الثلاثاء، 25 يوليو 2017

░│خط احمر - part.2│░

خط احمر│░
 ░part.2░


By : Sara


أعادَ سيونغجي الى مكانه بين صفوف الشرطة بعيونهِ التي تنضح غضبا وحقدا تلمع صورتها في ذهنهِ ذلك اليوم كيفَ اختفت من امام عينيه للابد.

1993م

"توقفَ يلفظُ انفاسه ودموعه تحاربه ايضا تتسارع تهبط بدون استئذان وينحب بإسمها :هيوجوو..

فيَقطعُ انفاسهُ اللاهثة صوتٌ أجش ,صورته السوداء التي لم تمحَ من قلبهِ كل تلك السنين

:ايها الفتى..

ابتلع ريقه والتفتْ ببطء ليصدم اكثر بفوهة المسدس موجهة له على بعد مسافة بكل برود يُتبعها بكلماته البعيدة كل البعد عن كونها صادرةٌ من انسان

:وداعا وكأنه يودع صديقا في محطة .

اتسعت عينا سيونغجي التفت بسرعة وبدأ بالجري بجنون وما الفائدة!..هز المرافق رأسه سحب زناد مسدسه بخفة وضغط بدون تردد .. دوى صوت تلك الطلقة في المكان الهادئ ليتخشب سيونغجي في مكانه واقفا قد استقرت في كتفه من الخلف, شهق ثم هوى ارضا من فوره .. ابتسم المرافق بنصرٍ وعاد أدراجه لينطلق بسيارته كي يلحق السيد وموكبه .

بعد لحظات عادَ واوقف مكابح سيارته فورا في صدمةٍ وذهول ارتجل بسرعة خلع نظارتهُ السوداء باحثا في الشارع بجنون يكاد يفقد صوابه ,فلم يجد سيونغجي في مكانه سوى بقعةٌ دمٍ صغيرة .

فكما هو معروف عن الحقدٍ والظلم كيف يبعثان في الانسان قدرة عجيبة على المسير والتنفس ولو بقطرة دم واحدة فقط! فقد خط له قلبه طريق الانتقام وعليه الاكمال .. تماما كقلبيّ هيوجو وسيونغجي !

لم يعرف كيفَ ومن اين أتته القوة لينهض ويسرع بالخطى المتعبةِ يجبر قدميه على التحرك هرباً من نهايةٍ لم يحن موعدها بالنسبة له فقد بدأ طريقه للتو ..

هبطَ من على الشارع الى الارض الترابية ثم الى الحشائش الطويلة بجانب النهر .. حمل جسده بتعب وانقلب داخل قارب للصيد كان واقفا هناك عند حافةِ النهر.. اخفى نفسهُ تحت غطاء سميك وجده .. تنفس بصعوبةٍ مميتة يهذي بأسمها كما لو انها كانت أخر انفاسهِ وسيغادر العالم .

وصلَ صاحبُ القارب وبيده سلتهُ المليئةِ بالسمك الطازج وقد اصطاده للتو ,رجل كبير في السن لكن لايزال محتفظا بنشاطه وقوته .. رفعَ الغطاء بشكلٍ اعتيادي ليضعَ صيدهُ الوفير فتفاجأ بذلك الصبي قابعٌ نائم في قاربه فقط صوت انفاسهِ اللاهثة تُسمع منه والدِماء التي احاطت بجسده عرف فورا مابه .. خاف عليه بعجلة غطاه من جديد وهو يتلفت لما حوله ,اسرع راكبا قاربهُ مبتعدا عن هنا .. يأخذ سيونغجي لبداية جديدة وحياة اخرى..اول خطوات انتقامه خطت على يدين العجوز عندما اخذه معه .

هكذا ابتعد الاثنان في نفس اليوم غادرا معا عن المكان الذي سلبهما كل شئٍ في ليلة وضحاها وأضحتْ احلامهما فيه رغم ثمنها الغالي وسط ماسيجدناه من ظلام مجرد كوابيس تَسرق النوم الذي يهربون اليه هربا من واقع مظلم املاً في نسيانه فقط في تلك الساعات الليليةِ القصيرة.

** ** **

دخل رجلٌ في الثلاثين من العمر ذاك المنزل الكوري القديم الطراز ومن اول خطى تحدث معاتبا :ابي!!..لماذا تقحمُ نفسك في المشاكل تُبقيني في قلق دائم علــ .. اسكتهُ فورا منظرُ طفلٌ في الثامنةِ وحول كتفه وصدره لُف لفاف قطنيٌ كبير لاتزالُ قطرات العرق تشخبُ من جبينه مصفرٌ شاحب ..

نظر بدهشته تلك لوالده : طفل!!

فرد الاب مستنكرا كلامهُ الاول : نعم طفل! , هل تسمي هذهِ مشاكل؟

فرد الشاب متلعثما: كلا اقصد!.. انها حقا لجرأة!! من يُطلق النار على طفلٍ في مثل سنهِ في تلك المناطق الساكنة في وضح النهار؟!

الاب ويديه على خصره :هذا ما اقصده.. اعتقد بانهم كانوا لايزالون في الجوار.. لهذا وجدتهُ يخبأُ نفسه جيدا .. اعتقد بأنه رامٍ ماهر ولكنه استخف بالصبي الذي بدأ بالجري فجأة واطلق النار بدونِ تركيز... لهذا فقد استقرت الطلقةُ في لوح الكتف الخلفي ولم تخترق الى الداخل

فرد الشاب :ابي!! انت وتحليلاتكَ التي لاتنتهي

فأسكتهُ الاب بغضب يشير امام وجهه :اذن!.. ومن اين اتتكَ موهبة التحقيق والتحليل هذه واصبحت محققا في هذا السن الصغير.. الاولاد جيدون فقط في الاعتداد بانفسهم.

فرفعَ ولده يديه في الهواء :حسنا حسنا سأصمت

بينما يتوجه الاب لغرفة ما:بالطبع اصمت.. حاول ايقاظه بينما أُنهي اعداد الحساء من اجله واختفى في الداخل.

انحنى الابن جالسا على ركبتيه قرب جسد سيونغجي محاولا ايقاظه بعد لمساتٍ كثيرةٍ وهزٍ قليل لكتفِ سيونغجي .. استفاقَ لكن بألام رأس فظيعة وكتف مخدر من شدة الألم وهو لايزالُ مغيب يهذي بأسمها , تَساءل الابن عن الاسم الذي ردده سيونغجي بكثرة

:هيوجو؟ ومن تكون هذه؟هل كانت معه واخذوها منه ام هربت ام اصيبت؟؟(وحرك شعره بعنف)ماهذا الذي اصبحت فيه فجأة..أَلا يكفيني مشاكلُ القسم وماحصل فيه من كارثة .

وصلَ والده ليقطعَ بُؤسه وافكارهُ المتشابكة .. جلسَ على الارض عند جهة سيونغجي الاخرى اسنده جيدا رغم المه واستمر يتآوه

:هيا هيا ساعد نفسكَ قليلا عليكَ تناوله كله من اجلِ جُرحك وفي الحال .

انتبه سيونغجي قليلا ثم بجنون وعُنف هجمَ وضغطَ بقوةٍ على معصم الاب وهو يُقرب ملعقةَ الطعام يرمُقه منه بعيون كالصقر لم يتفاجأ الاب , لكنَ الابن صرخ فورا :يااا ماذا تظن نفسك فاعلا؟!

فأسكته الاب فورا بنظرتهِ المعتادة ,هو خبير جدا في الحياة ضليعٌ بما فيها من اسرار حكيم في تصرفاتهِ دائما .

لم يُبدِ ايَ ردةَ فعلٍ لسيونغجي الذي هدأت تعابيرهُ من فوره حاول تذكرَ ذلك الوجه الذي كشفَ عنه الغطاءَ قليلا ثم عاد يخبأه خففَ من قبضته حتى انتهى يبعدها ويتلكأ:هل..هل انت؟..هل كنت ذلك الشخص؟

اكتفأ الجد بإيماءة واكمل يقدم الملعقة منه والابن مستغرب من برود اعصاب ابيه:

- يااا كلْ! .. عليك ان تساعد نفسك كي تُشفى بسرعة .

تردد في البداية لكنه اكمل طريقه الي الملعقة وتناول كل الصحن دون تذمر او كلل كان منهكا وبحاجةٍ ماسةٍ لغذاء يقويه

جلسا امامه وفهم من نظراتهما وخصوصا الابن انهما يطالبان بشرحٍ لوضعهِ اطرق رأسه:

- هل يمكنني ان اتحدث حقا؟؟..هنا!

فقال الابن : بالتأكيد يمكنك لاتخف فانا محققٌ في نفس البلدة التي وجدكَ والدي فيها صدفة

رفع رأسه فورا شعرَ ببعض الامان والراحة وربما جاء الحل بقدميه اليه :

- حقا؟؟ أحقاً انت محققٌ من بلدتي؟؟.. اذن.. اذن انت تعرف المحقق لي صحيح؟.. والزوجان هان؟

عقد الابن مابين حاجبيه مستغربا:وانتَ ما ادراك بهم .. كيف عرفت اسماء المحققين هناك؟؟

لمعت دمعة حارقة في عينيه لمحها الاثنان فورا رغم انه اطرق راسه في لحظتها ..نظرا لبعضها مستغربين الوضع ..

واكمل يريحُ الاسئلة التي تسارعتْ في ادمغتهما:انا اكون.. ابن المحقق لي.. انا لي سيونغجي

شهق الابن واقفا من فوره:

- انت ابن لي.. انت ابن لي حقا؟؟هل هذا معقول؟؟

نظر كلا الاب وسيونغجي له بعجلة متفاجئين من ردة فعلهِ الغريبة ثم هوى على ركبتيه بسرعة ممسكا بكتفين سيونغجي بقوة:

- هل حقا انت ابن لي؟؟

متناسيا جرحه , آلمه بضغط قبضته القوية ولكنه لا يهتم ويستمر يهزهُ:

- اجبني في الحال؟؟

فأستنكر الاب بقوة ردة فعل ابنه العنيفة وصرخ به لكنه لايسمع احتقنت الدماء في عينيه واختلطت بالدموع استطاع سيونغجي تمييزها واصابه الذهول :

- نعم انا هو..انا ابن المحقق لي

فهوت يدين الابن ارضا ورغما عنه هوت ايضا تلك الدموع الحبيسة منذ مدة فكم كان يكابر ويتصنع القوة يقودُ ذلك القسم من المركز .. القسم الذي فقدَ اهم وابرعَ ثلاثة محققين في كل المركز بل في المدينة بأسرها .. وها هو امامهُ يقبع احد ابنائهم .

استطردَ سيونغجي متساءلا:

- ولكن!..هل تعرفهم..هل تعرفُ ابي؟

مسح الابن دموعه بظاهر كفهُ بفوضوية واسرع يمسك بكتفي سيونغجي مجددا يسأل بأهتمام:

- اجبني ماذا حصل؟؟من الذي حاول قتلك؟..ألم تأخذ الى الميتم هذا ماسمعته؟؟وايضا قالوا..بأن ابنة هان معك..أليس كذلك؟

فأطرقَ رأسهُ يعود للبكاء الصامت في نحيبِ فراقها ,,ارتعب الابن:

- ماذا حصل؟(وصرخ)ماذا حصل لها اجبني؟؟

فأجهش سيونغجي بالبكاء اكثر كطفل صغير أخذت منه لعبته للتو:

- لقد أخذوها..لقد أخذوها..أخذوها مني

أعادَ تلك الكلمة مرارا وتكرارا ومع ذلك لم يكن الاب وابنه يستوعبان وقع تلك الكلمات فقط يتبادلان النظراتِ بصدمة فعاد يهزُ سيونغجي بشدة زاد في الم جرحهِ صارخا :

- من أخذها ؟..من ارادَ قتلك؟ ألا تعرفهم ألم تميز احدا فيهم؟...من يكون؟

فأسرع الاب ساحبا يدين ولدهِ من اكتاف سيونغجي الذي انهكهُ الالم وتمدد فورا على الفراش يكمل:

- لا اعلم..لم اعرف اي شئ ..لم ارى سوى وجها واحد فقط يمكنني تمييزه من بين الاف الاشخاص(يكمل بدموع)لقد خطفها من بين يدي..ثم بقي لقتلي .

بقيَ الابن جالسا كجثة هامدة من الصدمة وصدى الكلمات يصدح داخله ..سادَ الصمت ذاك المنزل لوقت طويل .. التفت سيونغجي برفق ينظر الى هول الصدمة والحيرة التي تكورَ فيها ذاك المحقق.

.
.

2015

رفع سيونغجي نظرهُ في قاعة الاحتفال تلك نظر الى المحقق الذي اصبح رئيس المركز في جانغنام خط الشعر الابيض طريقه بين خصلاته السوداء وبرزت حتى من تحت القبعة العسكرية.. الذي بدوره نظر الى سيونغجي تبادلا نظرة ابوية دافئة مليئة بالصداقة الدفء والاحترام .. ثم اطرق المحقق السيد كيم رأسهُ يُكمل ذكريات سيونغجي وكأنهما في تخاطر ما فاليوم قد حققا مابدءا به معا خصوصا منذ ذلك اليوم.

.
1993

بعد ثلاثة ايام تركَ الوضع ليستقر نوعا ما في تلك البلدةِ الصغيرة .. وبعد تحقيقاتٍ خفية قام بها كان مفادها ان لا احد سمعَ او رأى اي شئ ذلك اليوم ..

كان بأمكانهِ طلب المديرة للتحقيق, تفتيش المكان بطلبٍ رسمي , لكن كل ذلك سيوقعه في الشبهة سيُعرِض سيونغجي للخطر وللموت مجددا .. لهذا صمت..التزم الصمت وراقب سرا.

عاد خائبا الى المنزل و سيونغجي يترقب تعابيرهُ بأهتمام مطرق الرأس يُجيبه :لاشئ..لا احد رأى او سمع اي شئ .. صدقني لقد أُنهكتُ في البحث .

تجمعت الدموع في عينيه , صمت فورا بسماع الكلمات المفاجئة:انه سببي..نعم انا اتحمل جزءا من المسؤولية .. كنتُ اظنها مجرد تحقيقاتٍ تافهة لافائدة ترجى منها.. عبثا يحاول الثلاثة التوصل الى شئ من ذلك المجرم الذي احاطَ نفسه بسور الوساطة المنيع .. حلفاءٌ من كل مكان.. لذا عندما جاء طلبُ ايقاف التحقيق فورا وافقت .. واصبحتُ اضافة لتلك الصدمة أُضيف ضغطا اخر عليهم صراخٌ وشجار ان ينهوا كل شئ وبسرعة .. حتى اختفوا مرةً .. وللابد .. ثم اخذ احدهم ابنتهم ومحاولة قتلك .. هذا كثير كثير جدا .

فتحدث سيونغجي بصوت خائف : اذا هل تعرفه؟..تعرف من قتلهم؟

تبادلا نظرة تساءل واخرى حازمة وأومأ له برأسه : نعم..كل الشكوكِ تشير له وحده .

فسأل سيونغجي بلهفة : ومن يكون؟..ارجوك اخبرني

تَبدلت نظرةُ المحقق كيم الى جدية حزم وثقة : هل تثقُ بي؟ (استغرب سيونغجي سؤاله) اجبني هل تثق بي؟؟ألا تريدٌ ان تثأر لوالدك ..ولوالدي هيوجو؟..ألاتريد ان تجدها؟..تعيدها لرعايتك ؟

فهتف سيونغجي : هل تعرف من أخذها ايضا؟

فهز راسه قليلا : كلا لست متأكدة.. ربما هو وربما احدُ اتباعِه ربما شخصٌ بعيد كلَ البعد عن سفاح الفضة! .. لكن في النهاية علينا ان نجدها معا .

تبدلت حينها تعابير سيونغجي لتجاري المحقق كيم  : اذا كل شئ يدور حوله .

تفاجئ كيم ثم عاد لجديته:نعم بني .

فرد سيونغجي بثقة : موافق .

فرد العم  : اذا فلنفعلها .. معا .

*************

انتقل لسيؤول مع والده و سيونغجي.. تبنى والد المحقق سيونغجي بصفةٍ رسمية ..

"كيم سيونغجي" اسمهُ الجديد قرأهُ عدةَ مرات وهو يمررُ اصبعه عليهِ شعورٌ ملئٌ بالحزن ,غلبهُ الامان الذي يفتقده ويدٌ دافئة تربت على كتِفه ,رفعَ نظراته لأعلى قليلا الى والدهِ الجديد الى منقذهِ من براثنِ الموت واهداهُ ابتسامة دافئة .

أكملَ دراسته على نحوٍ جيد .. لم يثر المشاكل رغم كل البراكين التي تشتعل داخله التي لم تعرف الخمود يوما .. وايضا ردا لجميلِ ماصنعا معه .

التحق بكليةِ الشرطة .. سعى بجنون بعنفوان والدهِ , طريقة رسمية تمكنه من فعل مايريد حسب ماخطط الثلاثة .. والان بقيا اثنان فقد توفي الاب منذ اربعة اعوام .. يتركُ فجوةً كبيرة في قلب سيونغجي مجددا .. ذلك الكتابُ الكبير الذي لم يملَ يوما من ان يخط سيونغجي فيه كل ليلة ذكرياته وثرثرته عن عائلته واصدقائه..صغيرتهُ وكل احلامه التي ذهبت مهبَ الريح ..

.

افاقَ سيونغجي من غفلتهِ بين طيات ذكرياته على صوت همس شرطيان بقربه : نعم انه عمه ألم تكن تعرف؟

فرد الشرطي الاخر بأستنكار : ومع ذلك لم يساعده البتة ولا مرة..على العكس كانت معاملته قاسية ..لقد عامله مثل اي شرطي هنا !

واستطرد الاول : نعم.. معكَ حق لقد شاهدت بعيني ماكان يفعل ..لقد اصبح المركز منزله ومآواه لم يعرف الليل من النهار وهو يطارد المجرمين .. لقد تجاوزَ عدد المجرمين الذين القى القبض عليهم حتى عدد مدير قسمنا..


فاكمل الثاني : وعصابة المجوهرات كانت الاخيرة والاكبر ولهذا كُوفئ واصبح محققا في هذا السن ..انا احسده


فوكزه صديقه بمرفقه بقوة : تحسدُ من؟..ايها الكسول..كم عقوبة دُونت في سجلك بسبب تأخرك واهمالك!

فلوى شفته مهددا ثم التفتا يكملان انتباههما الى المقدمة

ابتسم سيونغجي ابتسامة جانبية : هذان الاثنان لن ينتهيا(ثم اطرق رأسه يهمس لنفسه)اشتقت لكِ...لشجار مثل هذا!!

*************

حينها كانت تمشي خلف تشانغ ووك متجهان خارج المنزل ..

تشانغ ووك المغيب في ذهنه يحدث نفسه بحزم  " نعم لقد خسرتكِ ..ربما وربما للابد..ابعدتكِ عني رغما عنكِ وعني ..لكن في النهاية نجحَ ماخططتُ له..اصبحتِ سيدة المنزل حقا ..كل من فيه يرتجفُ لمجرد ذكر اسمكِ .. يشعرُ بالهيبةُ والخضوع.. حتى ابي نفسهُ اصبحَ بلاحول ولاقوةٍ من دونكِ... لايفعلُ اي شئ او يُقدم على اي خطوةٍ في عمله دون استشارتكِ او دون قيادتكِ.. اصبحتِ قويةً ولاتحتاجين لإي احدٍ مثلما اردتُ لكِ دوما.. ولكنِ الان!.. لاحاجةَ لقناعٍ البرود هذا.. حان وقتُ هدمِ الجدار الحصين بيننا.. سأستعيدُ حبيبتي هيوجو نعم.. اُقسم انني سأفعل "

فتحَ له المرافق الباب ودخل بينما ركبت في الامام وهيون بجانبها يقود الذي لاحظ هالة الاضطراب بينهما وراوده القلق

دخلا الى الشركة الى القاعة حيث الاجتماع .. جلس تشانغ ووك الى رأس طاولةٍ طويلة وجلس على يمينهِ وشماله تشونسا وهيون بالتعاقب والمرافقين منتشرين حول اركان الغرفة .. في انتظار مدير الشركة المستثمر القديم معهم .

تأخر اكثرَ من ربع ساعة شعرَ تشانغ ووك بالإهانة ... لَوت تشونسا شفتها يَتصاعد الغضب داخلها كالبُركان

تحركت خطوة بأتجاه الباب :سأريه

زَمت بها تشانغ ووك دون ان يلتفت : انتظري

زفرت طويلا عائدةً مكانها .. لِيدخل بتغطرسٍ وغرور رمقهم بنظرةِ احتقار بينما يخلع له مرافقهُ معطفه البني ويضعه خلفه على الكرسي ثم جلس يعدل هندامه وتحدث ببرود:

- أسف على تأخري ...كان لدي أمرٌ طارئ ..تفضلوا(اشار بيده)يمكنكم البدء

لاحظ نظرات الغضب في تشونسا بينما لايزال تشانغ ووك محافظا على هدوء اعصابه :

- امر طارئ(قالها مستهزءا)ولكننا في موعد مسبق منذ اسبوع ..من الأهمُ في نظرك؟

لم يجبه اكتفى بالابتسام , فأكملَ تشانغ ووك:

- حسنا ..فلننسى الامر ..ولننتهي من هذا الهراء الان وبسرعة

حرك السيد يدهُ في الهواء : كما تشاء

بكل ثقةٍ نطقَ تشانغ ووك : شحنة روسيا!..اين اختفت؟؟

فقال بهدوء : لقد اخبرتك ..قُتِلَ الحرس وفُقدَ كل شئ من المخازن

ابتسم تشانغ ووك جانبيا مستهزءا : اوه حقا ..اينَ جثثهم اذا؟

رفعَ السيد حاجبا : هل تمزحُ الان؟!

قلبَ تشانغ ووك شفتهُ مبررا:كلا ..على العكس ..انهم فخرٌ لانهم كانوا يحرسون اهم شحنةٍ من الفضة على مدى سنة ..وبكل سهولة قُتلوا ..فقط اخبرني انت نفسكَ هل اقتنعت بالامر؟؟

هز السيد اكتافه : سواءٌ ان اقتنعتُ ام لا ..ما حصلَ قد حصل

ففتح تشانغ ووك فمه يتصنع الفهم : أأه معك حق

رفعت تشونسا رأسها قليلا تتحدث بثقة وربما غرور : هناك امرٌ لم تنتبه له..

ونهضت تحركت تقتربُ من طرفِ الطاولة الثاني حيث السيد كان جالسا بدأ يرتابُ من خطواتها المخيفة

اقتربت بثقةٍ بهدوء : اننا مطلقا لم نخسر شحنةً بتلك الكمية بتلك البساطة من قبل..هل(وطرقت بأصبعها بخفة على جانب جبينها)هل تستوعبُ الامر؟؟هل تفهمني؟؟

ابتلع ريقهُ اصبحت بقربها تماما ,نظر لها تشانغ ووك بفخر ,,اخذت نفسا عميقا واطلقته ثم وقفت خلف السيد تماما فجأةً شعر بشئٍ بارد يُثلج عقب رقبته , كانت قد ثبتت فوهةَ مسدسها هناك .

فأبتلع ريقه بقوة يستمع لها : انا لم افهم ..لايمكنني استيعاب الامر حتى الان ..هل يمكن ان تشرح لي ..من فضلك؟

بثانية كل المرافقين الذين خلفها اخرجوا اسلحتهم وتوجهت كلُ الافواه نحوها وهم يَرتجفون ويصرخون :ابتعدي في الحال...قلتُ ابتعدي عنه !

نظرت لهم ببرود : مابالكم ترتجفون هكذا ..طلبتُ منه ان يشرح لي وحسب ..هل هناكُ احد سمعني اقول سوف اقتلك ؟

زادت في جنونهم اهتزت اسلحتهم وصرخَ المسؤول عنهم : قلتُ ابتعدي عن السيد في الحال

فتساءلت : حقا!! فورا نظرت الى هيون وغمزت له .

اخذ نفسا بابتسامةٍ عابثة , همَ باخراج هاتفهِ كي يتصل ولوحَ بهِ امامهم :خدمةُ شرطةُ الطوارئ هذه الايام سريعةٌ جدا

شَهق الجميع واصبحَ السيد يرتجفُ كالورقة بين يديها , تحدثت بحزم : غادروا في الحال ..والا حبِستكم هنا واتصلت بالشرطة حينها لن يسعه شرح اي شئ لي بل لهم! مارأيكُم!!؟

فُتحت الابواب بقوة ووجهت افواه المسدسات نحوهم كانوا مرافقينها على أُهبة الاستعداد في الخارج ابتلعوا ريقهم بدأوا بخفض اسلحتهم برفق بينما سيدهم بدأ الصراخ عليهم : ايها الحثالة توقفوا ..توقفوا في الحال ..الى اين تذهبون؟؟

انحنوا عدةَ مرات وهم متجهون نحو الباب والاسلحة موجهة لهم : اسفون سيدي ..نحن متأسفون للغاية ..انها تشونسا لن تقتلك .. وسحبوهم مرافقينها بقوة واغلقوا الابواب .

لم يتبقَ سوى أولئك الاربعة حينها اخفضت سلاحها تُخفيه عندَ حزامها في الخلف ثبتته بإحكام وعادت تضع يديها على الكرسي خلفه :استاااذ..فلتبدأ الشرح ماذا تنتظر؟

لوى شفته بقوة واستشاط غضبا :ايتها!! ... بحق السماء من تكونين؟.. من تكونين لتدمري كل شئ بلمح البصر

ابتسم تشانغ ووك جانبيا : اووه ان كنتَ لاتعرفُها فأنا اعذرك (وتبدالت هي وتشانغ ووك النظرات)انها تشونسا الذئب الاسود ..انها ملاك مهما بدت عليها من قسوة.

عقدت حاجبيها فهمت فورا انه يُحاول استمالتها وتخفيف النزاع بينهما .

اخذت تستمع بأهتمام : ذكاء وسرعة بديهة ..لا اعتقد انه هناك فتاة في العالم بمثل تركيبتها.

رفعت حاجبا دون الاخر لاتستوعبُ كلماته في هذا الموقف الان ..وببطءٍ التفت هيون ينظر لتشانغ ووك فاغرا فاه في صدمة .

تحدثت ومحط كلماتها هو وليس السيد : لاتقلق هناك الكثيرُ من امثالهم لايميزونني جيدا ...فقط عندما يخسرونني

فلوى شفته : لا لم يخسروكِ بعد, لازال امامهم فرصة

وهيون تتناقل نظراته بينهما كالابله .

ردت عليه بصدمة : ماذا؟..فرصة؟..من قال انني اعطي فرصةً ثانية ؟!

فصر اسنانه وقال : أؤكد لكِ ان هناك فرصة

فصرت اسنانها ترمقه بغضب : أيششش

فنظر جانبا منزعجا .. هز هيون رأسه من الصداع الذي هجم عليه الان من جُنون هذان الاثنان.

نظرت الى رأس السيد : والان!..مصرٌ ان لاتشرح لي؟

فرد بغضب : قلتُ لكما ماحدث بالضبط

رفعت حاجبيها : حقا!..لكن ما اعرفهُ مختلف ..وشحنتك الان تُنقل بصمت الى مستودعاتكِ السرية في روسيا نفسها.

ابتسم تشانغ ووك بنصرٍ لاحظ دهشة السيد الكبيرة التي علت تعابيره : خدعة تافهة من العصور الفانية؟...انت فقط مزحت مع الشخص الخطأ ..ودع حريتك سيدي .

دفعت رأسهُ بقوة فارتد الى الاسفل بأتجاه الطاولة.

نهض تشانغ ووك ,رتب معطفه ضحك بخفة عليه ثم غادرَ الثلاثة الغرفة وتحركوا في الممر..  تشانغ ووك يتقدمهم والاثنان من خلفه ..يتركانه خلفهما حيث تعالى صراخه وتحطيمه للاشياء من حوله.

** ** **

تقدم سيونغجي من عمه بعد انتهاء توزيع الجوائز والمكافأت : عمي..اقصد سيد كيم .

ابتسم عمه ورد بحب : نعم ملازم اول سيونغجي.

قدم له التحية مجددا لكن بمرح : شكرا لك ..كأب وعم وليس كمحقق او مدير المركز.

فعَلَت الابتسامة وجهه مجددا وقدم له التحية هو الاخر , شغل من حولهُ بالتفاجأ والنظر لهما يقدمان التحية لبعضهما:

- وشكرا لك...لانك كنت ابناً رائعا استعضتُ بك عن إنشاء اسرة فقد كنت كل ركن منها .. انت فخر لكل اب .

وتبادلا ابتسامات ملئها الاحترام والحب .

** ** **

ارتجلَ الجميع من سياراتهم امام منزل السيد جي الضخم ,دخل تشانغ ووك ساحة المنزل وخلفه تشونسا يترددُ في ذهنها ما سمعتهُ من تشانغ ووك قبل قليل لتقطعَ افكارها فراشةٌ زرقاء جميلة قطعت الطريق من الحديقةِ الى الجانب الاخر همست بصوتٍ خفي :فراشة!

وكالمنومةِ تعلقت عيناها بها .. بدأت تمشي على مهل تلحق بها وهي تفتح يديها في الهواء عَلت وجهها ابتسامة هيوجو الدافئة الجميلة ..لحقت بها الى الحديقة الضخمة المليئة بكل انواع الزهر والاشجار والتحفيات الخاصة بالحدائق تناثرت هنا وهناك كأنها قطعة من جنة

التفت تشانغ ووك عندما دلفَ المنزل بعد ان انهى مكالمةً لاحد الحراس يُخبره بأن مخزون الفضة قد تَم استعادته بالكامل ... استغرب لم يجدها خلفه وهز هيون اكتافه كلاهما لم يلحظا تسللها من جوارهما .. ظن انها سبقتهما الى الطابق العلوي حيث غرفتها لذا تسلق السلم بسرعة .. بحث بعيون متلفهة لايزال يود ويرغب بشدة ان يلاحظ الاثر الذي خلفتهُ كلماته في تصرفاتها في عينيها بالذات ..طرقَ باب غرفتها فلم يجبه احد لذا فتح الباب على مهل فوجدها فارغة .

خرج عائدا الى الممر الطويل ثم توقف فجأة لمحت عيناهُ شيئا غريبا يتحرك في الحديقة , اخذ يقتربُ من النافذةِ ببطء فتتضح له الصورة اكثر اتسعت عيناه شيئا فشيئا .

رأى تشونسا لا بل هيوجو تفتح يديها في الهواء كمَن يحاول التقاط قطرات المطر وتبقى ثابتة في مكانها قدرَ المستطاع كي تشعر تلك الفراشة التي تحوم حولها كزهرة ربيعية تنتظرُ ان تَحط فوقها ببعض الامان فتقفُ على يديها تماما كما كانت تفعل مع سيونغجي عادت بوعيها لتلك الايام .

.

1992م

في بستان كبير للغاية على مد البصر ازهارٌ وحشائشُ طويلة بالكاد كانت اطولَ منها قليلا فيستطيع سيونغجي ملاحظتها دائما كي لاتتوه, فتحت يديها كما الان .

تحدث سيونغجي قادما نحوها:هيا..اسر.

فهمست:هششش

وعضت شفتها السفلى وهي تنتظرُ الفراشة ان تَحط على يديها , وسيونغجي ينظر بصمت ثم ابتسم تدريجيا حتى حطتُ الفراشة على اطراف اصابعها بالفعل فأبتسمت بسعادة هامسة:ااوووه لقد وقفت !

فطارت مجددا وعيونها تلاحقانها في السماء ..بسرعة نظرت بحنق الى سيونغجي فخافَ من نظرتها : كله بسببك!

عقد حاجبيه يلوي شفته : ولكن مالذي فعلته انا!!

صرخت بصوت أنثوي حاد بقوة : كله بسببك

أتسعت عينيه عرف انها ستهجم عليه فأخذ يجري وتلاحقه بين الحشائش ويرن في الاجواء صوتُ ضحكاتهما رنات سعادتهما التي دفنت هناك "

.
.

عادت لوعيها تتأرجح الدموع في عينيها تلسعها .. طارت الفراشة بعيدا فلم تعد تحط على يديها مثل قبل .. فروحها لم تعد تعرف الصمت والسلام الداخلي الذي كانت تبحث عنه الفراشة فتجدهُ في هيوجو تلك الطفلة الصغيرة.. ارتجفت شفتاها على وشك البكاء بعجلةٍ التفت تنظر لأعلى إليه تماما تعلمُ دائما انه يراقبها من هناك فزعَ من نظراتها عيون مليئة بالدموع مرهقة تنطق بالالام والاحقاد:

- انت السبب..انت من جعلني انسى ذات يوم .. كيف سرقني والدك من حياة تعبت في بنائها مع سيونغجي مجددا كي انعم بالحياة .. وانتَ ايضا من جعلني اتذكر كل ذلك ويملء الحقد والغضب صدري من جديد ..كُله بسببك"

تبادلا نظراتٍ ثابتة لبعض اللحظات ثم عادت ادراجها حينها فقط تنفسَ الصعداء التفت وظهرهُ للحائط :

- هل يمكنكِ ان تتوقفي.. لمرةٍ واحدة فقط.. اوقفي تلك النظرات الفارغة الجائعة للحقد والكراهية التي تحرقني في ثانية .. فقط لمرةٍ واحدة انظري هيوجو بعيونكِ تلك بقلبكِ الذي دفنته بسببي.. ارجوكِ توقفي* اغمض عينيه يسند رأسه للحائط ويزفر .. ثواني ومرت بقربه دون اهتمام وصفقت باب غرفتها بقوة افزعته اغمض عينيه بأسى واتجه للطابق السفلي

رمت بنفسها على الكرسي الجلدي في غرفتِها ورفعت قدميها فوقَ المقعد الصغير امامَ الكرسي ..سالت تلك الدموع التي احتبستها منذُ لحظات في الحديقة تسيلُ برفقٍ على اطراف وجنتيها مغمضة العينين.

** ** **

ومرت الساعات بثقل .. دخل سيونغجي مكتبه الجديد القى عليه ضابطين الذين تحت امرته شركائه في فريقه ... القى التحية مرتبكا قليلا لايزالُ لم يعتد على الوضع الجديد فهما تقريبا في مثل سنه ولكن حزمه وهدفه يدفعانه للتصرف بضغط بحزم بعمر تجاوز عمره بمراحل .

اخرج يدا من جيبه ليضعها خلف رقبته متوتر قليلاً نظر لهما وهما مبتسمان له :

- اممم لاحاجة للتعارف بيننا.. نحن نعرف بعضنا مسبقا وتشاركنا بعض المهمات ايضا .. بدلأ من ذلك دعوني اخبركم من هذه اللحظة .. من يتهاون او يكسل .. فليرحل منذ الان.. لا وقت لدي لتصليح أخطائكم.. لدي مهمة خاصة اود انهائها بسرعة

نطق احد المحققين : ماهي حضرة محقق سيونغجي ؟

نظر له بثقة :سفاح الفضة اتسعت عيونهما وتبادلا النظرات بصدمة ونطق المحقق الثاني سائلا :

- أحقا ماتقول؟..هل سنبدأ بالتحقيق في تلك القضية؟

هز رأسه قليلا : كلا...بل سنُعيد فتحها سنُكمل مابدأ به المحققون الثلاثة الاسطورة

فتحوا افواهم من الصدمة ولم يخفَ عليه فقد لاحظ خوفهم وتهامسهم فيما بينهم ,فنهاية اولئك المحققين الثلاثة معروفة لذلك الكُل يخشى  فتح ملف هذه القضية , لكنهُ عازمٌ مُصِر ولو بقيَّ وحده يُصارع في هذا الطريق ليل نهار وحده!

** ** **

حل المساء .. مظلم كما تلك القلوب تصارع في متاهة الالم والظلم .. جلس تشانغ ووك على رأس مائدة الطعام نظر للمقاعد الفارغة مستغربا ..التفت لرئيسة الخدم كبيرة في السن : اين ابي؟..وهيـ...اقصد تشونسا؟

أومات له : اعتذرَ والدك عن الحضور...بينما الانسة, طرقتُ الباب عدةَ مرات فلم تجبني.

عقد حاجبيه واقفاً : أمازالت حتى الان في غرفتها!!

اسرعَ بخطاه انهى الدرجات .. وقف امام بابها طرقَهُ بخفةٍ عدة مرات فلم يسمع أجابة.. ازدادَ وقعُ صوت طرقه وناداها فلم تجب دبَ الخوف في قلبه ففتح الباب برفقٍ قليلا فقط لعله يرى اي شئ يريحه اتسعت عيناه من منظرها واخذ يكملُ فتح الباب .

اقتربَ بهدوء كانت لاتزال على الكرسي قد غَفت من تعب روحها تميل برأسها على الكرسي مرفقيها فوق ذراعي الكرسي وقدميها على الطاولة الجلدية الصغير امامها .

كالمنوم أخذ يقترب ثم أخذ نظرة للاسفل فأنتبه للحذاء لايزال في قدميها فنظر لها منزعجا :اوه ياللهي ..كم مرة علي تنبيهها!

ركعَ امامهما بترددٍ تمتد انامله لحذاؤها وينظر لها خوفا من ان تفيقَ وتصب جام غضبها عليه لكنه في النهاية اصر وبرفق بدأ بخلع حذائها الايمن من اسفل كعبها يسحبهُ ويستمر ينظر لها بحذر يعضُ طرف شفته السفلى ..

لكنها حذرة َ,حاستها قوية .. أفاقت برمشة عين وانحنت فورا الى حيث شعرت بوجود شئ .. فزع حيث اصبحت قريبة جدا من وجهه تبادلا نظرات متفاجئة ثم مرهفة , حتى سالت تلك الدمعة التي بقيت حبيسة عينها اليمنى عندما غفت .. نزلت برفقٍ على وجنتها المتوردة امام عينيه تزيدُ في عذابه ... تعلقت عيونهُ بها وبدأ برفع يدهِ على مهل يرفع انامله نحوها تخشبت مكانها , سُحِرت بنظرته وبما سيفعل لكنها يستحيلُ ان تنسى اعمق جرحٍ سببهُ هو لها .. لذا ضربت يده بقوة فأرتدت جانبا .. صدم ولوى شفتهُ منزعجا .

عادت تجلس بأستقامة وقالت بصوت متحشرج : اخرج ..في الحال

لم يُعرها اي اهتمام فصرخت : قلتُ لك اخرج

فنهضَ واقفا : الا تريدين تناول العشاء ..لم تتناولي شيئا منذُ الصباح؟

فصرخت مجددا:لااريد قلتُ لك اخرج .

اطرق رأسه وغادر خائبا .. لحظة غلقهِ للباب أنحنت بغضبٍ رفعت الحذاء واقفةً ورمته بقوة على باب غرفتها ليرتطم به.. اغمض عينيه من صوت الضربة وفهم مافعلت ازدرد ريقه بألم ثم اتجه للاسفل.

لهثت تشونسا من شدة غضبها وسالت دموعها بصمت بغزارة : ايها الاحمق ..كم اكرهك

رفعت قدمها بقوة فطار الحذاء الثاني من قدمها ..و اتجهت لسريرها رمت بنفسها عليه وهي تخرج هاتفها وهاتفته : هيون!

صوتُها المخنوق فاجئه , التفت وهو في الحديقة فورا لينظر الى الطابق العلوي : تشونسا!..مابكِ؟

ففأجاته اكثر بصوت متقطع : هيون!..اشعرُ بالاختناق الشديد ..لايمكنني التحمل اكثر ..يجب ان اذهب غدا..هل تفهمني؟...افعل مثل كل مرة.

فأجاب بقلق يعاودُ النظر لأعلى : اوه بالطبع ..لكن تشونسا ..هل ستكونين بخير؟

ابتلعت ريقها : لاتقلق(كفكفت دموعها)سأكون بخير ..وهل هذه اول مرة.

اغلقت الهاتف رمته بجانبها على السرير واحتوت الوسادة تضمها لها بقوة لعلها تغرق في النوم فترتاح.

مرت ساعات وحلَ الظلام الدامس ..ولم تدعها معِدتها لترتاح ,انزعجت بشدة فعليها الخروج في هذا الوقت من الليل ,غيرت ملابسها ارتدت منامة النوم من الساتان بلون السماء الليلية .. نظرت يمنة ويسرة كان الممر فارغا فتنهدت براحة ,تسللت للطابق السفلي , الى المطبخ اتجهت فورا للثلاجة بسعادة فلم يكتشفها احد.. لكنها توقفت مكانها مصدومة التفت والصدمة تعتريها كانت المائدة مليئة بصحون متنوعة تغطيها شبكة جميلة بشكل مظلة .. اغلقت الثلاجة واقتربت منها ببطء ابعدت الغطاء الشفاف فرأت اطعمة مختلفة ولاتزال ساخنة ابتسمت بسعادة سحبت الكرسي بسرعة وبدأت تتناول بِنَهم استمتعت للغاية وشبعت حتى قاطعها صوته :

- ستختنقين هكذا !

توقفت فورا والعيدان لاتزال في فمها التفتت فوجدته يسند كتفه للباب ويعقد يديه لصدره متابعا كل حركة دقيقة لها.. لم تهتم له وعادت تكمل طعامها

-   ماذا!؟..هل ظننتِ انهُ خرج مثل السحر!

فقاطعته فورا : اعلم انه أنت ..لذا أصمت

اخذت صحن الرامين تُكمل به في طريقها لغرفتها وهو خلفها يتبعها .

في الطابق العلوي ألتفتت بغضب : لماذا تلحقُ بي؟

فأشار لباب غرفته : هل ستمنعينني؟!

لوت شفتها منزعجة وفتحت باب غرفتها , فقال موقفاً اياها : هذه أخرُ مرة! ان لم تتناولي الطعام معي مرة اخرى , سأقفل باب المطبخ ,وبالكامل ..هل تفهمين؟

صرت على اسنانها وهي تمضغ الطعام دخلت وصفقت الباب بقوة , ارتعب منها ثم صرخ متذمرا:

- سيسقط!...سيسقط باب غرفتك ذات يوم ..حينها لن ادع احدا يصلحه ابدا ..هل تفهمين؟(رفع نبرة صوته اعلى)هل تفهمين؟

فصرخت به من الداخل : يااا اغلق فمك

ابتسم بخفة دس يديه في جيوبه متجها لغرفته.. وهي تستمرُ بمضغ الطعام ارتسمت بسمةٌ خفيفة تزين ثناياها

** ** **

حل الصباح .. جلس الى المائدة ببعض السعادة فرغم بساطةِ ماحدث ليلة امس كان جميلا في نظره هو متشوقٌ الان لمشاركتها المائدة مجددا .. جلسَ والده الى رأس المائدة بينما عيون تشانغ ووك معلقةٌ بالباب انتظر ولم تأتي.

جاءَ هيون وقفَ بأحترام وتلهف تشانغ ووك لمعرفة مالديه:اسف سيدي..لكن الانسة تشونسا .. قد غادرت منذ الصباح الى نادي التدريب

قطبَ تشانغ ووك حاجبيه : ولكن!..لمَ اليوم؟

اطرق رأسه : لا اعلم سيدي..اسمح لي

فاطرق تشانغ ووك رأسه خائبا .. ولايعلم بمراقبةِ والده لتعابيره, رفعَ حاجبا منزعجا وبدءا بتناول طعامهما

بالفعل كانت تشونسا في نادي التدريب القت التحية على المدرب ليردف بعدها : هل انتِ بخير؟..لاتبدين كذلك؟

ابتسمت بتعب : معكَ حق..لهذا سأذهب اليوم

فقال ببعض القلق : لاتتأخري..تعلمين هَوس الرئيس هذه الايام بوجودكِ حوله.

إبتسمت ساخرة بعيون كالصقيع : اعلم ذلك, إنه كالسجن , سأتنفس هواءا طبيعيا هواء مدينتي الخاص ..اُنعش روحي قليلا واعود ..سأحاول ان لا أتاخر.

انحنت له مودعة واقتربت من الباب الخلفي الصغير وغادرت المكان من الخلف دون ان يلحظ احد. ارتدت سترة رياضية سوداء وغطت رأسها بالقبعة اي غيرت اغلب هيئتها.

.

اتجهت لمحطة القطار متجهةً الى مدينتها.. ارخت جسدها في مقعد الحافلة و عقدت يديها الى صدرها مغمضة العينين لكن وعيها بكامل قواه لأبسط همس يحصل بقربها هكذا خسرت ان تعيش حياةً اعتيادية بسيطة بكل حلوها ومرها .

هكذا اعتادت حياتها او بالاحرى ضُبطت على وضع الشك والريبة وترقب 24 ساعة , حياةٌ لاتحلم بها ولافي اسوء كوابيسها اي فتاة وخصوصا البسيطةُ مثل هيوجو!

.

دخلت مدينتها.. تقف الان على نفسِ التل من اقسمت هي و سيونغجي عنده يوماً ان يبقِيا معًا وللابد , تنظرُ لذلك المنظر الخلاب الذي يأسر القلوب ويعيد لها السلام ..اخرجت يديها من جيوبها خلعت بيد قبعتها ثم رتبت شعرها القصير بأنامل الاخرى .

مغمضة العينين اخذت نفسًا عميقًا ملئت به كل ثنايا رئتيها حتى آلمتاها واحست انهما على وشكِ الانفجار ثم اطلقته بقوة ..ترى المنظر نفسه لم يتغير البتة منذ اول زيارة لها هنا , لاتزال تتذكرها جلية واضحة امام عينيها وماحملتهُ معها من صدماتٍ تفوق ماحصل معها بأضعاف.

..

"كانت قد ولجت للتو في العشرين من عمرها اي تماما قبل سبع سنين مضت ..كانت اول خطواتٍ لهيون داخل القصر ,ومن اولهن حذروه من تشونسا ومن غضبها, عليه ان يمتثل لأوامرها بدقة وعناية وإلا!  لامفرَ له من عقوباتها الغريبة .. لكن! ,من اول نظرة تبادلاها شعر بشئ أخر شخص ثانٍ يقبعُ في الداخل ,لايمكن لاي احدٍ رؤيته .. تحدث فورا بدون رسمية :

- هيي انتِ!

فتحت فمها بصدمة تعاود النظر له

- لاعجب انكِ مجنونةٌ هنا...تثيرين رعب الجميع

ابتلعت ريقها بصدمة:

- هل فقدتَ عقلك(اصبحت تقترب منه)من تظن نفسك لتحادثني هكذا !

وجذبتهُ من قميصه فتقابل وجههما فورا.. لم يهتز مطلقا كما هو حال اياً من مرافقينها بل استمرت نظرتهُ الثابتة في عينيها:انتِ لم تذهبي..لمدينتكِ ولو لمرة...فكيف لكِ ان لا تُجَني؟

اتسعتَ عيناها وبدأ ضغطها على قميصه الاسود يخف تدريجيا:انا ايضا يتيم ..ولايمكنني التنفس الا ان ذهبت لرؤية ميتمي ومعلمتي...

هوت يدها تهتز بجانب خصرها عيونها المذهولة وصمت أنفاسها , أكدت لهيون كل ماقاله للتو وماظنهُ منذ اول كلمات سمعها من احد المرافقين بأنها يتيمة احضرها السيد من ميتمها عُنوة ولم تغادر المنزل ولو لمرة :

-  سأساعدكِ...(فنظرت له بلهفة)ثقي بي , دعينا نصبح أصدقاء .

نظرت ليدهِ التي امتدها تطالب بمصافحتها كأنهُ القشة التي ستنقذها من الغرق لاتعلمُ من اينَ ظهر ولمَ فعل ذلك من اول لقاءٍ لكنها فقط تمسكت به وبصداقته فهو بئرُ اسرارها ودرعها المنيع .. نظرت لعينيه مجددا ثم ابتسمت وهي تصافحه:

- مرحبا بك ..ص ديقي .

وتبادلا ابتسامة هادئة .

عَرَفها على المدرب الذي فور رؤيتها تذكر اخته الصغيرة التي فارقته منذ طفولتهما .. هزَ رأسه موافقاً على كل كلمة أدلاها له هيون وهو يراقبها واقفة عند الباب خائفةٍ من رفضه وايضا من اكتشاف الرئيس لأي شئ.. هذه اول مرة تخطو خارج السجن ذاك دون علمِ احد.. وهكذا سافرت للمدينة لأول مرة .

كعصفورٍ حُبس في قفصٍ خانق لسنين وها هو يعود لعُشه لغابته لكل اسرته ,حالما نزلت القطار واستنشقت عبيرا كان صدرها قد نسي رائحتهُ طويلا حتى دبت الروح فيها من جديد ولمعت دموع الشوقِ في عينيها .. أسرعت بالجري كمجنونة , أخذتها قدميها الى الميتم قبل اي مكان.

من الصدمة وتوقفها المفاجئ كادت تتعثر ,توقفت مكانها مصدومة مذهولة نسِيت ان ترمش وتتنفس للحظات ..مكانٌ خالي تماما تعصف به الرياح المغبرة كما عصفت في قلبها توا ..ولسعتها دموعا هوت بسرعة دون استئذان:

- اين ذهب؟..كان هنا اين ذهب؟؟

رددتها مرارا وتكرارا وهي تتلفت حول نفسها كالمجنونة شهقاتٌ وبكاءٌ لم ينقطع ترى مكان الميتم خالي تماما كأنهُ لم يكن هنا يوما وابدا كأنه يَمحي وجودهما فيه .. ليته يمحيه حقا فيبقيان معا , ولاتمر اثنان وعشرون سنة من عذابِ الروح والقلب ذاك.

ومهما بحثت وتجولت وجرت لم تجد له اثرا .. اوقفت سيدةٌ مرت بجانبها في احد فروع المدينة الصغيرة تمسح دموعها بفوضوية تارة وتشهق تارة اخرى اخافت السيدة من منظرها:

- سيدتي!..اجيبني لقد كان هنا ميتم ..ميتم السعادة! أين انتقلوا؟؟ها ألا تعرفين؟

فهزت السيدةُ رأسها نافية وأجابتها بكونها جديدة في المدينة ولاتعرف اي شئ وابتعدت عنها تكمل طريقها اثارت تشونسا قلقها..بينما تٌراقب المرأة تبتعد عنها تعلم انها قد اخافتها كثيرا ما أن إلتفتت حتى ارتطم كتفها بكتف شخصٍ أخر يرتدي قبعة يخفي بها ملامح وجهه, أعتذرا لبعض بأنحناءة ثم اكملا طريقهما .

كانت هيوجو لاتزال تأخذ دروسها في ان الحياة فنانةٌ مبدعة في رسم لوحة ظلمها وآلامها ضليعة في اختيار ابرعِ المواقف .. كي تعرف ان الرجلُ الذي مر بقربها ليس سوى سيونغجي .. سيونغجي وحسب! حبيب طفولتها الذي جاءت وكلها لهفة وشوق لرؤيتهِ ايجاده وضمهِ لصدرها واطفاء نيران غربتها بعيدة عنه.

فسيونغجي كان افضل حالا من هيوجو منزلٌ دافء وابٌ مثالي يشابه اباه وربما افضل.. كان عكس هيوجو كثيرَ التردد الى هنا .. منذُ اول ايام للحادث وهو يعلمُ بأختفاء الميتم.. كان كل مجيئهِ فقط لزيارة قبر والده وصديقا حياته.. وكي يتلمس اي اخبار او ظهورٍ لإي فتاة باحثة عنه ..كما تفعل هيوجو اليوم.

وبينما تستمر ببكائها وشهقاتها المتتالية حتى سمعت نداءا تكرر عدة مرات ظنت لوهلةٍ انها تحلم او ان اذناها تخدعانها :

- سي وون!..سي وون!..أهذه انتِ؟

مسحت هيوجو دموعها والتفت للجهةِ النابع منها الصوت ,كانت عجوزا جميلة هادئة الملامح تقترب ببطء وتستمر تدقق في تعابير هيوجو:

-  سي وون!.أووه كلا انتِ!

فقاطعتها هيوجو بلهفة فورا وتمسكت بيديِّ العجوز راجية : سي وون!..هل تعرفين امي؟..هل حقا تعرفينها؟(اتسعت عينا العجوز واكملت) انا هيوجو ..هيوجو الصغيرة انا ابنتها.. ابنةُ سي وون

شهقت العجوز وجذبت هيوجو بقوة تضمها بحنية بشوق : أووه عزيزتي هيوجو انت حية حمدا لله...حمدا لله ..كم بحثنا عنكما ولم نجدكما .

تلك الكلمات طرقت مسامع هيوجو بقوة وهي تختفي بين احضان العجوز تستنشق عبيرَ الامومة الذي افتقدتهُ منذ دهور .. ابتعدت عنها ورمقتها بنظراتٍ مصدومة تطالب تفسيرا : مُت!..انا!..ماذا تقصدين بلم نجدكما!

استغربت العجوز وكفكفت دُموعها لتجيب:انتِ وسيونغجي!..ألم تخرجا من الميتم في احد الايام وتضيعا .. هكذا اخبرتنا مالكة الميتم.. وهَلك الجميع بالبحث عنكما ليل ونهار..ولم نَجد لكما اي اثر ؛لذا ظننا (وتنهدت بألم)ظن الجميع انكما قد غرقتما او ماشابه.

من توالي الصعقات التي تعصفُ بقلبها هوت فورا تتقعد الارض ,خافت العجوز اسرعت تجلس القرفصاء امامها تَهز اكتافها .. هيوجو المغيبة عن العالم في هذه اللحظة عادت للوراء قبل اربعة عشر سنة كل ماحدث لايزال طازجا في ذاكرتها كيف تُنكر المعلمة وتختلق قصة ضياعهما وهي بنفسها من اخبرتها بأن تَتبعها وعندما رفضت هي وسيونغجي ظهر المرافقين من خلفها فأعتذرت مبتعدة وحصل ماحصل.. كيف لاتَعرف كيف تخفي كل ذلك..ولماذا؟.

صرخت بالكثير وبكت وبكت تتحدث بكل شئ تناشد اي أحد ان يقدم لها تفسيرا اي تفسير ومهما حاولت العجوز المنتحبة معها اسكاتها لم تتوقفْ حتى غميت بين يديها وضمتها لصدرها بقوة تَنتحب لأجلها .

افاقت بعد ساعات .. تفتح عينيها ببططء فتختفي وتظهر امامها لوحات سقف خشبية متعبة استعدلت في جلستها لتُسرع لها العجوز بالحساء وساعدتها كي تجلس معتدلة .. اخذت تدير بعينيها تمسح كل اجزاء المنزل , قديم اثري لكنه جميل ذوطابع حنين ورُوحٌ دافئة فارقتها منذ سنين .

شرحت للعجوز كل شئ .. تفاجئت الاخرى , حِنكتها في الحياة كانت كافية لتخبر تشونسا بما استنتجته للتو :

-  اعتقد بانه هو..هو من أمرها بفعل ذلك..لم تبتع الميتم لاي احد بل قامت بهدمه بعد اسبوع تماما واختفت مع الاطفال لمدينة اخرى حتى الان لم يَعرف اي احد اين كانت وجهتها .

حَل المساء غادرت هيوجو منزل العجوز واعدة غياها بالقدوم مجددا لرؤيتها فقد التمست فيها حنان ودفء امها الراحلة .

اتجهت مرة ثانية لقبورهم مودعة.. حالما اصبحت امام القبور شهقت من فورها تلفتت حولها لم تجد شبحًا لاحد انحنت بلهفة وعيونٍ دامعة تناولت باقة الزهور البيضاء الكبيرة التي وضعت على اوسط القبور واول ما خطر على ذهنها ونطقت به فورا:

- سيونغجي!..انه سيونغجي!

تلفتت بلهفةٍ وشغف ودموع تتسارع من جديد تحنُ لرؤيته وتعالت شهقاتها وندائها المتكرر بأسمه كما اخر مرة نادته ولم يلحق بها:

- سيونغجي!..ارجوك..اين انت؟.. سيونغجــــي!

هوت تفترش الارض تنتحب وتُضم الزهور تلامس مواضع يديه عليها.

صحيح انها اكملت حياتها بطبيعية في ذلك السجن .. لكنها مطلقا لم تنسَ يوما انَ عليهِ ان يُقدم لها تفسيرا لكل ما حصل ولو كان اخر يومٍ في عمره اقسمت هيوجو بذلك لنفسها تلك الليلة وهي عائدة الى القصر الى سجن روحها وقلبها"

2015م


ياعزيزي, اخيرا ادركت اليوم

إن كل ذلك كان مخطط له

أنا ابدو كالمحصور في جزيرة مهجورة لوحدي

أشبه بالعيش داخل نفق بمفردي

لكن لم يتم التخلي عني

بل أنا الذي تخلى عن هذا العالم

اصارع العزلة اليومية

لقد صليت

من هذا الخيال الكاذب

اهرب مرة أخرى اليوم

من هذه الحقيقة الصعبة

لايهم مهما ركضت سريعا

مهما ركضت

فأنا مازلت هنا


رنت كلماتُ تلك الاغنية داخلها فليس هناك غيرها يفسر حالها الان ..حين لسعت اشعة الشمس عينياها وهي شاردة الذهن تذكرت كل ذلك تنهدت والتفت ببطء فوقعت عيناها على تلكَ القبور الثلاثة ابتسمت بألم وهي تقتربُ منهم.. تمددت بهدوء بين قبر والدها ووالدتها وضَمت نفسها و اغمضت عينيها.

1992م

لتفتحهما تلك الليلة الربيعية في عمر الخامسة على سريرِ والديها سعيدة ثم وقفت فورا عليه وقتها دَلف والدها الغرفة وصرخ :

- ياااا انزلي في الحال ..نريد ان ننام براحة ,أنتِ تلعبين سعيدة ونحنُ لم نَنم منذُ يومين من المراقبة هيا اخرجي ..ايتها الشقية.

كانت الأم تجفف شعرها عند المرأة تراقب انعكاس صورتهما وتضحكُ بخفة :

- دعها..دعهااا.. لماذا تُتعب نفسك كل ليلةٍ بالشجار الطفولي معها وفي النهاية تنتصرُ وتنام بيننا!

وهو مستمر بدغدغتها وهي تتلوى بقوة بين يديه وصوت ضحكاتها ملء المكان .. حتى أُرهق قبلها وزَفر مُتعبا ,وقفت تلهث من التعب واضعة يديها على خصرها تتحدث بغرور وانتصار:

- أرأيت!..انا دائما انتصر .

بينما يُومأ الاب برأسه لها عدةَ مرات دلالةً لخسارته بينما أنفاسه أخذت تقفز على السرير بكل قوتها ويتطاير شعرها الطويل يرتفع ويهبط معها مثل قلبها الذي كان يَعُج بالسعادة والتي ظَنت كأي طفلة انها ازلية"

2015م

سالت تلك الدموع التي عندما تدلف هيوجو هذا المكان لاتعرف معنىً للتوقف مطلقا ..تسيل على جانبي وجنتيها .. رفعت رأسها وجلست منهكة بين القبرين تشهق وتبكي مجددا:

- كنت غبية شقية ومشاكسة..اعلم ,لكنني كنت مُتيمة بكما يامن تركتماني وحيدة تَعصف بي الحياة كيفما تشاء

قالتهم واسرعت تُغطي عينيها بكلتا يديها بقوة وتَنشج بكاءا عاليا يرن صداه في ذلك الفراغ .

** ** **

افتقدها تشانغ ووك كثيرا رغم انهما قليلا الكلام .. قليلا النظرِ لبعضهما, لكن وجودها في محيطه يكفيه ,ذا دَلف غُرفتها جلس على سريرها تحسس وسادتها بأنامله وزينت ابتسامة مَلئها الشوق ثناياه.

.

بينما دلفَ سيونغجي على مكتبِ مدير القسم عمه انحنى بإحترام : طلبتني سيدي

فرد وهو يشبك يديه الى المكتب ويشير له : اجلس بني.

تقدم سيونغجي ليحتل أحد المقاعد أمام مكتب المدير : هل بدأت حقًا بخط طلبِ استلام ملف التحقيق؟

فأجاب سيونغجي بصوتٍ ثابت :نعم عمي ..وسوف اُرسلها لكَ بعد قليل

تنهدَ العم : هذا جيد...حالما نُرسلها ,سوف يُخاطبونني ..حينها سأُحدث مدير مركز القرية كلها ,فقد كان صديقي في كلية الشرطة ..وايضا صديقا لوالدك ووالدا هيوجو(فهز سيونغجي رأسه متفهما):حينها..

فقاطعه سيونغجي : حينها سأذهب بنفسي لجلب كل الملفات (استغرب العم فبرر فورا) لا اثقُ بأي احد .. فقد يَتسرب خبر فتحِ الملف لكائن من كان ,لذا سأجلبها بِنفسي تحوطأ فهزَ العم رأسه يوافق سيونغجي يُؤيد كل كلمة قالها للتو

** ** **

اكملت هيوجو خطواتها مثل كل شهرٍ الى منزلٍ بات مُنعش روحها الشهري كي تبقى صامدة كما هي .. حالما رفعت رأسها لترى العجوز قادمة وهي تحمل بعضَ الاغراض المنزلية ابتسمت بحنانٍ لرؤيتها, ترى فيها روح امها التي اختفت .. وقد خط الشيب الكثير من خصلات شعرها يزينهم بكثرة,  وتجاعيدٌ ازداد عددها مع الايام .. لكنها تبقى اجمل امرأةٍ في عيني هيوجو بعد والدتها التي كانت اميرةَ المدينة .. ولم تعرف ان الجدة كانت تلهثُ كثيرا مرهقة وازداد شُحوبها اليوم اكثر من اي زيارة سَبقتها .

رفعت رأسها الاخرى فرأت هيوجو امامها تبتسم لها بشوق ممزوجٍ بحنان طفلةٍ خرجت للتو من مدرستها في اول ايام لها فيها حيثُ يجن جنون الاطفال لفراق امهاتهم .

أبتسمت الجدة بشغف وكأن دَعواتها قد اُستجيبت لرؤيتها اليوم , اسرعت الاثنتان لاحتضانِ بعضهما بقوة تُخفي هيوجو وجهها عند رقبة الجدة تشم عبير امها تُغرق فيه روحها لتبقى حية انسانة اكثر .. ثم ابتعدت عنها متذمرة:

- جدتي!!(وبدات تحملُ الاكياس الواحدةَ بعد الاخرى)لماذا تستمرين تتعبين نفسك؟؟(وساراتا معا الى المنزل)كم مرةً علي ان اقولها ..لماذا لاتذهبين للعيش مع ابنتكِ في سيؤول.

دلفتا الى المنزل..وضعت هيوجو الاغراض في المطبخ بينما اتخذت الجدة مجلسها لترتاح , تَلتقط انفاسها المتعبة قبل ان تَنتبه لها هيوجو .. التي فورا جرت بسرعة تَمددت على الارضية تثبت رأسها على ساق الجدة التي تفاجئت لكن مالجديد في الامر انه شئٌ يتكرر كل شهر .. ابتسمت بحنان لطفلتها الصغيرة واخذت تداعب خُصلات شعرها باناملها:

- وانا كل مرةٍ اُجيبك نفس الاجابة.. لايُمكنني تركُ منزلي والحي مطلقا.. كما ان ابنتي تكدُ ليل نهار لتطعم صغارها مع زوجها.. ان ذهبت فلن اكون سوى عالةً عليها

فتذمرت هيوجو بدلال : جدتي!!

وتنظر الى الامام تستمتعُ بمنظر حديقة جدتها البسيطة وزهورها المنتعشةِ بالحياة .. تكلمت الجدة تُغير دفة الموضوع :

- ماذا؟..بدل ذلك انتِ لماذا لاتأتين للعيشِ معي؟..كم مرة طلبت منك ذلك؟

اختفت ابتسامة هيوجو مع تلك الجملة وتحدثت ببؤس :

- هذا شبهُ مستحيل جدتي!..انهما اثنتان وعشرون سنة!, حتى لو كنتُ قطعة حجر لنُقشت تلكَ الايام الطويلة عليها بعمق وشقَت طريقها.. لقد اعتدتُ تلك الحياة ولايمكنني تخيلُ نفسي خارجها, نعم انها متعبة مملة لا اعرف طعما للحياة فيها.. لكنها باتت حياتي مذ كنتُ في السادسة.

فقاطعتها الجدة فورا بسؤال لطالما عجزت هيوجو عنه وتجيب كل مرة بحرقة اكبر من سابقتها : ماذا عنه؟

توقفت من فورها هيوجو عن الكلام وابتعلت ريقها تتذكر ملامح وجههِ ابتسامته الساحرة التي تغرقها بحنان تتلهف له دوما

- وماذا بشأنه؟ لستُ بحاجةٍ له

قالتها هيوجو ببرود مثل كلِ مرة,  فقالت الجدة منزعجة : الى متى ستبقين هكذا؟ ..انتِ فقط تَتصنعين القوة لا اكثر

فأستعدلت في جلستها فورا تتربع الارض متذمرةً غاضبة : جدتي!..لست كذلك

فتحدثتِ الجدة بحِدة:كلا بل انتِ كذلك.. انتِ لست سوى نسخة من امك سي وون

فورا هدأت تعابير هيوجو واتسعت عيناها تستمعُ بأهتمام :

- لقد سلكتْ اصعب شئ تمتهنهُ اي أمرأة ..الشرطةُ والتحقيق, فكم يتطلبُ الامر شجاعةً وقوة وصلابة , لكنها مع ذلك كانت مجرد ورقةِ شجرة تهوي بها الرياح من دون والدك , كانت لاشئ .. دائما تعترف بذلك , فانتِ لست سوى نسخة منها, انتِ فقط تكابرين كل مرة أسألكِ وانت في اوج حاجتكِ له ..ارمي بعضا من حملكِ الثقيل عليه ..خففي من وطأة احزانكِ فلتبكِ امامهُ لمرة ..اعلم بشدة كم ترغبين بذلك

عادت هيوجو لغضبها وهزت رأسها نافية :

-  لا اريـــد!..لااريد منهُ اي شئ(مؤشرة على صدرها)هل تريدين مني الان ان ارتمي بين احضانهِ بكلِ سهولة متناسية كل ماحصل(صرخت بقوة)كلااااا

ارادت الجدة ان تثنيها ولو لمرة عن كلامها المعتاد فنهضت هيوجو بسرعة :

- ارجوكِ جدتي فلنغلق هذا الموضوع لا احب التحدث به(واتجهت للمطبخ)سأعد لنا الشاي..فقد نفذ ما اخذته منكِ الشهرالفائت مبكرا

وقتها فقط سمحت الجدة لصراعات المها بالظهور وانقباضات قلبها المفاجئة رغم ان الطبيب اخبرها بأنهُ لم يتبقَ لها الكثير همست:

- ليس الان!..ليس امامها ايها القلب الضعيف, يكفيها انكسارات قلبٍ مريرة

ضغطت بقوة على صدرها لعلها تُخفف قليلا من انقباضه المتكرر الذي يسحبها لقعر الارض من شدة الضغط فتسيل دمعةٌ حارقة لها وهي تراها تعد الشاي سعيدة في المطبخ :

- كم دعوتُ ان اراكِ لأخر مرة ,وفي نفسِ الوقت كم صليت كي لا الفظ انفاسي الاخيرة امامكِ..لكن يبدو ان حظكِ النحس لاينكف سعادةً عن رؤية(وتبتلع غصتها بحرقة)عن رؤية دموعكِ وآلامكِ...لابد وان المزيد ينتظركِ ,ابقِ قوية كوالديكِ.. ارجوكِ عزيزتي اعتني بنفسكِ .

حقا يبدو ان السعادة عندما لاترغب باحدِهم فأنها تَتفنن في طرقِ مغادرتها كل مرة.. تلكَ الابتسامةُ التي تُزين مُحياها الان وهي تخرج من المطبخ تحمل صينية الشاي مع كوبين صغيرين ..بدأت تختفي تدريجيا مع كل خطوة تخطوها وهي ترى جدتها تسند ظهرها للحائط مغمضة العينين ساكنة تَعتصر موضع قلبها بيدها, ابتعلت ريقها هيوجو بخوف .. ثَنت رُكبيتها تضع الصينية ارضا ثم قربت اناملها ببطء من وجه جدتها ترتجف مع كل خطوة شِفاها وكل جوارحها :

- جدتي!..هل غفوتِ الان؟..جدتي افيقي؟

واصبحَ الهز اقوى واقوى حتى فقد جسد الجدة اتزانه وانسابت مرتطمة بالارض مستلقية على جانبها الايمن , تخشبت حينها هيوجو مكانها وتقعدت الارض فورا نسيت ان ترمش او تتنفس فقط قلب يأن من توالي جرحهِ من اهم الناس في كل مرة .

حُرقةُ الدموع عينيها تضطرُها لاغلاقهما بقوة, اعتصرت ساقها بيدها من الخلف وصرخت صرختها المدوية رافضةً دون رحيلِ الاخيرة من تَمسكت روح هيوجو بها كل تلك الفترة بسببها .. اسرعت تقتربُ من رأس الجدة تضعُه في حجرها تهزُه اكثر ثم تضمه:

- لماذا الان؟..لماذا اصبحتِ قاسية مثلهم تغادرين امام ناظري..لماذااا؟

وتنتحِب اكثر وتهُزها بجنون وبدأ بعض من اهل القرية بالتجمع على صدى صراخها العنيف الحاد الذي دوى هناك. .. منذُ اول لقاءٍ لهما وهما كسماءٍ تحتضنُ قمرها امٍ وابنتها هكذا اعتادت هيوجو الامر.. تتسحب كل شهرٍ لرؤيتها تغفو اغلبَ النهار في احضانها تسترد جزءا من ورحها التي تذبل طيلةَ الشهر في ذلك الجحيم...تنظف لها وتطبخ معها ,تتناولان الطعام بسعادة .. ثم تعود للقصر عند المساء... كان كمحطةِ استجمام بالنسبة لهيوجو.. هكذا كان حالهما طيلة سبع سنوات.. الان برحيلها تفقدُ اخر نبعٍ كانت تستمد حياتها منه.

لكم باتت تكره هذا المكان فكلُ مرة يسلبها اغلى احبائها في اهم واكثر الاوقات كانت هي في حاجتهم ان يتواجدوا بقربها .. اصبح مقبرة ضَمت كل سعادةٍ لها بكل انواعها واشكالها

** ** **

مثلث الحياة والموت!

* وقفَ تشانغ ووك على شرفة الانتظار على أملِ ان يرى طيفها داخلة للمنزل تعيدُ له الضياء الذي ينير دربهُ منذ اثنان وعشرون سنة

-  اين ذهبتي؟..تأخرتي كثيرا, ارجوكِ عودي بخير.. قبل الصباح, فأنتِ لاتعلمين ان اول ليلة غفلت عيني لاول مرة هنا ..كان اول يوم جئتِ فيه الى هنا .. انتِ تبكين الان ..في مكان ما ,وتتمزقين ..قلبي يخبرني بذلك .

*سكونُ القطار الكهربائي كان صاخبا مقارنةً بالسكون داخل قلبها الذي اصبح كفجوة فارغة.. تسترقُ النظر الى كفيها التي لُوثت يديها مع دموعها المُتعبة التي تنهمر بصمت تَخط اثرها فوق يديها المتسخة .. دَفنت قبل قليل آخر رمق حياة لها هنا من هذا المكان :

- ذلك المكان مهما حاولت التسامح معه .. ونسيان ماسلبني اياه كل مرة ..أبى صارخا رافضا يسلبُني شخصا اخر .. عبقَ حياة جديد اتمسك به كي ابقى حية ,هل حقا دفنتها!  بيدي هاتين! من بين كل العالم احتاج اليه بشدة , لكن لااريد ..لايمكنني

*بينما سرح سيونغجي في مراقبة السماء من احدى نوافذ قسمه .. شروده ذاك لم يسمح لصوت عمه ونداءه المتكرر الولوج الى طبلة اذنهِ فآثر تركه لوحده.. تكررت هذه الحالة كل ليلة بعد وفاة والده ذاك الجد , تلك الصفحة البيضاء التي كان يبث حزنه لها كل ليلة :

- لايمكنني الانتظار اكثر ..لقد مرت اثنتان وعشرون سنة بالفعل كانت كقرون في عصور جليدية تأبى الامتثال لتحول حياتي الى ربيع دائم بلقاءك .. لم يتبقَ سوى القليل, سأجلب ملفات والدينا في القريب العاجل لأبث الروح في حقوقهم التي دُفنت معهم دون اي يرمش لهم كل العالم طرفة عين.. فقط اصبري لبعض الوقت عزيزتي

...................................................

في البارت القادم:

ـــ :انتِ لست ثملة مطلقا ..ماذا بكِ؟

ـــ :فقط..أهدأي اخفضي السلاح ..ها اعلم ان هيوجو هناك ..لاتزال هناك في الداخل

ـــ :محققة ايرين!..هل نحن في حفلة!..اجمعي شعركِ في الحال

ـــ : الذئب الاسود خطر! علينا التخلص منها بهدوء كي نصبح بأمان

ـــ :لقد فزتُ وعليكِ تحقيق امنيتي..التي تمنيتها منذ دهور

ـــ :دع هيوجو ترحل من هنا..اعطها حريتها

ـــ :توقف ياقلبي انها هنا..هنا بجانبك...لاتخف لم تبتعد بعد بحثا عن غيرك



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق