الجمعة، 22 سبتمبر 2017

أنطقُ بشفتيهِ - | Chapter 3 |



Chapter 3


Written By : Miral MK


تجلِسُ القُرفصاء تُحاوِلُ كتمَ شهقاتِها وإخفاء دموعها المتناثرة، ضائعة في صحراء واسعة وغابات الظلام تُخيّم في داخلها، تبحث جاهدة عن مخرج لكن ما من شيء يُساعدها .. ما من شيءٍ تملكهُ سوى الدموع والتراجع لتختبئ في أظلم زواية بعيدًا عن الجميع ... للحظةٍ واحدة على الأقل !
هي كطفلٍ صغير يبحثُ عن شيءٍ ليُفرحه بلا تفكير أو وعي، أي يد ستُمد له سيُمسِكُ بها ليُنقذ نفسهُ، لكنه بالرغم من هذا لا يزال يخافُ من الغرباء، يرتجف عند رؤيتهم ويُحاولُ قدر الإمكان تجاهل حديثهم تمامًا كما أخبرتهُ والدته محذرة (لا تثق بالغرباء .. إنهم أشرار) .. ذلك الطفل الذي يمسح دموعه وتتسع شفاهه مُظهرةً تلك الابتسامة البريئة بعد صراع كبير في داخله لمنعها من الظهور لكي لا يثق ويضعف أمام شرير غريب، لكنهُ طفل .. طفل صغير لا يملكُ من الوعي ما يملكهُ البالغين، يبتسم بسعادة عندما يُعطيه أحدهم قطعة حلوى محشوة بالكراميل .. ينسى كلام والدته فجأة وتُصبح الحياة بأكملها بالنسبةِ إليه قطعة حلوى !
الطفولة هي بداية حياة أي انسان خُلق على هذه الأرض، المرحلة الأولى التي يمرُ بها، حيثُ المشاعر بداخلهِ تُقتصر فقط على والديه، وألعابه، والحلوى المفضلة لديه، حياته المحدودة ومعرفته الشبه معدومة بها تجعلهُ طفل يضعف أمام حلوى الكراميل وينسى كلام والدته للحظة .. رغمًا عنه.
هي تمامًا كهذا الطفل، جاهلة بالبشر من حولها، ضعيفة البُنية والتفكير، ومشاعر الخوف تُسيطرُ عليها .... لكن ذلك الجذع الذي مده لها كان كقطعة الحلوى، مُغرية جدًا لتُنقذها أو لتكن بدايةً لشعور القوة والنُضج بداخلها ... لينقلها لمرحلة البلوغ.
عندما تشبثت بهذا الجذع كانت ترى يد مُنقذ تنتشلها من ذلك البئر العميق الذي لا زالت حتى هذه اللحظة عالقة في ظلمة أعماقه، إنها الفرصة الأولى والوحيدة أمامها بعد معاناة سنين طويلة، يجب أن تتمسك بها، تُعانقها بذراعيها لتُصبِحَ جزءًا لا يتجزأ منها.
ربما ستأتي عليها تلك اللحظات التي ستُشعرها بالضعف وتُرهقها حد الموت لذا ستقرر الهرب، هي لن تقرر حتى .. هي ستُرغم على الهرب بعيدًا، لكن لبعض الوقت فلتبقى صامدة، مُتمسكة بهِ لتخرج أخيرًا إلى عالمِ البشر ... بعيدًا عن عالم الوحدة خاصتها.
"آنسة جيني .. ؟"
جائها صوت نامجون ليجعلها تُدرك أنهُ لا يزالُ هُنا، وأنها لا زالت تُمسِك بالجذع وكذلك الأمر هو.
أبعدت يدها وأفلتته بينما أسندت نفسها لتقف على قدميها.
"أنتِ تعلمين بالطبع نظامُ المركز الذي أعملُ لديه، صحيح؟" سألها وهو ينظر إلى الجذع بين يديه.
سَمِعَ صوتَ رِسالة جديدة، أفلت الجذع ليسقط ويصطدم بالأرض ثم فتح هاتفه ليقرأ -أجل.
-جيد إذن- كتبها كرسالة لكنه حذفها بسرعة عندما تذكر أنها يمكنها أن تسمعه " جيد إذن سأكون مُرافقكِ الدائم طوال فترة العلاج .. كظلك" تحدث أخيرًا.
شعرت بتوتر شديد ... هي تكرهُ البشر وهو سيكون كالظل لها؟
رسالة أخرى : -لكنك لن تُرغمني على الحديث والنظر اليك صحيح؟
ابتسم وهو يقرأ ليجيبها مرددًا "لا تقلقِ، يُمكننا أن نستمر بلقاء بعضنا البعض هكذا في هذا المكان مثلًا بالاضافة الى الرسائل" اردف بعد أن تذكر أمرًا "اوه صحيح، أريدُ أن أكون على اطّلاع تام بكل نشاطاتك اليومية، أرسلي لي رسائل طوال اليوم منذ استيقاظكِ حتى اللحظة التي تخلُدين فيها إلى النوم"
تحدث سريعًا عندما سَمِعَ صوت لوحة المفاتيح "ولا يُمكنُكِ الاعتراض"
تنفست بضجر وهي تنظر إلى ما كانت تكتبه -لا يُمكنني ..

-

كان يجلسُ على أحد مقاعد الحافلة، يضمُ حقيبته الرياضية بين ذراعيه ويُغطي رأسه بقبعة من الصوف لونها رمادي، القى نظرة سريعة على هاتفه ثم وضعه في جيبه، أسند رأسه إلى ظهر المقعد مغمضًا عينيه بهدوء، لا يزال أمامه محطتين لكي يصل تايهيونغ إلى وجهته.
في المقعد الذي يقع خلفه مباشرة كان هنالك فتاتين ترتديان الزي الرسمي للثانوية، إحداهُنّ تُمسِكُ بالهاتف، وتُشاهدان فيديو موسيقي مندمجتان معهُ بشدة، كان بإمكانه سماع الأغنية بوضوح، شدد عناقه للحقيبة وهو يدندن مع الأغنية بصوتٍ خافت "Cheer up baby .. Cheer up baby" ابتسم بسخرية "Cheer up أيها الأحمق!"
توقفت الحافلة عند الموقف الأول، فتح عينيه ينظرُ من النافذة، زفر بملل عندما أدرك أنهُ لم يصل بعد، عدل من جلستهِ ثم تثاءب وهو ينظر إلى الركاب، جذبت انتباهه تلك السيدة العجوز التي كانت تتجول في نظرها باحثةً عن مكانٍ لتجلس فيه، يبدو انها مُتعبة للغاية فهي لم تتمكن من المشي بسهولة، وضع حقيبته على المقعد مستعدًا للوقوف وتحدث معلنًا "أجوما" نظرت إليه ليتابع بابتسامة "تفضلي هُنا"
ابتسمت بامتنان وهي تقترب اتجه نحوها يساعدها على المشي والجلوس بينما تحدثت قائلة "شكرًا لك بُني"
بادلها الابتسامة وجلس بجوارها بعد ان أخذ حقيبته ووضعها بين ذراعيه في حين انطلقت الحافلة.
-
تجلسُ على الكرسي واضعةً قدمها اليُمنى على اليُسرى تهزُها بينما تقضم أظافر يدها اليُمنى بتوتر.
"بحق الله بورا توقفِ عن هذا" أعلنت سوجين بنفاذ صبر.
"ماذا أفعل الآن؟ لم يكلمني منذ الحادثة ولم يجب على أيٍّ من مكالماتي" تحدثت بورا ثم نظرت إلى سوجين فأردفت "يبدو أنهُ غاضبٌ مني بشدة !!" تابعت بنبرة غاضبة "أنتِ السبب عليكِ مساعدتي"
"أنا؟" اتسعت عينا سوجين وهي تُشير إلى نفسها بسبباتها ثم تابعت وهي ترفعُ كتفيها "وما أدراني أن البندق قد يؤذيه إلى هذا الحد؟!"
"أوه حقًا؟ جيد إذن لإن الأمر يزداد سوءًا بسببكِ" أعلنت بنبرة مؤنبة.
"حسنًا حسنًا ؛ يُمكننا حل المشكلة"
"كيف؟" سألت بورا بانفعال.
"دعيني أُفكر قليلًا بالأمر سأجد طريقة تجعلهُ يعود لكِ من تلقاء نفسه" أردفت سوجين بنبرة ونظرة واثقتين.
-
"إن أنهيت طعامك بإمكانك الذهاب إلى غرفتك والبدء بالدراسة" تحدثت السيدة بنبرتها المعتادة بينما كان جيمين ينظرُ إلى طبق الخضراوات أمامه ويقلبها بشوكته بهدوء.
"سأذهب الآن إلى العمل، جيمين عليك أن تحرز العلامة التامة" وقف الوالد مُتحدثًا بنبرته الجادة وهو يرتدي معطفه ثم غادر ولا يزال جيمين ينظرُ إلى طبقه دون التحدث بكلمة واحدة.
"جيمين؟ .. جيمين!" صرخت بالثانية لينظر إليها منفعلًا "ماذا؟"
"عليك أن تركز ! امتحانك غدًا" قطبت حاجبيها موجهةً لهُ أوامرها المُرهِقة.
وضع الشوكة بجوار الطبق، فأزاح الكرسي نحو الوراء قليلًا، ثم وقف متجهًا نحو غرفته بهدوء بينما كانت هي تنظرُ إليه بصمت.
دخل إلى غرفته وأغلق الباب خلفه ثم اتجه نحو مكتبهِ، التقط كتاب العلوم الحياتية، جلس على حافة السرير ووضع الكتاب على فخذيه، فتح أُولى صفحاته حتى وصل إلى الصفحة المنشودة، أمسك بزاوية الكتاب بأصابعهِ ثم شدد قبضته حولها وبدأ يقرأ بصوتٍ عالٍ.
-
كانت تُمسِكُ بين كفيها هاتفها الذكي، على شاشتهِ ظهرت لوحة المفاتيح أسفل حيز الرسائل، وإبهاميها مثبتان بعيدًا بمسافة بضع إنشات عن الشاشة بالقرب من لوحة المفاتيح، تنتظرُ بهدوء لحظة الشجاعة لتكتب الحرف الأول.
حمحمت بينما كانت تُحاول تجميع أفكارها لصياغة جُملة مُفيدة، ولكن الأمر كان صعبٌ للغايةِ كأول مرةٍ بالنسبةِ لها، أصدر هاتفها صوت رنين قصير فجأة، اتسعت عيناها للحظة .. إنها رسالة ! ومنهُ أيضًا.
 (كيم نامجون // علمتُ أنكِ لن تُرسليها أولًا فوددتُ أنا بفعلها لكسر بعض الحواجز، ماذا تفعلين؟) أرسلها مُرفقةً بوجه ملاك في نهاية الكلام.
ابتسمت برقة وهي تقرأ محتوى رسالته، ارتاح قلبُها للحظات، يبدو أنهُ مفعمٌ بالحياةِ فعلًا!
عدلت جلستها مع ثبات وضعيتها السابقة، عضت على شفتها بينما بدأت بالكتابة، لكنها لم تكمل الكلمة الأولى حتى قامت بحذفها سريعًا وبدأت من جديد، ثم عادت مجددًا لتحاول حتى نجحت في إسالِ الرسالةِ بعد المحاولة الرابعة تقريبًا، ابتسمت لنفسها بنصر وكأنها الآن حققت أهم انجازات حياتها.
كان يقف داخل المصعد ويضع يديه في جيبي بنطاله الأسود بينما تغطيهما ثنية الجاكيت الأسود الخاص بهِ، توقف المصعد وفُتح بابه ليخرج في اللحظة التي أصدر بها هاتفه رنين وصول رسالة جديدة، توقف وأخرج هاتفهُ من جيبه وهو يتمتم "لنرى ما أخذ معها نصف ساعةٍ لتُرسله"
(كيم جيني // جالسة)
ارتفع ركن شفتيه مظهرًا ابتسامة ساخرة "جالسة؟! فقط؟"
تقدم بخطوات بطيئة بينما ينظر إلى هاتفه ويكتب "سنرى جيني-شي" ابتسم برضى أخيرًا بعد أن ضغط على إرسال، رفع رأسهُ سريعًا لتثبُت حدقة عينه للحظات مع تلاشي ابتسامته، حتى سَمِعَ صوتها تسأله "كيف أصبحت؟"
تقدم باتجاه باب المنزل متجاهلًا سؤالها ليتحدث أخيرًا وهم يُدّخل كلمة المرور "تايهيونغ ليس هُنا"
فتح الباب في حين أعلنت هي "أعلم! لقد جئتُ لأراك"
نظر إليها بلا اهتمام، تنهد بقلة حيلة فتحدث بعدها "حسنًا .. تفضلي"
-
اهتز هاتفها مصدرًا رنين، التقطته بتردد وهي على يقين أنها رسالة منه، فتحت الرسالة لتقرأ محتواها.
 (كيم نامجون//تجلسين على الأريكة أمام التلفاز؟)
اتسعت عيناها صدمةً لما تقرأه، نظرت من حولها بخوف، ازدردت لعابها وهي تجول في عينيها المكان بحذر متسمرةً في مكانها.
بينما كانت بورا تجلس على الأريكة ونامجون يجلس على تلك المقابلة لها وركبته اليُسرى بالقرب من حافة الطاولة أوسط الغرفة، يملكُ ساقين طويلين بالفعل.
"ماذا لديكِ؟" سأل نامجون سريعًا، وقبل أن تُجيب رنّ هاتغهُ فأخرجهُ من جيبه ليفتح رسالتها ويبتسم ابتسامة واسعة فانتظرت بورا مُحدقةً به.
 (كيم جيني//كيف عرفت؟؟؟ أتراقبني؟)
كتب ردهُ سريعًا ثم وضع الهاتف على الطاولة وعاد لينظر إلى بورا لتسألهُ فورًا بريبة "أتواعد إحداهن؟"
"لا" أجاب بينما كان يُسند ظهره على الكرسي باستقامة ويضع قدمًا على الأُخرى.
"اوه حسنًا" تمتمت بصوتٍ مسموع.
"إذن ما الذي تُريدينه مني؟"
عدلت من جلستها ثم بللت شفتيها لتتحدث "أنا آسفة ! لم أقصد إيذائك صدقًا"
نظر إليها فتابعت "لم أكن لأفعلها لو علمت أنك تملك حساسية قوية ضد البندق، كدت أقتلك بحماقتي ... أنا آسفة"
"حقًا؟ لقد ظننت أنكِ تقصدين قتلي فعلًا" ضحك ساخرًا بينما تفاجأت هي متسآلة "عفوًا؟"
وقف مظهرًا طول قامته الواضحة فتلقائيًا ارجعت عنقها للوراء لكي تتمكن من النظر إلى عينيه وهو يتحدث مبتسمًا بلا مبالاة "للأسف تايهيونغ ليس هُنا لذا تمثيلكِ هذا بلا فائدة، ونصيحة أخيرة عزيزتي بورا إياكِ وأن تفكري بإيذاء تايهيونغ ولو بشعرة صغيرة، توقعي مني ما هو اسوأ وقتها" أنهى كلماته بابتسامةٍ عريضة أغمض بها عينيه الضيقتين "والآن بعد إذنكِ، أريدُ أن أرتاح"
وقفت مُمسكةً بحقيبتها جيدًا تحاول التماسك قدر الإمكان، ازدردت لُعابها قبل أن تسأله "ما الذي تقصده نامجون-شي؟ لما تظن أنني سأؤذيه؟"
وضع يديه في جيبيه وأجابها بسؤال "ولما لا أظن؟"
"أعلمُ أنك تكرهني-" قاطعها "ومن الواضح أنهُ شعورٌ متبادل"
نظرت إليه بصدمة "لماذا تفعلُ هذا بي؟"
"بورا أنا لا أملكُ الوقت لكي أُجيب عن أسئلتكِ" أجابها وهو يضمُ يديه نحو صدره.
اومأت قبل أن تتحدث أخيرًا "وداعًا"
خرجت وأغلقت الباب خلفها لتمشي بعدها والغضب يتفجرُ في مقلتيها "أنت من أعلن الحرب .. كيم نامجون"
-
تسير في الغرفةِ ذهابًا وإيابًا تفكر لا تعرفُ بماذا تردُ على رسالتهِ.
نظرت إلى هاتفها لتقرأ الرسالة مرة أخرى.
 (كيم نامجون//لا تتوتري لقد قلتُ هذا لإنني أقوم بهِ بالفعل - مرفقة بوجه يضحك ويبكي)
ابتسمت وهي تُبعثرُ شعرها "هل أُرسلُ له ضحكة؟ طويلة أم قصيرة؟" جلست على الكرسي وهي تقضم أظفر إبهامها "ماذا عن الوجه الذي أرسله؟ هل أُرسل مثله أفضل؟ لا لا سأُرسل لهُ كلام مرفق مع ضحكة"
وضعت الهاتف على الطاولة المجاورة لها وأركت كوعيها على فخذيها وكفيها يحتضنان فكيها وأطلقت تنهيدة عميقة "ماذا أُرسل؟"
-
دخل يركض إلى المتجر القديم في إحدى أزقة الحي القديم بأنفاسهِ المتقطعة يُنادي "أجاشي لقد أضعتُ هاتفي"
نظر إليه الرجل العجوز الذي يجلسُ خلف الطاولة "أقل ما يُمكنني توقعه من هذا العقل"
"أجاااشي !!" تذمر تايهيونغ ثم أردف منفعلًا "أين هاتفك أريد أن أتصل بهاتفي؟"
أشار الرجل العجوز نحو ذلك الهاتف الأرضي العتيق على الطاولةِ أمامه، زفر تايهيونغ بتذمر "اجاشي ألا يُمكنك اقتناء هاتف محمول بحق الله؟"
"لا أريدُ أن يكونَ سبب موتي السرطان" أجاب وهو ينظر إلى الصحيفة بين يديه.
تقدم تايهيونغ بقلة حيلة ورفع السماعة وحدق بالأزرار بهدوء، نظر إليه الآخر متعجبًا "ما الأمر؟"
"ما هو رقم هاتفي؟" سأل تايهيونغ بنظراتٍ تدلُ فعلًا أنه لا يعرفه.
"ألا تعلم ما هو رقم هاتفك؟"
"عادةً أنا لا أتصلُ بنفسي" أجاب بوضوح.
فتح الرجل الدرج الصغير أسفل الطاولة وأخرج منه دفتر طويل ورفيع ووضعه على الطاولةِ بهدوء "ابحث عنه"
امسك الدفتر وبدأ يبحث عن اسم تايهيونغ لكنه لم يجده "لا يوجد اسمي"
"ابحث عن ڤي"
ضحك تايهيونغ "ألا زلت تدعوني بهذا الاسم؟"
عاد ليبحث ليجد اسمه والرقم بجانبه واخذ يتصل عليه سريعًا، لحظات حتى أجاب أحدهم فانتفض تايهيونغ منفعلًا "لقد رد"
-أجل؟؟
"أنه صوت فتاة" همس تايهيونغ للعجوز وعاد ليجيب.
 -أنا صاحب هذا الهاتف يا آنسة.
-حقًا؟ لقد وجدته جدتي ، كيف اتأكد أنك صاحبه؟
-السيدة العجوز التي كانت في الحافلة صحيح؟ لقد كنتُ أجلسُ بجوارها.
-أيضًا؟
-صوري في الهاتف يُمكنكِ التأكد عندما ترينني.
-ممم حسنًا.
-لكن لا تنظري إليها جميعًا معظمها خاصة بعض الشيء.
-اكتب عندك العنوان لتأتي وتأخذه.
-
كان يجلسُ بين السرير والحائط على الأرض ويضع رأسه في كتابه, رفع رأسه بهدوء بعد لحظات لتظهر دموعه المتناثرة على وجنتيه وعيناه الحمراوين ذابلتين بشدة، أمسك جنبهُ الأيسر يعتصرهُ بين أصابعه وعاد لينظر إلى الكتاب ويقرأ بصوتٍ تخللته البحة.
-
تقدم بخطواتٍ واثقة مترنحة ليس بسبب الثمالة إنما هو فرط الثقة بالنفس، خلع ثيابه ووضع جسده تحت المياه الدافئة دقائق حتى خرج بعدها ليحيط خصره بمنشفةٍ بيضاء قضنية غالية الثمن، وقف أمام مرآة الحمام الكبيرة ونظر إلى جسده، اقترب قليلًا ليُركز نظره على وجهه وأخذ ينظم خصلات شعره السوداء المبللة، تراجع ليخرج من الحمام متجهًا إلى غرفته الواسعة ذات الطراز الشبابي الأنيق، دخل إلى غرفة ثيابه واختار ما يناسبه ثم خرج ليرتديهم وعاد ليرتب شعره ويضع بعض العطر الرجولي لتختلط برائحته المثالية، ابتسم برضى وهو يلقي نظرة أخيرة على نفسه قبل أن يخرج من الغرفة وينزل على درج القصر الفخم، بطّء من سرعته عندما رآها صعدت الدرجة الأولى، ابستم بسخرية وهو يقترب منها "والدتي العزيزة"
"أذاهبٌ للخارج يونجي-شي؟"
تبدلت ملامحه للحدة فجأة واقترب ليحشرها بين ذراعيه على حافة الدرج "كم مرة أخبرتكِ .. أنهُ شوجا، يا عشقية والدي المثيرة"
ازدردت لعابها من شدة قربه منها وحدة ملافظه معها، لم تتمكن من التحدث حتى ابتعد عنها ضاحكًا بنبرة عالية واستمرت بسماعها حتى خرج من القصر وأغلق الباب خلفه.
وضعت يدها على صدرها المضطرب مغمضةً عينيها وهمست"شوجا"
-
كان تايهيونغ يعبث بزجاجات النبيذ المرتبة في الخزانة الكبيرة، يُحاول قرائتها لكن معظمها بالايطالي والفرنسي ولغات غريبة عليه.
"ما بك اليوم؟ أكلُ هذا بسبب هاتفك؟" سأل العجوز وهو يأخذ منه زجاجات النبيذ ويرتبها في أماكنها.
تنهد تايهيونغ وهو يجلس على الكرسي "بورا ونامجون كالزيتِ والنار"
"تلك الفتاة، ألا زلت تراها؟" سأل العجوز.
"أجل ولما لن أراها؟"
"وتُريد منهما أن يصبحا لطيفين مع بعضهما البعض؟"
"أجل .. أنا أتمنى" أعلن بخيبة أمل.
"لا ترغم نامجون على شيء" تحدث الرجل بهدوء.
"لماذا؟ هل أخبرك شيء بخصوصها؟ أتعلم لماذا يكرهها؟" سأل بفضول.
"ألم تتأخر على موعدك مع فتاة الهاتف؟" سأل الرجل وهو ينزل إلى القبو.
"تبًا !! لكنني سأعود لكي تخبرني بكل شي" – "أسمعت؟" تحدث بصوتٍ عالٍ ليسمعه الآخر في القبو.
-
ركنَ شوجا سيارته البورش أسفل الجسر، فالتقط هاتفه واتصل برقم مُسجل باسم xX.
-لقد وصلت، تعال بسرعة لا تتأخر.
أنهى المكالمة ووضع السماعات في أذنيه وأوصلهما مع هاتفه وأخذ يسمعُ موسيقى البوب، أرخى جسده على المقعد مرجعًا رأسه وعينيه مغمضتين.
-
خلع قبعتهُ في منتصف الطريق متأففًا، نظر إلى الساعة حول معصمه "لقد تأخرت دقيقتين، ألا تحترم المواعيد هذه؟"
زفر بضيق وهو ينظر من حوله "كيف سأعرفها؟ هذا هو المكان صحيح؟"
بدأ بالسير حول نفسه، يضعُ القبعة على رأسهِ تارةً ثم يعود لازالتها من جديد، يتوقف للحظات ليضع يديه في جيبي بنطاله قبل أن يعود ليمشي مُمسكًا بحزام حقيبته.
"اللعنة على من لا يحترمُ الوقت، قالت أنهُ حيُّها" هتف بتذمر وهو ينظر إلى ساعتهِ للمرةِ ما بعد العاشرة تقريبًا.
أخرج زجاجة الماء من طرف حقيبته فتحها وأخذ يرتشف القليل منها حتى سَمِع صوت فتاة تُنادي "رجل الهاتف؟"
استدار ليرى صاحبة الصوت تقف خلفه، ازاح طرف الزجاجه عن شفتيه وهو ينظر إلى الفتاة الشقراء بتمعن، ضيّق عينيه يُحاول التذكر ليتحدث أخيرًا "الخادمة الثرية؟"
-
فتحت باب الشقة لتجد بورآ تقف والنيران تشتعل في جسدها، سألتها وهي تدخل بريبة "ماذا حدث؟ لما أنِ غاضلة هكذا؟"
أغلقت سوجين الباب بينما أجابتها بورآ وهي ترتشف بعض الجعة "ذلك الحقير اللعين كان عليّ قتله حتمًا"
"لماذا؟ ماذا فعل؟" سألت سوجين بينما كانت تجلسُ مقابل بورآ لتجيبها الأخرى بصمت دام للحظات وهي تُحدق بنظرات لو كانت النظرات كالقنابل لكانت فجّرت سيؤل كلها حتمًا.
"ماذا حدث؟" شددت سوجين على نبرتها منتظرةً الجواب حتى تحدثت الفتاة أخيرًا "سأُخبرُكِ ما حدث بالتفصيل"
-
"لم أتوقع أننا سنلتقي بعد تلك المرة" أعلنت وهي تُرجع شعرها إلى الوراء مُبتسمة.
نظر من حوله ثم إليها وابتسم "وهل هذا الحيّ يؤكد أنكِ الخادمة الثرية؟"
"نوعًا ما" أجابتهُ متفاديةً النظر إلى عينيه.
"جدتكِ من كانت في الحافلة صحيح؟" سألها ليضيع إحراجها الذي بات واضحًا.
نظرت إليه وأجابته مباشرة "أجل"
"إنها سيدة لطيفة" أعلن مُبتسمًا.
عمّ الصمت بينهما للحظات قبل أن يكسرهُ هو بسؤالهِ "الهاتف؟"
نظرت إليه معلنة "اوه صحيح، لقد رأيتُ بعض الصور لك، يُمكِنُك أخذه" مدت يدها لتسلمه اياه فمد يده هو الآخر ليلتقطه وهو يتحدث "شكرًا لك ..." نظر إليها منتظرًا أن تخبره باسمها، فابتسمت بتلقائية معلنةً "لنقل أنه الخادمة الثرية"
نظف حنجرته وهو يضع الهاتف في جيبه ثم مد يدهُ ليُصافحها مبتسمًا "الخادمة الثرية .. "
"وأنت؟" سألته بينما صافحته.
"لنقل أنهُ ڤي" أجاب مع ابتسامة لطيفة.
-
طرق زجاج السيارة ليلفت انتباه شوجا النائم داخلها، فتح عينيه ليجد ذلك الشاب الأصلع يقف بالخارج يطرق زجاج السيارة، عدّل من جلستهِ مُخفضًا صوت الموسيقى في أذنيه، أنزل زجاج السيارة ونظر باتجاه الرجل الطويل "هل أحضرتها؟"
رفع الرجل يدهُ مُمسكًا بصندوق صغير لونهُ قرمزي مُغطى بالمُخمل، سلمها لشوجا ليفتحها فظهرت البودره البيضاء في داخلها، قربها من أنفه يستنشقها لتتغلل في أعماقه ويغوص معها إلى عالم الشهوات والرغبات.
أغلقه ووضعه في صندوق السيارة وأخد مغلف لونه بني سلمه للرجل، فتحه هو الآخر ليتأكد من العملة الخضراء بداخله، ابتسم برضى ثم غادر بعد أن تحدث بصوتهِ الخشن "يسرنا التعامل معك سيد شوجا"
 أغلق بعدها شوجا زجاج السيارة وانطلق بقيادة سيارته التي تجاوز ثمنها المئة ووالخمسون ألف دولارًا.
-
يُمسِكُ الكِتاب بيده اليُمنى ويضعُ اليُسرى على معدته يشدُ عليها بقوة، يعض على شفتيه بينما تتجمعُ الخطوط بين حاجبيه بكثرة، ازدرد لعابه محاولًا قراءة الكلمات المتحجرة في منتصف حلقه تؤلمه بشدة، وجههُ مصفرٌ بالفعل.
"ستقتلك هذه المرة بالتأكيد .. فقط ركز" تحدث من بين أسنانه، أغمض عينيه وتابع بنبرةٍ مبحوحه "أرجوك"
فتح عينيه مجددًا ينظرٌ إلى الكلمات في الكتاب، وكأن أحدهم يُمسك بقلم رصاص ويظللُ فوق تلك الكلمات يمنعه من الرؤية بوضوح، توالت كلماتها الساخطة وصورتها على مُخيلته تُزيد من ألمه - وكأن هذا الجسد قادر على التحمل أكثر !
وضع الكتاب على الطاولة وشد على قبضتيه بينما كان يقف على ساقيه الهزيلتين، نظر إلى الساعة حول معصمه الأيسر، الثانية عشر منتصف الليل، ازدرد لعابه وهو ينظر إلى باب غرفتهِ ثم همس "إنهُ الحل الوحيد الآن"
-
دخل إلى الملهى حيث الأجواء صاخبة بشكلٍ مزعج، والإضاءة بألوانها المؤذية للعين .. بين ازدحام الناس ورائحة المشروب المُفقدة للأعصاب تُطغي على أجواء المكان .. خطى خطواته متجهًا نحو حمام الرجال، دخل إلى الحجرة وأغلق الباب بإحكام، جلس على المرحاض بعد أن أنزل غطاءه، أخرج كيس صغير من جيبه فيه غرامات قليلة من بودرة الكوكايين، وضع القليل على ظهر كفه وأخذ يستنشقهُ حتى امال رأسه نحو الوراء مغمضًا عينيه .. لدقائق ثَبُتت وضعيته قبل أن يعود ليفتح عينيه مظهرًا تلك النظرات المريبة إلى حدٍ ما .. تميل إلى الجنون، لتبدأ ساعات شوجا المجنون الآن .. بدأ المكان يدور من حولهِ حتى اتزن أخيرًا ليتمكن من الوقوف والخروج ليقف أمام المرآة، نظر إلى نفسهِ جيدًا ثم خرج من الحمام ليبدأ بالسير بين الحشود مترنحًا لكن هذه المرة بسبب فقدان وعيه.
-
اتجهت إلى السرير، فاستلقت عليه وغطت جسدها .. التقطت هاتفها فور اضاءته لتجد منه رسالة.
(كيم نامجون//متى ستخلدين إلى النوم؟)
ابتسمت وهي تكتب (أنا في الفراش الآن)
كان يجلس على الكرسي خلف الطاولة وأمامه يضع الحاسب المحمول مرتديًا ثياب نومه ونظاراته الطبيية حول عينيه، قرأ رسالتها وابتسم تلقائيًا وهو يكتب (تُصبحين على خير .. على يومٍ جديد مُفعم بالحياة والقوة)
أوشك على وضع الهاتف إلا أن رنينه قد منعه، اضاءت شاشة هاتفه باسم تاي فأجاب سريعًا.
-أين أنت؟
كان تايهنغ يجلسُ على الرصيف بحالة مزرية، تحدث بنبرة خافتة.
-هيونغ .. لقد أضعتُ هاتفي اليوم، وعندما استرجعته كان مليء برسائل من بورآ، إن ذهبتُ لعناقها الآن هل سأكون الحقير في نظرك؟
تنهد نامجون بهدوء وهو يستمع لكلام صديقه الذي بدأ بالبكاء.
-أرجوك تقبلها من أجلي، أنا فعلًا أُحبها.
نظف حنجرته قبل أن يتحدث مرغمًا.
-لا بأس بعناقٍ صغير.
ابتسم تايهيونغ وهو يمسحُ دموعه بطفولية.
-أعدك لن يكون كبيرًا أبدًا.
أنهى تايهيونغ المهاتفة ووقف يمشي سريعًا بينما أنزل نامجون الهاتف عن اذنه ووضعه على الطاولة، ثم وقف متجهًا نحو مشغل الموسيقى ووضع اسطوانة ل مغني الأوبرا (أندريا بوتشيللي - Con Te Partirò)
عاد ليجلس على أنغام الموسيقى الإيطالية العريقة أمام حاسوبه لتُظهر شاشته البيضاء التي توسطها عنوان - الحالة الأخيرة.
صاحبت هذه الموسيقى أبطال روايتنا الستة .. بدايتهم كانت مع نامجون الذي عاد ليُكمل الكتابة بعد إنقطاع الإلهام الذي دام لثلاثة سنوات، ثم جاءت بعده جيني مع صوت بوتشيللي الغليظ المُفعم بالدفئ الفخم، التي اختارت لنفسها الطريق الطويل لتبدأ حياة من نقطة الصفر، معه .. هو مرشدها الملائكي.
تايهيونغ الذي يُحب بورآ منذ سنوات، لم يتمكن من العيش بعيدًا عن صوتها .. حضنها المميز ليومٍ واحد، أمام باب شقتها ينتظر بلهفة لتفتح ويأخذها بين ذراعيه بعناقٍ كبير عكس الذي وعد بهِ نامجون .. وها هو أخيرًا يروي شوقه برائحة عطرها المميزة.
وليسا التي لا نعلمُ بعد ما قصتها .. تلك الخادمة الثرية.
بوتشيللي لم ينسى أبدًا شوجا وجيمين الذي كلٌّ منهما يُعاني بطريقة مختلفة، الأول يترنحُ في شوارع سيؤل المظلمة مُمسكًا بيده زُجاجة فودكا من العيار الثقيل، والآخر يُحاول تسلق سور المدرسة وهو يعتصر جسده من شدة الألم ..

 وحتى الآن لا نعلم أيهما أشدُ قسوةً .. الألم الجسدي أم النفسي ؟
ولكننا على يقين أن أحدهما لا بد لهُ من أن يقتل صاحبه في نهاية المطاف.



يتبع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق