بحلته السوداء التي تبرز وسامته الرجولية الفائقة .. وعضلاته الفاتنة وجسده الرياضي الذي يُذهب العقل !! .. كانت تنتظره أمام الباب وبمجرد قرعه للجرس فتحته على عجلةٍ !!.. رمقها بنظرات إعجابٍ من أعلى جبهتها حتى أغمص قدميها .. تبدو فاتنة ومثيرة جداً .. قلبه يطرقُ بشغفٍ لرؤيتها هكذا !!.. أما هى فقد تمرد عليها قلبها وغادرها ليحتضن هذا الرجل الذي هامت به حباً !!..


أفسحت له المجال ليدلف وهمست له : تبدو وسيماً للغاية .. تصفيفة شعرك مميزة !!..


جلس على آحد المقاعد وإبتسم بهدوءٍ : شكراً لكِ .. أنتِ أيضاً تبدين كالأميرات كما العادة !!..

غمرتها سعادة كبيرة مصاحبةً إحمرار خجلٍ شديد .. فهذه هى المرة الأولى التي يُثني على جمالها .. تبادلا نظراتٍ واهنة لثوانٍ ثم أمسكت بيده وأنهضته قائلةً بمشاكسة : هيا لتناول الطعام .. أنا أتضور جوعاً .. كما أنني صنعته خصيصاً بنفسي أتمنى أن ينال إستحسانك !!..


أومأ لها وجلسا على تلك الطاولة التي تحتوي أشهى الأطباق .. تناول طعامه بهدوءٍ كما عادته .. كان يبدي ملامح التلذذ بطعمه !!.. وهى كانت تراقبة بترقبٍ لمعرفة رأيـه .. ملامحه تلك أصابتها بضربٍ من الجنون .. قلبها الشغوف كانت خفقاته تزداد وتعلو وهى تحملق به هكذا .. لاحظ نظراتها فرمقها بتعجبٍ : لمَ تحمقلين بيَّ هكذا ؟


هتفت بصوتها الناعم : أعجبك الطعام ؟


أومأ : كثيراً ..


نهضت ومدت يدها له : هل نرقص ؟؟



حرك أهدابه بصدمةٍ لدقائق عدة .. إنها جريئة ودائماً ما تأخذ الخطوة الأولى .. في المقابل هذا ممتع فهى تفعل ما يريده دون أن يشعر بحرج السؤال !!.. نهض وأمسك بيدها .. أحاط خصرها فوضعت يدها على كتفه ونظرت له بعمقٍ دون الإهتمام بهذا القرب الرهيب بينهما !!.. ثوانٍ مرت عليهما هكذا .. قلبيهما تحدثا بكل لغات العشق في الكون !!.. ثم بدأت إيون تُتمتم بكلمات أغنيتها الجديدة .. كان صوتها ساحراً أفقد سوك صوابه !!..


حدق بها كثيراً ودون وعيّ منه رفع إحدى يديه التي تحيط خصرها ووضعها على خدها يتحسسه برفقٍ .. وضعت هى الآخري يدها فوق يده .. وبدأا بالرقص على أنغام صوتها الملائكي .. وبعد الإنتهاء من تلك الرقصة التي تمنى كليهما أن تدوم ليبقيا بهذا القرب للآبد .. أمسكت بيده وخرجا إلى الحديقة التي تغطيها الثلوج البيضاء .. فتبدو وكأنها عروسٌ يوم زفافها تتوشح البياض .. لتضيف جمالاً على جمال تلك الأمسية الرائعة !!..


جلس على الكرسي الخشبي بهدوء وتعقل .. يبدو فاتناً بملامح العقلانية تلك .. أما هى فأمسكت بعض الثلج وآخذت تصنع شكلاً وهى مفترشة الأرض كما الأطفال .. وصلها صوته الرخيم : تبدين كحور العين وسط جنان السماء !!..


رفعت نظرها إليه بخجلٍ وتوردت وجنتيها .. ثم تنهدت بعمقٍ وقالت وهى تشير إلى السماء : فلتتمنى أمنية !!..


إبتسم بحنوٍ ثم أغمض عيناه لدقيقة .. وأعاد فتحهما مجدداً ونظر لها بإبتسامةٍ واسعة .. نهضت وجلست بجواره وهى تنظر له في محاولةٍ لسبر أغواره : ماذا تمنيت ؟


حرك رأسه بالنفي : لا يجوز إخبار آحدٍ بأمنيتي كي تتحقق !!..


أردفت بفضول : هل تود أن تتحقق ؟


إنفرجت أساريره وبعثر شعرها : لو لم أرد أن تتحقق فبرأيكِ لمَ تمنيتها إذاً أيتها المشاكسة ؟


إبتسمت ببلاهة وبعثرت شعرها هى الآخرى .. ثم أغلقت عيناها وتمنت أمنيتها .. وقد كان قلبها يحدثها بأنه تمنى أن يحصل معها على حبٍ وسعادة آبدية كما تمنت هى .. ولكن في الحقيقة كانت أمنيته أنانيةً كثيراً .. فقد تمنى أن يحقق ما يصبو إليه من النجاح والشهرة !! ..


أمضيا وقتاً رائعاً سوياً ثرثرت فيه إيون كثيراً  كما العادة .. فدائماً جونغ سوك قليل الكلام كثير الإستماع .. هدوءه الذي يصل إلي حد البرود أحياناً قاتل ولكنه يصيبها بداء حبه أكثر مع مرور الوقت .. وعندما حان وقت الرحيل إستئذن ليغادر قائلاً : إيـون لقد تأخر الوقت كثيراً أعتقد أنه علىّ المغادة !!..


نظرت له بإحباطٍ لسببين أولهما أنه سيرحل هكذا دون أى جديدٍ كما العادة .. لقد ظنت أنه سيخبرها عن حبه لها اليوم .. ولكن هل هى مخطئة في قراءة عيناه ؟ وهو بالفعل لا يُكن لها أكثر من مشاعر الصداقة ؟! والثاني أنه سيرحل لتنتابها نوبة شوقٍ جديدة له بعد رحيله كما العادة .. زفرت بخيبة آملٍ قائلةً : حسناً .. لقد أمضيت وقتاً رائعاً معك .. حقاً شكراً لك لأنك دوماً بجانبي !!..


أهداها إبتسامة صافية وأدار جسده ليرحل .. شعرت بغصه قوية في قلبها وشيئٌ ما يراودها .. وإحساسٌ قوي يطالب بأن تفعل ما يُمليه عليها .. ما كاد يغادر حتى شدت على قبضه يدها .. أغمضت عيناها وإلتقطت نفساً عميقاً زفرته بقوةٍ قائلةً : يــا لي جونغ سوك !!.. ( توقف عن السير وإستدار ينظر لها بتعجبٍ .. فأكملت والدموع تلمع في مُقلتيها ) أنـ أنا أحـ ( إبتلعت غصتها ونظرت له بثقةٍ ) أنا أحبك !!..


تجمد في مكانه وكأن قدماه تيبست .. قلبه ينبض بقوةٍ شديدة ولم يعد قادراً على مقاومة ذلك الشعور بداخلة !!.. صراعٌ قوي في أعماقه .. جهتين مُختلفتين وكلٌ منهما تقوم بشدة لها بعنفٍ !!.. فيبدو وكأنه سيتمزق بينهما !!..


تدفقت دموع إيون الساخنة على وجنتيها وركضت نحوه .. أمسكت بملابسه وهى تبكي قائلةً : نعم أحبك يا جونغ سوك .. منذ أن فتحت عيني ذاك اليوم وأنا أشعر بأنك ملكتتني كلياً .. أنت شعورٌ غريب على نفسي لم أعرفه يوماً .. تسللت بداخلي على حين غفلةٍ .. كيف أصفك ؟ آآه نعم .. كما العطر الذي يُستنشق مع الهواء فيحمله الدم بسرعة سريان غريبة .. ليملأ الجسد .. فلا يترك خلية كبيرة أو صغيرة دون أن يهاجمها بل ويتغلب عليها ويستقر بها .. هدوءك الذي يصل للبرود في بعض الأحيان .. ملامحك الفاتنة .. صوتك الساحر عندما تتحدث .. كل شئٍ بك .. أنت مخلوقٌ لم ترى عيني مثله ( وضعت يدها على مكان وجود قلبه ) ولكن هذا الشئ بداخلك لم أستطع يوماً سبر أغواره .. فهل تقوم أنت بهذا ؟!..

كلامها أذاب الجليد بداخله .. يدها تلك التي وضعت على قلبه أوقدت به ناراً يتطاير لهيبها ليحرقه من الداخل .. أغمض عيناه لتمر ثوانٍ من الصمت ولكنها كانت كدهرٍ كامل بلا نقصان يومٍ واحد .. أفسد تعانق جفونه ونظر لعينيها مباشرةً وهمس بصوت منبعثٍ من عقله : إيون أنا آسف .. ولكن لن أستطيع أن أعبر كل تلك المسافات مهما حاولت حتى أصل لكِ .. أنتِ حبٌ صعب المنال !!..


أمسكت بيده وهى ترتجف : ماذا تعني ؟ هل تقصد أنك تُحبني ؟ أنا لا أفهم !! ..


أدار جسده : أحببتكِ حتى إكتفى قلبي .. ولكـ


قاطعته عندما إحتضنته من الخلف بقوةٍ : أتقصد بالمسافات الشهرة ؟! لا بئس سأعتزل .. سأعبر أنا هذه المسافات لأتي إليك إن كنت غير قادرٍ على عبورها !!..


أزال يدها عن خصره ببطئ .. ونظر لها بوهنٍ : تتخلين عن حلمكِ بتلك السهولة ؟! ..


أمسكت يده بكفيها وهى تبكي : وأتخلى عن حياتي .. أنت أكبر أحلامي جونغ سوك !! .. لن أستطيع العيش بدونك أنت فقط ما أتمناه .. سأكتفي بك للآبد !! ..


حرك رأسه بـ ( لا) : وحتى إن قمتِ بهذا .. فالمسافات لن تتهدم .. فأنا رجلٌ من طبقة إجتماعية بسيطة .. ولا أملك أموالاً طائلة .. هل سترتبطين أنتِ فاحشة الثراء برجلٍ مثلي ؟! ..


أومأت بنعم ودموعها تزاد إنهماراً : لا بئس أموالي هى أموالك !! ..


إكفهر وجهه وقال بإمتعاض : يستحيل أن أقبل بهذا !! ..

أزالت دموعها بعنفٍ وهى تقول بصوتٍ يرتجف : لـ لا بئس .. سأعيش برفقتك بأي مستوى .. أنا أقبل بهذا .. بـ بل إنني سأتبرع بكل أموالي حتى الفلس الأخير .. سأتخلى عن أى شئٍ يمكن أن يُطيل المسافات بيننا .. سأقوم بسحب جميع أشرطة أفلامي .. وكذلك جميع ألبوماتي .. سأوقف القنوات الفضائية عن بث برامجي .. حتى ينساني الجميع .. سأكون لك وحدك !! ..



صمت قليلاً وهو يرمقها بذهولٍ .. بتلك السهولة ستُلقي بكل هذا وراء ظهرها !!.. كانت تشمله بنظراتٍ متوجسة وهى ترتجف وكأن حروفه القادمة .. هى ما تتوقف عليها حياتها الموضوعة على المحك !!.. زفر أنفاسه بقوةٍ وآخذت شفتاه تنفرجان رويداً رويداً .. إقترب بضع خطواتٍ وضمها إلى صدره : أنتِ أروع إمرأة في هذا الكون .. أنا حقاً أحبكِ كثيراً إيون !!..


وأخيراً إلتقطت أنفاسها التي حبستها لفترةٍ طويلة .. وآخذت تبكي وتتعالى شهقاتها كالأطفال .. وهى تضربه على صدره .. ثم تمسكت بملابسه بقوة .. وهو آخذ يربتُ على ظهرها مع إبتسامته اللطيفة !!..



مر شهرٌ كامل .. كان من أروع أيام حياتهما .. خلاله كانت إيون تستعد لإعلان خبر زواجها وإعتزالها للفن تماماً .. أنهت كل الأعمال التي كان يتوجب عليها القيام بها .. وفي آخر حفل غنائي لها صدمت جمهورها بالخبر !! .. صدح هذا الخبر بقوة في أرجاء كوريا .. وكان حديث الإعلام طويلاً !! .. السخط والرفض التام من الجمهور الذي يعشق المرأة التي توجها " معبودة الجماهير " .. مرت إيون بأيامٍ صعبة للغاية .. رغم أنها تحاول إظهار عدم الإكتراث إلا أنها حزينة !! .. ليلاً تبكي دون أن تشعر .. فوق تخليها عن كل شئ غالٍ على فؤادها .. خسرت حب جمهورها العريض !! ..

وفي المقابل تصدر اسم جونغ سوك المجلات والصحف .. الكل يتوق لمعرفة ذلك الرجل .. الذي ضحت معبودة الجماهير بكل شئٍ لأجله .. في أيامٍ قليلة حطم الطبيب لي جونغ سوك الأرقام القياسية في محركات البحث عبر الشبكة العنكبوتية !! ..
 يا للعجب !! .. هذه هى الحياة غروب شمس آحدهم تعني شروق شمس الآخر !! ..


تم عقد القران في قاعةٍ بسيطة .. حضر الحفل الأهل والأصدقاء فقط !!.. ورغم كل محاولات الصحافة لتغطية الحفل .. إلا أن إيون رفضت وبشدة حفاظاً على مشاعر جونغ سوك !! .. مرت أيام هذا الثنائي بسعادةٍ كبيرة .. ولكنها سعادة يقبع بين ثناياها الآلم !! ..

الأماكن العامة .. الحدائق .. النوادي .. المطاعم .. أي مكانٍ يذهبان إليه يتم إلتقاط الصور لهما .. مازال هناك من يطلب توقيعها .. رغم كل شئ إلا أن تلك الأسطورة لم تُنسى .. وفي المقابل تثور ثائرة جونغ سوك .. وعند عودتهم للمنزل يوبخها بشدةٍ وكأنها هى المسؤولة عن هذا !! .. وفي النهاية تخفض إيون رأسها وهى تتآسف وتعتذر .. كل ما تفعله هو تحمل الإهانات !! .. ليشعر بعدها بالآسف عندما يهدأ .. ويحضر لها باقة زهور .. ومع كلمات الغزل تتناسى كل أوجاع هذا العالم .. ويتجدد حبه في قلبها !! .. ولكن أبداً لم يتلفظ بعبارة " أنا آسف !! .. " وكأن تلك العبارة جُرم ينفر منه !! ..


فتحت عيناها بصعوبةٍ وهى تشعر بثقلٍ في رأسها .. نظرت للساعة المُعلقة على الحائط .. كانت العاشرة صباحاً زفرت أنفاسها بقوةٍ .. ونظرت حولها .. لتجد نفسها وسط كمٍ هائل من الصور .. وهى نائمة أرضاً !!.. إعتدلت ببطئ ونهضت بتلكئ .. ومن ثَّم أمسكت بإحدى الصور ونظرت لها بإبتسامةٍ جُل ما يُقال عنها أنها آلمٌ ممزوجٌ بحسرةٍ لا يتحمله بنو البشر !! ..


إرتدى جونغ سوك ملابسه على عجلٍ .. وتوجه ناحية الباب بسرعةٍ وكأنه يُريد ألا يرى وو بين قبل ذهابه ؛ كي لا يُثنيه عن فعل ما يصبو إليه !! ..


فتح الباب وقبل أن يخو خطوته الأولى .. أوقفه وو بين صائحاً : ما الذي قررته سوك ؟! ..


زفر أنفاسه بقوةٍ قائلاً بصوتٍ يرتجف .. أو بالأصح يرفض التفوه بتُرهات صاحبه : سأنهي الأمر !!..

ما الذي تقصده بـ سأنهي الأمر ؟! فلتوضح نواياك يـا لي جونغ سوك !!..


ستعلم لاحقـاً : نطقها بينما أغلق الباب خلفه وركض نحو سيارته ..



جلست إيون على الأريكة وهى منكمشةٌ على نفسها .. تحتضن ذاتها وهى تحاول لملمت شتاتها !!.. رتبت ماضيها علها تجد في جعبته ما إستحقت أن تعاقب عليه بتلك القسوة !!.. كل ما فعلته أنها أحبته بصدق !! .. أهذا هو جُرمها الوحيد ؟! .. كل ما قامت به هو التخلي عن كل شئٍ في سبيله بدون تفكير !! .. أهذا خطئها ؟! ..


إنها الأيام التي سُطرت بدموعها .. لي جونغ سوك ! الرجل الذي ضحت معبودة الجماهير بكل شئٍ لأجله .. ما السحر الخاص الذي يمتلكه ؟!..

مرت أيامهما سوياً على نفس الوتيرة .. يقدم لها الدموع وتقدم له الراحة والسعادة على طبقٍ من فضة !! .. حتى هذا اليوم الحاسم .. قام بجراحة خطيرة لآحد المسؤولين في الدولة !! .. وعن جدارة أثبت مهارتة !! .. كانت تلك أول مرة يتم إجراء هذه الجراحة !! .. وقام هذا المسؤول بعمل مؤتمر صحفي كامل عن مهارة هذا الطبيب الذي تعدت مهارة أطباء الغرب !! ..

ذيع صيته أكثر .. و إنهالت عليه عروض المستشفيات الضخمة !! .. قبل بإحداهم والتي تعد أفضل مشفى في البلاد .. ولم تتوانى إيون عن دعمه للحظةٍ واحدة حتى !! ..


مرحباً أيها الطبيب .. أنا الممرضة كارولين أتمنى أن أكون مفيدةً لك : إنحنت أمامه بإبتسامة واسعة ..


أنا سعيدٌ بمعرفتكِ آنسة كارولين .. دعينا نعمل بجدٍ سوياً ونبذل أقصى جهودنا !!.. : إنحنى لها هو الآخر ...
كانت تلك هى بداية النهاية لكل شئٍ .. إنه مكر النساء الذي لا ينتهي مطلقاً !! .. من تعامل كارولين مع سوك أعجبت به كثيراً .. وسيم .. مُثير .. ذكي .. ماهر !! .. كل الصفات التي تتمناها أي أنثى !! .. بكل الطرق وشتى الوسائل حاولت التقرب منه وإيقاعه في شباكها !!..

وبين الأنثى التي تُظهر مفاتها .. وتتغنج وتُثيره بحركاتٍ لا تعرف الحياء !! .. وأنثى تهتم بكل تفاصيل حياته بحبٍ وتمنحه القوة والشجاعة .. تُهمل نفسها لتصنع ما يحبه من الطعام !! .. تنظف بحبٍ لأن سوك يحب النظام !! .. تفعل كلٍ شئ وتقدم كل شئٍ بحبٍ ورضا !! ..

في النهاية هذا المتعجرف الأناني .. إختار الأنثى الجريئة المجهولة نواياهــــا !!! ..


هكذا هم الرجـال ولن يتغيروا أبداً ..



الخيـانة .. ليست فقط أن يلجأ الرجل إلى أحضان أنثى أخرى بعلاقة جُل ما يُقال عنها ( شهوانية قذرة ) !! .. ولكن الخيانة في أبسط الأشياء .. قد تكون نظرة !! .. أو ربما تلفظ إسمها عفوياً !! .. أو حتى التبجح وخلع ثوب الحياء .. ليتحدث عنها وكأنه أمرٌ عادي !! ..  أن ينسب كل نجاحاته لها !! .. أن يهمل بيته وزوجته !! .. أن يتركها تتألم بمفردها !! .. أن يصيح بها فقط لأنها عاتبته على تأخره معها !! .. أن يدعها تُلاقي آلام الحمل بمفردها !! .. ذلك الجزء منه بداخلها .. كما صنفه الأطباء هو أقسى ثاني آلمٍ بالعالم !! ..


ياللسخرية !! .. أحياناً لا بُد لنا أن نضع خطوطاً حمراء في تعاملاتنا حتى مع أقرب الناس لقلوبنا !! .. فلنحفظ كرامتنا بأي ثمنٍ يُمكن دفعه !! .. التضحية من قِبل الطرفين معاً أو ننُهي العلاقة !! .. العلاقة التي تُبنى على الآخذ بلا عطاء هى تجربة فاشلة !! .. وضعت نهايتها قبل أن تبدأ !! .. فلنبعد أنفسنا عن أى بدايةٍ رائعة لنهاية مؤلمة ومحطمة !! .. فوقتها فُتات الذكريات الذي سيكون قوتنا في أوقات التوجع !! .. ما هو إلا قوتٌ من الآلم والعذاب !! ..


شعرت به أمامها تماماً .. رفعت رأسها ببطئ ونظرت له كانت نظراتٌ باهتة .. كسماء رمادية تمنح الكآبة في الشتاء العاصف !! .. حاولت التنبأ بما آتى لقوله .. ولكن لم تستطع !! .. هل آتى ليعتذر ؟! ..


إيون يجبُ أن نتحدث قليلاً : جلس على مقعد قُبالتها ..


إزدردت لعابها لتبلل حلقها الجاف .. ثم أردفت بصوتٍ محشرج : أسمعك ..


أغمض عيناه وهو يستنشق نفساً عميقاً ثم زفرة بقوةٍ و شبك يداه ببعضهما .. وهو يحرك إبهاميه بحركاتٍ دائرية متوترة .. ثم قال : ما رأيكِ بعلاقتنا ؟


طرق قلبها بقوةٍ .. ولا إرادياً إنزلقت دموعها نظرت له بقهرٍ وهى تحاول إلتقاط أنفاسها اللاهثة : لا ترحل وتجعلني أبكي هكذا .. أنت بهذا ستمنحني أوجاعاً في قلبي وفقط !! ..

دُهش جونغ سوك من فراستها الشديدة .. لقد فهمت الغرض من قدومه الآن والتلفُظ لتلك العبارة .. حقاً أراد أن ينفصل عنها .. فما يربطهما قد انتهى !! .. نظف حنجرته بتوترٍ ونهض قائلاً : لـ لم يُعد لبقائنا معاً أيُ فائدةٍ .. أنه فقط جرعات من الألم سيتجرعها كلانا !! .. ( أخفض نظره يتحاشى النظر في عينيها بعد كلماته ثم أضاف ) يجبُ أن ننفصل صدقيني .. سأبعثُ لكِ ورقة طلاقكِ بعد غدٍ .. آسف ولكني غداً مشغولٌ جداً لدي عملية جراحية خطيرة لآحد رجال الساسة في الدولة !!..


وضعت يدها على فمها تكتُم شهقات بكائها .. أبهذه السهولة سخلفها ورائه حُطاماً !! .. هدمها بقدر ما يستطيع وبعدما سواها مع الأرض سيتركها بذلك الجباروت !! .. ظل صدى صرخاتها يتردد : .. جونغ سوك لا ترحل !! .. أتوسل إليك لا ترحل !! .. لا تدع نايات الحزن تعزفُ ليَّ لما بقي من حياتي !! .. أنا ضحيتُ بكل شئٍ لأجلك !! .. لا تتركني من بعدك امرأة طاعنة في السن .. شاخ قلبها قبل وجهها !! .. كلما نظرت في المرأة تتخيل أنها أخرى غيرها !! .. مظهرها كأنثى أصيبت بمسّ !! ..


ظلت تُردد هذه العبارات ولكنه أدار ظهره لها ورحل !! .. بمنتهى القسوة رحل وأغلق من خلفه الباب .. توقفت عينيها عن ذرف الدموع !! .. وتوقفت ضربات قلبها لبرهةٍ ثم عادت طبيعية !! .. جلست أرضاً وهى تبتسم وتربتُ على بطنها المُنتفخ !! ..


صباح اليوم التالي أوصلتها قدماها حيثُ المشفى التي يعمل بها !! .. في الواقع تلقت إتصالاً من وو بين يطلبها بأن تحضر للمشفى !! .. وأتخذ من أمر الكشف الإسبوعي على جنينها حُجة .. علم بما قام به صديقه .. فقرر أن يغوض محاولة واحدة بعد !!.. قبلت عرض القدوم فما كان يشغلها وقتها هو الثأر لكرامتها وقلبها المذبوحان بسكين الغدر ! الخيانة ! الإستغناء !!.. فأرادت أن توصل لجونغ سوك رسالة واضحة بأنها ستواصل بدونه .. في الواقع أمس بعد رحيله .. حدثت مُعجزة الاهية وهبتها السماء لتلك المُضحية التي تمت التضحيةُ بها .. فأرسلت لقلبها سكينة لم تسكنهُ يوماً .. وفي ليلةٍ وضحاها علمها قبلها معنى الإستغناء .. لقد لقنها جونغ سوك درساً لن تنساه ما حيت !! .. وبدورها ستريه بأن تلميذته النجيبة قد وعت الدرس وطبقته .. أيام .. شهور .. أو ربما سنين ولكن في النهاية ستنساه !! ..


انحنى وو بين مرحباً بها : مرحباً ايون هي – شي .. كيف حالكِ ؟ ( نظر لها بغرابة ) تبدين بخير !! ..


أومأت بابتسامةٍ واسعة : بخير ما يُرام ..


رفع حاجبيه بدهشةٍ .. ثم ازدرد لعابه وأردف ليخفي توتره : حسناً هذا جيد بالتأكيد .. احم .. ما رأيكِ في بعض العصير المُنعش ؟


رفعت ساقها للأخرى وهى جالسةٌ على المقعد : حسناً ولِمَ لا ؟

نهض مغادراً الغرفة : حسناً اسمحِ ليَّ ..


بقيت تنظر له حتى اختفى تمامًا من الغرفة .. عندها فقط أسدلت جفونها وأخرجت كل ما يعتمل بداخلها على هيئة زفرة طويلة وحارقة للغاية .. لسعت الدموع عينيها ففتحتهما بسرعة وأزالتهم بعنفٍ شديد بطرف كمها .. نهضت تنظر للغرفة حولها في ضياعٍ مؤلم وهي تعيد كل ما حصل بينهما .. لعلّها أرادت أن تُعيد تلك الذكريات على خاطرها ثم تحذفها سريعًا .. توجهت ناحية الباب وقامت بفتحه .. وتلقائيًا توجهت نحو غرفة مكتبه .. وضعت يدها المرتعشة على المقبض وفتحته بضعف .. خطت ببطء وكأنها تحارب ساقيها المتجمدتان لتجرهما للداخل .. ولما أصبحت داخلها أعادت غلق الباب خلفها .. دون أن تعير انتباه لأنه من الممكن أن يكون أحد بالداخل أو أن يكون هو بالداخل .. ربما دوامة الذكريات التي عادت تلتف بها وتقوم بحذفها بسرعة خدرت حتى قدرتها على معايشة الواقع .. ولكن لحسن حظها ها هي الغرفة فارغة من كل شيء سوى الأثاث والأجهزة وإطار يرتكز على مكتبه تحوي صورته .. تقدمت نحوها ببطء أيضًا وتحسستها وهي تبتسم بحسرة .. ثم حركت يدها الأخرى لتستقر فوق بطنها المنتفخ .. ثوانٍ فقط هي ما ظلّت بها هكذا وزاغ بصرها عندما استشعرت اقتراب خطى أحدهم .. تجمدت الدماء في عروقها وفي اللحظة الأخيرة كانت وأخيرًا استطاعت تحريك جسدها لتختبأ خلف الستارة البيضاء التي تحيط بسرير المرضى .. وضعت يدها على فمها تحاول إخفاض صوت تنفسها ..

هدوء يحتل الغرفة .. ثم ، فُتح الباب .. طرق قلبها بقوة بين جنبات صدرها وأنفها يستعد لتشتم عبقه .. ولكن رائحة عطر نسائي انتشر في الأنحاء .. خطوات تدب على الأرض وتوقفت أخيرًا أمام منضدة فوقها بعض الأدوات الطبية .. عضت إيون هي على شفتها السفلية بغيظ تود الآن لو تخرج لها وتحطم عظامها فتلك المرأة أفسدت حياتها .. صنعت شقًا صغيرًا في الستارة لتتمكن من الرؤية .. فشاهدتها تمسك بهاتف محمول وتضغط أرقامه .. صفارة طويلة ثم بدأت بالحديث بنبرةٍ منتصرة يتخللها الخبث : مرحبًا سيدي ...... آه نعم كل شيء على ما يرام ..... هو الآن في اجتماعٍ مع مدير المشفى ليخططوا سويًا لهذه الجراحة الخطيرة ...... لا لم يتبقى الكثير حضرت غرفة العمليات وخدرت الوزير ...... لا تقلق أبدًا نهاية هذا المشفى وعلى رأسها لي جونغ سوك باتت قريبة فقط ساعات قليلة للغاية ...... لا تقلق لم أترك ليّ أي بصمات وأنا أعقم الأدوات الجراحية بمادة سامة ...... نعم بصماته فقط وأيضًا عندما يمسك بهم أثناء الجراحة سوف تزداد بصماته عليهم ........ لا داعي للقلق كل شيء على ما يرام أنت لم تبعث بهاوية لتكتب نهاية هذه الأسطورة أنت بعثت كارولين ....... حسنًا سيدي سأغلق كي لا يكتشف أحدٌ غيابي ......... سأوافيك بالأخبار بعدها وداعًا إذًا !

شغرّ فاهُ إيون هي التي استمعت للحديث برمته .. زادت من ضغط يدها على فمها حتى لا تسمع تنفسها المضطرب .. تعرق وجهها وجسدها بشدة وفرائصها ترتعد .. يا للكارثة جونغ سوك في خطر .. لما تأكدت من مغادرة كارولين للغرفة وإغلاق الباب .. نزلت على ركبتيها أرضًا ولازال بصرها شاخصًا .. وبلا وعي منها انخرطت في موجة بكاءٍ حارقة .. هل هذه ما تركتني لأجلها ؟ تلك التي تخليت عن طفلك ومعشوقتك لأجلها .. هذه الخائنة والحقيرة هي من حطمت قلبي وبعثرت كرامتي ووأدت أحلامي لأجلها .. والآن ماذا ؟ أعود حيث أتيت وأستمتع بهدمك كما فعلت معي .. بل وأكثر من مجرد قتل أحلامك ومستقبلك وشعورك بالخيانة من أقرب الناس لك .. بل أيضًا تزين الأصفاد معصمك عقابًا لك على قتلي ولازلت أتنفس .. أعليّ فعل هذا ؟ توقفت عن التفكير وظلّت تبكي وتبكي حتى احمرت عينيها كثيرًا .. ولم تشعر إلا بقدميها وهما يحملنها كما الزومبي لخارج الغرفة .. شدّت على قبضة يدها وراحت تبحث كالمجنونة عنه في كل أرجاء المستشفى .. تبحث وتبحث حتى توقفت تلهث في منتصف الممر الرئيسي .. وضعت يدها على بطنها وهي تشعر بالألم يضرب بداخلها .. ظهرها يؤلمها بشدة من أثار الحمل وإجهادها في البحث .. تأوهت بخفوت وهي لاتزال تبكي وتبحث عنه بعينيها كما الضائعة .. شُلّ تفكيرها عن سؤال أحدهم حتى .. وعندما لمحته من بعيد هو ومجموعة من الأطباء والممرضات وكارولين منهم .. عضت على شفتها ودموعها تتساقط وجرت نفسها بإعجوبة لتتوقف أمامه وهي تلهث .. قطب حاجييه ينظر لها بتعجب وقبل أن ينطق ببنة شفة اعتصرت معصمه وجذبته ناحيتها وهي تتعرق وتبكي وترتعد والألم يعصف بكيانها حالتها كانت فعلا مزرية .. حاولت إلقاء الحروف من بين شفتيها .. ثوانٍ وبدأت تتلعثم وهي تنظر له وقبل أن تردف أي شيء سحب يدهُ من قبضتها ونظر لها بعبوس وبصوت أجش قاتل : إيون هي توقفِ عن هذا الآن .. أنا لديّ جراحة وليس لدي متسع من الوقت لهذه الأعمال الصبيانية وسماع توسلاتك بالرجوع .. كل شيء انتهى !

رفعت يدها لتمسك به مجددًا فدفعها وأكمل سيره هو ومن برفقته .. ظلّت واقفة ويدها مُعلقة في الهواء .. عيناها ضبابية وأنفاسها وكأنها تنتشر في المكان بسخونة رهيبة ثم تنكسر وتتلاشى .. كالتمثال الجامد الذي لا حول له ولا قوة .. ببطء أخفضت يدها لتهتز بجانبها حتى استقرت .. أغمضت عينيها واستنشقت كمية كبيرة من الهواء ملأت به رئتيها وتقدمت بخطوات ميتة .. ظلّت تسير غير واعية لكل ما حولها حتى اصتدمت بجسد ووبين الذي زفر بمجرد أن رأها : ولكن أين ذهبتِ عدت ولم أجدكِ فقلقــ .. ( صمت وعيناه شاخصة عندما رأي حالتها .. وضع يديه عند كتفها وهزها لتستفيق ) إيون هي .. إيون هي عودي لرشدكِ ما الذي حدث ؟!

رفعت قرانيتها تنظر له .. ثم ألقت بثقلها على صدره واجهشت بالبكاء وهي تصرخ : أحببته وضحيت لأجله بكل شيء .. لم يبقَ ليّ أي شيء يذكر من هذه الحياة .. قدمت كل شيء ولم أنتظر أي شيء .. وهو طعنني بسكين الاستغناء .. ولأجل من ؟ ساقطة هي الآن على وشك تدمير مستقبله .. سمعتها تحدث أحدهم عن أنها عقمت أدوات الجراحة بالسم لتتحطم أسطورة الطبيب المعجزة .. ركضت بكل ندوبي وآلام قلبي النازفة لأنجو بحياته ولكنه دفعني دون أن يستمع وصف ما أقوم به لأجل حمايته بعد كل هذا الآلم الذي قدمه ليّ بالتصرفات الصبيانية .. طلب مني أن أتوقف عن ترجيه ليعود فكل شيء انتهى ( صرخت بكل قوتها بعدما تفلتت من جسد ووبين المصدوم ) بل إلى الجحيم يا قلبي !

ازدرد ووبين لعابه ليبلل حلقه الجاف .. ورغم أن ساقيه تتخبطان ببعضهما وترتعد فرائصه هو الآخر .. إلا أنه أسندها حتى غرفة فارغة وأجلسها على المقعد وأمر ممرضة أن تبقى معها .. وبأقصى سرعة ركض .. سابقت قدماه الرياح حيث غرفة العمليات المضاء نورها بالأحمر .. اقتحمها كما المجنون .. لينظر له الجميع بصدمة .. توجه نحو جونغ سوك الممسك بالأدوات ليبدأ عمله وبكل قوته لكمه .. طاح جسد جونغ سوك أرضًا وعيناه شاخصة .. وبنفس القوة وجه صفعة لكارولين أدمت خدها !!.. حدث كل شيء بعد هذا بسرعة .. آتت الشرطة وألقت القبض على كارولين لتبدأ معها التحقيقات وانتهى جونغ سوك من الجراحة بعدما بُدلت الأدوات المسممة بأخرى .. وحالما انتهى ذهب لمقر النيابة ليتم التحقيق معه هو الآخر .. حاول ووبين مساندته والتأكيد على براءته ولكن بالفعل كان وضعه في القضية خطر للغاية كون لا بصمات إلا له .. ولا أدلة ضدها غير كلام ووبين .. استمر الوضع بضعة أيام .. كان ووبين خلالها الوحيد الذي يعتني بإيون هي التي مكثت في المشفى .. وتقرر ولادتها .. أجريت لها ولادة قيصرية وذهب الطفل للحضّانة .. وبقيت هي لفترة حتى يتم شفاؤها .. ظلت التحقيقات في مد وجذر وجونغ سوك هادئ وصامت لا يقدر على النطق فحقًا كل ما هو فيه وما سيحدث له يستحقه .. وأخيرًا وعى كم كان شخصًا أنانيًا متعجرفًا وسيئًا للغاية يستحق كل مكروهٍ سوف يصيبه مستقبلا .. من تدمير لمستقبله وسمعته وسنوات السجن التي ستنخر عظامه لبرودة زنزانته وآلم قلبه الدامي لمعشوقته التي سار على أوجاعها لفترةٍ ليست بالهينة .. وطفله الذي سيحرم من معاصرة طفولته أيضًا .. كل هذا هو يستحقه إن كان في هذه الحياة عدل ..

ولكن المفاجئة كانت أن إيون هي لما تحسنت تمامًا وعادت تتحرك بطبيعية .. ذهبت للنيابة العامة وتركت شهادتها التي لا بد أن تساعد موقفه في القضية .. ولحسن الحظ أنه عندما تفقدت الشرطة سجل مكالماتها وجودوا آخر رقم تم الاتصال به هو مدير آحد المستشفيات المنافسة .. وبمطابقة وقت الاتصال مع ما ذكرته إيون هي تم الحصول على بعض الأدلة التي ضغطوا بها على كارولين حتى اعترفت .. ونجى جونغ سوك بمستقبله وحياته بإعجوبة ...

كان ووبين يقود السيارة نحو منزله و جونغ سوك بجانبه لا تفارقه حسرة ما أقدم على فعله .. شاردًا في آلامه حتى أيقظه صوت ووبين : والآن جونغ سوك .. ماذا يتوجب عليك أن تفعل برأيك ؟

حرّك رأسه ببطء لينظر له .. ثم اعتصر جبينه بأصابعه : هل تعتقد أنها ستسامحني ؟

نظر له ووبين بحدة : هل ستتركها دون أن تغفر لك ولو بقيت تتأسف لنهاية عمرك ؟

أدمعت عيناه وهو يعض على شفته بقوة : كم كنت وغدًا !

ابتسم ووبين بسخرية : نعم كنت كذلك بالفعل ( نظر للطريق أمامه ) الآن إيون هي في المطار مع طفلها ستغادر البلاد !

اتسعت عينا جونغ سوك وانتفض جسده كمن تعرض للدغة عقرب : ماذا ؟! ( أومأ له ووبين .. فابتلع لعابه بغصة شديدة المرارة وأشار له بعزم ) بسرعة نحو المطار !

لم ينتظر حتى أن تقف السيارة بل قفز منها بمجرد أن اقتربت من المطار .. ظلّ يركض وهو يتلفت يمينًا ويسارًا بحثًا عنها وقلبه لا يتوقف عن النبض السريع .. ركض وبحث وأنفاسه تتوالى بحدة ودموعه تتساقط بغزارة .. تعبت قدماه من البحث .. لقد كان كمن يبحث عن إبرة وسط كومة كبيرة من القش .. توقف في وسط المطار وانهمار دموعه لا يتوقف أهذه النهاية حقًا ؟ سيُحرم منها ومن طفله للآبد ؟ أسدل جفونه على دموعه التي كانت بمثابة أشواك تنغرز في عينيه لتدميهما .. والتفت الأرض من حوله حتى كاد يسقط مغشيًا عليه .. ولكن لما فتح عيناه ببطء لمحها على بعد .. تسارعت أنفاسه وصك أسنانه يُكمل ركضه المترنح حتى بات بينهما بضع إنشات فصرخ باسمها : يــا يون إيون هي ! ( التفت تنظر له بصدمة سرعان ما أخفتها واستدارت تكمل سيرها .. ركض وأمسك ذراعها بقوة حتى منعها من التقدم ) توقفِ أرجوكِ ! لا تغادري إيون هي .. دعينا نصلح كل ما حطمه غبائي وأنانيتي !

ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة : فلتصلحه لوحدك فنحن انتهينا .. أنا كنت دائمًا المضحية ولكن أتعلم بتُ الآن أمقت هذا الدور كثيرًا .. لم أعتد لعب دورٍ واحد لأكثر من فيلم .. والآن أنت كتبت نهاية فيلم المضحية هذا بالتضحية بها وأنا وافقتك على النهاية ولا أود تغييرها .. كتبت النهاية سابقًا والآن انتهى الفيلم .. ينتظرني آخر عزيزي !

انهمرت دموعه ويده التي تمسك بها سقطت وشرع يردد : أنا آسف .. أنا نادم امنحيني فرصة واحدة بعد .. لأجل طفلنا إن لم يكن لأجلنا !

نظرت لعربة الأطفال التي ينام بها الطفل بهدوء وعادت تنظر له بعيون تحتشد بها الدموع .. عضت على شفتها تقول بحدة : أفضل لطفلي أن يحيا بلا أب عوضًا عن أن يكون معه وهو قد تخلى عنه سابقًا !

أمسك يدها فأفلتتها بعنف ونظرت له مهددة ليكمل هو سريعًا : أنا نادم أقسم لكِ .. لطالما عفوتِ عني .. فامنحيني فرصة واحدة بعد !

صدح صوت ملأ المطار وهو يوجب المسافرين بضرورة التوجه نحو الطائرة التي سوف تقلع بعد دقائق .. رمقته إيون هي بعيون فارغة ودفعت العربة أمامها وظلّت تتقدم حتى اختفت من أمامه !!..

بعد مرور خمس سنوات

نزلت إيون هي على درج القصر ببطء وهي تمسك بطرف ثوبها .. ولما أصبحت أمام البوابة المفتوحة سمعت صوته الصبياني ينادي عليها : أوماااه ! ( التفت تنظر له بأسارير مستهلة ونزلت على قدميها لتصبح في مستواه فأكمل ) أوماه أريد أن أذهب للملاهي معكِ !

رفعت يدها تُمسد له شعره وقالت في نبرة حانية : أوماه لديها مقابلة تلفزيونية الآن .. شاهدها على التلفاز وشجعها وعندما تنتهي ستذهب معك اليوم بطوله للملاهي !

ضرب كورين الأرض بقدمه الصغيرة وعيناه تتجمع فيهما الدموع وصرخ بحرقة : لا أريد .. لا تذهبِ لهذا اللقاء .. أنا أفضل منه وأنتِ لا تكترثين لي مثل السابق !

تعالى بكاءه فعضت على شفتها السفلى .. منذ رحيلها إلى نيويورك وهي تكرس حياتها بالكامل له .. حتى فاجأها أحد منتجي أفلام هوليوود وعرض عليها فيلمًا .. بقيت في حيرة من أمرها فهي قد اعتزلت حياة الفن ولكن أوجاع قلبها التي تزداد في الوحدة كلما سمعت قلبها ينادي عليه أجبرتها على القبول علّها تنشغل بالعمل وتنساه .. قامت ببطولة الفيلم وكان عودة ساحقة لها .. توالت بعدها الأعمال وانغمثت في العمل مجددًا وبدأث ثروتها تتكون من جديد .. كل ما تخلت عنه سابقًا عاد لها .. كما عادت هي أيضًا وطفلها كورين لكوريا منذ شهرين .. رغم انشغالها بعملها طوال الفترة الماضية لم تهمل الفتى أبدًا .. إلا أن هذان الشهران اللذان عادت فيهما إلى كوريا شغلاها تمامًا عنه .. تنهدت بعمق وضمته لصدرها : أعدك لن أتأخر !

آتت المربية وأبعدته وهو يبكي وغادرت إيون هي إلى اللقاء وهي تزفر كما لو أن صخرة تجثو عند صدرها وبهذه الزفرات هي تحاول زعزعتها .. ولما انتهت من اللقاء وتقعدت الكرسي في سيارتها ظلّت تُعيد آخر سؤال من المذيعة لها : ما هي أكثر أغنية قريبة لقلبك ؟

ابتسمت إيون هي بألم وهي تسترجع في رأسها تلك التي كتبتها ولحنتها بنفسها وغنتها للمرة الأولى بدموعها لجونغ سوك عندما غضب منها في إحدى المرات لأنها حدثته دون أن تقصد عن حزنها لأنها تركت الفن وتتمنى لو تعود .. يومها انهال عليها بكلامٍ لاذع وتركها وغادر .. ساءت حالتها لفترة ثم خطر على بالها أن تصالحه وتعيدهُ لها بتلك الأغنية .. انتبهت من شرودها على صوت المذيعة التي هتفت باسمها فقالت بعيون رطبة على وشك أن تدمع مجددًا : واحدة كتبتها ولحنتها بنفسي في فترة اعتزالي .. اسمها
 ( Don't leave ( !

ابتسمت المذيعة وصفقت تقول : اسمها رائع إذًا لا بد أن نسمعها .

منحتها ميكروفونًا .. فنهضت إيون هي ووقفت في المكان المخصص للغناء واستجمعت كل ذكريات الماضي وبصوتها المليء بالشجن راحت تصدح بكلماتٍ هزت فؤاد كل من يستمع لها مثلما هزت فؤادها هي ...
.
.
.
.
فتحت إيون هي عينيها على تلك الدمعة اليتيمة التي انزلقت .. عندها أعلمها السائق أنه وصل للقصر .. ترجلت تسير بترنح تحت وقع الذكريات المؤلمة وأول ما فعلته أنها صعدت غرفتها .. وولجت لدورة المياه ووقفت أسفل المياه الباردة بملابسها وراحت تبكي .. ظلّت هكذا لفترة ثم أغلقت المياه وبدلت ثيابها لأخرى وتوجهت حيث غرفة كورين وجدته مع المربية يلعبان بالمكعبات فهتفت بصوتٍ متعب : كورين هيا لنذهب للملاهي !

لمعت عينا الطفل الصغير وقفز بحماسٍ شديد ليتعلق بعنقها .. ضمته لها بقوة وربتت على رأسه وبالفعل أقلهم السائق لمدينة الملاهي .. جرّب الفتى كل الألعاب وضحكاته تصدح في الأرجاء وإيون هي تراقبه وهي تبتسم بغصة مؤلمة .. غفلت عنه لثوان وهي تتذكر ذلك اليوم الذي آتت فيه لهذا المكان مع جونغ سوك وكانت تلعب وتصرخ كما الطفلة وهو يبتسم على جنونها طرق قلبها باشتياق وعادت دمعتها اليتيمة تلك لتنام على خدها .. سمعت صراخ كورين لتنظر له بفزع فإذا به مستلقي على الأرض ورأسه ينزف .. اجتث قلبها من جذور صدرها وركضت نحوه تضمه لحضنها وهو يبكي ويتحسس الدماء النازفة من رأسه بيده الصغيرة ليصرخ من الفزع .. لقد سقط من فوق الأرجوحة وجرح رأسه عندما غفلت عنه .. انهمرت دموعها وهي تشعر بالضياع لا تعرف ما الذي ينبغي عليها فعله .. حتى نبهها السائق وحمل الطفل من ذراعيها وركض على أقرب مشفى وهي برفقته .. أدخلوه غرفة الطوارئ وظلّت هي بالخارج تمسح الممر ذهابًا وإيابًا والقلق يفترس قلبها .. مرّ بعض الوقت لم تعرف قدره بالضبط وفتح الباب ليخرج الطفل على سرير صغير والممرضة تدفعه لغرفة عادية ليستريح ورأسه مضمض .. ركضت نحوه وهي تبكي وتمسكت بيد الممرضة : ما الذي حدث له ؟ أهو بخير ؟

هدأتها الممرضة : لا داعي للبكاء سيدتي لم يكن الأمر بالخطير .. هو فقط نائم حالما يستيقظ سيمكنكم المغادرة إن أردتِ .. ( نظرت لغرفة الطوارئ وأشارت بيدها ) ها هو الطبيب يمكنك أن تستفسري منه عن التفاصيل كاملةً

التفت إيون هي بجسدها كله حيث تشير الممرضة لتتجمد بمكانها حالما رأت جونغ سوك أمامها .. كأن المكان بأكمله ابتلع وسط الظلام وأصبح خاوي من أي شيء سوى جسديهما .. اقترب منها بخطوات بطيئة هو أيضًا لا يصدق أنها أمامه بعد كل هذا الشوق لها .. لقد أصبح بائس بوجهٍ ذابل وحزنٍ يرافقه ليل نهار لا يعرف أي شيء سوى العمل كما الميت نهارًا والبكاء طوال الليل شوقًا وألمًا .. نخر الندم في جسده ففقد الكثير من الوزن لكنه لم يتغير .. هى أيضًا لم تتغير مازالت أنيقة على عكسه الآن .. شعرها يبدو أنها قصت جزءًا كبيرًا منه .. وجهها رغم جماله الآخاذ يبدو ذابلا هو الآخر .. توقف أمامها مباشرةً وابتسم بحسرة وتساقطت دموعه بلا وعي منه مشيرًا على السرير : طفلنا ؟

عاد كل شيء لطبيعيته بعدما هيأ لها عقلها الفراغ وفقط .. حركت رأسها بإعجوبة تنظر لكورين النائم على السرير المتحرك ثم أعادت نظرها لجونغ سوك وأومأت : كورين !

أسدل جفونه يضغط على قرانيته لفترة كأنه يُصفي كل دموعه ثم أعاد فتحهما وقال : اشتقت له .. في الواقع اشتقت لكما كثيرًا !

نظرت حولها بصمت .. كيف لم تنتبه أن هذه المشفى نفسها التي يعمل بها جونغ سوك .. ألشدة خوفها وقلقها على كورين ؟ أم أن للقدر يدٌ في هذا ؟ .. أشار جونغ سوك للمرضة أن تنقل كورين لغرفة مريحة بعدما اقترب ليتأمله لفترة وطبع قبلة متفجرة بشوق الأب على جبينه .. ولما غادرت الممرضة استقام ينظر لها بعيون انهكها البكاء .. فاقتربت بخطى خفيفة ورفعت يدها كما الممسوسة وطوقت عنقه واجهشت بالبكاء .. أسدل جفونه على الدموع وضمها لصدره بشوقٍ لازال مشتعل ولم يكن لينطفأ سوى بوجودها بين أضلاعه جنبًا لجنب مع قلبه !
يبدو أنها قررت أن تستمر كمضحية حتى النهاية وتمنحه فرصة أخرى .. ولكن تلك الفرصة لم يكن هو بحاجتها أكثر منها .. لي جونغ سوك بالنسبة لها ليس حبًا يمكن أن تتخطاه وتستمر واقفة بشموخ من دونه .. حبٌ صادق وولع جعلها متيمة به .. وجعله مجنونًا وشغوفًا بها .. حبهما مرّ بالكثير من العثرات والتناقضات الصارخة .. جربا في ثنايا هذا الحب كل شيء .. الحزن والسعادة ، التضحية والأنانية ، الوصال وحتى الفراق .. هذا الفراق الذي كان فعلا (( فراق مستحب )) ليُعيد كل منهما ترتيب قائمة أولوياته وبعض سلوكياته .. كان لا بُد من فراق مستحب يتعذب فيه كلاهما ليؤمنا بأن وجودهما معًا شيء له قادسيته .. لتعود إيون هي لنفسها وتعيد أحلامها التي تخلت عنها .. ليكسر جونغ سوك عناده ويتخلى عن هوسه بالكبرياء المزيف الذي كان السكين التي شرحت هذا الحب .. ولكنه ولصدق الحب بينهما كان أقوى وأكثر صمودًا من أن يمزق وينتهي بتلك السهولة .. إنها رسالة لكل قلبين يعيشان في كنف الحب .. أكان حبًا بين رجل وامرأة ، صديق وصديقه ، أي أحد جرب الحب بكل أشكاله .. ضحيا أنتما الاثنان بالتساوي .. حطما جدار الكبرياء والكرامة بينكما قبل أن يحطما هما حبكما .. تمسكا ببعضكما ودومًا عندما تدق ساعة الفراق .. قفا كمقاتلين وتمسكا بأيدي بعضكما .. أصرخا حتى تصابان بالصمم ( لا ترحل ) ! 




النهايـــــــــــة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق