البارت الأول
Time waits for no one
الزمن
لا ينتظر أحدًا


سيؤول /
مارس 2008 ...
اخترق صوتها ممرات
مستشفى سامسون للأمومة و الطفولة
وتعالت هتافات طبيبة
التوليد
" ادفعي سيدة
لي.. لم يبق الكثير"
وفي الرواق كانت
هاريم تخيطه ذهابا و إيابا تتضرع إلى الله أن تخرج أمها و الطفل سالمين معا.. خاصة
بعدما أعربت طبيبة والدتها عن قلقها ، فأن تحمل امرأة في أواخر الأربعين و هي
مصابة بضغط الدم أمر ليس بالسهل و لا المطمئن والولادة ستكون خطرا عليها وعلى
الجنين، حاولت الطبيبة في الفترة الأولى للحمل أن تقنع السيدة لي بإجهاض الطفل
ولكنها قررت الحفاظ عليه.
كانت والدة هاريم
طوال فترة حملها تمر بأوقات عصيبة و لكنها أصرت على الاحتفاظ بالطفل مهما كلفها
الأمر ، وكانت دائما تطلب من ابنتها أن تعتني بالوافد الجديد على العائلة مهما
حدث، و لأن هاريم كانت الطفلة الوحيدة فإنها كانت تنتظر هذا الطفل بسعادة غامرة ،
ورغم أنها ذات عشرين سنة إلا أن من يرى تحمسها للمولود الجديد يقول أنها لم تتجاوز
سن الخامسة بعد ..
ساعدت أمها في
اقتناء ملابس للطفل .. ولنقل الطفلة ففي الشهر الخامس من حمل والدتها ، ذهبتا إلى
العيادة للقيام بالفحوصات الدورية ، و بشرتهما الطبيبة بالأميرة القادمة .. وهنا
صارت هاريم أكثر بهجة من ذي قبل ، و طوال اليوم راحت تفكر في اسم لأختها الذي لابد
أن يكون جميلا و متوافقا مع اسمها.. واتفقت في النهاية مع والدتها أن يكون * هايين*
اسم الطفلة، بكل حماس احتضنت هاريم والدتها وقالت بسعادة " أخيرا سيصبح لي
أخت"
ثم انحنت إلى بطن
والدتها المنتفخ ، قبلته وقالت بحنان
"مرحبا هايين،
هذه أوني هاريم، أنا أتوق لقدومك، أسرعي بالخروج ينتظرنا الكثير لنفعله معا"
...
و ها هي الآن تخيط
هذا الرواق الذي بدا ضيقا ليتحمل قلقها، كانت تدعو بقلب مهتز و خائف، وهي تسمع
صراخ والدتها ، كانت كلما علا صراخها استبد بها الخوف، وهي على هذا الحال جاء
والدها على عجل ، لا تزال آثار شحوم السيارات عالقة على يديه و القليل منها على
وجهه ، فقد خرج من المرأب الذي يعمل به على جناح السرعة دون أن يغتسل بادرها
بالسؤال
" هل هي بخير؟"
" لندعو أن
تكون بخير" ردت بهدوء
ولكنه تحدث ساخطا
" أخبرتها ..
أخبرتها ألف مرة أن تجهض هذا المخلوق.. ولكنها لا تستمع لي..."
" هذا المخلوق
هو أختي يا أبي.. إنها ابنتك"
رد بانفعال
" و أنا لا
أريد هذه الطفلة.. أريد زوجتي وحبيبتي.. أقسم أنه إن حدث لها مكروه، فأنا لن أعترف
بهذه الطفلة.. أنا أقسم"
و في هذه اللحظة
تعالى صوت الأميرة الجديدة ، فارتسمت على وجه هاريم ابتسامة رقيقة وقالت بصوت مليء
بالأمل
" هايين.. لقد
جاءت"
ولكن سرعان ما تبدد
هذا الأمل حين تذكرت أن احتمال فقدان والدتها مازال قائما، وصار القلق يلعب
بأفكارها من جديد وتعلقت نظراتها بباب الغرفة وما إن خرجت الطبيبة حتى اندفعت هي و
والدها إليها
" دكتورة كيف
حال زوجتي"
" هل أمي بخير"
كانت نبرة القلق في
صوتيهما
ابتسمت الطبيبة بوهن
و قالت
" الطفلة
بخير.. و الأم ستكون بخير بعد أيام"
ظهرت الطمأنينة على
وجه هاريم ووالدها و ابتسما بسعادة ثم استأذنا الطبيبة ليدخلا إلى الأم و ابنتها
فأذنت لهما
دخلت هاريم وهي ترقص
فرحا و تهتف بسرور
"حمدا لله على
سلامتك أمي العزيزة"
ثم نظرت حولها لتقع
عيناها على ذلك المخلوق الرقيق الذي لفته الممرضات في رداء وردي، نظرت إلى الممرضة
وقالت ونظرة الأمل تشع من عينيها
" هل يمكنني
حملها؟"
" طبعا،
بالتأكيد"
ردت عليها
الممرضة وهي تقرب منها الطفلة الصغيرة ، وبكل رقة وحنان أخذتها هاريم
بين ذراعيها و كأنها طفلتها و طبعت قبلة على جبين هايين وقالت بحنو
" أهلا بك
أيتها الجميلة"
ثم التفتت إلى
والدها وابتسمت ابتسامة واسعة
" أبي أنظر
إليها كم تبدو رقيقة وهشة"
لم يهتم والدها
كثيرا لكلامها، بل إنه لم يعر ابنته الجديدة أي اهتمام، كان كل همه زوجته التي
أمسك يدها بإحكام و كأنه خائف أن تختفي
في تلك الأثناء جاءت
إحدى الممرضات وهي تحمل بعض الأوراق بين يديها
" هذه أوراق
الحالة المدنية، هنا يكتب اسم الطفلة، وهنا توقع سيدي"
نظر الأب بلامبالاة
ثم أخذ الورقة من بين يدي الممرضة
" هات القلم...
ها هو توقيعي، أما اسم الطفلة فلا يهمّني"
استنكرت الأم كلام
الأب و لكنها لم تستطع قول شيء نظرا لأنها متعبة
تحدثت هاريم ببهجة
" إنه هايين ..
هـا. يــيــن.. هكذا تكتب"
مرت خمسة أيام ،كانت
والدة هايين تصارع فيها الموت وتحاول أن تبقى إلى جانب طفلتيها لكن شاء القدر أن
تفارق الحياة في اليوم السادس
حزن فظيع ألمّ
بهاريم و خاصة بعد أن صارت المسؤولة الأولى على أختها الصغيرة، أو طفلتها كما
أصبحت تناديها ...
مرت سنة على وفاة
الوالدة، و رغم ذلك الشعور بالحزن والوحدة الذي اكتنفا هاريم إلا أنها لم تيأس
وقررت أن تمنح ما استطاعت لتربية أختها ، فكانت تدرس وتعمل كمربية بدوام جزئي في
روضة الأيتام التي كانت تعمل بها والدتها ، فبعد وفاتها قدمت لها المديرة يد
المساعدة في تربية أختها التي كانت تتركها صباحا في رعاية المديرة وتعود مساءا
لترعاها و ترعى الأطفال الآخرين ، ثم تعود إلى المنزل لتجده خاليا ، فوالدها منذ
وفاة والدتها لم يعد يتصرف بطريقة طبيعية ، بل صار ينام نهارا و في الليل يخرج
ليشرب و يثمل وحين يعود فجرا ، فإنه يصرخ و يبحث كالمجنون عن هايين و يلعنها ويسبها
، و من شدة حنقه عليها كان أحيانا يحاول كسر باب الغرفة التي تكون فيها ويهدد
بقتلها ، و إن سمع بكاءها فإنه يثير الدنيا و لا يقعدها .. استمر على هذا الوضع
شهورا و شهورا إلى أن جاءها اتصال في أحد الأيام من المستشفى..كان والدها قد تعرض
لحادث، فقد صدمته شاحنة أودت بحياته
لتجد هاريم نفسها
وحيدة بكل ما في الكلمة من معنى ، ليس معها سوى أختها الصغيرة هايين التي لم
تتجاوز العامين بعد، والتي تحتاج كل الرعاية ، و هاريم قد وعدت والدتها أنها
ستعتني بهايين مهما كلفها الأمر.. وها هي اليوم صارت أمًّا دون أن تلد طفلتها...
*******************
بيونغ
تشانغ / فبراير2018
في بهو الفندق الفخم
* فندق الجليد* توافد العديد من الصحفيين المراسلين من كافة أنحاء العالم ، فبيونغ
تشانغ هذه السنة تحتضن الألعاب الأولمبية الشتوية ، وفندق الجليد هو الفندق الراعي
لهذه التظاهرة الرياضية العظمى و التي تحدث لأول مرة في تاريخ كوريا ..خصص الفندق
غرفا للاعبين و الصحفيين و المسؤولين و ذوي المناصب ... واليوم هو يوم استقبال
الصحفيين لذا فالمكان يعج بالمراسلين و المصورين و الفوتوغرافيين ومعداتهم و
حقائبهم، ووسط هذا الاكتظاظ علا صوت السيد تشوي مالك الفندق
" أوه ، لي
هاريم، أخيرا أتيتي آنستي ، أنت تبدين رائعة"
التفت الجميع إلى
حيث مصدر الصوت يدفعهم الفضول لرؤية الآنسة *لي هاريم* هذه ، حين تجلت أمامهم فتاة
ممشوقة القوام ترتدي حذاء كعب عال ،سروال جينز ذي خصر مرتفع و قميصا حريريا بظهر
شبكي ،ظهرت تحته بشرتها ناصعة البياض ، و انسدل شعرها الكستنائي المتموج على
كتفيها ، كانت كالجوهرة المغلفة في السواد
نزعت نظارتها
الشمسية و أفسحت المجال للؤلئها الذي اصطف بين شفتيها لتعرب عن ابتسامة أخاذة تسلب
النظر
" أوه سيد
تشوي، كيف حالك"
" أنا بخير ،
خاصة بعد رؤيتك "
ثم مد يده إلى يدها
التي تحمل بها حقيبة يدها و معطفها وقال متملقا
" هات عنك
سأحمل هذا، لابد وأنك متعبة، ثم إن الجو بارد، لما نزعت معطفك"
قالت مجاملة
" كلا سيد
تشوي، فالجو في فندقك ربيعي مهما كانت الأجواء خارجا"
أطلق السيد تشوي
ضحكة مقهقهة ملأت المكان فبادرته هي بابتسامة هادئة
وبين أولئك الذين
كانوا يراقبون الموقف تحدث جينهو مخاطبا زميله كيوهيون
" يا إلهي أنظر
إلى ابتسامتها كم تبدو جميلة"
قال ذلك هائما
بالحسناء التي يراها تحدث السيد تشوي، فجاءه رد زميله محبطا له
" إنها لا
تبتسم"
" كيف لا؟
وماذا تسمي هذا؟"
" أنا أعرف
هذا، إنها لا تبتسم"
" هل أنت خبير
بابتسامات البشر مثلا؟"
" كلا ، ولكنني
أدرك جيدا أنها لا تبتسم"
" أنت مجنون"
" هيا دعنا
نذهب إلى غرفتنا فأنا متعب"
قال كيوهيون ذلك و
مد يده يجذب زميله جينهو بقوة و يسحبه خلفه ، قال جينهو بحماس شديد
" أتمنى أن
تقيم لي هاريم معنا في الطابق نفسه"
" غبي، جميع
الصحفيين سيقيمون في طابق واحد"
" هل أنت
متأكد؟"
" أجل"
" أنا أحبك كيم
كيوهيون"
و انقض عليه يعانقه
، ولكن كيوهيون كان يحاول أن يتخلص منه
" إليك عني
أيها المجنون"
" هيونغ ، يبدو
أنني وقعت في حبها من أول نظرة أنا سعيد بعودتي إلى هنا"
" أنت فعلا
مجنون"
" نعم أدرك
هذا... هاريم آه انتظريني فانا
فارسك المنتظر"
حرك كيوهيون رأسه
بقلة حيلة و دخل الغرفة ، ارتمى على سريره وراح يغوص في أعماق ذكرياته.. بعد ثماني
سنوات تقريبا عاد أخيرا إلى كوريا كمراسل صحفي لكبرى القنوات الرياضية في الولايات
المتحدة ... وها قد آن الأوان ليعود قلبه للخفقان مرة أخرى
* لي هاريم*
كم هي آسرة
تلك الفتاة،هذا الوجه الطفولي و تلك النظرة الواثقة و ذلك الجسد المثير والمغري..
كل رجل يتمنى أن تكون من نصيبه.. ترى هل ستكون له؟
.. هو ليس كزميله
جينهو كثير الكلام.. هو أكثر هدوءا و وقارا .. لطالما لف شخصيته الغموض ، لا أحد
يعلم ما يسبر في أغوار قلبه .. لا أحد
.. عندما ذهب
للدراسة والعيش في الولايات المتحدة اكتسب عادة جديدة وهي مواعدة الفتيات من أجل
اللهو، لأنه ترك قلبه ينبض في مكان ما في كوريا.. وها هو اليوم بمجرد رؤية هذه
الفاتنة ..نبض مرة أخرى...
في البهو كان كل من
أونهيوك و مينا يتابعان حديث السيد تشوي و هاريم وهما متعجبان من هذه المعرفة
العميقة بينهما ، أحنت هاريم رأسها بأدب للسيد تشوي
" سأذهب لأرتاح
الآن، وشكرا على ضيافتك سيد تشوي"
" حسنا عزيزتي
أتمنى لك إقامة طيبة عندنا"
" أكيد"
و أهدته ابتسامة
هادئة
اتجهت إلى المصعد و
أونهيوك ومينا يتبعانها ثم أمطراها بسيل من الأسئلة ، تحدث أونهيوك والدهشة بادية
في كلامه
" هل تعرفين
هذا الرجل نونا؟"
"نعم إنه صديق
قديم لعائلتي"
" لقد سمعت أن
ابنه يعمل مذيعا في التلفزيون الوطني"
" و سمعت أنه
وسيم أيضا،أوني"
قالت مينا ذلك متممة
كلام أونهيوك
" مهما كان
وسيما، فهو ليس أوسم مني"
رد أونهيوك وهو يعدل
ياقته
" وهل تعتقد
أنك وسيم؟"
قالت هاريم وهي تنظر
إليه بطرف عينيها، فردت مينا و هي تقطب حاجبيها
" أونهيوك أوبا
وسيم أيضا أوني"
" نعم ، نعم،
هو كذلك و لكنك تقولين هذا لأنك لم تقابلي تشوي شيوون بعد"
" أهو وسيم إلى
هذه الدرجة أوني؟ فأنا لم أسمعك يوما تمتدحين أحدا هكذا"
" ستحكمين على
هذا وحدك ، أنا متأكدة أنه سيكون هنا قريبا"
أومأ أونهيوك برأسه
معترضا على هذا الكلام وتمتم
" لقد رأيته من
قبل وهو ليس وسيما"
ابتسمت هاريم على
كلام أونهيوك وتخللت ابتسامتها ضحكة خافتة
" أنت تشعر
بالغيرة؟"
" لا .. أنا
واثق من نفسي"
" إذا لما كل
هذا الاعتراض؟"
" لا أدري لما
أنت مصرة على أنه أوسم مني؟"
" ستظل طفلا
دائما"
" هاي نونا"
وقطب حاجبيه و لوي
شفتيه كالأطفال
التفتت إليه و شدت
خده وقالت ممازحة
" صغيري، رأيي
بوسامتك غير مهم، ولكن فكر في رأي من يهتم لأمرك فعلا"
ثم أرسلت نظرها إلى
مينا التي تقف بجانبه
و تركتهما يقفان
أمام مخرج المصعد واتجهت إلى الغرفة..
*********************
سيؤول/
ديسمبر2017
يجلس على مكتبه،
يراجع بعض الأوراق، ضغط على زر مكبر الصوت الذي على مكتب السكرتيرة
" مونهي هل
أعلمتي هاريم أنني أنتظرها في مكتبي؟"
" أجل سيد
هيتشول، أوه ها قد حضرت"
" دعيها تدخل"
دخلت هاريم مكتب
المدير بهدوء، أشار لها أن تجلس ، فجلست على الكرسي على الجانب الآخر للمكتب، وقف
هيتشول مدير قنوات سيؤول سبورتس و اتجه إلى الكرسي المقابل لهاريم ثم نظر إليها
بتمعن
" تبدين مختلفة
اليوم"
" حسنا ، ربما
لون أحمر الشفاه، فقد غيرته"
" لا ، ليس هو"
" أممم، إذن
ربما ظلال العينين، أنظر"
وأغلقت
عينيها بطفولية ، ثم سألت ببراءة
" ما رأيك"
" لا ليست ظلال
العيون رغم أنها تبدو جميلة"
" أممم، إذن
تسريحة شعري؟"
" لا، لا ، لقد
عرفت ما الذي تغير فيك"
قالت بحماس
" ماذا ؟ ماذا؟
ماذا؟"
" لقد ازداد
عمرك سنة، كل عام وأنت بخير طفلتي الصغيرة"
وأطلق ضحكته التي
دوت المكتب ، لوت هاريم شفتيها ثم قالت معترضة
" أوبا هذا ليس
عدلا"
" كم أصبح عمرك
الآن؟"
" تسع وعشرون
سنة "
" لقد أصبحت
عجوزا"
" انظروا من
يتحدث، وهل تعتقد انك لازلت صغيرا"
" طبعا مازلت
كذلك، أنا في الرابعة والثلاثين فقط"
" حسنا ، أين
الهدية؟"
" أممم،
بالنسبة للهدية .. حسنا ، سأرسلك في رحلة"
قالت بحماس
" إلى أين؟"
" إلى بيونغ
تشانغ"
ظهرت علامات الإحباط
على وجهها ثم قالت بملل
" تقصد رحلة
عمل"
" نعم، و سأترك
لك حرية اختيار الطاقم الذي يرافقك"
" لكن أنا لا
يمكنني الذهاب من دون هايين"
" لا تقلقي على
هايين ، سأهتم بها أنا و يوري، لا تنسي أنها ستكون وصيفة الشرف في زفافنا"
" ولكن أوبا،
مدة الألعاب الشتوية ستكون طويلة ، إنها شهر ، لا يمكنني أن أبتعد عنها كل هذه
المدة"
" أخبريني
الآن، هل أنت قلقة على هايين ،أم على نفسك؟"
" لا أدري"
" اسمعي هايين
ستكون بخير و ستكون معي و مع أمي ، ثم إن بيونغ تشانغ على بعد ساعة، إن حدث شيء
سأخبرك وتعودين على الفور، رغم أنني متأكد من عدم حدوث أي شيء"
قالت مستسلمة
" حسنا.. إذن
لتعلم أونهيوك و مينا أنهما سيرافقانني "
" فقط هما؟"
" نعم"
" حسنا إذن ،
الرحلة ستكون نهاية الشهر المقبل"
" هل سيكون
هناك؟"
قالت هذا بعد زفرة
تنم عن ألم دفين
" لا أدري، لم
يخبرني بذلك"
" هل فعلا لا
تعلم؟ أم أنك تتجنب إجابتي؟"
" أقسم أنني لا
أعرف، ثم أنا لم اعد أهتم له، لقد غادر دون أن يهتم بنا، وقطع سبل الاتصال به، لم
يسأل عنا أبدا، كان يتصل بي حين يكون في حاجة للمال فقط، إنه أخ سيء"
"هو ليس سيئا..
ولكن توقيته دائما سيء"
" هل مازلت
تحبينه بعد كل هذه السنوات؟"
" لا أدري ما
حقيقة شعوري نحوه، أشتاق إليه و لكنني أشعر أحيانا أنني أكرهه ورغم هذا أعلم أنه
لا أحد جعل قلبي يخفق مثلما فعل هو"
" ألهذا لم
تتزوجي بعد"
" حسنا.. ليس
فعلا..لا أدري"
" إن عاد ثانية
هل ستعترفين بحبك له؟"
"لا أدري.. لا
أعتقد ذلك، أو ربما سأفعل، هذا مشوش، ثم دعنا نغير هذا الموضوع... أخبرني أين
سنقيم في هذه الرحلة المزعومة"
" في فندق
الجليد"
" سيد
تشوي" قالت بإحباط ثم واصلت
" أنت تعلم
أنني لا أطيقه"
" أنا آسف
ولكنه المتعهد الرسمي لهذه التظاهرة ، و إن لم نوافق على الإقامة في فندقه فعلينا
تدبر غرف في فنادق أخرى ، وأنت تعلمين أنها ستكلف كثيرا و.."
" حسنا، حسنا،
لكنك ستبقى مدينا لي بهدية "
" ستهدينني
إياها يوم زفافي "
و أطلق ضحكة مستفزة
مع حركة حاجبين متواصلة، ردت بقلة صبر
" يا إلهي ،
عندي صديق وحيد وهو بخيل ومجنون"
" ولكنه يحبك"
" أعرف هذا
أباه، وأنا أيضا أحبك"
اقترب منها ومنحها
حضنا دافئا ، استشفت منه ما ضاع منها طوال السنوات الماضية من حنان الأب وعاطفة
الأم، في الواقع لقد كان هيتشول دائما ذلك الحضن الذي ترمي عليه كل همومها
وأحزانها ، صديقها الذي يكبرها بخمس سنوات فقط ولكنه منحها الكثير من الحب الأبوي
*****************
بيونغ
تشانغ/ فبراير 2018
كانت الساعة الخامسة
فجرا ، حين فتحت هاريم عينيها ، نظرت إلى الجهة المقابلة فرأت مينا تغط في نوم
عميق كالأطفال ، فتحت الخزانة وأخرجت لباسها الرياضي، ثم دخلت الحمام اغتسلت بسرعة
، ارتدت ملابسها الرياضية وخرجت، كانت الساعة الخامسة والربع حين وقفت أمام البوابة
الرئيسية للفندق ، لازال الظلام يخيم على المكان لكن أعمدة الإنارة التي انتشرت
هنا وهناك على جوانب حديقة الفندق الكبيرة سمحت لها بالرؤية بوضوح ، ثم إن الشمس
التي ترسل خيوطها البيضاء منذرة بقدومها جعلتها تستمتع برؤية تلك الجبال التي
اكتست البياض كحلة شتوية ، وتلك الأشجار التي علت إلى السماء بشموخ، و غيرها من
المناظر التي تسلب النظر ، هامت بما تراه عيناها ، حين شعرت لفحة نسيم باردة جعلت
جسدها يرتجف، وضعت سماعات الموسيقى في أذنيها و أخذت نفسا عميقا ، ثم انطلقت تجري
في الأرجاء وتقوم ببعض التمارين الصباحية، هذه العادة التي اكتسبتها قبل ثماني
سنوات ، الآن لا يمكنها التخلي عنها، بل إن منبهها البيولوجي قد عدل نفسه
تلقائيا على الساعة الخامسة ، تمارس الركض وتمارين الإحماء لمدة ساعة ونصف
كل يوم ، ثم تعود إلى منزلها لتوقظ صغيرتها و تهتم باغتسالها و إفطارها وملابسها
.. كم كانت سنواتها السابقة متعبة، ولكنها نجحت في تربية أختها و نجحت في عملها ..
حياتها ناجحة ... لنقل ناجحة نسبيا...
كانت عائدة إلى
الفندق حين سمعت أحدهم يناديها باسمها
" هاريم...
هاريم انتظري قليلا"
التفتت لتجد شابا
وسيما وأنيقا، و له ابتسامة رائعة توقع أي فتاة.. نظرت إليه والدهشة تملأ نظراتها
، ثم بكل هدوء سألته
" هل تعرفني..
أقصد هل نعرف بعضنا؟"
ابتسم ابتسامة ساخرة
ورد عليها
" ماذا الآن هل
ستتظاهرين أنك لا تعرفينني؟"
" آسفة سيدي،
ولكنني فعلا لا أعرفك، هل ستخبرني من أنت و كيف تعرفني، أم أغادر؟"
والتفتت معلنة انسحابها
من هذه المحادثة التي أثارت قلبها.. بل نفضت الغبار عن زوايا في قلبها اعتقدت أنها
أهملتها، وهي تهم بالمغادرة أمسك يدها وجعلها تلتف نحوه ثانية
" هاريم.. هل
أصبحت هكذا الآن؟"
سألها و نظرة تساؤل
، باحثة عن الأمل تعلو محياه ، سحبت يدها بقوة وقالت بنبرة تحذيرية
" أخبرتك أن
تعرف عن نفسك و إلا دعني أرحل من هنا، فليس لدي وقت لمثل هذا المزاح الثقيل"
" رغم أنك لم
تنسي عادتنا القديمة، لكنك نسيت من أكون"
" اسمع يا هذا،
وقتي ضيق لا أريد هدره في هذه الأحاجي"
" لازال هناك
الكثير من الوقت لبداية اليوم، لما لا تنتظرين قليلا و نناقش بعض الأمور العالقة"
" لن أنتظر،
لأنني تعلمت أن الزمن لا ينتظر أحدا،ثم ليس بيني و بين الغرباء أمور عالقة، والآن
وداعا"
تركته واقفا و أسرعت
في مد خطواتها وكأنها خائفة أن يلحق بها، دخلت بسرعة و أخذت تنتظر المصعد بقلة صبر
، وما إن فتح بابه استقلته بسرعة البرق و ضغطت على زر الطابق الذي تقيم فيه ، كانت
يداها ترتعشان من شدة توترها و ما إن أغلق باب المصعد ،انهارت على الأرض ، وراحت
تضرب على صدرها برفق
" يا إلهي،
ماذا يفعل هنا؟ لما أشعر هكذا؟ أيعقل أنني لم أتخطاه بعد؟ و لماذا أنكرت معرفتي
به؟ هاريم لقد جننت؟ كيف ستمضين بقية الشهر؟"
ثم وقفت بسرعة
وأفكارها تتسارع بداخلها ، حاولت أن تهدئ من نفسها ، أخذت نفسا عميقا وخرجت من
المصعد بعدما توقف ، لتجد شابا آخر يرسم ابتسامة بلهاء على وجهه
" صباح الخير
أيتها الحسناء، أنا جينهو، أتمنى أن نصبح أصدقاء"
ابتسمت بلامبالاة و
قالت
" حسنا، إلى
اللقاء"
نزل جينهو إلى مقهى
الفندق وحين كان في البهو متجها نحوه، رأى كيوهيون عائدا من الخارج
" كيوهيون
هيونغ، أين كنت؟"
" كنت
أتمرن" رد بلامبالاة
" هل تعرف من
كان أول شخص أراه هذا الصباح"
" من؟"
" جميلتي بياض
الثلج"
"من هذه؟"
" لي ها ريم"
نظر إليه كيوهيون
بقلة حيلة و اتجه نحو المصعد ليسمعه يقول بصوت عال
" لقد وافقت أن
نصبح أصدقاء، قلبي سينفجر"
دخل المصعد وراح
يفكر بعصبية
" إذن هكذا يا
هاريم ، تدعين عدم معرفتي وتعقدين صداقات مع من لا تعرفينهم، لكنني لن أسكت"
...
دخلت هاريم إلى
غرفتها واتجهت مباشرة للحمام ، أخذت حماما ساخنا ، كانت كل قطرة تنساب على جسدها
تثير فيها ذكريات مرت عليها سنوات طويلة، وكم كانت تشعر بالضعف في تلك اللحظة
*******************
سيؤول /
نوفمبر2010
كانت عائدة من عملها
مساءا، تحمل صغيرتها بين ذراعيها، و حين وصلت رأت عائلة تنتقل إلى البيت المجاور
لبيتهم، ابتسمت معربة عن ارتياحها
" أخيرا سيكون
هناك بعض الضجيج في هذا المكان "
دخلت إلى المنزل
أطعمت هايين ، هدهدتها حتى نامت ، نظفت المكان، ثم أخذت أوراقها و كمبيوترها ، و
اتجهت إلى سطح المنزل ، أين تضع طاولة ذات أرجل قصيرة ، تستعملها عادة إما للدراسة
أو للاستلقاء ، وبعد وفاة والدتها أصبحت هذه الطاولة صندوق ذكرياتها إذ أنها كانت
تجلس عليها كثيرا معها في أيام حملها الأخيرة ، كم تشتاق الآن إلى حضن والدتها ،
كم هي بحاجة إلى كلماتها الدافئة، بحاجة إلى تلك الابتسامة المشجعة...
كانت رغم
برودة الطقس إلا أنها تخرج إلى هذه الطاولة ،لأن الجو البارد يشعرها بالانتعاش و
يفتح ذهنها للتفكير بطريقة أكثر تفتحا وإبداعا ، وهذا أهم ما تريد *الإبداع* تريد
أن تقدم عملا لا يضاهيه آخر، خاصة وأنها الآن في سنتها الدراسية الأخيرة ،و
بصدد تحضير مشروع التخرج،
يوما ما ستصبح
مراسلة تلفزيونية، تتهافت عليها المحطات لتعمل لديها، أخذت بعض الأوراق وراحت تقرأ
بصوت مرتفع
" موكبو .. تلك
المدينة الهادئة التي تفتح ذراعيها للمحيط و تعانق مياهه الزرقاء الصافية، لترسم
مع غاباتها لوحة يعجز أي فنان على رسمها.. تلك المدينة التي تتربع على عرش جمال
الطبيعة و التي ترسل شمس مغيبها خيوطا تجذب السياح من كل أقطاب المعمورة .. هي نقطة
الانطلاق إلى ثلاث جزر أخرى.. و قوة اقتصادية عظمى.."
توقفت عن القراءة
عندما سمعت أحدهم يتحدث
" هذا أجمل وصف
سمعته عن موكبو"
التفت إلى مصدر
الصوت، فكان صاحبه شابا وسيما تعلو محياه ابتسامة جميلة ، يقف على سطح المنزل
المجاور ، ثم واصل يقول
" مرحبا أنا
ابن جيرانكم الجدد واسمي كيم هيتشول"
ثم مد يده ليسلم
عليها، وقفت و اتجهت نحوه و مدت يدها بصعوبة فالمسافة بين البيتين رغم صغرها إلا
أن يدها لا يمكن أن تمتد لتلامس يد جارها، ضحكت ضحكة خفيفة ثم لوحت بيدها وكأنها
تسلم عليه وقالت
" وأنا هاريم،
لي هاريم"
" هل تدرسين ؟"
" نعم لقد كنت
أعمل على مشروع تخرجي"
" و موكبو هي
موضوعه؟"
" أجل"
" يمكننا إذن
مساعدتك، لأننا كنا نعيش هناك"
" شكرا لك"
" لا تترددي في
طلب المساعدة "
"شكرا جزيلا"
" و الآن
أستأذنك آنستي، علي الذهاب لمساعدة أخي في حمل الأغراض و إلا استشاط غضبا، أراك
قريبا"
" هل تحتاجون
المساعدة؟"
" شكرا لك، لا
داعي لتتعبي نفسك"
نظرت هاريم إلى
الأسفل ، لترى ذاك الشاب الطويل مشمرا على ساعديه و يحاول حمل صندوق بدا ثقيلا ،
لابد وأنه أخ هيتشول ، ترى هل هو وسيم مثل أخيه؟ تبادر إلى ذهنها هذا السؤال
فابتسمت وهي لا تدري السبب لهذا ، ثم عادت لتواصل عملها ، لكنها فكرت في هذه
العائلة التي تنتقل في هذه اللحظة
" لابد وأنهم
متعبون، وجائعون، سأعد لهم بعض الطعام"
نزلت إلى المطبخ، و
أعدت بعض الأطباق، لم يستغرق ذلك منها وقتا طويلا، خاصة و أنها ماهرة في الطبخ،
فكرت قليلا هل تدعوهم إلى المنزل، أم تأخذ الطعام إليهم؟ ثم مالت إلى أخذه، حتى
يأكلوا براحة ولا يشعروا بالحرج.
أخذت ما أعدته من
أطباق وخرجت ، لتجد الهدوء يعم الأرجاء ، لابد و أنهم انتهوا من تفريغ أشيائهم،
وقفت أمام باب منزلهم ورنت الجرس، انتظرت قليلا ، لتفتح لها سيدة في أواخر العقد
الرابع من العمر ، استنتجت مباشرة أنها والدة هيتشول ، بادرت بالحديث بعد انحناءة
بسيطة
" مساء الخير
سيدتي، أنا أكون جارتكم"
و أشارت إلى
منزلها ثم واصلت
" لقد أحضرت
لكم بعض الطعام، أتمنى أن تستمتعوا به"
و مدت يدها بما كانت
تحمل،فأمسكته عنها السيدة وهي تبتسم و تشكرها
" شكرا لكم يا
ابنتي، فلتشكري والدتك نيابة عني"
ابتسمت هاريم
بهدوء و هي تومئ برأسها ،فقد أثارت كلمات السيدة افتقادها لوالدتها، فانحنت مودعة
الجارة الجديدة ، وعادت إلى منزلها ، وبالضبط إلى السطح لتكمل ما بدأت به
...
شعرت ببعض التعب
فوضعت أوراقها إلى جانبها و استلقت تراقب السماء التي اتسمت بالصفاء تلك الليلة
رغم أنه فصل الشتاء
أطلقت زفرة تنشد بها
الراحة ثم راحت تحدث السماء
" أمي، كيف
حالك هناك؟ و أبي؟ هل هو بخير؟ أنا و هايين بخير ، لقد انتقلت عائلة جديدة إلى
المنزل المجاور، أحد أبنائهم اسمه هيتشول، هو يبدو لطيفا و طيبا، كما أن السيدة
كيم جميلة جدا، لقد ذكرني وجهها بك يا أمي ، وقد طلبت مني أن أشكرك نيابة عنها.."
صمتت قليلا وقد
خنقتها العبرات ثم واصلت
" أمي لقد
اشتقت لك كثيرا، لقد اشتقت لحضنك، أنا بحاجة لك أمي"
غمرتها الدموع و
انكمشت على نفسها بعد أن اعتدلت على جانبها الأيسر، ثم سمعت أحدا يقول
" شكرا لك، لقد
كان الطعام لذيذا"
مسحت عينيها بسرعة
والتفتت إلى حيث صاحب الصوت، هذا الصوت الذي خلق عاصفة في قلبها، يا لهذا الصوت،
لقد اخترق قلبها و هز كل زاوية فيه، هادئ و رجولي و يبعث بالراحة على القلب ، فقط
بضع كلمات كانت كفيلة بأن تأسرها
التفتت إليه و
ابتسمت ابتسامة واسعة
" لا داعي
للشكر، نحن جيران"
كم هو وسيم، إنه
أوسم من أخيه، هل أسأله عن اسمه؟ لا سأبدو وقحة، سيكون الأمر كما لو أنني لا أتقن
فن التعامل
تاهت في أفكارها
لتستيقظ منها على صوته يقول
" أنا كيوهيون
، و أنت ؟"
" أنا هاريم،
لي هاريم"
" لقد تحدث عنك
أخي قبل قليل، قال أنك تبدين جميلة"
" شكرا"
ما رأيك أنت؟ كانت
لولا خجلها لسألته هذا السؤال، فهذه المرة الأولى التي يسحرها فيها شخص ما من أول
لقاء
" يبدو أنه لم
يكن مخطئا، سررت بمعرفتك"
قال هذا و هم مغادرا
" و أنا أيضا ،
سررت بمعرفتكم"
بل إنها سرّت كثيرا
لدرجة أنها كانت سترقص فرحا للقائها به
جمعت أشياءها بحماس،
وهي تفكر أن القدر أخيرا ابتسم في وجهها و سيجمعها بأشخاص يبدون طيبين...
**************
بيونغ تشانغ/ فبراير
2018
نظرت إلى وجهها في
المرآة بعد أن أتعبتها رحلتها في ذكريات الماضي الذي اعتقدت أنه انتهى
صارت تمرر يدها على
وجهها تتفحص أنفها ثم ابتسمت ابتسامة واسعة أظهرت أسنانها، وهي تحدث نفسها
" كيف تعرف
علي؟ أ لم أتغير؟ أنفي صار أصغر ، و أسناني صارت أجمل"
فقبل سنوات كانت
كعادتها تجلس على سطح المنزل حين جاءها اتصال من هيتشول يخبرها فيه أن *بارك
جيسونغ* لاعب كرة القدم المشهور قد وافق على إجراء مقابلة حصرية معها ،ومن فرط
سعادتها نزلت الدرج ترقص فالتوى كاحلها و انزلقت ، فارتطم وجهها بالأرض في
تلك اللحظة ركضت إليها هايين ذات الأربع سنوات
" أوماه،
أوماه، ماذا حدث؟"
و صارت تبكي حين رأت
الدماء تسيل من أنف هاريم،
ابتسمت هاريم لتطمئن
الصغيرة
" أنا بخير
عزيزتي لا تقلقي، اذهبي و نادي الخالة يوجين"
ركضت الصغيرة إلى
بيت الجيران ، فهبوا مسرعين إلى هاريم التي اعتدت جالسة على الأرض، أخذوها إلى
المشفى بسرعة
كسر أنفها جراء ذلك
الحادث ، فخضعت لعملية تجميلية صار أنفها أصغر بسببها، و فقدت جزءا من سنها
القاطعة العلوية ، فعدلتها ثم بدأت بأخذ جلسات لدى طبيب أسنان، و ارتدت تقويما
لمدة سنة ، فصارت أسنانها أجمل
" هل كان يجب
أن نلتقي هنا؟ "
نفضت أفكارها
وخرجت من الحمام ، اتجهت إلى الخزانة ،أخذت تنورة سوداء و قميصا رماديا ثم نظرت
إلى أحذيتها واختارت أعلى كعب عال عندها، ارتدت ملابسها ثم وضعت بعض الزينة على
وجهها ، وكانت في ذلك الوقت تجول بأفكارها، كيف ستقضي ما بقي من الشهر و كيوهيون
في الجوار، كانت تشعر بالغضب الشديد ، ولكنها يجب أن تحافظ على هدوئها ، ثم انتفضت
و كأنها تفطنت لأمر ما ،أخذت هاتفها بسرعة و اتصلت بهيتشول
" أوه هاريم ،
كيف حالك؟"
" لما لم
تخبرني أنه هنا؟ لما أخفيت عني الأمر؟ لقد خدعتني، أنا أكرهك كيم هيتشول"
" ما الأمر
هاريم؟ أنا لم أخفي عنك شيئا و لم أخدعك"
" إذن، لماذا
هو هنا؟"
"كيوهيون هناك؟
لم أعلم بهذا الأمر"
" هل تسخر مني؟"
" أقسم أنني لا
أعرف"
" كيم هيتشول،
عندما أعود أنت ميت لا محالة"
" حسنا، أتمنى
لك يوما سعيدا"
" نعم بوجود
أخيك سيكون رائعا"
قالت ذلك بسخرية ،
ثم أنهت المكالمة ثم التفتت إلى مينا التي مازالت نائمة، حركتها قليلا
" هيا أيتها
الكسولة ، ينتظرنا يوم حافل"
فتحت مينا عينيها
بتثاقل
" صباح الخير
أوني"
"صباح الخير،
أسرعي فقد رأيت أونهيوك ينزل إلى مقهى الفندق منذ قليل"
انتفضت مينا من
الفراش مسرعة و اتجهت بلمح البصر إلى الحمام وهي تلوم هاريم
" لماذا لم
توقظيني باكرا أوني؟"
ضحكت هاريم ضحكة
خفيفة ثم بادرت تسأل
" إلى متى
تنوين إخفاء مشاعرك عنه؟"
تحدثت مينا من الداخل
" أنا خائفة من
رد فعله"
" ولما تخافين؟
أليس من الأفضل أن تعرفي حقيقة مشاعره نحوك؟"
" ماذا لو أنه
ليس معجبا بي؟"
" و ماذا لو
كان العكس صحيحا؟"
" لا أدري، لا
أعتقد أنني أناسبه، فشخصياتنا مختلفة تماما"
" ولكن
المتضادات تتجاذب، ثم توقفي عن افتراض الرفض"
"أوني ، هل
تعتقدين أنه سيوافق؟"
" اسأليه، و لا
تماطلي، قد تمضين سنينا تلاطمك أمواج الحيرة دون أن تقذفك إلى شاطئ آمن"
" ماذا تقصدين
أوني؟"
" ما أعنيه هو
أن تعترفي له بحبك"
" كيف أفعل هذا
؟ أليس من المفترض أن يكون الرجل سباقا إلى هذه الخطوة؟"
" إذن انتظري
حتى يمضي الوقت و تمر سنوات عمرك دون أن تعيشي منها لحظة واحدة"
" سأنتظره حتى
يبوح بمشاعره"
" وهل سينتظرك
الزمن؟ "
" أوني ما هذه
الفلسفة؟ "
" الوقت لا
ينتظر أحدا يا صغيرتي"
" هذا ما
ترددينه دائما"
" هذا ما
علمتني إياه الحياة"
جلست على حافة
السرير وهي تضع رجليها داخل الحذاء وخيم عليها الصمت لتشعر بحنين لسنوات مضت وشعرت
ببعض الندم و بعض من الغيظ، زفرت مشاعرها ثم أخذت نفسا عميقا ، ووقفت أمام المرآة
تتفقد نفسها مرة أخرى ، كانت تبدو جميلة، عدلت خصلات شعرها لآخر مرة و أخذت حقيبة
يد صغيرة الحجم ، وعلا صوتها
" سأكون في
المقهى ، كما أنني لم أرَ أونهيوك ينزل قبل قليل"
و أطلقت ضحكة صغيرة
حينها خرجت مينا من الحمام و هي تلف نفسها في رداء الاستحمام وقالت مستنكرة
" أوني، لما
كذبت علي؟"
لم تجب سؤالها ، فقط
قالت
" هيا أسرعي"
و خرجت من الغرفة ،
اتجهت إلى المصعد وانتظرت قدومه لتسمع صوت أونهيوك
" صباح الخير
نونا"
" هيوكا صباح
الخير"
" ولكن أين.."
و قبل أن ينهي جملته
قاطعته
" ستأتي بعد
قليل"
فتح باب المصعد
فتأهبت للصعود ثم انتبهت لأونهيوك الذي لم يتحرك
" ألن تأتي؟"
ارتبك قليلا ثم أجابها
" سأنتظر قليلا
بعد"
قالت و هي تبتسم
ابتسامة واسعة
" أمركما غريب"
وبعثرت شعر أونهيوك
بيدها و كأنه طفل، بدا عليه الانزعاج
" ياه نونا لقد أفسدتي
تسريحتي"
في الرواق كان
كيوهيون يقف مراقبا ما يدور بين هاريم و أونهيوك، وحين رأى ابتسامتها ابتسم
تلقائيا و حدث نفسه
" الآن إنها
تبتسم فعلا، كم هي جميلة ابتسامتها.. كم اشتقت لابتسامتها "
ثم أسرع ليوقف باب
المصعد قبل أن يغلق و خطا إلى الداخل كان مبتهجا لأنه رأى ابتسامتها، حتى وإن لم
تكن له، ولكن هذا يعني أنها لازالت تبتسم كما كانت تفعل..
ألقى التحية عليها ،
لكنه لم يسمع ردا ، فقط أحنت رأسها قليلا ثم سددت نظراتها إلى الباب ،كانت تقف
باستقامة و ترفع رأسها بتعال وكان البرود ينبعث مع كل نفس يصدر عنها، نظر باتجاهها
و تمعن في ملامحها، كم يشتاق لهذه الملامح، رغم أن هناك شيئا قد تغير في هذا
الوجه،ورغم هذه الجدية التي تعلوه، إلا أنه لم يفقد براءته.. كم يتمنى أن تبتسم في
وجهه مرة أخرى، وأن تناديه بطفولية كما كانت تفعل قبل أن يغادر، لما هذا البرود
تجاهه؟ لماذا تدعي عدم معرفتها به؟ هل آلمها بهذا القدر؟ بالقدر الذي يجعلها تلغيه
من ذاكرتها؟ ولكن.. عليه أن يلوم نفسه أولا فقبل كل شيء لقد كان هو من بدأ هذه
الحرب الباردة
بادرها بالسؤال
" إلى متى سنظل
على هذا الوضع؟"
... يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق